مجموع الفتاوى/المجلد السادس عشر/فصل في الكلام على قوله تعالى من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب
فصل في الكلام على قوله تعالى من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب
عدلالكلام على قوله: { مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } 1.
وفي هذه الآية قال: { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى } 2.
وقال في قصة فرعون: { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } 3، فعطف الخشية على التذكر.
وقال: { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } 4.
وفي قصة الرجل الصالح المؤمن الأعمى قال: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى } 5.
وقال في حم المؤمن: { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ } 6، فقال: { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ } .
والإنابة جعلها مع الخشية في قوله: { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ } 7.
وذلك لأن الذي يخشى الله لابد أن يرجوه ويطمع في رحمته، فينيب إليه ويحبه، ويحب عبادته وطاعته. فإن ذلك هو الذي ينجيه مما يخشاه، ويحصل به ما يحبه.
والخشية لا تكون ممن قطع بأنه معذب؛ فإن هذا قطع بالعذاب، يكون معه القنوط، واليأس، والإبلاس. ليس هذا خشية وخوفا.
وإنما يكون الخشية والخوف مع رجاء السلامة؛ ولهذا قال: { تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } 8.
فصاحب الخشية للّه ينيب إلى الله، كما قال: { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ } 9. وهذا يكون مع تمام الخشية والخوف.
فأما في مباديها، فقد يحصل للإنسان خوف من العذاب والذنب الذي يقتضيه، فيشتغل بطلب النجاة والسلام، ويعرض عن طلب الرحمة والجنة.
وقد يفعل مع سيئاته حسنات توازيها وتقابلها، فينجو بذلك من النار ولا يستحق الجنة، بل يكون من أصحاب الأعراف. وإن كان مآلهم إلى الجنة فليسوا ممن أُزْلفت لهم الجنة أي: قربت لهم إذ كانوا لم يأتوا بخشية الله والإنابة إليه. واستجمل بعد ذلك.
هامش
- ↑ [ق: 33]
- ↑ [الأعلى: 10]
- ↑ [طه: 44]
- ↑ [الفرقان: 62]
- ↑ [عبس: 3، 4]
- ↑ [غافر: 12، 13]
- ↑ [ق: 3234]
- ↑ [الشورى: 22]
- ↑ [ق: 31 - 34]