مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/فصل في قول القائل إن الله يرضى لرضا المشائخ ويغضب لغضبهم


فصل في قول القائل إن الله يرضى لرضا المشائخ ويغضب لغضبهم

عدل

وأما قول القائل: إن الله يرضى لرضا المشائخ، ويغضب لغضبهم.

فهذا الحكم ليس هو لجميع المشائخ، ولا مختص بالمشائخ، بل كل من كان موافقًا لله يرضى ما يرضاه الله، ويسخط ما يسخط الله كان الله، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، من المشائخ وغيرهم، ومن لم يكن كذلك من المشائخ، لم يكن من أهل هذه الصفة، ومنه قول النبي لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان قد جرى بينه وبين صهيب وخباب وبلال وغيرهم كلام في أبي سفيان بن حرب؛ فإنه مر بهم فقالوا: ما أخذت السيوف من عدو الله مأخذها. فقال: أتقولون هذا لكبير قريش؟ ودخل على النبي فأخبره، فقال: «لعلك أغضبتهم يا أبا بكر، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك» أو كما قال. قال: فخرج عليهم أبو بكر فقال لهم: يا إخواني، أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أبا بكر، فهؤلاء كان غضبهم لله.

وفي صحيح البخاري عن النبي قال: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه».

فهذا المؤمن الذي تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض أحبه الله لأنه فعل ما أحبه الله، والجزاء من جنس العمل. قال الله تعالى: { رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } 1، وفي الحقيقة فالعبد الذي يرضى الله لرضاه، ويغضب لغضبه، هو يرضى لرضا الله، ويغضب لغضب الله وليكن هذان مثالان: فمن أحب ما أحب الله، وأبغض ما أبغض الله، ورضى ما رضى الله لما يرضى الله، ويغضب لما يغضب، لكن هذا لا يكون للبشر على سبيل الدوام، بل لابد لأكمل الخلق أن يغضب أحيانًا غضب البشر، ويرضى رضا البشر.

ولهذا قال النبي في الحديث الصحيح: «اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما مسلم سببته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه إليك يوم القيامة»، وقول النبي لأبي بكر: «لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك» في قضية معينة، لكون غضبه لأجل أبي سفيان وهم كانوا يغضبون لله، وإلا فأبو بكر أفضل من ذلك، وبالجملة فالشيوخ والملوك وغيرهم إذا أمروا بطاعة الله ورسوله أطيعوا، وإن أمروا بخلاف ذلك لم يطاعوا، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وليس أحد معصومًا إلا رسول الله ، وهذا في الشيخ الذي ثبت معرفته بالدين وعمله به.

وأما من كان مبتدعًا بدعة ظاهرة، أو فاجرًا فجورًا ظاهرًا. فهذا إلى أن تنكر عليه بدعته وفجوره، أحوج منه إلى أن يطاع فيما يأمر به، لكن إن أمر هو أوغيره بما أمر الله به ورسوله، وجبت طاعة الله ورسوله، فإن طاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، في كل حال، ولو كان الآمر بها كائنا من كان.


هامش

  1. [المائدة: 119]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الحادي عشر - الآداب والتصوف
سئل شيخ الإسلام عن الصوفية | سئل في رجل يقول إن الفقر لم نتعبد به | سئل شيخ الإسلام عن أهل الصفة | فصل في حال أهل الصفة | فصل فيمن قال إن أحدا من الصحابة أهل الصفة أو غيرهم أو التابعين أو تابعي التابعين قاتل مع الكفار | فصل في تخطئة من فضل أهل الصفة على العشرة وغيرهم | فصل في حكم سماع المكاء والتصدية | فصل في تفسير قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي | فصل في الحديث المروي ما من جماعة يجتمعون إلا وفيهم ولي لله | فصل في من هم أولياء الله | فصل في الفقراء | سئل عن قوم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى باب أهل الصفة فاستأذن | سئل رحمه الله عن قوم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث لا سند لهم بها | سئل عن الفتوة المصطلح عليها إلخ | سئل عن جماعة يجتمعون في مجلس ويلبسون لشخص منهم لباس الفتوة | فصل في الشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة | فصل في معنى لفظ الفتى | فصل في بشرية النبي | فصل في المؤاخاة | فصل عن الشيخ عدي بن مسافر بن صخر | سئل هل تخلل أبو بكر بالعباءة وتخللت الملائكة لأجله بالعباءة أو لا | سئل عن معنى قول حب الدنيا رأس كل خطيئة فهل هي من جهة المعاصي أو من جهة جمع المال | سئل عما يذكر من قولهم اتخذوا مع الفقير أيادي فإن لهم دولة وأي دولة | فصل قول القائل نحن في بركة فلان أو من وقت حلوله عندنا حلت البركة | سئل عن رجل متصوف تكلم عن الفقر | سئل عمن قال إن الفقير والغني لا يفضل أحدهما صاحبه إلا بالتقوى | فصل أيهما أفضل الفقير الصابرأو الغني الشاكر | سئل عن الحمد والشكر ما حقيقتهما هل هما معنى واحد أو معنيان | تلخيص مناظرة في الحمد والشكر | العلاقة بين الحمد والشكر | الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان | قاعدة شريفة في المعجزات والكرامات | فصل في الأمور الخارقة | فصل في كلمات الله تعالى | فصل في العلم بالكائنات | فصل في تكلم طائفة من الصوفية في خاتم الأولياء | كلام مردود للحكيم الترمذي في كتاب ختم الولاية | فصل في قول القاضي أبو يعلى في عيون المسائل | سئل أيهما أولى معالجة ما يكره الله من القلب أو الاشتغال بالأعمال الظاهرة | سئل هل قال النبي صلى الله عليه وسلم زدني فيك تحيرا | سئل عن رجل يحب رجلا عالما فإذا التقيا ثم افترقا حصل لذلك الرجل شبه الغشى | سئل ما الحكمة أن المشتغلين بالذكر يفتح عليهم من الكشوفات والكرامات | سئل الشيخ رحمه الله عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا | سئل شيخ الإسلام عن الحديث المروي في الأبدال هل هو صحيح أو مقطوع | ما قاله عن البطائحية | موقفه من الذين يصرون على الابتداع في الدين | سئل عن المرشدة كيف كان أصلها وتأليفها | سئل عن رجل تخاطب هو وإنسان على من قرأ المرشدة | سئل عن قوم منتسبين إلى المشائخ | فصل في ذكر غلوهم في الشيوخ | فصل في فساد الأولاد | فصل في النذر للموتى من الأنبياء والمشائخ وغيرهم | فصل في مؤاخاة الرجال النساء الأجانب | فصل في الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشائخ والملوك وغيرهم | فصل في قول القائل لمن أنكر عليه أنت شرعي | فصل في كون الأمر بالمعروف هو الحق الذي بعث الله به رسوله | فصل في لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشائخ المريدين | فصل في قول القائل أنت للشيخ فلان وهو شيخك في الدنيا والآخرة | فصل في قول القائل إن الله يرضى لرضا المشائخ ويغضب لغضبهم | فصل في قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد | سئل شيخ الإسلام عما أحدثه الفقراء المجردون | ما تقول السادة الأعلام في صفة سماع الصالحين | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن السماع | سئل عمن قال إن السماع على الناس حرام وعلي حلال هل يفسق في ذلك أو لا | سئل عن أقوام يرقصون على الغناء بالدف | سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص | سئل عن الذين يعملون النار والإشارات | سئل عن رجل فلاح لم يعلم دينه ولا صلاته | سئل عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل | سئل شيخ الإسلام عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر | فصل في متابعة الكلام في المكاشفات والمشاهدات | فصل في الكون يقظة ومناما | سئل عمن يقول إن بعض المشائخ إذا أقام السماع يحضره رجال الغيب | سئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار | سئل عن الذنوب الكبائر المذكورة في القرآن | سئل رضي الله عنه عن شرب الخمر وفعل الفاحشة | سئل الشيخ عن رجل مدمن على المحرمات | فصل في كل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه | فصل في أن التوبة والاستغفار يكون من ترك الواجبات وفعل المحرمات | فصل في المقصود أن الاستغفار والتوبة يكونان من كلا النوعين | فصل في إخبار الله تعالى عن قبح أعمال الكفار قبل أن يأتيهم الرسول | فصل في أمر الله الناس أن يتوبوا ويستغفروا مما فعلوه | فصل فيما يستغفر ويتاب منه | سئل عن قوله ما أصر من استغفر | سئل عن اليهودي أو النصراني إذا أسلم هل يبقى عليه ذنب بعد الإسلام