مجموع الفتاوى/المجلد الثامن/فصل احتجاجهم بحديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة


فصل احتجاجهم بحديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة

عدل

وأما قول القائل: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ واحتجاجه بالحديث المذكور.

فيقال له: لا ريب أن الكتاب والسنة فيهما وعد ووعيد، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} 1، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرًا} 2، ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة، والعبد عليه أن يصدق بهذا وبهذا، لا يؤمن ببعض ويكفر ببعض، فهؤلاء المشركون أرادوا أن يصدقوا بالوعد، ويكذبوا بالوعيد.

والحرورية والمعتزلة: أرادوا أن يصدقوا بالوعيد دون الوعد، وكلاهما أخطأ، والذي عليه أهل السنة والجماعة، الإيمان بالوعد والوعيد، فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب، قد بين سبحانه أنه بشروط: بألا يتوب، فإن تاب تاب الله عليه، وبألا يكون له حسنات تمحو ذنوبه، فإن الحسنات يذهبن السيئات وبألا يشاء الله أن يغفر له ف {إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 3، فهكذا الوعد له تفسير وبيان، فمن قال بلسانه: لا إله إلا الله، وكذب الرسول، فهو كافر باتفاق المسلمين، وكذلك إن جحد شيئًا مما أنزل الله.

فلابد من الإيمان بكل ما جاء به الرسول، ثم إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فإن ارتد عن الإسلام ومات مرتدًا، كان في النار، فالسيئات تحبطها التوبة، والحسنات تحبطها الردة، ومن كان له حسنات وسيئات، فإن الله لا يظلمه، بل من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره، والله تعالى قد يتفضل عليه، ويحسن إليه بمغفرته ورحمته.

ومن مات على الإيمان فإنه لا يخلد في النار، فالزاني والسارق لا يخلد في النار، بل لابد أن يدخل الجنة، فإن النار يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وهؤلاء المسؤول عنهم يسمون: القدرية المباحية المشركين، وقد جاء في ذمهم من الآثار ما يضيق عنه هذا المكان، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.


هامش

  1. [النساء: 10]
  2. [النساء: 29، 30]
  3. [النساء: 48]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الثامن
كتاب القدر | فصل في قدرة الرب عز وجل | سئل عن تفصيل الإرادة والإذن وغير ذلك | سئل عن أقوام يقولون المشيئة مشيئة الله في الماضي والمستقبل | سئل عن جماعة اختلفوا في قضاء الله وقدره | سئل عن حديث: إن الله قبض قبضتين | سئل عن الباري سبحانه هل يضل ويهدي | سئل عن حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام | تابع مسألة حسن إرادة الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأنام | سئل هل أراد الله تعالى المعصية من خلقه | سئل عن قول علي: لا يرجون عبد إلا ربه | سئل عن قوله تعالى: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون | فصل في اللام التي في قوله: ليعبدون | فصل فيما ورد من الأخبار والآيات في الرضا بقضاء الله | فصل في قوله تعالى: ادعوني أستجب لكم | سئل عن الأقضية هل هي مقتضية للحكمة أم لا | سئل عن الأقضية هل هي مقتضية للحكمة | قوله في الفروق التي يتبين بها كون الحسنة من الله والسيئة من النفس | سئل عمن يعتقد أن الخير من الله والشر من الشيطان | سئل عن الخير والشر والقدر الكوني، والأمر والنهي الشرعي | قوله في معنى قول علي: إنما أنفسنا بأيديينا | سئل عن القصيدة التائية في القدر | فصل في أصناف القدرية | سئل عن أقوام يحتجون بسابق القدر | فصل احتجاجهم بقوله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى | فصل قول القائل: ما لنا في جميع أفعالنا قدرة | فصل قول القائل: الزنا وغيره من المعاصي مكتوب علينا | فصل من قال: إن آدم ما عصى فهو مكذب للقرآن | فصل احتجاجهم بحديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة | سئل عن قوم قد خصوا بالسعادة وقوم قد خصوا بالشقاوة | لو لم يأت العبد بالعمل هل كان المكتوب يتغير | فصل تكليف ما لا يطاق | فصل في قوله فحج آدم موسى لما احتج عليه بالقدر | فصل الصواب في قصة آدم وموسى | فصل آدم حج موسى لما قصد موسى أن يلوم من كان سببا في مصيبتهم | فصل الذين يسلكون إلى الله محض الإرادة والمحبة والدنو | فصل في استطاعة العبد هل هي مع فعله أم قبله | فصل في السؤال عن تعليل أفعال الله | فصل في دعاء: اللهم بقدرتك التي قدرت بها | سئل عن أفعال العبد الاختيارية | سئل عن أفعال العباد هل هي قديمة أم مخلوقة حين خلق الإنسان | فصل الاستثناء في الماضي المعلوم المتيقن | فصل مسألة تحسين العقل وتقبيحه | سئل عن العبد هل يقدر أن يفعل الطاعة إذا أراد أم لا | سئل عن أبيات في الجبر | فصل السلف على أن العباد مأمورون منهيون | فصل أن العباد لهم مشيئة وقدرة وفعل | فصل في إثبات الأمر والنهي والوعد والوعيد لله | فصل قول القائل كيف يكون العبد مختارا لأفعاله وهو مجبور عليها | فصل قول الناظم السائل لأنهم قد صرحوا أنه على الإرادات لمقسور | قول السائل ولم يكن فاعل أفعاله حقيقة والحكم مشهور | قول السائل ومن هنا لم يكن للفعل في ما يلحق الفاعل تأثير | فصل قوله تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله | قول السائل وكل شيء ثم لو سلمت لم يك للخالق تقدير | قول السائل أو كان فاللازم من كونه حدوثه والقول مهجور | قول السائل ولا يقال علم الله ما يختار فالمختار مسطور | قول السائل والجبر إن صح يكن مكرها وعندك المكره معذور | سئل عن المقتول هل مات بأجله أم قطع القاتل أجله | سئل عن الغلاء والرخص هل هما من الله تعالى | سئل عما قاله أبو حامد الغزالي في الرزق المضمون والمقسوم | فصل من السالكين طريق الله من يكون مع قيامه بما أمره الله عاجزا عن الكسب | فصل قول القائل: إن الأنبياء والأولياء لم يطلبوا رزقا | سئل عن الرزق هل يزيد أو ينقص وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد | فصل والرزق يراد به شيئان | سئل عن الرجل إذا قطع الطريق وسرق هل هو رزقه الذي ضمنه الله تعالى له | سئل عن الخمر والحرام هل هو رزق الله للجهال | سئل عن قول: نازعت أقدار الحق بالحق للحق | سئل عن قول: أبرأ من الحول والقوة إلا إليه