محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والأربعون


كتاب الصيام

762 - مسألة : ومن سافر في رمضان - سفر طاعة أو [ سفر ] معصية ، أو لا طاعة ولا معصية - ففرض عليه الفطر إذا تجاوز ميلا ، أو بلغه ، أو إزاءه ، وقد بطل صومه حينئذ لا قبل ذلك ، ويقضي بعد ذلك في أيام أخر ، وله أن يصومه تطوعا ، أو عن واجب لزمه ، أو قضاء عن رمضان خال لزمه ، وإن وافق فيه يوم نذره صامه لنذره . وقد فرق قوم بين سفر الطاعة ، وسفر المعصية فلم يروا له الفطر في سفر المعصية ، وهو قول مالك ، والشافعي . قال علي : والتسوية بين كل ذلك [ هو ] قول أبي حنيفة ، وأبي سليمان . وبرهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فعم تعالى الأسفار كلها ولم يخص سفرا من سفر { وما كان ربك نسيا } . وأيضا فقد أتينا بالبراهين على بطلان الصوم بالمعصية بتعمد ، والسفر في المعصية معصية وفسوق ، فقد بطل صومه بهما . والقوم أصحاب قياس بزعمهم ، ولا يختلفون : أن من قطع الطريق ، أو ضارب قوما ظالما لهم مريدا قتلهم ، وأخذ أموالهم فدفعوه عن أنفسهم وأثخنوه ضربا في تلك المدافعة حتى أوهنوه ؛ فمرض من ذلك مرضا لا يقدر معه على الصوم ، ولا على الصلاة قائما ؛ فإنه يفطر ويصلي قاعدا ويقصر فأي فرق بين مرض المعصية وسفر المعصية . وأما المقدار الذي يفطر فيه فقد ذكرناه في كتاب الصلاة متقصى - والحمد لله رب العالمين ونذكر هاهنا إن شاء الله تعالى منه طرفا - : وهو أن أبا حنيفة حد السفر [ الذي يفطر فيه ] من الزمان بمسير ثلاثة أيام ، ومن المسافات بمقدار ما بين الكوفة والمدائن ؛ ذكر ذلك محمد بن الحسن في الجامع الصغير ؟ وحد الشافعي ذلك بستة وأربعين ميلا . وحد مالك في ذلك ، مرة يوما وليلة ، ومرة ثمانية وأربعين ميلا ، ومرة خمسة وأربعين ميلا ، ومرة اثنين وأربعين ميلا ، ومرة أربعين ميلا ، ومرة ستة وثلاثين ميلا ؛ ذكر ذلك إسماعيل بن إسحاق في كتابه المعروف بالمبسوط . قال أبو محمد : وكل هذه حدود فاسدة لا دليل على صحة شيء منها لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة . ولا من رواية فاسدة ، ولا إجماع [ قد ] جاءت في ذلك روايات مختلفة عن الصحابة رضي الله عنهم ليس بعضها أولى من بعض - : فروي عن ابن عمر أنه كان لا يقصر في أقل مما بين خيبر والمدينة وهو ستة وتسعون ميلا ؛ وروي عنه أن لا يقصر في أقل مما بين المدينة إلى السويداء وهو اثنان وسبعون ميلا ، وروي عنه لا يكون الفطر إلا في ثلاثة أيام ؛ وروي عنه لا يكون القصر إلا في اليوم التام وروي عنه القصر في ثلاثين ميلا ؛ وروي عنه القصر في ثمانية عشر ميلا ؛ وكل ذلك صحيح عنه . وروي عنه القصر في سفر ساعة ، وفي ميل وفي سفر ثلاثة أميال بإسناد في غاية الصحة ، وهو جبلة بن سحيم عنه ، ومحارب بن دثار ، ومحمد بن زيد بن خلدة عنه . وروي عن ابن عباس أربعة برد . وروي عنه يوم تام ، وروي عنه لا قصر في يوم إلى العتمة فإن زدت فأقصر ، ولا متعلق لهم بأحد من الصحابة رضي الله عنهم غير من ذكرنا ، وقد اختلف عنهم ، وعن الزهري ، والحسن : أنهما حدا ذلك بيومين . وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا مسعر وهو ابن كدام - عن محارب بن دثار قال : سمعت ابن عمر يقول : إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر . ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن زيد بن خلدة عن ابن عمر قال : تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال . ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري قال : سمعت جبلة بن سحيم يقول : سمعت ابن عمر يقول : لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة . وعن شرحبيل بن السمط عن ابن عمر : أنه قصر في أربعة أميال . وعن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن ابن عمر : أنه خرج معه إلى مكان على ثمانية عشر ميلا فقصر ابن عمر الصلاة - وهذه أسانيد عنه كالشمس . وعن عمر بن الخطاب القصر في ثلاثة أميال . وعن أنس في خمسة عشر ميلا . وعن ابن مسعود في اثني عشر ميلا . ومن طريق ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال سألت سعيد بن المسيب أأقصر وأفطر في بريدين من المدينة ؟ قال : نعم . حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا عبيد الله بن عمر نا عبد الله بن يزيد هو المقري عن سعيد بن أبي أيوب نا يزيد بن أبي حبيب : أن كليب بن ذهل الحضرمي أخبره أن { عبيد بن جبر قال : كنت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداءه قال : اقترب فقلت : ألست ترى البيوت ؟ فقال : أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكل . } والروايات في هذا كثيرة جدا . فأما تحديد أبي حنيفة ، ومالك والشافعي ، فلا معنى له أصلا وإنما هي دعاوى بلا برهان ، وموه بعضهم في ذلك بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما منع من أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ؟ قال أبو محمد : وذلك خبر صحيح لا حجة لهم فيه ؛ لأنه ليس فيه من حكم القصر والفطر أثر ولا دليل . وأيضا : فإنه جاء بألفاظ مختلفة في بعضها { لا تسافر أكثر من ثلاث } وفي بعضها { لا تسافر ثلاثا } وفي بعضها { لا تسافر ليلتين } وفي بعضها { لا تسافر يوما وليلة } وفي بعضها { لا تسافر يوما } وفي بعضها { لا تسافر بريدا } . وهذه ألفاظ اختلف فيها عن أبي سعيد ، وأبي هريرة ، وابن عمر . وصح من طريق ابن عباس هذا الخبر { لا تسافر المرأة } دون تحديد أصلا ولم يختلف [ عنه ] في ذلك أصلا ؛ فإن عزموا على ترك من اختلف عنه والأخذ برواية من لم يختلف عنه فابن عباس لم يختلف عنه ؛ فهو أولى على هذا الأصل ، وإن أخذوا بالزيادة ، فرواية ابن عباس هي الزائدة على سائر الروايات ، لأنها تعم كل سفر ؛ وإن أخذوا بالمتفق عليه فأكثر من ثلاث هو المتفق عليه لا الثلاث ، كما رواه عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا ومعها ذو محرم } . وهكذا رواه هشام الدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة عن قزعة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وهكذا رواه أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبطل أن يكون لأبي حنيفة ومالك ، والشافعي متعلق بهذا الخبر أصلا إلا كتعلق الزهري ، والحسن بذكر الليلتين فيه ولا فرق . وما لهم بعد هذا حيلة ، على أنهم قد كفونا المؤنة ، فذكر مالك في المدونة : أن من تأول من الرعاة وغيرهم فأفطر في مخرج ثلاثة أميال فليس عليه إلا القضاء ، ورأى القصر في منى من مكة ، وهذا قولنا ، وكذلك رأى أبو حنيفة ، والشافعي في المتأول ولا فرق . وأيضا : فإنهم كلهم رأوا لمن سافر ثلاثة أيام أن يفطر إذا فارق بيوت القرية ؛ فإن رجع لشيء أوجب عليه ترك السفر ؛ فلا شيء عليه إلا القضاء ، فقد أوجبوا الفطر في أقل من ميل ، ويغني من هذا كله قول الله تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فلم يخص تعالى سفرا من سفر . ووجدنا ما دون الميل ليس له حكم السفر ؛ لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعد للغائط والبول فلا يقصر ولا يفطر ، ولم نجد في أقل من الميل قولا عن أحد من أهل العلم بالدين واللغة . قال علي : ويلزم من تعلق من الحنفيين بحديث { لا تسافر المرأة } أن لا يرى القصر والفطر في سفر معصية ؛ لأنه عليه السلام لم يبح لها بلا خلاف سفر المعصية أصلا ؛ وإنما أباح لها بلا شك أسفار الطاعات ؛ وهذا مما أوهموا فيه من الأخبار أنهم أخذوا به وهم مخالفون له . قال علي : فأما ما دون الميل فقد قال قوم : ليس له حكم السفر ؛ فلا يجوز الفطر ولا القصر فيه أصلا ، وإن أراد ميلا فصاعدا ؛ لأن نية السفر هي غير السفر ؛ وقد ينوي السفر من لا يسافر ، وقد يسافر من لا ينوي السفر . وقد روي عن أنس الفطر في رمضان في منزله إذا أراد السفر . وروي عن علي : إذ يفارق بيوت القرية . وروي عن ابن عمر : ترك القصر حتى يبلغ ما يقصر في مثله - وبالله تعالى التوفيق . وكان هذا هو النظر لولا حديث أنس { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى مكة فلم يزل يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة } فهذا على عمومه لا يجوز أن يخص منه شيء بغير نص . وأما قولنا : يقضي بعد ذلك في أيام أخر فهو نص القرآن ، وجائز أن يقضيه في سفر ، وفي حضر ، لأن الله تعالى لم يخص بأيام أخر حضرا من سفر .

وأما قولنا : لا يجوز الصوم في السفر فإن الناس اختلفوا - : فقالت طائفة : من سافر بعد دخول رمضان فعليه أن يصومه كله . وقالت طائفة : بل هو مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر . وقالت طائفة : لا بد له من الفطر ولا يجزئه صومه . ثم افترق القائلون بتخييره - : فقالت طائفة : الصوم أفضل ، وقالت طائفة : الفطر أفضل : وقالت طائفة : هما سواء ، وقالت طائفة : لا يجزئه الصوم ولا بد له من الفطر - : فروينا القول الأول : عن علي من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب قال : من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر بعد لزمه الصوم ؛ لأن الله تعالى قال : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وعن عبيدة مثله . ومن طريق ابن عباس مثله ؛ وعن عائشة أم المؤمنين : أنها نهت عن السفر في رمضان ؛ وعن خيثمة كانوا يقولون : إذا حضر رمضان : فلا تسافر حتى تصوم . وعن أبي مجلز مثله قال : فإن أبى أن لا يسافر فليصم . وعن إبراهيم النخعي مثل قول أبي مجلز . وعن عروة بن الزبير أنه سئل عن المسافر أيصوم أم يفطر ؟ فقال : يصوم . وأما الطائفة المجوزة للصوم والفطر ؛ أو المختارة للصوم - : فهو قول أبي حنيفة ، ومالك والشافعي ؛ فشغبوا بقول الله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } واحتجوا بأحاديث - : منها حديث سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { من كانت له حمولة يأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه } . ومن طريق أبي سعيد ، وأبي الدرداء ، وجابر { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه في السفر بالفطر وهو صائم فترددوا وفطر هو عليه السلام } . وذكروا عن أم المؤمنين أنها كانت تصوم في السفر وتتم الصلاة ؛ وعن أبي موسى أنه كان يصوم رمضان في السفر . وعن أنس بن مالك إن أفطرت فرخصة الله تعالى ، وإن صمت فالصوم أفضل . وعن عثمان بن أبي العاص ، وابن عباس : الصوم أفضل . وعن المسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث مثله ؛ وعن علي أنه صام في سفر ؛ لأنه كان راكبا ، وأفطر سعد مولاه ، لأنه كان ماشيا وعن عمر بن عبد العزيز : صمه في اليسر وأفطره في العسر . وعن طاوس : الصوم أفضل ، وعن الأسود بن يزيد مثله . واحتج من رأى الأمرين سواء بحديث { حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي ذلك شئت يا حمزة } . وبحديث مرسل عن الغطريف أبي هارون { أن رجلين سافرا ، فصام أحدهما وأفطر الآخر ، فذكرا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : كلاكما أصاب } . وبحديث مرسل عن أبي عياض { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن ينادى في الناس : من شاء صام ومن شاء أفطر } . ومن طريق أبي سعيد وجابر ، { كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم } . وعن علقمة ، والأسود ، ويزيد بن معاوية النخعي : أنهم سافروا في رمضان فصام بعضهم ، وأفطر بعضهم فلم يعب بعضهم على بعض . وعن عطاء إن شئت فصم وإن شئت فأفطر . وأما من رأى الفطر أفضل فاحتجوا بحديث { حمزة بن عمرو إذ سأل رسول الله عن ذلك فقال له عليه السلام : هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه } . وممن روينا عنه اختيار الفطر على الصوم - : سعد بن أبي وقاص ، روينا أنه سافر هو ، وعبد الرحمن بن الأسود ، والمسور بن مخرمة فصاما وأفطر سعد فقيل له في ذلك ؟ فقال : أنا أفقه منهما . وصح عن ابن عمر أنه كان لا يصوم في السفر وكان معه رقيق فكان يقول : يا نافع ضع له سحوره ؟ قال نافع : وكان ابن عمر إذا سافر أحب إليه أن يفطر يقول : رخصة ربي أحب إلي وأن آجر لك أن تفطر في السفر . ويحتج أهل هذا القول بحديث حمزة بن عمرو الذي روينا آنفا { عن النبي هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه } ، فحسن الفطر ولم يزد في الصوم على إسقاط الجناح . قال علي : هذا ما احتجت به كل طائفة ممن رأت الصوم في السفر لم ندع منه شيئا ، ولسنا نقول بشيء من هذه الأقوال فنحتاج إلى ترجيح بعضها على بعض ، إلا أنها كلها متفقة على جواز الصوم لرمضان في السفر ، وهو خلاف قولنا فإنما يلزمنا دفعها كلها من أجل ذلك فنقول وبالله تعالى نتأيد ونستعين - : أما قول الله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } فقد أتى كبيرة من الكبائر ، وكذب كذبا فاحشا من احتج بها في إباحة الصوم في السفر ؛ لأنه حرف كلام الله تعالى عن موضعه نعوذ بالله تعالى من مثل هذا . وهذا عار لا يرضى به محقق ؛ لأن نص الآية { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم } وإنما نزلت هذه الآية في حال الصوم المنسوخة ؛ وذلك أنه كان الحكم في أول نزول صوم رمضان : أن من شاء صامه ومن شاء أفطره وأطعم مكان كل يوم مسكينا ، وكان الصوم أفضل ، هذا نص الآية ، وليس للسفر فيها مدخل أصلا ولا للإطعام مدخل في الفطر في السفر أصلا ؛ فكيف استجازوا هذه الطامة ؟ وبهذا جاءت السنن ؟ - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج حدثني عمرو بن سواد أنا عبد الله بن وهب أنا عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع { عن سلمة بن الأكوع قال : كنا في رمضان على عهد رسول الله من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى نزلت هذه الآية : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } . } وبه إلى مسلم - : نا قتيبة بن سعيد نا بكر يعني ابن مضر - عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها . قال أبو محمد : فحينئذ كان الصوم أفضل ؛ فظهرت فضيحة من احتج بهذه الآية في الصوم في السفر ؟ وأما حديث ابن المحبق { من كان يأوي إلى حمولة أو شبع فليصم } فحديث ساقط لأن راويه عبد الصمد بن حبيب - وهو بصري - لين الحديث عن سنان بن سلمة بن المحبق وهو مجهول ثم لو صح هذا الخبر لما كان فيه حجة لأحد من الطوائف المذكورة إلا للقول المروي عن عمر بن عبد العزيز " صمه في اليسر ، وأفطره في العسر " لأنه ليس فيه إلا إيجاب الصوم ، ولا بد على ذي الحمولة والشبع ، وهذا خلاف جميع الطوائف المذكورة . وأما حديث الغطريف ، وأبي عياض فمرسلان ؛ ولا حجة في مرسل ؛ وأما حديث حمزة بن عمرو الذي ذكرنا هاهنا الذي فيه إباحة الصوم في رمضان في السفر ؛ فإنما هو من رواية ابن حمزة - ابنه محمد بن حمزة - وهو ضعيف ، وأبوه كذلك ؛ وأما الثابت من حديث حمزة هو ما نذكره إن شاء الله تعالى . وأما حديث أبي سعيد ، وأبي الدرداء ، وجابر ؛ فلا حجة لهم في شيء منها لوجهين : أحدهما : ليس في شيء منها أنه عليه الصلاة والسلام كان صائما لرمضان ، وإذ ليس ذلك فيها فلا يجوز القطع بذلك ، ولا الاحتجاج باختراع ما ليس في الخبر على القرآن ، وقد يمكن أن يكون صائما تطوعا . والثاني : أنه حتى لو كان ذلك فيها نصا لما كان لهم فيها حجة ؛ لأن آخر الأمرين من رسول الله إيجاب الفطر في رمضان في السفر ؛ فلو كان صوم رمضان في السفر قبل ذلك مباحا لكان منسوخا بآخر أمره عليه الصلاة والسلام كما نذكره إن شاء الله تعالى

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/كتاب الصيام

كتاب الصيام (مسألة 726 - 729) | كتاب الصيام (مسألة 730 - 734) | كتاب الصيام (مسألة 735 - 738) | كتاب الصيام (مسألة 739 - 752) | كتاب الصيام (مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 1 مسألة 753) | كتاب الصيام (تتمة 2 مسألة 753) | كتاب الصيام ( مسألة 754 - 757) | كتاب الصيام (مسألة 758 - 761) | كتاب الصيام (مسألة 762) | كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) | كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) | كتاب الصيام (مسألة 775 - 787) | كتاب الصيام (مسألة 788 - 796) | كتاب الصيام (مسألة 797 - 808) | كتاب الصيام (مسألة 809 - 810)