مقدمة فتح الباري/الفصل العاشر/ذكر جمل من الأخبار الشاهدة لسعة حفظه وسيلان ذهنه واطلاعه على العلل

ذكر جمل من الأخبار الشاهدة لسعة حفظه وسيلان ذهنه واطلاعه على العلل سوى ما تقدم

أخبرني أبو العباس البغدادي عن الحافظ أبي الحجاج المزي أن أبا الفتح الشيباني أخبره أخبرنا أبو اليمان الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر بن ثابت الحافظ حدثني محمد بن الحسن الساحلي حدثنا أحمد بن الحسين الرازي سمعت أبا أحمد بن عدي الحافظ يقول سمعت عدة من مشايخ بغداد يقولون إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوها إلى عشرة أنفس لكل رجل عشرة أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري وأخذوا عليه الموعد للمجلس فحضروا وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه فما زال يلقى عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ البخاري يقول لا أعرفه وكان العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل ومن كان لم يدر القصة يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ ثم انتدب رجل من العشرة أيضا فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه فلم يزل يلقي عليه واحدا واحدا حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه فلما علم أنهم قد فرغوا إلتفت إلى الأول فقال أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل قلت هنا يخضع للبخاري فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظا بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة وروينا عن أبي بكر الكلوذاني قال ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلم فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث من مرة واحدة وقد سبق ما حكاه حاشد بن إسماعيل في أيام طلبهم بالبصرة معه وكونه كان يحفظ ما يسمع ولا يكتب وقال أبو الأزهر كان بسمرقند أربعمائة محدث فتجمعوا وأحبوا أن يغالطوا محمد بن إسماعيل فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد العراق في إسناد الشام وإسناد الحرم في إسناد اليمن فما استطاعوا مع ذلك أن يتعلقوا عليه بسقطة وقال غنجار في تاريخه سمعت أبا القاسم منصور بن إسحاق بن إبراهيم الأسدي يقول سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم يقول سمعت يوسف بن موسى المروزي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا إليه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا ليس في لحيته بياض فصلى خلف الأسطوانة فلما فرغ أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلسا للإملاء فأجابهم إلى ذلك فقام المنادي ثانيا في جامع البصرة فقال يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فسألناه أن يعقد مجلس الإملاء فأجاب بأن يجلس غدا في موضع كذا فلما كان الغد حضر المحدثون والحفاظ والفقهاء والنظارة حتى اجتمع قريب من كذا كذا ألف نفس فجلس أبو عبد الله للإملاء فقال قبل أن يأخذ في الإملاء يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدونها يعني ليست عندكم قال فتعجب الناس من قوله فأخذ في الإملاء فقال حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد العتكي ببلدكم قال حدثني أبي عن شعبة عن منصور وغيره عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك أن أعرابيا جاء إلى النبي فقال يا رسول الله الرجل يحب القوم الحديث ثم قال هذا ليس عندكم عن منصور إنما هو عندكم عن غير منصور قال يوسف بن موسى فأملى عليهم مجلسا من هذا النسق يقول في كل حديث روى فلان هذا الحديث عندكم كذا فأما من رواية فلان يعني التي يسوقها فليست عندكم وقال حمدويه بن الخطاب لما قدم البخاري قدمته الأخيرة من العراق وتلقاه من تلقاه من الناس وازدحموا عليه وبالغوا في بره قيل له في ذلك فقال كيف لو رأيتم يوم دخولنا البصرة كأنه يشير إلى قصة دخوله التي ذكرها يوسف بن موسى أنبئت عن أبي نصر بن الشيرازي عن جده أن الحافظ أبا القاسم بن عساكر أخبرنا إسماعيل بن أبي صالح أنبأنا أبو بكر بن خلف أخبرنا الحاكم أبو عبد الله ح وقرأته عاليا على أبي بكر الفرضي عن القاسم بن مظفر أخبرنا علي بن الحسين بن علي عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر وأبي الفضل الميهني قالا أخبرنا أبو بكر بن خلف قال بن ناصر إجازة أخبرنا الحاكم قال حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد النسوي حدثني أبو حسان مهيب بن سليم سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول اعتللت بنيسابور علة خفيفة وذلك في شهر رمضان فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي أفطرت يا أبا عبد الله فقلت نعم فقال يعني تعجلت في قبول الرخصة فقلت أخبرنا عبدان عن بن المبارك عن بن جريج قال قلت لعطاء من أي المرض أفطر قال من أي مرض كان كما قال الله عز وجل فمن كان منكم مريضا قال البخاري لم يكن هذا عند إسحاق وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت محمد بن إسماعيل يقول لو نشر بعض أستاري هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت البخاري ولا عرفوه ثم قال صنفته ثلاث مرات وقال أحيد بن أبي جعفر وإلي بخارى قال لي محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له يا أبا عبد الله بتمامه فسكت وقال سليم بن مجاهد قال لي محمد بن إسماعيل لا أجيء بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروي حديثا من حديث الصحابة والتابعين يعني من الموقوفات إلا وله أصل أحفظ ذلك عن كتاب الله وسنة رسوله وقال علي بن الحسين بن عاصم البيكندي قدم علينا محمد بن إسماعيل فقال له رجل من أصحابنا سمعت إسحاق بن راهويه يقول كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي فقال له محمد بن إسماعيل أو تعجب من هذا القول لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف ألف من كتابه وإنما عني نفسه وقال محمد بن حمدويه سمعت البخاري يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح قال وراقه سمعته يقول ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت في تصانيفي من الحديث فإذا نحو مائتي ألف حديث وقال أيضا لو قيل لي تمن لما قمت حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة وقال أيضا قلت له تحفظ جميع ما أدخلت في مصنفاتك فقال لا يخفي علي جميع ما فيها وصنفت جميع كتبي ثلاث مرات قال وبلغني أنه شرب البلاذر فقلت له مرة في خلوة هل من دواء للحفظ فقال لا أعلم ثم أقبل علي فقال لا أعلم شيئا أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر وقال أقمت بالمدينة بعد أن حججت سنة حردا أكتب الحديث قال وأقمت بالبصرة خمس سنين معي كتبي أصنف وأحج وأرجع من مكة إلى البصرة قال وأنا أرجو أن يبارك الله تعالى للمسلمين في هذه المصنفات وقال البخاري تذكرت يوما أصحاب أنس فحضرني في ساعة ثلاثمائة نفس وما قدمت على شيخ إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به وقال وراقه عمل كتابا في الهبة فيه نحو خمسمائة حديث وقال ليس في كتاب وكيع في الهبة إلا حديثان مسندان أو ثلاثة وفي كتاب بن المبارك خمسة أو نحوها وقال أيضا ما جلست للتحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في كتب أهل الرأي وما تركت بالبصرة حديثا إلا كتبته قال وسمعته يقول لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة قال فقلت له يمكن معرفة ذلك قال نعم وقال أحمد بن حمدون الحافظ رأيت البخاري في جنازة ومحمد بن يحيى الذهلي يسأله عن الأسماء والعلل والبخاري يمر فيه مثل السهم كأنه يقرأ قل هو الله أحد وقرأت على عبد الله بن محمد المقدسي عن أحمد بن نعمة شفاها عن جعفر بن علي مكاتبة أن السلفي أخبرهم أخبرنا أبو الفتح المالكي أخبرنا أبو يعلى الخليل بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد المخلدي في كتابه أخبرنا أبو حامد الأعمش الحافظ قال كنا يوما عند محمد بن إسماعيل البخاري بنيسابور فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر قال بعثنا رسول الله في سرية ومعنا أبو عبيدة الحديث بطوله فقال البخاري حدثنا بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبيد الله فذكر الحديث بتمامه قال فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن بن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال كفارة المجلس إذا قام العبد أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقال له مسلم في الدنيا أحسن من هذا الحديث بن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا فقال محمد بن إسماعيل إلا أنه معلول فقال مسلم لا إله إلا الله وارتعد أخبرني به فقال أستر ما ستر الله هذا حديث جليل رواه الناس عن حجاج بن محمد عن بن جريج فألح عليه وقبل رأسه وكاد أن يبكي فقال اكتب إن كان ولا بد حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قال قال رسول الله كفارة المجلس فقال له مسلم لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك وهكذا روى الحاكم هذه القصة في تاريخ نيسابور عن أبي محمد المخلدي ورواها البيهقي في المدخل عن الحاكم أبي عبد الله على سياق آخر قال سمعت أبا نصر أحمد بن محمد الوراق يقول سمعت أحمد بن حمدون القصار وهو أبو حامد الأعمش يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل فقبل بين عينيه وقال دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله حدثك محمد بن سلام حدثنا مخلد بن يزيد أخبرنا بن جريج حدثني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك اللهم ربنا وبحمدك فقال محمد بن إسماعيل وحدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا حجاج بن محمد عن بن جريج قال حدثني موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي قال كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك ربنا وبحمدك فقال محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا إلا أنه معلول حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله قال محمد بن إسماعيل هذا أولى ولا يذكر لموسى بن عقبة مسندا عن سهيل ورواها الحاكم في علوم الحديث له بهذا الإسناد أخصر من هذا السياق وقال في آخرها كلاما موهوما فإنه قال فيه أن البخاري قال لا أعلم في الباب غير هذا الحديث الواحد ولم يقل البخاري ذلك وإنما قال ما تقدم ولا يتصور وقوع هذا من البخاري مع معرفته بما في الباب من الأحاديث والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ذكر فضائل الجامع الصحيح سوى ما تقدم في الفصول الأولى وغيرها قال أبو الهيثم الكشميهني سمعت الفربري يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين وعن البخاري قال صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله وقال أبو سعيد الإدريسي أخبرنا سليمان بن داود الهروي سمعت عبد الله بن محمد بن هاشم يقول قال عمر بن محمد بن بجير البجيري سمعت محمد بن إسماعيل يقول صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثا حتى استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته قلت الجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه كان يصنفه في البلاد أنه ابتدأ تصنيفه وترتيبه وأبوابه في المسجد الحرام ثم كان يخرج الأحاديث بعد ذلك في بلده وغيرها ويدل عليه قوله إنه أقام فيه ست عشرة سنة فإنه لم يجاور بمكة هذه المدة كلها وقد روى بن عدي عن جماعة من المشايخ أن البخاري حول تراجم جامعه بين قبر النبي ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين قلت ولا ينافي هذا أيضا ما تقدم لأنه يحمل على أنه في الأول كتبه في المسودة وهنا حوله من المسودة إلى المبيضة وقال الفربري سمعت محمد بن حاتم وراق البخاري يقول رأيت البخاري في المنام خلف النبي والنبي يمشي فكلما رفع النبي قدمه وضع أبو عبد الله قدمه في ذلك الموضع وقال الخطيب أنبأنا أبو سعد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي سمعت الفربري يقول سمعت نجم بن فضيل وكان من أهل الفهم يقول رأيت النبي في المنام خرج من قبره والبخاري يمشي خلفه فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على خطوة النبي قال الخطيب وكتب إلى علي بن محمد الجرجاني من أصبهان أنه سمع محمد بن مكي يقول سمعت الفربري يقول رأيت النبي في النوم فقال لي أين تريد فقلت أريد محمد بن إسماعيل فقال أقرئه مني السلام وقال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي فيما قرأنا على فاطمة وعائشة بنتي محمد بن الهادي أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم عن عبد الله بن عمر بن علي أن أبا الوقت أخبرهم عنه سماعا أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهروي سمعت خالد بن عبد الله المروزي يقول سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي يقول سمعت أبا زيد المروزي يقول كنت نائما بين الركن والمقام فرأيت النبي في المنام فقال لي يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي فقلت يا رسول الله وما كتابك قال جامع محمد بن إسماعيل وقال الخطيب حدثني محمد بن علي الصوري حدثنا عبد الغني بن سعيد حدثنا أبو الفضل جعفر بن الفضل أخبرنا محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون قال سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن العلاء وسهيل فقال هما خير من فليح ومع هذا فما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل وقال أبو جعفر العقيلي لما صنف البخاري كتاب الصحيح عرضه على بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث قال العقيلي والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة وقال الحاكم أبو أحمد رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام فإنه الذي ألف الأصول وبين للناس وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه كمسلم فرق أكثر كتابه وتجلد فيه حق الجلادة حيث لم ينسبه إليه وقال أبو الحسن الدارقطني الحافظ لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء وقال أيضا إنما أخذ مسلم كتاب البخاري فعمل فيه مستخرجا وزاد فيه أحاديث ذكر ما وقع بينه وبين الذهلي في مسألة اللفظ وما حصل له من المحنة بسبب ذلك وبراءته مما نسب إليه من ذلك قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه قدم البخاري نيسابور سنة خمسين ومائتين فأقام بها مدة يحدث على الدوام قال فسمعت محمد بن حامد البزار يقول سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه قال فذهب الناس إليه فأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى قال فتكلم فيه بعد ذلك وقال حاتم بن أحمد بن محمود سمعت مسلم بن الحجاج يقول لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت واليا ولا عالما فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدا فليستقبله فإني أستقبله فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور فدخل البلد فنزل دار البخاريين فقال لنا محمد بن يحيى لا تسألوه عن شيء من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه وشمت بن كل ناصبي ورافضي ومرجىء بخراسان قال فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن فقال أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا قال فوقع بين الناس اختلاف فقال بعضهم قال لفظي بالقرآن مخلوق وقال بعضهم لم يقل فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض قال فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم وقال أبو أحمد بن عدي ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت فقال لأصحاب الحديث أن محمد بن إسماعيل يقول لفظي بالقرآن مخلوق فلما حضر المجلس قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أو غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثا فألح عليه فقال البخاري القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة فشغب الرجل وقال قد قال لفظي بالقرآن مخلوق وقال الحاكم حدثنا أبو بكر أبي الهيثم حدثنا الفربري قال سمعت محمد بن إسماعيل يقول إن أفعال العباد مخلوقة فقد حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال قال رسول الله أن الله يصنع كل صانع وصنعته قال البخاري وسمعت عبيد الله بن سعيد يعني أبا قدامة السرخسي يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة قال محمد بن إسماعيل حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المبين المثبت في المصاحف الموعى في القلوب فهو كلام الله غير مخلوق قال الله تعالى بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم قال وقال إسحاق بن راهويه أما الأوعية فمن يشك أنها مخلوقة وقال أبو حامد بن الشرقي سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول القرآن كلام الله غير مخلوق ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع ولا يجالس ولا يكلم ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل فاتهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه وقال الحاكم ولما وقع بين البخاري وبين الذهلي في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة قال الذهلي ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته وقام على رؤوس الناس فبعث إلى الذهلي جميع ما كان كتبه عنه على ظهر جمال قلت وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا وقال الحاكم أبو عبد الله سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول دخلت على البخاري فقلت يا أبا عبد الله إن هذا رجل مقبول بخراسان خصوصا في هذه المدينة وقد لج في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى قال فقبض على لحيته ثم قال وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرا ولا بطرا ولا طلبا للرياسة وإنما أبت علي نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني الله لا غير ثم قال لي يا أحمد أني خارج غدا لتخلصوا من حديثه لأجلي وقال الحاكم أيضا عن الحافظ أبي عبد الله بن الأخرم قال لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة من مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري قال الذهلي لا يساكنني هذا الرجل في البلد فخشي البخاري وسافر وقال غنجار في تاريخ بخاري حدثنا خلف بن محمد قال سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف بنيسابور يقول كنا يوما عند أبي إسحاق القرشي ومعنا محمد بن نصر المروزي فجرى ذكر محمد بن إسماعيل فقال محمد بن نصر سمعته يقول من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله فقلت له يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا فأكثروا فقال ليس إلا ما أقول لك قال أبو عمرو فأتيت البخاري فذاكرته بشيء من الحديث حتى طابت نفسه فقلت يا أبا عبد الله ههنا من يحكي عنك إنك تقول لفظي بالقرآن مخلوق فقال يا أبا عمرو احفظ عنى من زعم من أهل نيسابور وسمى غيرها من البلدان بلادا كثيرة أننى قلت لفظى بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة وقال الحاكم سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول سمعت محمد بن نعيم يقول سألت محمد بن إسماعيل لما وقع في شأنه ما وقع عن الإيمان فقال قول وعمل ويزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق وأفضل أصحاب رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي على هذا حييت وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله تعالى ذكر تصانيفه والرواة عنه تقدم ذكر الجامع الصحيح وذكر الفربري أنه سمعه منه تسعون ألفا وأنه لم يبق من يرويه غيره وأطلق ذلك بناء على ما في علمه وقد تأخر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمد بن علي بن قريبة البزدوي وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلمائة ذكر ذلك من كونه روى الجامع الصحيح عن البخاري أبو نصر بن ماكولا وغيره ومن رواة الجامع أيضا ممن اتصلت لنا روايته بالإجازة إبراهيم بن معقل النسفي وفاته منه قطعة من آخره رواها بالإجازة وكذلك حماد بن شاكر النسوي والرواية التي اتصلت بالسماع في هذه الأعصار وما قبلها هي رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري ومن تصانيفه أيضا الأدب المفرد يرويه عنه أحمد بن محمد بن الجليل بالجيم البزار ورفع اليدين في الصلاة والقراءة خلف الإمام يرويهما عنه محمود بن إسحاق الخزاعي وهو آخر من حدث عنه ببخارا وبر الوالدين يرويه عنه محمد بن دلويه الوراق التاريخ الكبير يرويه عنه أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس وأبو الحسن محمد بن سهل النسوي وغيره والتاريخ الأوسط يرويه عنه عبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفاف وزنجويه بن محمد اللباد والتاريخ الصغير يرويه عنه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأشقر وخلق أفعال العباد يرويه عنه يوسف بن ريحان بن عبد الصمد والفربري أيضا وكتاب الضعفاء يرويه عنه أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي وأبو جعفر شيخ بن سعيد وأدم بن موسى الخواري وهذه التصانيف موجودة مروية لنا بالسماع أو بالإجازة ومن تصانيفه أيضا الجامع الكبير ذكره بن طاهر والمسند الكبير والتفسير الكبير ذكره الفربري وكتاب الأشربة ذكره الدارقطني في المؤتلف والمختلف في ترجمة كيسة وكتاب الهبة ذكره وراقه كما تقدم وأسامي الصحابة ذكره أبو القاسم بن منده وأنه يرويه من طريق بن فارس عنه وقد نقل منه أبو القاسم البغوي الكبير في معجم الصحابة له وكذا بن منده في المعرفة ونقل أيضا من كتاب الوحدان له وهو من ليس له إلا حديث وأحد من الصحابة وكتاب المبسوط ذكره الخليلي في الإرشاد وأن مهيب بن سليم رواه عنه وكتاب العلل ذكره أبو القاسم بن منده أيضا وأنه يرويه عن محمد بن عبد الله بن حمدون عن أبي محمد عبد الله بن الشرقي عنه وكتاب الكنى ذكره الحاكم أبو أحمد ونقل منه وكتاب الفوائد ذكره الترمذي في أثناء كتاب المناقب من جامعه وممن روى عنه من مشايخه عبد الله بن محمد المسندي وعبد الله بن منير وإسحاق بن أحمد السرماري ومحمد بن خلف بن قتيبة ونحوهم ومن أقرانه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وإبراهيم الحربي وأبو بكر بن أبي عاصم وموسى بن هارون الجمال ومحمد بن عبد الله بن مطين وإسحاق بن أحمد بن يرك الفارسي ومحمد بن قتيبة البخاري وأبو بكر الأعين ومن الكبار الآخذين عنه من الحفاظ صالح بن محمد الملقب جزرة ومسلم بن الحجاج وأبو الفضل أحمد بن سلمة وأبو بكر بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن نصر المروزي وأبو عبد الرحمن النسائي وروى أيضا عن رجل عنه وأبو عيسى الترمذي وتلمذ له وأكثر من الاعتماد عليه وعمر بن محمد البحيرى وأبو بكر بن أبي الدنيا وأبو بكر البزار وحسين بن محمد القباني ويعقوب بن يوسف بن الأخرم وعبد الله بن محمد بن ناجية وسهل بن شاذويه البخاري وعبيد الله بن واصل والقاسم بن زكريا المطرز وأبو قريش محمد بن جمعه ومحمد بن محمد بن سليمان الباغندي وإبراهيم بن موسى الجويري وعلي بن العباس التابعي وأبو حامد الأعمشي وأبو بكر أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي وإسحاق بن داود الصواف وحاشد بن إسماعيل البخاري ومحمد بن عبد الله بن الجنيد ومحمد بن موسى النهرتيري وجعفر بن محمد النيسابوري وأبو بكر بن أبي داود وأبو القاسم البغوي وأبو محمد بن صاعد ومحمد بن هارون الخضرمي والحسين بن إسماعيل المحاملي البغدادي وهو آخر من حدث عنه ببغداد



هدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني
المقدمة | الفصل الأول في بيان السبب الباعث لأبي عبد الله البخاري على تصنيف جامعه الصحيح وبيان حسن نيته في ذلك | الفصل الثاني في بيان موضوعه والكشف عن مغزاه فيه | الفصل الثالث في بيان تقطيعه للحديث واختصاره وفائدة اعادته له في الأبواب وتكراره | الفصل الرابع في بيان السبب في إيراده للأحاديث المعلقة مرفوعة وموقوفة وشرح أحكام ذلك | الفصل الخامس في سياق ما في الكتاب من الألفاظ الغريبة على ترتيب الحروف مشروحا | الألف | الباء | التاء | الثاء | الجيم | الحاء | الخاء | الدال | الذال | الراء | الزاي | السين | الشين | الصاد | الضاد | الطاء | الظاء | العين | الغين | الفاء | القاف | الكاف | اللام | الميم | النون | الهاء | الواو | الياء | الفصل السادس في بيان المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب والأنساب مما وقع في صحيح البخاري على ترتيب الحروف ممن له ذكر فيه أو رواية وضبط الأسماء المفردة فيه | الفصل السابع في تبيين الأسماء المهملة التي يكثر اشتراكها | ذكر من اسمه أحمد | ذكر من اسمه إسحاق | ذكر من اسمه إسماعيل | ذكر من اسمه حبان وغير ذلك | ذكر من اسمه عبدة | ذكر من اسمه عثمان | ذكر من اسمه علي | ذكر من اسمه عمر | ذكر من اسمه عياش | ذكر من اسمه محمد | ذكر من اسمه محمود | ذكر من اسمه مسلم | ذكر من اسمه موسى | ذكر من اسمه هارون | ذكر من اسمه هشام | ذكر من اسمه يحيى | ذكر من اسمه يعقوب | ذكر من اسمه يوسف | ذكر من يكنى أبا أحمد | ذكر من يكنى أبا صالح | ذكر من يكنى أبا معمر | ذكر من يكنى أبا الوليد | فصل في تسمية من اشتهر بالكنية وتكرر اسمه غالبا | فصل فيمن ذكر باسم أبيه أو جده أو نحو ذلك | الفصل الثالث في تسمية من ذكر من الأنساب | الفصل الرابع فيمن يذكر بلقب ونحوه | حسب الكتب والأبواب | الفصل الثامن في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه حافظ عصره أبو الحسن الدارقطني وغيره من النقاد وإيرادها حديث حديثا على سياق الكتاب وسياق ما حضر من الجواب عن ذلك | الفصل التاسع في سياق أسماء من طعن فيه من رجال هذا الكتاب مرتبا لهم على حروف المعجم والجواب عن الاعتراضات موضعا موضعا وتمييز من أخرج له منهم في الأصول أو في المتابعات والاستشهادات مفصلا لذلك جميعه | الألف | الباء | التاء | الثاء | الجيم | الحاء | الخاء | الدال | الذال | الراء | الزاي | السين | الشين | الصاد | الطاء | العين | الغين | الفاء | القاف | الكاف | الميم | النون | الهاء | الواو | الياء | فصل في سياق من علق البخاري شيئا من أحاديثهم ممن تكلم فيه | فصل في تمييز أسباب الطعن في المذكورين ومنه يتضح من يصلح منهم للاحتجاج به ومن لا يصلح | الفصل العاشر في عد أحاديث الجامع | ذكر مناسبة الترتيب المذكور بالأبواب المذكورة | ذكر عدة ما لكل صحابي في صحيح البخاري | ذكر مراتب مشايخه الذين كتب عنهم وحدث عنهم | ذكر ثناء الناس عليه وتعظيمهم له | ذكر جمل من الأخبار الشاهدة لسعة حفظه وسيلان ذهنه واطلاعه على العلل