مجموع الفتاوى/المجلد الثاني/فصل: وجاء في أولياء الله الذين هم المتقون نوع من هذا



فصل: وجاء في أولياء الله الذين هم المتقون نوع من هذا عدل

وجاء في أولياء الله الذين هم المتقون نوع من هذا: فروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي : (يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه).

فأول ما في الحديث قوله: (من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة) فجعل معاداة عبده الولي معاداة له، فعين عدوه عين عدو عبده، وعين معاداة وليه عين معاداته، ليسا هما شيئين متميزين، ولكن ليس الله هو عين عبده، ولا جهة عداوة عبده عين جهة عداوة نفسه، وإنما اتفقا في النوع.

ثم قال: (فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ويده ورجله) وفي رواية في غير الصحيح: (فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي) فقوله: (بي يسمع وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي) بين معنى قوله: (كنت سمعه وبصره ويده ورجله) لا أنه يكون نفس الحَدَقَة والشحْمَة والعَصَب والقدم، وإنما يبقى هو المقصود بهذه الأعضاء والقوى وهو بمنزلتها في ذلك، فإن العبد بحسب أعضائه وقواه يكون إدراكه وحركته، فإذا كان إدراكه وحركته بالحق، ليس بمعنى خلق الإدراك والحركة، فإن هذا قدر مشترك فيمن يحبه وفيمن لا يحبه، وإنما للمحبوب الحق من الحق من هذه الإعانة بقدر ما له من المعية والربوبية والإلهية، فإن كل واحدة من هذه الأمور عامة وخاصة.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي : (يقول الله تعالى: عبدي، مرضت فلم تَعُدْنِي، فيقول: رب، كيف أعودك وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض؟ فلو عدته لوجدتني عنده، عبدي، جُعْتُ فلم تُطْعِمْنِي. فيقول: رب، كيف أطعمك، وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا جاع؟ فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي) ففي هذا الحديث ذكر المعنيين الحقين، ونفى المعنيين الباطلين، وفسرهما.

فقوله: (جعت ومرضت) لفظ اتحاد يثبت الحق.

وقوله: (لوجدتني عنده، ووجدت ذلك عندي) نفي للاتحاد العيني بنفي الباطل، وإثبات لتمييز الرب عن العبد.

وقوله: (لوجدتني عنده) لفظ ظرف، وبكل يثبت المعنى الحق من الحلول الحق، الذي هو بالإيمان لا بالذات.

ويفسر قوله: (مرضت فلم تعدني) فلو كان الرب عين المريض والجائع، لكان إذا عاده وإذا أطعمه يكون قد وجده إياه، وقد وجده قد أكله.

وفي قوله في المريض: (وجدتني عنده) وفي الجائع: (لوجدت ذلك عندي) فُرْقَان حسن، فإن المريض الذي تستحب عيادته ويجد الله عنده هو المؤمن بربه، الموافق لإلهه الذي هو وليه، وأما الطاعم فقد يكون فيه عموم لكل جائع يستحب إطعامه، فإن الله يقول: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} 1. فَمَن تصدق بصدقة واجبة أو مستحبة، فقد أقرض الله سبحانه بما أعطاه لعبده.

وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يأخذها بيمينه فيُرَبِّيها كما يُرَبِّي أحدكم فَلُوَّه، أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل العظيم)، وقال: (إن الصدقة لتقع بيد الحق قبل أن تقع بيد السائل)

لكن الأشبه: أن هذا العبد المذكور في الجوع هو المذكور في المرض، وهو العبد الولي الذي فيه نوع اتحاد، وإن كان الله يثيب على طعام الفاسق والذمي.

ونظير القرض النصر، في مثل قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} 2، وقوله: {آمَنُوا إِن تَنصُرُوا الله يَنصُرْكُمْ} 3 ونحو ذلك، لكن النصر فيه معنى، لكن لا يقال في مثله: جعت.

فقد ذكر الله في القرآن القرض والنصر وجعله له، هذا في الرزق، وهذا في النصر، وجاء في الحديث العيادة، وهذه الثلاثة هي المذكورة في قوله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} 4، وقوله: {مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ} 5، وإنما في الحديث أمر البأساء والضراء فقط، لأن ذلك ينفرد به الواحد المخاطب بقوله: (عبدي، مرضت وجعت) فلذلك عاتبه.

وأما النصر، فيحتاج في العادة إلى عدد، فلا يعتب فيه على أحد معين غالبًا، أو المقصود بالحديث التنبيه، وفي القرآن النصر والرزق، وليس فيه العيادة؛ لأن النصر والقرض فيه عموم لا يختص بشخص دون شخص.

وأما العيادة، فإنما تكون لمن يجد الحق عنده.


هامش عدل

  1. [البقرة: 245]
  2. [الحديد: 25]
  3. [محمد: 7]
  4. [البقرة: 177]
  5. [البقرة: 214]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الثاني
توحيد الربوبية | قاعدة أولية: أصل العلم الإلهي ومبدأه عند الرسول والذين آمنوا | في تمهيد الأوائل وتقرير الدلائل ببيان أصل العلم والإيمان | قد تكلم طائفة من المتكلمة والمتفلسفة والمتصوفة في قيام الممكنات بالواجب القديم | ثم يقال هذا أيضا يقتضي | أصل الإثبات والنفي والحب والبغض هو شعور نفسي | الإيمان هو أصل السعادة وهو قول القلب وعمله | إن المنحرفين المشابهين للصابئة | تفرق الناس في هذا المقام الذي هو غاية مطالب العباد | حقيقة مذهب الاتحادية | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد | الذي يدعي النبوة ويبيح الفاحشة اللوطية ويحرم النكاح فإنه من الكافرين وأخبث المرتدين | وسئل: عن كتاب فصوص الحكم | السلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا إنه في كل مكان | حكم الاتحادية ومن اعتذر عنهم | تصور مذهبهم كاف في فساده | حقيقة قول هؤلاء أن وجود الكائنات هو عين وجود الله | بنوا أصلهم على ثلاث مقالات | في قولهم إن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه | فيما خالف فيه الصدر الرومي ابن عربي | أما التلمساني ونحوه فلا يفرق بين ماهية ووجود | هذه المقالات لا أعرفها لأحد من أمة قبل هؤلاء | مذهب هؤلاء الاتحادية مركب من ثلاث مواد | هذا أكفر من قول النصارى من وجوه | الوجه الأول | الثاني | الثالث | الرابع | الخامس | السادس | السابع | الثامن | التاسع | العاشر | الحادي عشر | ما حكي أن العالم بمجموعه حدقة عين الله هو عين الكفر وذلك من وجوه | في ذكر بعض ألفاظ ابن عربي التي تبين مذهبه | حقيقة قوله وسر مذهب ابن عربي | اتفق المسلمون على أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك | في بعض ما يظهر به كفرهم وفساد قولهم وذلك من وجوه | أحدها | الثاني | الثالث | الرابع | الخامس | السادس | السابع | الأصول التي يعتمدها الاتحادية | زعمت طائفة من هؤلاء الاتحادية أن فرعون كان مؤمنا | سئل عن أعمال تشتمل على الحلول والاتحاد | أما ما ذكره من قول ابن إسرائيل الأمر أمران | ما ذكره من قول ابن إسرائيل الأمر أمران | قول القائل: التوحيد لا لسان له والألسنة كلها لسانه | سئل عن كتاب فصوص الحكم | أفعال العباد مفعولة مخلوقة لله | فيما عليه أهل العلم والإيمان من الأولين والأخرين | أن المؤمن لا بد أن يقوم بقلبه من معرفة الله والمحبة له | ما يشبه الاتحاد | جاء في أولياء الله الذين هم المتقون نوع من هذا | فهذان المعنيان صحيحان ثابتان | قد يقع بعض من غلب عليه الحال في نوع من الحلول أو الاتحاد | فإذا عرف الاتحاد المعين مما يشبه الحلول أو الاتحاد | في الغلط في ذلك | كما يشهد ربوبيته وتدبيره العالم المحيط وحكمته ورحمته فكذلك يشهد إلهيته العامة | فهذا فيما يشبه الاتحاد أو الحلول في معين | وأما كفرهم بالمعبود فإذا كان لهم في بعض المخلوقات هوى | أما اتحاد ذات العبد بذات الرب بل اتحاد ذات عبد بذات عبد | نفي كونه سبحانه والدا لشيء أو متخذا لشيء ولدا | الملاحدة لا يقتصرون في كفرهم بالله على أنه ولد شيئا أو اتخذ ولدا | رسالة شيخ الإسلام إلى نصر المنبجي | سئل عن الحلاج وفيمن قال أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج | الرد على من قال إن الحلاج من أولياء الله | سئل عمن يقول إن ما ثم إلا الله | سئل عن حديث فإن الله هو الدهر فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية