مجموع الفتاوى/المجلد الخامس/سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الأبيات


سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الأبيات

عدل

سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الأبيات:

يا سادة العلماء: أفتونا بما ** يشفي الغليل فماء صبري آسن

عن قول ناظم عِقْد أصل عقيدة** في حق حق الحق ليس يداهن

يا منكرًا أن الإله مباين ** للخلق يا مفتون بل يا فاتن

هب قد ضللت فأين أنت ؟ فإن تكن ** أنت المباين فهو أيضا بائن

أو قلت: لست مباينًا. قلنا: إذن ** فبالاتحاد أو الحلول تشاحن

أو قلت: يلزم منه شيء داخلا ** قلنا: نعم ما الرب فينا ساكن

إن قلت: يلزم أنه في حيز ** أو صار في جهة فعقلك واهن

فلقد كذبت فإنه لا حيز ** إلا مكان وهو منه بائن

وكذا الجهات فإنها عدمية ** في حقه والحق في ذا بائن

إذ ليس فوق الحق ذات غيره ** حتى تقدر وهو فيها قاطن

أو قلت: ما هو داخل أو خارج ** هذا يدل بأن ما هو كائن

إذ قد جمعت نقائصًا ووصفته ** عدمًا بها هل أنت عنها ضاعن

ما قال: ما هو ظاهر أو باطن ** لكنه هو ظاهر هو باطن

فارجع وتب من قال مثلك إن ه ** لمعطل والكفر فيه كامن

وتفضلوا بجوابه من نظمكم ** هل صادق فيما ادعى أو ماين

فصلًا بفصل ظاهر فالله لل** مفتي المصيب بخير آخر ضامن

فأجاب رضي الله عنه:

الحمد لله رب العالمين. جواب المنازعين عن مثل هذا الكلام أنهم يقولون: هذا الكلام يتضمن شيئين:

أحدهما: الاستدلال على أن الرب تعالى مباين للعالم خارج عنه.

والثاني: الجواب عن حجة من نفي ذلك، واستدل بأن ذلك يستلزم القول بالتحيز والجهة وهما باطلان، وبطلان اللازم يقتضي بطلان الملزوم.

فأما استدلاله، فإن مضمونه أنك إما أن تكون مباينا للخالق، وإما ألا تكون مباينًا، فإن قلت: إنك مباين لزم أيضا أن يكون مباينًا لك؛ لأن المباينة من باب المفاعلة، التي يلزم من ثبوتها من أحد الجانبين ثوبتها في الجانب الآخر عقلًا، وكذلك هو في اللغة إلا في مواضع قيل: إنها مستثناة، بل متأولة، مثل قولهم: عاقبت اللص، وداققت النعل، وعافاك الله، ونحو ذلك.

فإن قلت: لست مباينًا له، لزمك القول بالحلول أو الاتحاد؛ فإنه ما لم يكن مباينًا لغيره متميزًا عنه كان مجامعًا له مداخلًا له، بحيث هو يحايثه ويجامعه ويداخله، كما تحايث الصفة مَحَلَّها الذي قامت به والصفة المشاركة لها بالقيام به؛ فإن التفاحة مثلًا طعمها ولونها ليس هو بمباين لها، بل هو محايث لها ومجامع لها، وذلك الطعم محايث اللون، والمباينة هي المفارقة وهي ضد المجامعة، فلما كانت الصفة التي تسمى العرض تحايث محلها الذي يسمي الجسم وتحايث عرضًا آخر، كان من المعلوم أن مثل هذا منتف عن الله سبحانه وتعالى؛ فإنه ليس بعَرَض ولا صفة من الصفات، بل هو قائم بنفسه مستغن عن مَحَل يقوم به، فلا يجوز عليه محايثة المخلوقات والحلول؛ إذ القول بنفي الجسم مع إثبات هذا التقسيم تناقض بَيِّن.

وإذا كان هذا القول مستلزمًا للتجسيم، لزمه ما يلزم القائلين بالتجسيم، وقد خاطب نفاة ذلك بأنهم مفتونون وفاتنون، وادعى أن من قال ذلك فإنه معطل، وأن «الكفر في قوله كامن». وهذا يستلزم تكفير من نفي التجسيم، وقد علم ما في القول من الوبال العظيم.

قالت المثبتة: نحن نجيبكم بجوابين: إجمالي وتفصيلي.

أما الجواب الإجمالي: فإنا نقول:

قولكم: «لا نسلم أن هذه القضية ضرورية» منع غير مقبول؛ فإن المقدمات الضرورية لا يجوز منعها، ولو جاز منع الضروريات لم يمكن الاستدلال ولا إقامة حجة على منكر؛فإن المستدل غايته أن يستدل بدليل مؤلف من مقدمات ضرورية، فلو جاز منع الضرورية لم يصح الاستدلال، وكذلك ما ذكره من الاستدلال على أنها ليست بضرورية، أو ليست بصحيحة لا يقبل أيضا؛فإن الضروريات هي الأصل للنظريات. فلو جاز القدح في الضروريات بالنظريات لكان ذلك قدحًا في الأصل بفرعه، وذلك يستلزم بطلان الفرع والأصل جميعًا؛ فإن الفرع إذا كان فاسدًا لم تجز المعارضة به، وإن كان صحيحًا لزم أن يكون أصله صحيحًا، فلا يجوز أن يكون قادحًا في الأصل.

فثبت أنه على التقديرين لا يجوز معارضة الضروريات بالنظريات.

فإن قيل: فهب أنه لا يجوز في المقدمات الضرورية أن تمانع، ولا أن تعارض بالنظريات؛ فإذا ادعى المستدل على أن المقدمة ضرورية، فهل يكون قوله حجة على مناظره.

قيل: ليس مجرد دعواه الضرورية حجة على خصمه، لكن من علم أن القضية ضرورية فقد حصل له العلم بذلك، وهو لا يكابر نفسه، وسواء علمها غيره أو لم يعلمها، وسواء سلمها له أو نازعه فيها. فما علمه هو ضرورة لا يمكنه أن يشك فيه.

وأما طريق إلزامه لمنازعه، فإنه يستشهد على ذلك بتسليم أرباب العقول السليمة، التي لم يعارضها عقد ولا قصد يخالف فطرتها، فإذا كان أهل العقول السليمة، التي لا هوى لها ولا اعتقاد يخالف ذلك، تُقِرُّ بأن هذه القضية معلومة عندهم بالضرورة، علم أن الأمر كذلك، وأن المنازع فيها قد تغيرت فطرته التي فطر عليها لاعتقاد أو هوى، فإن الحس كما قد يعرض له ما يوجب غلطه، فكذلك العقل يعرض له ما يوجب غلطه.

ومما يبين أن هذه القضية حق، أن جميع الكتب المنزلة من السماء وجميع الأنبياء جاءوا بما يوافقها لا بما يخالفها، وكذلك سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم يوافقون مقتضاها، لا يخالفونها. ولم يخالف هذه القضية الضرورية من له في الأمة لسان صدق؛ بل أكثر أهل الكلام والفلسفة يقولون بموجبها، وإنما خالفها طائفة من المتفلسفة، وطائفة من المتكلمين؛ كالمعتزلة ومن اتبعهم، والذين خالفوها عقلاؤهم وعلماؤهم، تناقضوا في ذلك، وادعوا الضرورة في قضايا من جنسها وهي أبين منها، ومن أنكر منهم ذلك أدى به الأمر إلى جحد عامة الضروريات، والحسيات.

فالمنكر لهذه القضية الضرورية هو بين أمرين: إما أن يستلزم جحد عامة الضروريات، وإما أن يقر بقضايا من جنسها ضرورية دون هذه في القوة والجلاء. يبين ذلك أن الذين قالوا: إن الخالق سبحانه ليس هو جسم ولا متحيز تنازعوا بعد ذلك: هل هو فوق العالم، أم ليس فوق العالم ؟ فقال طوائف كثيرة: هو فوق العالم، بل هو فوق العرش، وهو مع هذا ليس بجسم، ولا متحيز. وهذا يقوله طوائف من الكُلابية والكَرَّامية والأشعرية، وطوائف من أتباع الأئمة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وأهل الحديث والصوفية. وهذا هو الذي حكاه الأشعري عن أهل الحديث والسنة.

وقال طوائف منهم: ليس فوق العالم شيء أصلًا، ولا فوق العرش شيء. وهذا قول الجهمية والمعتزلة، وطوائف من متأخري الأشعرية، والفلاسفة النفاة، والقرامطة الباطنية، أو أنه في كل مكان بذاته، كما يقول ذلك طوائف من عبادهم ومتكلميهم، وصوفيتهم وعامتهم.

ومنهم من يقول: ليس هو داخلًا فيه ولا خارجًا عنه، ولا حالًا فيه، وليس في مكان من الأمكنة. فهؤلاء ينفون عنه الوصفين المتقابلين جميعًا، وهذا قول طوائف من متكلميهم ونظارهم.

والأول هو الغالب على عامتهم وعبادهم وأهل المعرفة والتحقيق منهم، والثاني هو الغالب على نظارهم ومتكلميهم وأهل البحث منهم والقياس فيهم.

وكثير منهم يجمع بين القولين، ففي حال نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما، فيقول: لا هو داخل العالم ولا خارجه. وفي حال تعبده وتألهه يقول بأنه في كل مكان ولا يخلو منه شيء، حتى يصرحون بالحلول في كل موجود من البهائم وغيرها بل بالاتحاد بكل شيء، بل يقولون بالوحدة، التي معناها: أنه عين وجود الموجودات.

وسبب ذلك: أن الدعاء والعبادة والقصد والإرادة والتوجه يطلب موجودًا، بخلاف النظر والبحث والكلام؛ فإن العلم والكلام والبحث والقياس والنظر يتعلق بالموجود والمعدوم، فإذا لم يكن القلب في عبادة وتوجه ودعاء سهل عليه النفي والسلب، وأعرض عن الإثبات، بخلاف ما إذا كان في حال الدعاء والعبادة فإنه يطلب موجودًا يقصده، ويسأله ويعبده، والسلب لا يقتضي إلا النفي والعدم، فلا ينفي في السلب ما يكون مقصودًا أو معبودًا.

فالمخالف لهذا النَّظْم إذا كان من النفاة للمتقابلين يقول: أنا أقول: لا هو مباين ولا أقول بالحلول والاتحاد، فلم قلت: إني إذا لم أقل بالمباينة يلزمني القول بالحلول أو الاتحاد؟ هذا هو الذي يقوله أئمة النفاة لمثل هذا الناظم، وحينئذ فيقول المثبتة القائلون بالمباينة والخروج ومن قال من النفاة إنه في كل مكان وهو الظاهر من قولهم وقول محققيهم وعارفيهم : نحن نعلم بالضرورة أن الموجود إما أن يكون مباينًا لغيره، وإما أن يكون محايثًا، ونعلم بالضرورة أن من أثبت موجودين ليس أحدهما داخلًا في الآخر محايثًا له ولا خارجًا عنه مباينًا له فقد خالف ضرورة العقل؛ وهذا العلم مركوز في فطر جميع الناس، إلا من يقلد قول النفاة.

ونفي هذين جميعًا هو من أقوال القرامطة الباطنية الذين هم أئمة الجهمية؛ فإن جَهمًا مع القرامطة وغلاة المتفلسفة يقولون: لا نقول: هو شيء، ولا ليس بشيء، كما يقولون: لا نقول: هو موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قديم، ولا محدث، وأمثال ذلك.

وهذه المقالات فسادها معلوم بالضرورة العقلية، وإن كان قد تواطأ عليها جماعة كثيرة؛ فإن الجماعة الذين يقلدون مذهبًا تلقاه بعضهم عن بعض يجوز اتفاقهم على جحد الضروريات، كما يجوز الاتفاق على الكذب مع المواطأة والاتفاق؛ ولهذا يوجد في أهل المذاهب الباطلة كالنصارى والرافضة والفلاسفة من يصر على القول الذي يعلم فساده بالضرورة.

وإنما الممتنع ما يمتنع على أهل التواتر وهو اتفاق الجماعة العظيمة على الكذب من غير مواطأة ولا اتفاق، فيمتنع عليهم جحد ما يعلم ثبوته بالاضطرار، وإثبات ما يعلم نفيه بالاضطرار؛ لأن هذا اتفاق على الكذب، وأهل التواتر لا يتصور منهم الكذب، فأما إذا لقنوا قولًا بشبهة وحجج واعتقدوا صحته جاز أن يصروا على اعتقاده، وإن كان مخالفًا لضرورة العقل، وإن كانوا جماعة عظيمة؛ ولهذا يطبع الله على قلوب الكفار فلا يعرفون الحق، قال الله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} 1، وقال تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} 2، وقال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} 3، وإنما تؤخذ الضروريات من القلوب السليمة، والعقول المستقيمة، التي لم تمرض بما تقلدته من العقائد وتعودته من المقاصد.

والمثبتة يقولون: من ذكر له قول النفاة من أجناس بني آدم السليمة الفِطَر علم بالضرورة فساده، وكلما كان أذكى وأحد ذهنًا كان علمه بفساده أشد، بل هم يقولون: إن العلم بالقضية المعينة المطلوب إثباتها، وهو علو الله تعالى على العالم معلوم بالفطرة والضرورة، ويعلمون بطلان نقيضها بالفطرة والضرورة، فيعلمون بالضرورة القضية العامة والقضية الخاصة، فيعلمون أن الخالق فوق العالم، ويعلمون امتناع وجود موجودين ليس أحدهما مباينًا للآخر ولا مداخلا له، ويعلمون أنه إذا لم يكن مباينًا كان مداخلًا محايثًا، فيلزم الحلول والاتحاد.

ولا ريب أن هذا هو الذي عليه جماهير الأمم من بني آدم، أما من يثبت العلو والمباينة فقوله ظاهر، وأما الذين لا يقرون بالعلو والمباينة، فجمهورهم لا يعلمون ضد ذلك إلا أنه في كل مكان، ولو عرض عليهم نفي هذا وهذا لم يتصوروه ولم يعقلوه، وبهذا احتج أهل الحلول والاتحاد من محققيهم كالصدر القونوي وأمثاله على نفاة ذلك منهم، فقال: قد سلمتم لنا أنه ليس خارج العالم ولا مباينًا له، وما لم يكن كذلك لم يعقل إلا أن يكون وجود الممكنات، أو في وجود الممكنات؛ إذا لا يعقل إلا هذا، أو هذا. ثم هذا وأمثاله يقولون: هو الوجود المطلق، وإن فرق ما بينه وبين الأشياء فرق ما بين المطلق والمعين، وهذا يشبه الفرق بين جنس الإنسان وأعيان الناس، وجنس الحيوان وأعيان الحيوان، فيكون الرب مثل الجنس أو العَرَض العام لسائر الموجودات.

ومعلوم أن هذا لا يكون له وجود متميز بنفسه مباين للمخلوقات؛ إذ الكليات كالجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعَرَض العام لا توجد في الخارج منفصلة عن الأعيان الموجودة. وهذا معلوم بالضرورة ومتفق عليه بين العقلاء، وإنما يحكى الخلاف في ذلك عن شيعة أفلاطون ونحوه، الذين يقولون بإثبات المثل الأفلاطونية، وهي الكليات المجردة عن الأعيان خارج الذهن، وعن شيعة فيثاغورس في إثبات العدد المطلق خارج الذهن. والمعلم الأول أرسطو وأتباعه متفقون على بطلان قول هؤلاء وهؤلاء، فلو ظنوا أن الباري تعالى هو الوجود المطلق بهذا الاعتبار لوقعوا فيما فروا منه؛ فإن هذا يستلزم مباينته لوجود المخلوقات وانفصاله عنها، مع أن عاقلًا لا يقول: إن صفة تكون مبدعة للموصوف، ولا إن الكليات هي المبدعة لمعيناتها.

والمقصود هنا أن جماهير الخلائق من مثبتة علو الله على خلقه، ومن نفاة ذلك، على اختلاف أصنافهم يقولون بإثبات هذا التقسيم والحصر، وهو أن الشيء إما أن يكون مباينًا لغيره، وإما أن يكون محايثًا مداخلًا؛ فإذا انتفي أحدهما ثبت الآخر. ويقولون: إن هذا معلوم بالضرورة، قال النفاة: لا نسلم أن هذه القضية ضرورية؛ بدليل أنا نعقل الإنسانية المشتركة بين الأناسي وغيرها من الكليات المعقولة وغيرها، وليست داخل العالم ولا خارجه، وأيضا فإن أرسطو وأتباعه من الفلاسفة، وطائفة من أهل الكلام، أثبتوا أن النفس الناطقة كذلك والعقول والنفوس، ولم يكونوا قائلين بما يعلم فساده بالضرورة.

وأيضا، فإن العقل الصريح يعلم تقسيم الشيء إلى مباين ومحايث، وما ليس بمباين ولا محايث، وتقسيمه إلى داخل وخارج، وما ليس بداخل ولا خارج، وتقسيمه إلى متحيز وقائم بالمتحيز، وما ليس بمتحيز ولا قائم بمتحيز. ولا يعلم فساد هذا التقسيم بالاضطرار، كما يعلم أن الواحد نصف الاثنين.

وأيضا، فهذا الذي ذكرتموه من لزوم المباينة والمحايثة والدخول والخروج، إنما يعقل فيما هوجسم متحيز، فإذا قدرنا متحيزين لزم أن يكون أحدهما إما داخلًا في الآخر أو خارجًا منه، فأما إذا قدرنا موجودًا ليس بجسم ولا متحيز، لم يمنع أن يكون مباينًا لغيره ولا محايثًا له، ولا داخلًا فيه، ولا خارجًا عنه، بل ينفي عن القسمين، وحينئذ فهذا التقسيم والحصر يستلزم كون الباري جسما متحيزًا في جهة، وذلك باطل.

ولا نريد بالتحيز: أن يكون قد أحاط به حيز وجودي كما أجاب عنه الناظم، ولا بالجهة: أن يكون في أين موجود كما أجاب الناظم أيضا، بل نريد بالتحيز الذي في الجهة: أن يكون بحيث يشار إليه بالحس أنه هاهنا، أو هناك، ولا ريب إنما كان فوق العالم فلا بد أن يشار إليه بأنه هناك، وهذا هو القول بالتحيز والجهة عندنا.

وإذا كان هذا التقسيم مستلزمًا لإثبات الجهة والتحيز لم يكن هذا التقسيم صحيحًا، إلا أن يكون القول بالجهة والتحيز صحيحًا، والناظم لم يذكر دليلًا على صحة القول بالتحيز والجهة والجسم.

ثم نقول: الأدلة النظرية الدالة على نفي التحيز والجهة والجسم تنفي صحة هذا التقسيم والحصر؛ فإنه إذا قدر موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا في جهة، أمكن أن يعقل أنه ليس مباينًا لغيره ولا محايثًا له، وإذا كان كذلك فكل ما ينفي القول بالتجسيم يبطل هذا الاستدلال.

وكذلك الاتحاد، فإن الاتحاد إذا كان مع بقاء الاثنين على ما كانا عليه فلا اتحاد، بل هما اثنان باقيان على صفاتهما كما كانا، وإن عني به استحالة إلى نوع ثالث، كما يتحد الماء واللبن والماء والخمر، فيصيران نوعًا ثالثًا، لا هو ماء محض ولا لبن محض، فهذا لا يكون إلا بعد استحالة أحدهما وفساد يعرض لذاته، والله تعالى منزه عن ذلك؛ فإنه هو واجب الوجود بنفسه، قديم بذاته وصفاته، لا يجوز عليه عدم شيء من صفاته، فيمتنع في حقه الاستحالة والفساد بمضمون الدليل: أن المخلوق إما أن يكون مباينًا للخالق والخالق مباين، وإما أن يلزم الحلول والاتحاد، وهما باطلان، فتعين الأول.

واعتراض المنازع على هذا يكون بعد بيان معنى المباينة، فإن أهل الكلام والنظر يطلقون المباينة بإزاء ثلاثة معان، بل أربعة:

أحدها: المباينة المقابلة للماثلة والمشابهة والمقاربة.

والثاني: المباينة المقابلة للمحايثة والمجامعة والمداخلة والمخارجة والمخالطة.

والثالث: المباينة المقابلة للمماسة والملاصقة، فهذه المباينة أخص من التي قبلها؛ فإن ما باين الشيء فلم يداخله قد يكون مماسًا له متصلًا به، وقد يكون منفصلًا عنه غير مجاور له، هذه المباينة الثالثة ومقابلها تستعمل فيما يقوم بنفسه خاصة؛ كالأجسام، فيقال: هذه العين إما أن تكون مماسة لهذه، وإما أن تكون مباينة.

وأما المباينة التي قبلها وما يقابلها، فإنها تعم ما يقوم بنفسه وما يقوم بغيره، والعَرَض القائم بنفسه ليس مباينًا له. ولا يقال: إنه مماس له، فيقال: هذا اللون إما أن يكون مباينًا لهذه العين أو لهذا الطعم، وإما أن يكون محايثًا له مجامعًا مداخلا، ونحو ذلك من العبارات، وإن استعمل مستعمل لفظ المماسة والملاصقة في قيام الصفة بموصوفها، كان ذلك نزاعًا لفظيًا.

وأما النوع الأول: فكما يروى عن الحسن البصري أنه قال: رأيناهم متقاربين في العافية، فإذا جاء البلاء تباينوا تباينًا عظيمًا، أي: تفاضلوا وتفاوتوا. ويقال: هذا قد بان عن نظرائه، أي: خرج عن مماثلتهم ومشابهتهم ومقاربتهم بما امتاز به من الفضائل، ويقال: بين هذا وهذا بون بعيد وبين بعيد.

والنوع الثاني: كقول عبد الله بن المبارك لما قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه هاهنا. وكذلك قال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، وابن خزيمة، وعثمان ابن سعيد، وخلق كثير من أئمة السلف رضي الله عنهم ولم ينقل عن أحد من السلف خلاف ذلك. وحبس هشام بن عبيد الله الرازي صاحب محمد بن الحسن رجلًا حتى يقول: الرحمن على العرش استوى، ثم أخرجه وقد أقر بذلك، فقال: أتقول: إنه مباين ؟ فقال: لا. فقال: ردوه، فإنه جهمي.

فالمباينة في كلام هؤلاء الأئمة وأمثالهم لم يريدوا بها عدم المماثلة؛ فإن هذا لم ينازع فيه أحد، ولا ألزموا الناس بأن يقروا بالمباينة الخاصة، فإنهم قالوا: بائن من خلقه، ولم يقولوا: بائن من العرش وحده، فجعلوا المباينة بين المخلوقات عمومًا، ودخل في ذلك العرش وغيره فإنه من المخلوقات، فعلم أنهم لم يتعرضوا في هذه المباينة لإثبات ملاصقة، ولا نفيها.

ولكن قد يقول بعض النفاة: أنا أريد بالمباينة عدم المحايثة والمداخلة فقط، من غير أن أدخل في ذلك معنى الخروج.

وقد يُوصِف المعدوم بمثل هذه المباينة فيقول: إن المعدوم مباين للموجود بهذا الاعتبار، وهذا معنى رابع من معاني المباينة.

وإذا عرف أن المباينة قد يريد بها الناس هذا وهذا، فلا ريب أن المعنى الأول ثابت باتفاق الناس؛ فإنهم متفقون على أن الله تبارك وتعالى ليس له مثل من الموجودات، وإن مباينته للمخلوقين في صفاتهم أعظم من مباينة كل مخلوق لمخلوق، وأنه أعظم وأكبر من أن يكون مماثلًا لشيء من المخلوقات أو مقاربًا له في صفاته، لكن هذا المعنى ليس هو الذي قصده الناظم، ولا قصد أيضا المعني الثالث؛ لأنه جعل نفي المباينة يستلزم الحلول والاتحاد، وهذا إنما هو المعنى الثاني، وإلا فالمعنى الثالث نفيه يستلزم الملاصقة والمماسة، والناظم لم يذكر ذلك. وهذا المعنى الثالث يستلزم الثاني من غير عكس؛ فإن المباينة الخاصة المقابلة للملاصقة صفة تستلزم المباينة العامة المقابلة للمداخلة والمحايثة من غير عكس.

وإذا عرف أن الناظم أراد هذه المباينة العامة وهي المباينة المشهورة في اللغة وكلام الناس وكلام العلماء فإن المنازعين له يقولون: لا نسلم أنه إذا لم يكن مباينًا لزم الحلول أو الاتحاد؛ فإن هذا مثل قول القائل: إذا لم يكن خارجًا عن العالم كان داخلًا فيه، وقد علم أن المخالف له يقول: لا هو داخل العالم ولا هو خارجه، فكذلك يقول: لا مباين ولا محايث، ولا مجامع ولا مفارق، ويقول: إنما نفيت المباينة والمحايثة جميعًا، والحلول والاتحاد يدخلان في المحايثة، فلا أسلِّم إذا لم أكن مباينًا للخالق أن يكون حالًا فيِ أو متحدا بي.

وهذا معلوم من قول النفاة؛ فإن النفاة الذين يقولون: إن الخالق ليس فوق العالم ولا خارجًا عنه مباينًا له، منهم من يقول: إنه حال فيه أو متحد به، وقد وافقهم على ذلك طائفة من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، ومتأخري أهل الحديث، والصوفية.

ثم هؤلاء الذين ينفون علوه بنفسه على العالم هم في رؤيته على قولين: منهم من يقول: إنه تجوز رؤيته، وذلك واقع في الآخرة، وهذا قول كل من انتسب إلى السنة والجماعة من طوائف أهل الكلام وغيرهم؛ كالكُلابية، والكَرَّامية، والأشعرية، وقول أهل الحديث قاطبة، وشيوخ الصوفية، وهو المشهور عند أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من الفقهاء، وعامة هؤلاء يثبتون الصفات، كالعلم والقدرة ونحو ذلك.

ومنهم طائفة ينفون الصفات، مع دعواهم أنهم يثبتون الرؤية؛ كابن حزم، وأبي حامد في بعض أقواله.

والقول الثاني قول من ينكر الرؤية؛ كالمعتزلة وأمثالهم من الجهمية المحضة من المتفلسفة والقرامطة وغيرهم، وكذلك ينفون الصفات، ويقولون بإثبات ذات بلا صفات، وهل يوصف بالأحوال؟ على قولين.

أو يقولون بإثبات وجود مطلق بشرط الإطلاق، لا يوصف بشيء من الأمور الثبوتية؛ كما هو قول ابن سينا وأمثاله، مع قولهم في أصولهم المنطقية: إن المطلق بشرط الإطلاق يوجد في الخارج، لكنه هل هو نفس المعين أو كلي مقارب للمعين؟

فالصواب عندهم هو الأول، ولكن الثاني هو قول كثير من أهل المنطق، مع تناقض أقوالهم في ذلك، وبنوا على هذا من الجهالات ما لا يحصيه إلا الله تعالى كما قد بسط في غير هذا الموضع. وعلى هذا، فإذا جعل هو الوجود المطلق لا بشرط، وقيل: إن المطلق جزء من المعين ملازم له، كان الوجود الواجب جزءًا من الموجودات الممكنة. وإذا قيل: ليس في الخارج مطلق مغاير للأعيان الموجودة وهو الصواب؛ إذ ليس في هذا الإنسان جواهر بعدد ما يوصف. فإذا قيل: هو جسم حساس قائم متحرك بالإرادة ناطق، لم يكن في الإنسان المعين جواهر قائمة بأنفسها غير ذلك المعين، وهذا المعلوم بالضرورة.

وعلى هذا، فإذا قيل: إن الحق هو الوجود المطلق لا بشرط، كان الوجود الواجب هو عين وجود الممكنات، فلا يكون هناك موجودان أحدهما واجب والآخر ممكن، وهذا قول أهل الوحدة، وهو تصريح بنفي واجب الوجود المبدع للموجودات الممكنة، وتصريح بأن الوجود الواجب يقبل العدم والحدوث، كما نشاهده من حدوث الحوادث وعدمها، وهذا مع أنه كفر صريح فهو من أعظم الجهل القبيح، وكل من قال: إن الرب وجود مطلق لزمته هذه الأقوال ونحوها التي مضمونها نفي وجوده، وكذلك إثبات ذات مجردة عن جميع الصفات أمر يقدره الذهن، وإلا فوجوده في الخارج ممتنع، ولفظ ذات يقتضي ذلك؛ فإن ذات هي في الأصل تأنيث ذو، وأصل الكلمة ذات الصفات، أي: النفس ذات الصفات، فلفظ الذات معناه: الصاحبة والمستلزمة للصفات، هذا من جهة اللفظ.

وأما من جهة المعنى: فلأن كل موجود لا بد له من حقيقة يختص بها يتميز بها عما سواه، وكل من الموجودات يقال له: ذات، فكلها مشتركة في مسمى الذات كما هي مشتركة في مسمى الوجود، فلا بد أن يكون لكل من الذاتين ما تختص به عن الأخرى، كما أنه لا بد لكل من الموجودين ما يميزه عن الآخر، فإذا قدر ذات مطلقة لا اختصاص لها كان ذلك ممتنعًا، كوجود مطلق لا اختصاص له. فلا بد أن تختص كل ذات بما يخصها، وذلك الذي يخصها ما توصف به من الخصائص، فذات لاحقيقة لها توصف بها محال.

والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع.

والمقصود التنبيه على مجامع مقالات الناس في هذا المقام، وأن جميع الناس يلزمهم القول بهذه القضية الضرورية التي ذكرها أهل الإثبات، وهو امتناع وجود موجودين ليس أحدهما داخلا في الآخر ولا خارجًا عنه، ولا مباينًا له ولا محايثًا له، وامتناع وجود موجود لا يشار إليه ولا إلى محله، وأن من أنكر هذه القضية لزمه أحد أمرين: إما الإقرار بقضايا ضرورية هذه أبين منها. وإما جحد عامة القضايا الضرورية الحسية، وذكرت مقالات الناس ليتبين مناظرة بعضهم لبعض في هذا المقام.

فيقول المثبتون لمباينة الله: مستوٍ على عرشه، ليس بجسم ولا متحيز، فاستواؤه على عرشه ثابت بالسمع، وعلوه ومباينته معلوم بالعقل مع السمع. وإذا لم يكن متحيزًا بطلت دلائل النفاة لكونه على العرش، كقولهم: إما أن يكون أكبر من العرش، وإما أن يكون أصغر، وإما أن يكون مساويًا للعرش. وكقولهم: إذا كان كذلك كان له مقدار مخصوص فيستدعي مخصصًا، ونحو ذلك؛ فإن المثبتة تقول لهم: هذا إنما يلزم إذا كان جسمًا متحيزًا، فأما إذا كان فوق العرش ولم يكن جسمًا متحيزًا لم يلزم شيء من هذه اللوازم.

وحينئذ، فنفاة العلو هم بين أمرين: إن سلموا أنه على العرش مع أنه ليس بجسم ولا متحيز، بطل كل دليل لهم على نفي علوه على عرشه؛ فإنهم إنما بنوا ذلك على أن علوه على العرش مستلزم لكونه جسمًا متحيزًا، واللازم منتف، فينتفي الملزوم؛ فإذا لم تثبت الملازمة لم يكن لهم دليل على النفي، ولا يبقى للنصوص الواردة في الكتاب والسنة بإثبات علوه على العالم ما يعارضها، وهذا هو المطلوب.

وإن قالوا: متى قلتم: على العرش، لزم أن يكون متحيزًا أو جوهرًا منفردًا، وإثبات العلو على العرش مع نفي التحيز معلوم الفساد بالضرورة.

قيل لهم: لا ريب أن هذا القول أقرب إلى المعقول من إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه؛ فإنا إذا عرضنا على عقول العقلاء قول قائلين: أحدهما يقول بوجود موجود خارج لا داخل العالم ولا خارجه، وآخر يقول بوجود موجود خارج العالم وليس بجسم، كان القول الأول أبعد عن المعقول، وكانت الفطرة والضرورة للأول أعظم إنكارًا، فإن كان حكم هذه الفطرة والضرورة مقبولا لزم بطلان الأول، وإن لم يكن مقبولًا لم يجز إنكارهم للقول الثاني، وعلى التقديرين لا يبقى لهم حجة على أنه ليس بخارج العالم، وهو المطلوب.

وهذا تقرير لا حيلة لهم فيه، يبين به تناقض أصولهم، وأنهم يقبلون حكم الفطرة ويردونه بالتشهي والتحكم، بل يردون من أحكام الفطرة والضرورة ما هو أقوى وأبين وأبده للعقول مما يقبلونه.

والمقصود هنا بيان أنه مباين للعالم خارج عنه، وهم إنما ينفون ذلك بأنه يستلزم أن يكون متحيزًا: إما جسمًا، وإما جوهرًا منفردًا، وذلك أنه إن كان ما يحاذي هذا الجانب من العرش غير ما يحاذي هذا الجانب كان منقسمًا وكان جسمًا، وإن لم يكن غيره كان في الصغر بمنزلة الجوهر الفرد، وهذا لا يقوله عاقل.

فإذا قال لهم طوائف من المثبتة: يمكن أن يكون فوق العرش ولا يقبل إثبات هذه المحاذات ولا نفيها؛ لأن ذلك إنما يكون أن لو كان متحيزًا؛ فإذا لم يكن متحيزًا أمكن أن يكون فوق العالم ولا يوصف بإثبات ذلك ولا بنفيه، وقالوا: إثبات العلو مع عدم المحاذات والمسامتة غير معقول، أو معلوم الفساد.

فيقال لهم: إثبات الوجود مع عدم المباينة والمحايثة والدخول والخروج أبعد عن العقل، وأبين فسادًا في المعقول، وكل عاقل سليم الفطرة إذا عرضت عليه وجود موجود خارج العالم غير محايث للعالم، ووجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، تكون نفرة فطرته عن الثاني أعظم، وإن قدر أن فطرته تقبل الثاني فقبولها للأول أعظم.

وحينئذ، فما يذكره النفاة من إمكان وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه: إما أن يكون مقبولا، وإما ألا يكون. فإن لم يكن مقبولًا بطل أصل قولهم، وإن كان مقبولًا فكل ما دل على ذلك كانت دلالته على إمكان وجود موجود خارج العالم ليس بمتحيز أقوى وأظهر؛ فإنه إذا ثبت أن هذا ممكن في العقل فذاك أولى بالإمكان، وإذا كان ذلك ممكنًا لم يكن ما يذكرونه من الأدلة على نفي التحيز نافيا لعلوه على العالم وارتفاعه على عرشه، فلا يكون لهم دليل على نفي ذلك، وهذا هوالمطلوب.

فإذا بطل ما ينفون به ذلك، فمعلوم أن السمعيات تدل على ذلك، إما دلالة قطعية وإما ظاهرة، والظواهر التي لا معارض لها لا يجوز صرفها عن ظواهرها؛ فكيف إذا قيل: إن العلو والمباينة معلوم بالفطرة والضرورة والأدلة العقلية النظرية، كما هو مبسوط في موضعه؟

ومما يوضح هذا أن النفاة إذا أثبتوا موجودًا لا داخل العالم ولا خارجه، فإنهم لا يثبتونه بضرورة لا وجوده ولا إمكان وجوده بل كلاهما يثبتونه بالنظر، بخلاف المثبتة فإنهم يقولون: امتناع هذا معلوم بالضرورة. وقد يقولون: علو الخالق معلوم أيضا بالفطرة التي فطر الناس عليها، التي هي من أقوى العلوم الضرورية؛ فإن ما فطر الناس عليه من المعارف أقوى من كونهم مضطرين إليه من المعارف التي لا يضطرون إليها إلا بعد تصور طرفيها، أو بعد نوع من التأمل.

والضروري قد يفسر بما يلزم نفس المخلوق لزومًا لا يمكنه الانفكاك عنه، وقد يفسر بما يحصل للعبد بدون كسبه واختياره.

والمقصود أن القول بوجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، لم يقل أحد من العقلاء أنه معلوم بالضرورة، وكذلك سائر لوازم هذا القول: مثل كونه ليس بجسم ولا متحيز ونحو ذلك، لم يقل أحد من العقلاء: إن هذا النفي معلوم بالضرورة، بل عامة ما يدعى في ذلك أنه من العلوم النظرية، والعلوم النظرية لا بد أن تنتهي إلى مقدمات ضرورية؛ وإلاَّ لزم الدور القبلي والتسلسل فيما له مبدأ حادث، وكل هذين معلوم الفساد بالضرورة، متفق على فساده بين العقلاء.

وإذا كان كذلك، فما من مقدمة ضرورية يبنى عليها الإمكان أو الإثبات؛ كوجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، إلا وانتفاء هذه النتيجة أقوى في العقل من تلك المقدمة، والجزم بكونها ضرورية أقوى من الجزم بكون مقدمة الدليل المعارض ضرورية.

يوضح ذلك: أن المعارض غايته أن يقول: لو كان خارج العالم لكان جسمًا أو لكان متحيزًا، وذلك منتف فلا يكون خارج العالم، والدليل الذي ينفون به ذلك مقدماته فيها من الخفاء والاشتباه ما لا يخفي على من نظر في ذلك.

وبسبب ما فيها من الخفاء والاشتباه أحسن الظن بها كثير من الناس، وحسن ظنهم بها مستند إلى تقليد من قالها، لا إلى جزم عقولهم بها؛ فهم ينهون العامة عن تقليد الرسل فيما أخبرت به من صفات الله تعالى لزعمهم أن العقل عارضها، مع الجزم بأن الرسل لا تقول إلا حقًا، وهم يقلدون رءوسهم في معارضة ذلك بمقدمات يزعمونها عقليات، وأتباعهم لم تجزم بها عقولهم، لكنهم يقلدون رءوسهم فيها.

ولهذا تجدهم إذا حققوا الأمر فيها ونوزعوا فيها، وبين لهم مستند المنع فيها، لجئوا إلى الجهل الصريح، فإما أن يحيلوا بالجواب على من مات وغاب وهو عند التحقيق أوغل منهم في الارتياب والاضطراب وإما أن يخرجوا عما يجب في المناظرة والجدال إلى حال أهل الظلم وسفهاء الرجال. وإما أن يتوهموا أن هذا كفر يخالف الدين. وهم في قولهم قد خالفوا الكتاب والرسول واتبعوا غير سبيل المؤمنين، وقالوا ما لم يقله أحد من الصحابة والتابعين ولا غيرهم من أئمة المسلمين.

ومما يوضح الأمر في ذلك: أن النفاة ليس لهم دليل واحد اتفقوا على مقدماته، بل كل طائفة تقدح في دليل الأخرى، فالفلاسفة تقدح في دليل المعتزلة على نفي الصفات، بل على نفي الجسم والتحيز ونحو ذلك؛ لأن دليل المعتزلة مبني على أن القديم لا يكون محلًا للصفات والحركات فلا يكون جسمًا ولا متحيزًا؛ لأن الصفات أعراض، وهم يستدلون على حدوث الجسم بحدوث الأعراض والحركات، وأن الجسم لا يخلو منها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث.

بل الأشعري نفسه ذكر في رسالته إلى أهل الثَّغْر: إن هذا الدليل الذي استدلوا به على حدوث العالم وهو الاستدلال على حدوث الأجسام بحدوث أعراضها هو دليل محرم في شرائع الأنبياء، لم يستدل به أحد من الرسل وأتباعهم، وذكر في مصنف له آخر بيان عجز المعتزلة عن إقامة الدليل على نفي أنه جسم، وأبو حامد الغزالي وغيره من أئمة النظر بينوا فساد طريق الفلاسفة التي نفوا بها الصفات، وبينوا عجزهم عن إقامة دليل على نفي أنه جسم، بل وعجزهم عن إقامة دليل على التوحيد، وإنه لا يمكن نفي الجسم إلا بالطريق الأول الذي هو طريق المعتزلة، الذي ذكر فيه الأشعري ما ذكر.

فإذا كان كل من أذكياء النظار وفضلائهم يقدح في مقدمات دليل الفريق الآخر الذي يزعم أنه بنى عليه النفي، كان في هذا دليل على أن تلك المقدمات ليست ضرورية؛ إذ الضروريات لا يمكن القدح فيها. وإن قيل: إن هؤلاء قدحوا في هذه المقدمات الضرورية. قيل: فإذا جوزتم على أئمة النفاة أن يقدحوا بالباطل في المقدمات الضرورية، فالتي يستدل بها أهل الإثبات أولى وأحرى.

وقد بسط في غير هذا الموضع الكلام على أدلة النفاة ومقدمات تلك الأدلة على وجه التفصيل، بحيث يبين لكل ذي عقل خروج أصحابها عن سواء السبيل، وأنهم قوم سَفسطوا في العقليات وقَرْمَطوا في السمعيات، ليس معهم على نفيهم لا عقل ولا سمع، ولا رأي سديد ولا شرع، بل معهم شبهات يظنها من يتأملها بينات{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شيئا وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَالله سَرِيعُ الْحِسَابِ} 4.

ولهذا تغلب عليهم الحيرة والارتياب، والشك والاضطراب. وقد صارت تلك الشبهات عندهم مقدمات مسلمة، يظنونها عقليات أو برهانيات، وإنما هي مسلمات لما فيها من الاشتراك والاشتباه، فلا تجد لهم مقدمة إلا وفيها ألفاظ مشتبهة، فيها من الإجمال والالتباس ما يضل بها من يضل من الناس، وكيف تكون النتيجة المثبتة بمثل هذه المقدمات دافعة لتلك القضايا الضروريات؟

وهذا الذي قد نبه عليه في هذا المقام، كلما أمعن الناظر فيه، وفيما تكلم أهل النفي فيه، ازداد بصيرة ومعرفة بما فيه، فإنه لا يتصور أن يبنى النفي على مقدمات ضرورية تساوي في جزم العقل بها مقدمات أهل الإثبات الجازمة لفساد نتيجتهم، وهو قولهم: إنه موجود لا داخل العالم ولا خارجه، جزمًا لا يساويه فيه جزم العقل بالمقدمات التي تبنى عليها هذه النتيجة الثابتة، امتنع أن يزول ذلك الجزم العقلى الضروري بنتيجة مقدمات ليست مثله في الجزم.

وهذا الكلام قبل النظر في تلك المقدمات المعارضة لهذا الجزم، هل هي صحيحة أو فاسدة. وإنما المقصود هنا أنه لا يصلح للمناظرة ولا يقبل في المناظرة أن يعارض هذا الجزم المستقر في الفطرة بما يزعمه من الأدلة النظرية، وهذا المقام كاف في دفعه، وإن لم تحل شبهاته، كما يكفي في دفع السوفسطائي أن يقال: إنما تنفيه قضايا ضرورية فلا يقبل نفيها بما يذكر من الشبه النظرية.

وأما الجواب الثاني التفصيلي:

فهو بيان فساد حجج النفاة على إمكان ما ادعوه.

قالت المثبتة: ما ذكرتموه من الحجج على إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه، حجج سوفسطائي.

أما الإنسانية المشتركة بين الأناسي ونحوها من الكليات، فهذه لا يقال: إنها موجودة خارج الذهن لا داخل العالم ولا خارجه؛ فإنها أمور ثابتة في الذهن والتصور، وإذا قيل: إنها موجودة في الخارج فلا بد أن تكون عينًا قائمة بنفسها أو صفة قائمة بالعين، ولا ريب أنها لا توجد في الخارج كلية مطلقة بشرط ما هو معقول بشرط الإطلاق، وإنما توجد في الخارج معينة مشخصة.

فقول القائل إن التفتيش يخرج من المحسوس ما هو معقول: إن أراد به أنه معقول ثابت في العقل، فما هو ثابت في العقل ليس هو الموجود في الخارج بعينه.

وإن أراد أن في المحسوس الموجود في الخارج أمرًا معقولًا ليس هو في الذهن، فهذا باطل؛ فليس في الإنسان المعين إلا ما هو معين، وهو هذا الإنسان المعين بدنه، وروحه، وصفاته وهذا كله أمر معين، مقيد مشخص، ليس هو كليًا ولا مطلقًا.

وما ذكره من إثبات المتباينين عقولًا ونفوسًا لا داخل العالم ولا خارجه ليس بحجة، بل هم مخصومون بهذه الحجة وغيرها. كما يخصم بها نظراؤهم، لا سيما وقولهم بذلك أبين فسادًا وأدحض حجة من أقوال نفاة الصفات والعلو، فكيف يستدل على القول بما هو أضعف منه وأبعد عن الحق؟ وقد علم أن عامة العقلاء من أهل الملل وغيرهم يردون هذا عليهم.

وأما قوله: إنهم لم يكونوا بذلك قائلين ما يعلم فساده بالضرورة؛ فليس الأمر كذلك، بل المثبتة الذين يقولون: إن الموجودين لا بد أن يكونا متباينين أو متحايثين يقولون: إن ما ادعاه هؤلاء مما يخالف، هذا معلوم الفساد بالضرورة.

بل أئمة أهل الكلام النافون للعلو، يدعون العلم الضروري: بأن الممكن إما جسم أو قائم بجسم، وأن ما أثبته هؤلاء المتفلسفة من موجودات ممكنة ليست أجسامًا ولا أعراضا قائمة بالأجسام: كالعقل والنفس، والهيولي، والصورة، التي يدعون أنها جواهر عقلية موجودة خارج الذهن، ليست أجسامًا ولا أعراضًا لأجسام؛ فإن أئمة أهل النظر يقولون: إن فساد هذا معلوم بالضرورة. كما ذكر ذلك أبوالمعالي الجويني وأمثاله من أئمة النظر والكلام.

ومن لم يهتد لهذا كالشهرستاني، والرازي، والآمدي، ونحوهم، فهم ناَظَروا الفلاسفة مناظرة ضعيفة، ولم يثبتوا فساد أصولهم، كما بين ذلك أئمة النظر الذين هم أجل منهم، وسلَّم هؤلاء للفلاسفة مناظرة ضعيفة، ولم يبينوا فساد أصولهم، إلى مقدمات باطلة استزلوهم بها عن أشياء من الحق، بخلاف أئمة أهل النظر كالقاضي أبي بكر، وأبي المعالي الجويني، وأبي حامد الغزالي، وأبي الحسين البصري، وأبي عبد الله ابن الهيصم الكرامي، وأبي الوفاء علي بن عقيل.

ومن قبل هؤلاء: مثل أبي على الجبائي، وابنه أبي هاشم، وأبي الحسن الأشعري، والحسن بن يحيى النوبختي.

ومن قبل هؤلاء: كأبي عبد الله محمد بن كَرَّام، وابن كُلاب، وجعفر بن مُبَشِّر، وجعفر بن حرب، وأبي إسحاق النظام، وأبي الهُذَيل العَلاف، وعمرو بن بحر الجاحظ، وهشام الجواليقي، وهشام بن الحكم، وحسين بن محمد النجار، وضرار بن عمرو الكوفي، وأبي عيسى محمد بن عيسى برغوث، وحفص الفرد، وغير هؤلاء ممن لا يحصيهم إلا الله من أئمة أهل النظر والكلام؛ فإن مناظرة هؤلاء للمتفلسفة خير من مناظرة أولئك.

وهؤلاء وغيرهم لا يسلمون للفلاسفة إمكان وجود ممكن لا هو جسم ولا قائم بجسم، بل قد صرح أئمتهم بأن بطلان هذا القسم الثالث معلوم بالضرورة بل قد بين أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب إمام الصفاتية: كأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري، وأبي عبد الله بن مجاهد، وغيرهم من انحصار الموجودات في المباين والمحايث، وإن قول من أثبت موجودًا غير مباين ولا محايث معلوم الفساد بالضرورة، مثلما بين أولئك انحصار الممكنات في الأجسام وأعراضها وأبلغ.

وطوائف من النظار قالوا: ما ثم موجود إلا جسم أو قائم بجسم إذا فسر الجسم بالمعني الاصطلاحي، لا اللغوي كما هو مستقر في فطر العامة. وهذا قول كثير من الفلاسفة أو أكثرهم، وكذلك أيضا الأئمة الكبار كالإمام أحمد في رده على الجهمية، وعبد العزيز المكي في رده على الجهمية، وغيرهما، بينوا أن ما ادعاه النفاة من إثبات قسم ثالث ليس بمباين ولا محايث معلوم الفساد بصريح العقل، وأن هذه من القضايا البينة التي يعلمها العقلاء بعقولهم، وإثبات لفظ الجسم ونفيه بدعة لم يتكلم به أحد من السلف والأئمة، كما لم يثبتوا لفظ التحيز ولا نفوه، ولا لفظ الجهة ولا نفوه، ولكن أثبتوا الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة، ونفوا مماثلة المخلوقات.

ومن نظر في كلام الناس في هذا الباب، وجد عامة المشهورين بالعقل والعلم يصرحون بأن إثبات وجود موجود لا محايث للآخر ولا مباين ونحو ذلك، معلوم بصريح العقل وضرورته.

وأما الحجة الثالثة، فقوله: إن العقل يقسم المعلوم إلى مباين ومحايث، وما ليس بمباين ولا محايث ونظائره. فيقال له: التقسيم المعلوم إلى واجب وممكن، وما ليس بواجب ولا ممكن، وإلى قديم ومحدث، وما ليس بقديم ولا محدث، وإلى قائم بنفسه وقائم بغيره، وما ليس بقائم بنفسه ولا بغيره، وأمثال ذلك من تقديرات الذهن.

ومعلوم أن مثل ذلك لا يدل على إمكان ذلك في الخارج، فليس كل ما فرضه الذهن من الأقسام والتقديرات في الأذهان يكون ممكنًا أو موجودًا في الأعيان، بل الذهن يقسم ما يخطر له إلى واجب وممتنع وممكن، وإلى موجود ومعدوم؛ فالذهن يقدر كل ما يخطر بالبال، ومعلوم أن في ذلك من الممتنعات ما لا يجوز وجوده خارج الذهن.

وأما قوله: إن التقسيم إلى مباين ومحايث لا يعلم فساده كما لا يعلم فساد أن الواحد نصف الاثنين، فنقول: إن القضايا الضرورية ليس من شرطها أن تكون مفرداتها بينة لكل أحد، بل شرطها أن تكون مفرداتها إذا تصورت جزم العقل بها، وتصور الواحد نصف الاثنين بين لكل أحد؛ فلهذا كان التصديق التابع له أبين من غيره؛ ولهذا لم يكن هذا في العقل كبيان أن خمسة وخمسين وربعًا وثمنًا، نصف مائة وعشرة ونصف وربع، وكلاهما ضروري.

ونظائر هذا كثيرة، ومعنى المباين والمحايث ليس بينًا ابتداء، إذ اللفظ فيه إجمال كما تقدم، ولكن إذا بين معناه لأهل العقل جزموا بانتفاء قسم ثالث، كما أن معنى القديم، والمحدث، والواجب، والممكن، والجوهر، والعَرَض، ونحو ذلك، لما لم يكن بينًا بنفسه لعامة العقلاء، لم يجزموا بانحصار الموجود في هذين القسمين؛ فإذا بين لهم المعنى جزموا بذلك.

فإذا قيل للعقلاء: موجودان قائمان بأنفسهما لا يكون هذا خارجًا عن الآخر مباينًا له ولا داخلًا فيه، ولا بعيدًا ولا قريبًا منه، ولا بعيدًا عنه، ولا فوقه ولا تحته، ولا عن يمينه ولا عن يساره، ولا أمامه ولا وراءه، ولا يتصور أن يشير أحدهما إلى الآخر ولا يذهب إليه، ولا يقرب منه ولا يبعد عنه، ولا يتحرك إليه ولا عنه، ولا يقبل إليه ولا يعرض عنه، ولا يحتجب عنه ولا يتجلى له، ولا يظهر لعينه ولا يستتر عنه.

وأمثال هذه المعاني التي يقولها النفاة، علم العقلاء بالاضطرار امتناع وجود مثل هذين.

وأما قول المعارض: إن هذا إنما يعقل فيما هو جسم متحيز، فإذا قدر ما ليس بجسم ولا متحيز خلا عن هذين القسمين، ولم تنحصر القسمة حينئذ في أحدهما.

فيقال: أولًا لفظ الجسم والحيز والجهة ألفاظ فيها إجمال وإبهام، وهي ألفاظ اصطلاحية وقد يراد بها معان متنوعة، ولم يرد الكتاب والسنة في هذه الألفاظ لا بنفي ولا إثبات، ولا جاء عن أحد من سلف الأمة وأئمتها فيها نفي ولا إثبات أصلًا، فالمعارضة بها ليست معارضة بدلالة شرعية، لا من كتاب ولا من سنة ولا إجماع؛ بل ولا أثر لا عن صاحب أو تابع، ولا إمام من المسلمين، بل الأئمة الكبار أنكروا على المتكلمين بها، وجعلوهم من أهل الكلام الباطل المبتدع، وقالوا فيهم أقوالًا غليظة معروفة عن الأئمة، كقول الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام.

وبالجملة: فمعلوم أن الألفاظ نوعان:

لفظ ورد في الكتاب والسنة أو الإجماع، فهذا اللفظ يجب القول بموجبه، سواء فهمنا معناه أو لم نفهمه؛ لأن الرسول لا يقول إلا حقًا، والأمة لا تجتمع على ضلالة.

والثاني: لفظ لم يرد به دليل شرعي، كهذه الألفاظ التي تنازع فيها أهل الكلام والفلسفة، هذا يقول: هو متحيز. وهذا يقول: ليس بمتحيز، وهذا يقول: هو في جهة، وهذا يقول: ليس هو في جهة. وهذا يقول: هوجسم أوجوهر. وهذا يقول: ليس بجسم ولا جوهر. فهذه الألفاظ ليس على أحد أن يقول فيها بنفي ولا إثبات حتى يستفسر المتكلم بذلك، فإن بين أنه أثبت حقًا أثبته، وإن أثبت باطلًا رده، وإن نفي باطلًا نفاه، وإن نفي حقًا لم ينفه، وكثير من هؤلاء يجمعون في هذه الأسماء بين الحق والباطل: في النفي والإثبات.

فمن قال: إنه في جهة، وأراد بذلك أنه داخل محصور في شيء من المخلوقات كائنًا من كان لم يسلم إليه هذا الإثبات، وهذا قول الحلولية.

وإن قال: إنه مباين للمخلوقات فوقها لم يمانع في هذا الإثبات؛ بل هذا ضد قول الحلولية.

ومن قال: ليس في جهة، فإن أراد أنه ليس مباينًا للعالم ولا فوقه، لم يسلم له هذا النفي.

وكذلك لفظ المتحيز يراد به ما أحاط به شيء موجود، كقوله تعالى : {أَوْ مُتَحَيِّزا إِلَى فِئَةٍ} 5 ويراد به ما انحاز عن غيره وباينه. فمن قال: إن الله متحيز بالمعنى الأول لم يسلم له، ومن أراد أنه مباين للمخلوقات سلم له المعنى، وإن لم يطلق اللفظ.

إذا تبين هذا، فإذا قال هذا القائل: هذا التقسيم معلوم بالاضطرار، فقيل له: هذا إنما يعقل في متحيز أو ذي جهة ولم يكن هذا قادحًا فيما علم بالاضطرار، بل يقول: إما أن يكون هذا لازمًا وإما ألا يكون. فإن لم يكن لازمًا بطل السؤال، وإن كان لازمًا فلازم الضروري حق؛ فإن القضايا الضرورية إذا كانت مستلزمة لأمور دل ذلك على صحة تلك اللوازم، ولم يكن الاستدلال على بطلانها بنفي تلك اللوازم؛ لأن نفيها نظري والنظري لا يقدح في الضروري.

وقوله: إذا قدر موجود ليس بمتحيز ولا في جهة يصح فيه هذا التقسيم، فيقال له: ثبوته على هذا التقدير لا يقتضي ثبوته في نفس الأمر، إلا أن يكون التقدير ثابتًا في نفس الأمر، وهذا التقسيم ينفي ثبوت هذا التقدير في نفس الأمر، وإذا كان التقسيم معلومًا بالاضطرار كان من لوازم ذلك انتفاء هذا التقدير، فلا يقبل إثبات هذا التقدير بالنظر؛ لأن ذلك يتضمن القدح في الضروري بالنظري.

وإذا لم يكن إلى إثبات هذا التقدير سبيل لم يضر فساد التقسيم بتقدير ثبوته؛ لأن ذلك يتضمن فساد التقسيم بتقدير ثبوت ما لم يثبت ولا يمكن إثباته، وأيضا فلو قدر أن إثبات هذا التقدير ممكن كان هذا من باب المعارضة، لا من باب منع شيء من المقدمات، والمعارضة تحتاج إلى إقامة الدليل ابتداءً، وسوف نتكلم على ذلك.

ولو قال المعترض: أنا أمنع صحة التقسيم، وأجعل هذا سند منعي لم يصح؛ لأنه يقال: المنع إما أن يكون مقدمة لم يدل عليها، والمستدل قد بين صحة التقسيم بالضرورة فلا يصح منعه، لكن إذا أثبت إمكان وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، كان هذا استدلالًا على نقيض قول المنازع، وحينئذ يكون غاصبًا لمنصب الاستدلال؛ فإن الغصب هو منع المقدمة بإثبات نقيض المطلوب.

وحقيقته أنه يقول: لو صح دليل المستدل لفسد مذهبي، ومذهبي لم يفسد لكيت وكيت، فهذا غصب لمنصب الاستدلال فلا يقبل. وهكذا هذا: إذا منع التقسيم بإثبات هذا التقدير، فهذا التقدير هو مذهبه؛ إذ يدعي وجود موجود لا يقبل هذا التقسيم، وهذا محل النزاع. فإذا استدل على إمكانه كان غاصبًا فلا يقبل منه، فتبين أن الدلالة تامة.

وصار هذا الاعتراض بمنزلة أن يقال: إذا قدر موجود ليس بقديم ولا محدث، لم يصح تقسيم الموجود إلى محدث وقديم، وإذا قدر موجود ليس بواجب ولا ممكن، ولا قائم بنفسه ولا قائم بغيره، لم يصح تقسيم الموجود إلى الواجب والممكن والقائم بنفسه والقائم بغيره، ومعلوم أن التقسيم المعلوم بالاضطرار لا يفسد بتقدير نقيضه أو مايستلزم نقيضه، وإنما يفسد التقسيم بثبوت ما يناقضه، فإذا كان المناقض لا يعلم إلا بالنظر، لم يصح أن يكون مناقضًا. فعلم أن هذا من باب معارضة الضروري بالنظري، فلا يكون مقبولًا ولا يكون حقًا.

ثم للناس في هذا المقام أربعة أجوبة:

قول من يقول: هذا التقسيم معقول مطلقًا وهذا التقدير لا أتكلم في ثبوته ولا نفيه؛ لأن ذلك يقدح في الضروريات بالنظريات وذلك غير مقبول بمنزلة حجج السوفسطائية؛ فإن ما علمناه بالاضطرار وقدح فيه بعض الناس بالنظر والجدل لم يكن علىنا أن نجيب عن المعارض جوابًا مفصلًا يبين حله. بل يكفينا أن نعلم أنه فاسد لأنه عارض الضروري، وما عارضه فهو فاسد وهذا جواب خلق كثير من أهل الحديث والفقه والكلام وغيرهم عن مثل هذا.

وهؤلاء يقول أحدهم: لا أقول: إنه متحيز ولا غير متحيز، ولا في جهة ولا في غير جهة، بل أعلم أنه مباين للعالم، وأنه يمتنع أن يكون لامباينًا ولا مداخلًا.

وهذا كما قال القرمطي الباطني: لا أقول: هو موجود ولا معدوم، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز؛ لأن ذلك من صفات الأجسام؛ فإن الجسم ينقسم إلى حي وميت، وعالم وجاهل، وقادر وعاجز، وموجود ومعدوم، فإذا قدرنا ما ليس بجسم لم يكن عالمًا ولا جاهلًا، ولا قادرًا ولا عاجزًا، ولا حيًا ولا ميتًا، كان كلام القرمطي هذا بمنزلة كلام هؤلاء الجهمية؛ أنه لا داخل العالم ولا خارجه.

وقول جهم والقرامطة من جنس واحد، كما نقله عن الفريقين أصحاب المقالات، وقالوا: إنه لا يقال: هو شيء ولا ليس بشيء. فمن نفي عنه هذه المتقابلات التي لا بد للموجود من أحدهما لمن يمكنه قطع القرامطة؛ ولهذا كانت مناظرة هؤلاء للقرامطة مناظرة ضعيفة، كما هو مبسوط في موضعه.

الجواب الثاني: قول من يقول: بل أقول: إنه ليس بمتحيز ولا في جهة، وأقول مع ذلك: إنه مباين للعالم. وهذا قول من يقول: إنه فوق العالم وليس بجسم ولا جوهر ولا متحيز؛كما يقول ذلك من يقوله من الكلابية، والأشعرية والكرامية. ومن وافقهم من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة، وأهل الحديث والصوفية.

فإذا قيل لهؤلاء: إثبات مباين ليس بمتحيز مخالفٌ لضرورة العقل، قالوا: إثبات موجود لا محايث ولا مباين أظهر فسادًا في ضرورة العقل من هذا؛ فإن كان قضاء العقل مقبولا كان قولكم فاسدًا، وحينئذ حصل المطلوب من كونه مباينا للعالم. وإن كان قضاء العقل مردودًا بطلت حجتكم على إبطال قولنا: إنه فوق العالم مباين له، وليس بجسم ولا جوهر. وإذا لم يكن ثم حجة على بطلان كونه فوق العالم لم يجز نفي ذلك، وحينئذ فالسمعيات قد دلت على ذلك مع الفطرة، فلزم على هذا التقدير أن يكون مباينًا للعالم.

فهذا تحقيق جيد قد تقدم التنبيه عليه أيضا؛ فإن هؤلاء النفاة يجعلون العقل حجة لهم ولا يجعلونه حجة عليهم، ويحتجون على خصومهم بقضايا ضرورية، ويخالفونهم في القضايا الضرورية فيما هو أبين منها، وكل ما يطعنون به حجة على مخالفتهم؛ مثل قولهم: هذا من قضايا الوهم والخيال، لا من قضايا العقل، فيطعن به في حجتهم هذه. فيقال: نفيكم لوجود موجود مباين ليس بجسم ولا متحيز هو من قضايا الوهم والخيال لا من قضايا العقل، فليتدبر الفاضل هذا المقام.

الجواب الثالث: قول من يلتزم أنه متحيز أو في جهة، أو أنه جسم، ويقول: لا دلالة على نفي شيء من ذلك، وأدلة النفاة لذلك أدلة فاسدة؛ فإنهم متفقون على أن نفي ذلك ليس معلومًا بالضرورة وإنما يدعون النظر، ونفاة ذلك لم يتفقوا على دليل واحد، بل كل واحد منهم يطعن في دليل الآخر فالفلاسفة الذين ينفون ذلك بناء على نفي الصفات، يطعن النفاة من أهل الكلام مع غيرهم من العقلاء وأهل الإثبات في أدلتهم بالطعون المعروفة التي تبين فساد أدلتهم، والمتكلمون الذين ينفون ذلك يطعنون على الفلاسفة النفاة مع غيرهم من العقلاء وأهل الإثبات في أدلتهم، وهو الدليل المبني على حدوث ما قامت به الأعراض والأفعال.

والكلام على أقوال أهل الإثبات المثبتة لفساد أدلة النفاة، وما في هذه المواضع من الأقوال المشتبهة، والكلام الدقيق، والبحوث العقلية مبسوط مذكور في غير هذا الموضع.

الجواب الرابع: جواب أهل الاستفصال، وهم الذين يقولون: لفظ التحيز والجهة والجوهر ونحو ذلك، ألفاظ مجملة ليس لها أصل في كتاب الله ولا في سنة رسول الله، ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها: في حق الله تعالى لا نفيًا ولا إثباتًا.

وحينئذ، فإطلاق القول بنفيها أو إثباتها ليس من مذهب أهل السنة والجماعة بلا ريب، ولا عليه دليل شرعي، بل الإطلاق من الطرفين مما ابتدعه أهل الكلام الخائضون في ذلك، فإذا تكلمنا معهم بالبحث العقلي استفصلناهم عما أرادوه بهذه الألفاظ.

فإن قال المثبت: المراد بكونه متحيزًا وجسمًا وفي جهة: أنه في جوف المخلوقات، أو أن المخلوقات تحوزه، أو أنه يماثلها، أو يجوز عليه ما يجوز عليها، ونحو ذلك، فهذا باطل. ومباينته للعالَم لا يقتضي أن يكون على هذا التقدير متحيزًا ولا في جهة ولا جسمًا.

وإن قال النافي لذلك: إن ما كان فوق العالم فهو في جهة، وهو متحيز وهو جسم وذلك محال.

قيل له: نفي أنه مباين للعالم باطل، وملزوم الباطل باطل، فإذا كان نفي مسميات هذه الألفاظ ملزومًا لنفي المباينة كان نفيها باطلًا، والأدلة المذكورة على نفي مسماها بهذا الاعتبار باطلة.

ويقول المثبت: نفي مباينته للعالم وعلوه على خلقه باطل، بل هذه الأمور مستلزمة لتكذيب الرسول فيما أثبته لربه وأخبر به عنه، وهوكفر أيضا، لكن ليس كل من تكلم بالكفر يكفر، حتى تقوم عليه الحجة المثبتة لكفره، فإذا قامت عليه الحجة كفرحينئذ، بل نفي هذه الأمور مستلزم للتكفير للرسول فيما أثبته لربه وأخبر به عنه، بل نفي للصانع وتعطيل له في الحقيقة.

وإذا كان نفي هذه الأشياء مستلزمًا للكفر بهذا الاعتبار، وقد نفاها طوائف كثيرة من أهل الإيمان، فلازم المذهب ليس بمذهب، إلا أن يستلزمه صاحب المذهب، فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظًا أو يثبتونها، بل ينفون معان أو يثبتونها، ويكون ذلك مستلزمًا لأمور هي كفر، وهم لا يعلمون بالملازمة بل يتناقضون. وما أكثر تناقض الناس، لاسيما في هذا الباب، وليس التناقض كفرًا.

ويقول الناظم: أنا أخبرت: أن من قال ذلك هو مفتون وفاتن، وهذا حق؛ لأنه فتن غيره بقوله وفتنه غيره، وليس كل من فتن يكون كافرًا، وادعيت أن من قال ذلك كان قوله مستلزمًا للتعطيل، فيكون الكفر كامنًا في قوله. والكامن في الشيء لا يجب أن يكون ظاهرًا فيه، ولو كان الكفر ظاهرًا في قوله للزم تكفير القائل، أما إذا كان كامنًا وهو خفي لم يكفر به من لم يعلم حقيقة ما تضمنه من الكفر، وإن كان متضمنًا للكفر ومستلزمًا له.

وأما لفظ التجسيم فهذا لفظ مجمل لا أصل له في الشرع، فنفيه وإثباته يفتقر إلى تفصيل ودليل، كما تقدم.

وأما إن قال المثبت لذلك: المراد به أنه فوق العالم ومباين له. قيل له: هذا المعنى صحيح. وإن قال النافي لذلك: المراد أنه لا تحوزه المخلوقات ولا تماثله. قيل له: هذا المعنى صحيح، ولا منافاة بين قوليكما؛ فإنه فوق العالم مباين له، والمخلوقات لا تحصره ولا تحوزه ولا يفتقر إلى العرش ولا غيره، مع أنه عال عليها مباين لها، وليس مماثلًا لها، ولا يجوز عليه ما يجوز عليها. فهذه المعاني صحيحة من النافي والمثبت مقبولة؛ وتلك المعاني منهما مردودة، والحمد لله رب العالمين.

ولأن هذا الذي يجيب به أهل الإثبات للدهرية: من أنه سبحانه تقوم به الأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها، وبذلك يخلق المخلوقات المنفصلة عنه مطابق لما جاءت به الآثار المأثورة عن الرسل صلوات الله عليهم فإن الله أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، وقبل استوائه على العرش: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 6 فهذا ونحوه مما جاء في مبدأ الخلق.

وأما الإعادة، فقد قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 7.

وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي أنه قال: «يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟»

وفي الصحيحين عن ابن عمر: أن النبي قرأ على المنبر هذه الآية ثم قال: «يطوي الله السموات بيمينه، ويقبض الأرض بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أنا القدوس، أنا السلام، أنا المؤمن، أنا المهيمن، أنا العزيز، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الذي بدأت الدنيا ولم تكن شيئا، أنا الذي أعيدها» وجعل رسول الله يقبض بيديه ويبسطهما، والمنبر يتحرك من أسفله، حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله ؟

وعن ابن عباس أنه قال: ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن، إلا كخردلة في كف أحدكم. وروى أنه قال: يرمي بها كما يرمي الصبي بالكرة. فهذا يبين أن الأفلاك لا نسبة لها إلى قدرة الله تعالى مع كونه سبحانه وتعالى يطوي السماء ويقبض الأرض.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود: أن رجلًا من اليهود قال للنبي : إن الله إذا كان يوم القيامة فإنه يمسك السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والشجر والثرى على إصبع، والجبال على إصبع، والخلائق على إصبع. قال: فضحك النبي تعجبًا وتصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ} الآية 7.

فهذا بين من عمل الرب تبارك وتعالى ما يدفع شبه المتفلسفة.


هامش

  1. [الأنعام: 110]
  2. [ الصف: 5]
  3. [غافر: 35]
  4. [النور: 39]
  5. [الأنفال: 16]
  6. [فصلت: 11]
  7. 7٫0 7٫1 [الزمر: 76]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الخامس
الأسماء والصفات | سئل شيخ الإسلام ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات | فصل في أن وصف الله لا يتجاوز القرآن والسنة | فصل في مخالفات المعتزلة والجهمية والحرورية | جماع الأمر في الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها | سئل شيخ الإسلام عن علو الله تعالى واستوائه على عرشه | قول ابن عربي في معنى اسمه تعالى العلي | إنكار جماعة على أبي طالب بعض كلامه في الصفات | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن علو الله على سائر مخلوقاته | فصل في قول المعتزلة والجهمية والحرورية إن الاستواء معناه الاستيلاء والملك والقهر | فصل في إبطال تأويل من تأول الاستواء بمعنى الاستيلاء | فصل في الإخبار بكروية الأرض | قاعدة عظيمة في إثبات علوه تعالى | سئل شيخ الإسلام عن مسألة الإثبات للصفات والجزم بإثبات العلو على العرش | فصل في وجوب إثبات العلو لله تعالى | فصل في معنى الحقيقة | فصل | فصل في الجمع بين علو الرب عز وجل وبين قربه من داعيه وعابديه | فصل في تمام الكلام في القرب | فصل في قرب الرب من قلوب المؤمنين وقرب قلوبهم منه | ما يحصل لصاحب المحبة والذكر والتأله | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجلين اختلفا في الاعتقاد أن الله في السماء | سئل شيخ الإسلام عمن يعتقد الجهة هل هو مبتدع أو كافر أو لا | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه الأبيات | فصل في مباينة الله لخلقه وعلوه على عرشه | سئل شيخ الإسلام في رجلين تنازعا في حديث النزول أحدهما مثبت والآخر ناف | فصل في معرفة أنا لا نعلم ما غاب عنا إلا بمعرفة ما شهدناه | فصل في علمنا بصفاته تعالى وجهلنا بكيفيتها | سئل عن حديث أخرجه أبو سعيد النقاش في أقوال أهل السنة | فصل في تأول قوم من المنتسبين إلى السنة والحديث حديث النزول | اختلاق كلام على الإمام أحمد يناقض المنقول المتواتر عنه | كفر من زعم أن الرب يقبل التفرق والانقسام | زعم ابن حزم أن العود لم يروه إلا زاذان عن البراء | معنى وسع ربنا كل شيء علما | فصل في معنى أن الله هو العلي الأعلى | فصل في نزاع الناس في معنى حديث النزول | قولان ضعيفان للجهمية ونحوهم