مجموع الفتاوى/المجلد التاسع عشر/فصل في خمس الغنيمة وتقسيمه


فصل في خمس الغنيمة وتقسيمه

عدل

وقد قال الله تعالى في آية الخمس: { فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } 1 ؛ ومثل ذلك في آية الفيء. وقال في آية الصدقات: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } الآية 2، فأطلق الله ذكر الأصناف، وليس في اللفظ ما يدل على التسوية، بل على خلافها، فمن أوجب باللفظ التسوية فقد قال ما يخالف الكتاب والسنة، ألا ترى أن الله لما قال: { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } 3، وقال تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } 4، وقال تعالى: { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ } 5، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } 6، وقال تعالى: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } 7، وأمثال ذلك، لم تكن التسوية في شيء من هذه المواضع واجبة، بل ولا مستحبة في أكثر هذه المواضع. سواء كان الإعطاء واجبًا أو مستحبًا، بل بحسب المصلحة.

ونحن إذا قلنا في الهَدْي والأُضْحية: يستحب أن يأكل ثلثًا ويتصدق بثلث، فإنما ذلك إذا لم يكن هناك سبب يوجب التفضيل، وإلا فلو قدر كثرة الفقراء لاستحببنا الصدقة بأكثر من الثلث، وكذلك إذا قدر كثرة من يهدى إليه على الفقراء، وكذلك الأكل، فحيث كان الأخذ بالحاجة أو المنفعة كان الاعتبار بالحاجة والمنفعة بحسب ما يقع، بخلاف المواريث فإنها قسمت بالأنساب التي لا يختلف فيها أهلها، فإن اسم الابن يتناول الكبير والصغير والقوى والضعيف، ولم يكن الأخذ لا لحاجته ولا لمنفعته، بل لمجرد نَسَبه؛ فلهذا سوى فيها بين الجنس الواحد.

وأما هذه المواضع، فالأخذ فيها بالحاجة والمنفعة، فلا يجوز أن تكون التسوية بين الأصناف لا واجبة ولا مستحبة، بل العطاء بحسب الحاجة والمنفعة، كما كان أصل الاستحقاق معلقًا بذلك، والواو تقتضى التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم المذكور، والمذكور أنه لا يستحق الصدقة إلا هؤلاء، فيشتركون في أنها حلال لهم، وليس إذا اشتركوا في الحكم المذكور وهو مطلق الْحِل يشتركون في التسوية، فإن اللفظ لا يدل على هذا بحال.

ومثله يقال في كلام الوَاقِفِ والموصِي، وكان بعض الواقفين قد وقف على المدرس والمعيد والقَيِّم والفقهاء والمتفقهة، وجرى الكلام في ذلك فقلنا: يعطى بحسب المصلحة، فطلب المدرس الخمس بناء على هذا الظن؛ فقيل له: فأعطى القيم أيضا الخمس؛ لأنه نظير المدرس، فظهر بطلان حجته.

آخره والحمد لله رب العالمين.


هامش

  1. [الأنفال: 41]
  2. [التوبة: 60]
  3. [البقرة: 177]
  4. [الإسراء: 26]
  5. [النساء: 8]
  6. [المعارج: 24، 25]
  7. [الحج: 36]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد التاسع عشر - أصول الفقه
فصل الكتاب والسنة والإجماع واجبة الاتباع | فصل في عموم رسالة الرسول للثقلين | فصل في استعمال الدعوة إلى الله مع الجن | فصل في تصور الشيطان في صورة المدعو المستغاث به | فصل في الذب عن المظلوم ونصرته | فصل في جواز أن يكتب للمصاب شيئا من كتاب الله ويغسل به ويسقى | فصل في الاكتفاء بالرسالة والاستغناء بالنبي عن اتباع ما سواه | فصل في أول البدع ظهورا في الإسلام | أصل جامع في الاعتصام بكتاب الله ووجوب اتباعه | فصل في الأمر باتباع الكتاب والحكمة | قاعدة نافعة في وجوب الاعتصام بالرسالة | فصل في أن الرسالة ضرورية لإصلاح العبد في معاشه ومعاده | فصل في توحد الملة وتعدد الشرائع | فصل في قوله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون | فصل في الأمر بالاجتماع والنهي عن التفرق والاختلاف | فصل فيما تنازع فيه العلماء | قاعدة في العلوم والاعتقادات | فصل في غلط من قال أن الحقائق تابعة للعقائد | فصل ما لا تؤثر فيه الاعتقادات | فصل في تأثير الاعتقادات في رفع العذاب | فصل في تأثير الاعتقادات في الأدلة الشرعية | فصل مذاهب الأئمة تؤخذ من أقوالهم | معارج الوصول | فصل في أن الرسول بين جميع أصول الدين وفروعه | فصل في العمليات أو الفروع | قاعدة في تصويب المجتهدين وتخطئتهم | فصل في العلوم الشرعية والعقلية | فصل في حدود الأسماء التي علق الله بها الأحكام | فصل في اسم الحيض | فصل في المسح على الخفين | فصل في القصر والفطر في السفر | فصل في مقادير الدراهم والدنانير والمكاييل | فصل في مقدار الإطعام شرعا | فصل في الاستبراء | فصل في العاقلة ومقدار ما تحمله من الدية | فصل في خمس الغنيمة وتقسيمه | فصل في التقليد الذي حرمه الله ورسوله | سئل عمن يقول أن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة | فصل أحوال العبد في العبادات المأمور بها | فصل في اسم الشريعة والشرع والسنة