مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/فصل في لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشائخ المريدين


فصل في لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشائخ المريدين عدل

وأما لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشائخ المريدين، فهذه ليس لها أصل يدل عليها الدلالة المعتبرة من جهة الكتاب والسنة، ولا كان المشائخ المتقدمون وأكثر المتأخرين يلبسونها المريدين. ولكن طائفة من المتأخرين رأوا ذلك واستحبوه، وقد استدل بعضهم بأن النبي ألبس أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ثوبًا، وقال لها: سنا، والسنا بلسان الحبشة الحسن. وكانت قد ولدت بأرض الحبشة، فلهذا خاطبها بذلك اللسان، واستدلوا أيضا بحديث البردة التي نسجتها امرأة للنبي . فسأله إياها بعض الصحابة فأعطاه إياها وقال: «أردت أن تكون كفنًا لي».

وليس في هذين الحديثين دليل على الوجه الذي يفعلونه، فإن إعطاء الرجل لغيره ما يلبسه كإعطائه إياه ما ينفعه، وأخذ ثوب من النبي على وجه البركة كأخذ شعره على وجه البركة، وليس هذا كلباس ثوب أو قلنسوة على وجه المتابعة والاقتداء، ولكن يشبه من بعض الوجوه خلع الملوك التي يخلعونها على من يولونه كأنها شعار وعلامة على الولاية والكرامة ولهذا يسمونها تشريفًا، وهذا ونحوه غايته أن يجعل من جنس المباحات فإن اقترن به نية صالحة كان حسنًا من هذه الجهة، وأما جعل ذلك سنة وطريقًا إلى الله سبحانه وتعالى فليس الأمر كذلك.

وأما انتساب الطائفة إلى شيخ معين: فلا ريب أن الناس يحتاجون من يتلقون عنه الإيمان والقرآن. كما تلقى الصحابة ذلك عن النبي ، وتلقاه عنهم التابعون؛ وبذلك يحصل اتباع السابقين الأولين بإحسان، فكما أن المرأ له من يعلمه القرآن ونحوه، فكذلك له من يعلمه الدين الباطن والظاهر، ولا يتعين ذلك في شخص معين، ولا يحتاج الإنسان في ذلك أن ينتسب إلى شيخ معين، كل من أفاد غيره إفادة دينية هو شيخه فيها، وكل ميت وصل إلى الإنسان من أقواله وأعماله وآثاره ما انتفع به في دينه فهو شيخه من هذه الجهة، فسلف الأمة شيوخ الخلفاء قرنًا بعد قرن، وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته، ويعادي على ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان، ومن عرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم، ولا يخص أحدًا بمزيد موالاة، إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه، فيقدم من قدم الله تعالى ورسوله عليه، ويفضل من فضله الله ورسوله، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } 1.

وقال النبي : «لافضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى».


هامش

  1. [الحجرات: 13]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الحادي عشر - الآداب والتصوف
سئل شيخ الإسلام عن الصوفية | سئل في رجل يقول إن الفقر لم نتعبد به | سئل شيخ الإسلام عن أهل الصفة | فصل في حال أهل الصفة | فصل فيمن قال إن أحدا من الصحابة أهل الصفة أو غيرهم أو التابعين أو تابعي التابعين قاتل مع الكفار | فصل في تخطئة من فضل أهل الصفة على العشرة وغيرهم | فصل في حكم سماع المكاء والتصدية | فصل في تفسير قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي | فصل في الحديث المروي ما من جماعة يجتمعون إلا وفيهم ولي لله | فصل في من هم أولياء الله | فصل في الفقراء | سئل عن قوم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى باب أهل الصفة فاستأذن | سئل رحمه الله عن قوم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث لا سند لهم بها | سئل عن الفتوة المصطلح عليها إلخ | سئل عن جماعة يجتمعون في مجلس ويلبسون لشخص منهم لباس الفتوة | فصل في الشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة | فصل في معنى لفظ الفتى | فصل في بشرية النبي | فصل في المؤاخاة | فصل عن الشيخ عدي بن مسافر بن صخر | سئل هل تخلل أبو بكر بالعباءة وتخللت الملائكة لأجله بالعباءة أو لا | سئل عن معنى قول حب الدنيا رأس كل خطيئة فهل هي من جهة المعاصي أو من جهة جمع المال | سئل عما يذكر من قولهم اتخذوا مع الفقير أيادي فإن لهم دولة وأي دولة | فصل قول القائل نحن في بركة فلان أو من وقت حلوله عندنا حلت البركة | سئل عن رجل متصوف تكلم عن الفقر | سئل عمن قال إن الفقير والغني لا يفضل أحدهما صاحبه إلا بالتقوى | فصل أيهما أفضل الفقير الصابرأو الغني الشاكر | سئل عن الحمد والشكر ما حقيقتهما هل هما معنى واحد أو معنيان | تلخيص مناظرة في الحمد والشكر | العلاقة بين الحمد والشكر | الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان | قاعدة شريفة في المعجزات والكرامات | فصل في الأمور الخارقة | فصل في كلمات الله تعالى | فصل في العلم بالكائنات | فصل في تكلم طائفة من الصوفية في خاتم الأولياء | كلام مردود للحكيم الترمذي في كتاب ختم الولاية | فصل في قول القاضي أبو يعلى في عيون المسائل | سئل أيهما أولى معالجة ما يكره الله من القلب أو الاشتغال بالأعمال الظاهرة | سئل هل قال النبي صلى الله عليه وسلم زدني فيك تحيرا | سئل عن رجل يحب رجلا عالما فإذا التقيا ثم افترقا حصل لذلك الرجل شبه الغشى | سئل ما الحكمة أن المشتغلين بالذكر يفتح عليهم من الكشوفات والكرامات | سئل الشيخ رحمه الله عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا | سئل شيخ الإسلام عن الحديث المروي في الأبدال هل هو صحيح أو مقطوع | ما قاله عن البطائحية | موقفه من الذين يصرون على الابتداع في الدين | سئل عن المرشدة كيف كان أصلها وتأليفها | سئل عن رجل تخاطب هو وإنسان على من قرأ المرشدة | سئل عن قوم منتسبين إلى المشائخ | فصل في ذكر غلوهم في الشيوخ | فصل في فساد الأولاد | فصل في النذر للموتى من الأنبياء والمشائخ وغيرهم | فصل في مؤاخاة الرجال النساء الأجانب | فصل في الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشائخ والملوك وغيرهم | فصل في قول القائل لمن أنكر عليه أنت شرعي | فصل في كون الأمر بالمعروف هو الحق الذي بعث الله به رسوله | فصل في لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشائخ المريدين | فصل في قول القائل أنت للشيخ فلان وهو شيخك في الدنيا والآخرة | فصل في قول القائل إن الله يرضى لرضا المشائخ ويغضب لغضبهم | فصل في قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد | سئل شيخ الإسلام عما أحدثه الفقراء المجردون | ما تقول السادة الأعلام في صفة سماع الصالحين | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن السماع | سئل عمن قال إن السماع على الناس حرام وعلي حلال هل يفسق في ذلك أو لا | سئل عن أقوام يرقصون على الغناء بالدف | سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص | سئل عن الذين يعملون النار والإشارات | سئل عن رجل فلاح لم يعلم دينه ولا صلاته | سئل عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل | سئل شيخ الإسلام عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر | فصل في متابعة الكلام في المكاشفات والمشاهدات | فصل في الكون يقظة ومناما | سئل عمن يقول إن بعض المشائخ إذا أقام السماع يحضره رجال الغيب | سئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار | سئل عن الذنوب الكبائر المذكورة في القرآن | سئل رضي الله عنه عن شرب الخمر وفعل الفاحشة | سئل الشيخ عن رجل مدمن على المحرمات | فصل في كل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه | فصل في أن التوبة والاستغفار يكون من ترك الواجبات وفعل المحرمات | فصل في المقصود أن الاستغفار والتوبة يكونان من كلا النوعين | فصل في إخبار الله تعالى عن قبح أعمال الكفار قبل أن يأتيهم الرسول | فصل في أمر الله الناس أن يتوبوا ويستغفروا مما فعلوه | فصل فيما يستغفر ويتاب منه | سئل عن قوله ما أصر من استغفر | سئل عن اليهودي أو النصراني إذا أسلم هل يبقى عليه ذنب بعد الإسلام