مجموع الفتاوى/المجلد العشرون/مذهب أهل المدينة في مسائل النكاح
مذهب أهل المدينة في مسائل النكاح
عدلوأما المناكح فلا ريب أن مذهب أهل المدينة في بطلان نكاح المحلل ونكاح الشغار أتبع للسنة ممن لم يبطل ذلك من أهل العراق، فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه «لعن المحلل والمحلل له»، وثبت عن أصحابه كعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس: أنهم نهوا عن التحليل؛ لم يعرف عن أحد منهم الرخصة في ذلك وهذا موافق لأصول أهل المدينة. فإن من أصولهم أن القصود في العقود معتبرة، كما يجعلون الشرط المتقدم كالشرط المقارن، ويجعلون الشرط العرفي كالشرط اللفظي.
ولأجل هذه الأصول أبطلوا نكاح المحلل، وخلع اليمين الذي يفعل حيلة لفعل المحلوف عليه، وأبطلوا الحيل التي يستحل بها الربا وأمثال ذلك. ومن نازعهم في ذلك من الكوفيين؛ ومن وافقهم ألغى النيات في هذه الأعمال، وجعل القصد الحسن كالقصد السيئ، وسوغ إظهار أعمال لا حقيقة لها ولا قصد بل هي نوع من النفاق والمكر. كما قال أيوب السختياني: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون عليهم.
والبخاري قد أورد في صحيحه كتابا في الرد على أهل الحيل، وما زال سلف الأمة وأئمتها ينكرون على من فعل ذلك كما بسطناه في الكتاب المفرد.
ونكاح الشغار قد ثبت عن النبي ﷺ من غير وجه النهي عنه، ولكن من صححه من الكوفيين رأى أنه لا محذور فيه إلا عدم إعلام المهر والنكاح يصح بدون تسمية المهر ولهذا كان المبطلون له لهم مأخذان:
أحدهما: أن مأخذه جعل بضع كل واحدة مهر الأخرى فيلزم التشريك في البضع. كما يقول ذلك الشافعي وكثير من أصحاب أحمد. وهؤلاء منهم طائفة يبطلونه إلا أن يسمي مهرا؛ لأنه مع تسميته انتفى التشريك في البضع. ومنهم من لا يبطله إلا بقول: وبضع كل واحدة مهر للأخرى؛ لكونه إذا لم يقل ذلك لم يتعين جعل البضع مهرا. ومنهم من يبطله مطلقا كما جاء عنه بذلك حديث مصرح به في السنن وهذه الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وغيره.
والمأخذ الثاني: أن بطلانه لاشتراط عدم المهر. وفرق بين السكوت عن تسمية المهر وبين اشتراط المهر؛ فإن هذا النكاح من خصائص النبي ﷺ. وعلى هذا فلو سمى المهر بما يعلمان تحريمه كخمر وخنزير بطل النكاح؛ كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب مالك وهو أحد القولين في مذهب أحمد وهو أشبه بظاهر القرآن وأشبه بقياس الأصول.
وكذلك نكاح الحامل أو المعتدة من الزنا باطل في مذهب. وهو أشبه بالآثار والقياس لئلا يختلط الماء الحلال بالحرام، وقد خالفه أبو حنيفة فجوز العقد دون الوطء، والشافعي جوزهما، وأحمد وافقه وزاد عليه فلم يجوز نكاح الزانية حتى تتوب لدلالة القرآن والأحاديث على تحريم نكاح الزانية. وأما من ادعى أن ذلك منسوخ وأن المراد به الوطء ففساد قوله ظاهر من وجوه متعددة.
وكذلك مسألة تداخل العدتين من رجلين؛ كالتى تزوجت في عدتها؛ أوالتى وطئت بشبهة، فان مذهب مالك أن العدتين لا يتداخلان بل تعتد لكل واحد منهما، وهذا هو المأثور عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبو حنيفة قال بتداخلهما.
وكذلك مسألة إصابة الزوج الثاني؛ هل تهدم ما دون الثلاث؟ وهو الذي يطلق امرأته طلقة أو طلقتين ثم تتزوج من يصيبها ثم تعود إلى الأول، فإنها تعود على ما بقي عند مالك، وهو قول الأكابر من الصحابة كعمر بن الخطاب وأمثاله، وهو مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه وإنما مالك قال: لا تعود على ما بقي من ابن عمر وابن عباس وهو قول أبي حنيفة.
وكذلك في الإيلاء مذهب أهل المدينة وفقهاء الحديث وغيرهم أنه عند انقضاء أربعة أشهر يوقف إما أن يفي؛ وإما أن يطلق. وهذا هو المأثور عن بضعة عشر من الصحابة، وقد دل عليه القرآن والأصول من غير وجه، وقول الكوفيين أن عزم الطلاق انقضاء العدة فاذا انقضت ولم يف طلقت. وغاية ما يروى ذلك عن ابن مسعود إن صح عنه.
ومسألة الرجعة بالفعل كما إذا طلقها فهل يكون الوطء رجعة؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يكون رجعة كقول أبي حنيفة.
والثاني: لا يكون كقول الشافعي.
والثالث: يكون رجعة مع النية وهو المشهور عند مالك وهو أعدل الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد.
هامش