مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/فصل ليس للقدرية أن يحتجوا بالآية من يعمل سوءا يجز به
فصل ليس للقدرية أن يحتجوا بالآية من يعمل سوءا يجز به
وليس للقدرية أن يحتجوا بالآية لوجوه:
منها: أنهم يقولون: فعل العبد حسنة كان أو سيئة هو منه، لا من الله، بل الله قد أعطى كل واحد من الاستطاعة ما يفعل به الحسنات والسيئات، لكن هذا عندهم أحْدَث إرادة فَعَل بها الحسنات، وهذا أحدث إرادة فعل بها السيئات، وليس واحد منها من إحداث الرب عندهم.
والقرآن قد فرق بين الحسنات والسيئات، وهم لا يفرقون في الأعمال بين الحسنات والسيئات إلا من جهة الأمر، لا من جهة كون الله خلق الحسنات دون السيئات، بل هو عندهم لم يخلق لا هذا ولا هذا.
لكن منهم من يقول: بأنه يحدث من الأعمال الحسنة والسيئة ما يكون جزاء، كما يقوله أهل السنة.
لكن على هذا، فليست عندهم كل الحسنات من الله، ولا كل السيئات، بل بعض هذا، وبعض هذا.
الثاني: أنه قال: { كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ } 1 فجعل الحسنات من عند الله كما جعل السيئات من عند الله، وهم لا يقولون بذلك في الأعمال، بل في الجزاء. وقوله بعد هذا: { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ } و { مِن سَيِّئَةٍ } 2 مثل قوله: { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } وقوله: { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } 3.
الثالث: أن الآية أريد بها: النعم والمصائب كما تقدم وليس للقدرية المجبرة أن تحتج بهذه الآية على نفى أعمالهم التي استحقوا بها العقاب؛ فإن قوله: { كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ } هو النعم والمصائب؛ ولأن قوله: { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } 4، حجة عليهم، وبيان أن الإنسان هو فاعل السيئات، وأنه يستحق عليها العقاب. والله ينعم عليه بالحسنات عملها وجزائها فإنه إذا كان ما أصابهم من حسنة فهو من الله؛ فالنعم من الله، سواء كانت ابتداء أو كانت جزاء. وإذا كانت جزاء وهى من الله فالعمل الصالح الذي كان سببها هو أيضا من الله، أنعم بهما الله على العبد.
وإلا فلو كان هو من نفسه كما كانت السيئات من نفسه لكان كل ذلك من نفسه، والله تعالى قد فرق بين نوعين في الكتاب والسنة، كما في الحديث الصحيح الإلهي عن الله: «يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أُوفِّيكُمْ إياها، فمن وَجَد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»، وقال تعالى: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا
قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } 5، وقال تعالى: { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } 6، وقال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } 7، وقال تعالى: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } 8، وقال تعالى: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } 9، وقال تعالى: { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } 10، وقال تعالى: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } 11، وقد أمروا أن يقولوا في الصلاة: { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمت َعَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين } 12.
هامش
- ↑ [النساء: 78]
- ↑ [النساء: 79]
- ↑ [النساء: 78]
- ↑ [النساء: 79]
- ↑ [آل عمران: 165]
- ↑ [الروم: 36]
- ↑ [الروم: 41]
- ↑ [هود: 101]
- ↑ [الزخرف: 76]
- ↑ [ص: 85]
- ↑ [الحجرات: 7]
- ↑ [الفاتحة: 6، 7]