مجموع الفتاوى/المجلد الخامس عشر/فصل في نكتة الإعراب في قوله تعالى إن هذان لساحران

مجموع فتاوى ابن تيميةالتفسير المؤلف ابن تيمية
فصل في نكتة الإعراب في قوله تعالى إن هذان لساحران


فصل في نكتة الإعراب في قوله تعالى إن هذان لساحران عدل

وقد يعْتَرض على ما كتبناه أولا بأنه جاء أيضا في غير الرفع بالياء كسائر الأسماء، قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ } 1، ولم يقل: «اللذان أضلانا»، كما قيل في اللذين: إنه بالياء في الأحوال الثلاثة، وقال تعالى في قصة موسى: { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } 2، ولم يقل: «هاتان»، و«هاتان» تبع لابنتي، وقد يسمي عطف بيان وهو يشبه الصفة كقوله: { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } 3، لكن الصفة تكون مشتقة أو في معنى المشتق، وعطف البيان يكون بغير ذلك كأسماء الأعلام، وأسماء الإشارة، وهذه الآية نظير قوله: { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } 4.

وأما قوله: { أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا } فقد يفرق بين اسم الإشارة والموصول بأن اسم الإشارة على حرفين، بخلاف الموصول، فإن الاسم هو «اللذا» عدة حروف، وبعده يزاد علم الجمع، فتكسر الذال وتفتح النون، وعلم التثنية، ففتح الذال وتكسر النون والألف، فقلت... 5 في النصب والجر؛ لأن الاسم الصحيح إذا جُمِعَ جمع التصحيح كُسِرَ آخره في النصب وفي الجر وفتحت نونه، وإذا ثُنِّي فتح آخره وكسرت نونه في الأحوال الثلاثة.

وهذا يبين أن الأصل في التثنية هي الألف، وعلى هذا فيكون في إعرابه لغتان جاء بهما القرآن؛ تارة يجعل كاللذان، وتارة يجعل كاللذين، ولكن في قوله: { إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } كان هذا أحسن من قوله: «هاتان» لما فيه من اتباع لفظ المثني بالياء فيهما، ولو قيل: هاتان لأشبه... 6، كما لو قيل: «إن ابنتي هاتان» فإذا جعل بالياء علم تابع مبين عطف بيان لتمام معنى الاسم؛ لا خبر تتم به الجملة.

وأما قوله: { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } فجاء اسمًا مبتدأ: اسم { إن } وكان مجيئه بالألف أحسن في اللفظ من قولنا: « إِنَّ هذين لساحران»؛ لأن الألف أخف من الياء؛ ولأن الخبر بالألف، فإذا كان كل من الاسم والخبر بالألف كان أتم مناسبة، وهذا معنى صحيح، وليس في القرآن ما يشبه هذا من كل وجه وهو بالياء.

فتبين أن هذا المسموع والمتواتر ليس في القياس الصحيح ما يناقضه، لكن بينهما فروق دقيقة، والذين استشكلوا هذا إنما استشكلوه من جهة القياس، لا من جهة السماع، ومع ظهور الفرق يعرف ضعف القياس.

وقد يجيب من يعتبر كون الألف في هذا هو المعروف في اللغة بأن يفرق بين قوله: { إِنْ هَذَانِ }، وقوله: { إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } . أن هذا تثنية مؤنث، وذاك تثنية مذكر، والمذكر المفرد منه «ذا» بالألف فزيدت فوقه نون للتثنية، وأما المؤنث فمفرده «ذي» أو «ذه» أو «ته». وقوله: { إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } تثنية «تي» بالياء، فكان جعلها بالياء في النصب والجر أشبه بالمفرد، بخلاف تثنية المذكر، وهو «ذا» فإنه بالألف، فإقراره بالألف أنسب، وهذا فرق بين تثنية المؤنث وتثنية المذكر، والفرق بينه وبين اللذين قد تقدم.

وحينئذ، فهذه القراءة هي الموافقة للسماع والقياس، ولم يشتهر ما يعارضها من اللغة التي نزل بها القرآن. والله أعلم.

وقوله: { إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } هو كقول النبي : «من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الآدميون»، ومثله في الموصول قول ابن عباس لعمر: أخبرني عن المرأتين اللتين قال الله فيهما: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ } الآية 7.

آخره والحمد لله وحده.


هامش

  1. [فصلت: 29]
  2. [القصص: 27]
  3. [هود: 61]
  4. [طه: 63]
  5. [بياض بالأصل]
  6. [بياض بالأصل]
  7. [التحريم: 4]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الخامس عشر
سورة الأعراف | فصل في حجة إبليس | تفسير قوله تعالى إنه يراكم هو وقبيله | تفسير قوله تعالى وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا | تفسير قوله تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية | تفسير قوله تعالى قال الملأ الذين استكبروا من قومه | تفسير بعض آيات مشكلة في سورة الأعراف | تفسير قوله تعالى وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون | فصل في تفسير قوله تعالى واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة | سورة الأنفال | فصل في تفسير قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم | فصل في تفسير قوله تعالى فلم تقتلوهم | فصل في قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم | سورة التوبة | تفسير في قوله لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان | تفسير قوله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله | تفسير قوله تعالى قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون | تفسير قوله تعالى لقد تاب الله على النبي | سورة يونس | فصل تفسير قوله تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء | تفسير آيات مشكلة في سورة يونس | سورة هود | فصل تفسير قوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه | فصل في تفسير قوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه | فصل في أن المؤمن على أمر من الله | فصل في تفسير قوله تعالى كتاب أحكمت آياته | سئل عن تفسير قوله تعالى وأما الذين سعدوا ففي الجنة | سورة يوسف | فصل في تفسير قوله تعالى هيت لك قال معاذ الله | فصل في تفسير قوله تعالى رب السجن أحب إلي | فصل في مقارنة حال يوسف عليه السلام بحال محمد | قال شيخ الإسلام لم يفعل يوسف ذنبا الذي نسي ذكر ربه هو الفتى | سئل عن قوله تعالى قل هذه سبيلي أدعو إلى الله | فصل في تفسير قوله تعالى حتى إذا استيأس الرسل | سورة الرعد | فصل في تفسير قوله تعالى وجعلو لله شركاء قل سموهم | سورة الحجر | فصل في تفسير ثلاث آيات متشابهة اللفظ والمعنى | سورة النحل | فصل في منافع اللباس | تفسير قوله تعالى قل نزله روح القدس من ربك بالحق | سورة الإسراء | تفسير قوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه | سورة الكهف | فصل في تفسير قوله تعالى وكان الإنسان أكثر شيء جدلا | سورة مريم | فصل في بيان مضمون سورة مريم | سئل عن تفسير قوله تعالى فخلف من بعدهم خلف | سورة طه | فصل في بيان مضمون سورة طه | فصل في طريقتي العلم والعمل | فصل في تفسير قوله تعالى إن هذان لساحران | فصل في نكتة الإعراب في قوله تعالى إن هذان لساحران | سورة الأنبياء | فصل في بيان منزلة سورة الأنبياء | سورة الحج | فصل في بيان المكي والمدني من السورة | تفسير قوله تعالى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم | تفسير قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف | سورة المؤمنون | تفسير قوله تعالى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما | سورة النور | فصل في معاني مستنبطة من سورة النور | فصل في ضرورة امتحان من يراد الزواج منه وغيره | فصل في تعظيم الفاحشة بالباطل | فصل في تفسير قوله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء | تفسير قوله تعالى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات | فصل في تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم | فصل في تفسير قوله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون | سئل عن تفسير قوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم | سورة الفرقان | فصل في بيان أكبر الكبائر | فصل في تقسيم الأمم | فصل في تقسيم الفضائل | فصل في تفضيل الإسلام على سائر الأديان الأخرى | فصل في بيا ن أجناس الناس | فصل في أن فعل المأمور به صادر عن القوة الإرادية | سورة النمل | تفسير بعض الآيات المشكلة في سورة النمل | سورة الأحزاب | تفسير قوله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم | فصل في لفظ الطلاق