مجلة البيان للبرقوقي/العدد 14/أخبار وحوادث

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 14/أخبار وحوادث

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 12 - 1913



عيد الجلوس الخديوي

احتفلت الأمة المصرية قاطبة في اليوم الثامن من هذا الشهر بعيد مشهود في تاريخ سعادتها وتقدمها. وذكرى يوم بدأت منه تسير في سبيل الرقي بخطوات واسعة. ذلكم هو عيد جلوس مولانا سمو الجناب العالي الخديوي الحاج عباس حلمي الثاني - حرسه الله وأبقاه_على أريكة كنانة الله في أرضه.

وسننشر صورة سموه الكريمة متيمنين في مستهل عامنا الثالث ونكتب عن عهده الخصيب وأيامه الزاهرة.

جورج أبيض وجوقته

عاد من البلاد السورية بعد غياب أشهر عدة الممثل النابغة الكبير جورج أبيض وسيبدأ التمثيل في الأوبرا الخديوية أوائل مارس وقد بدأ في هذه الأيام بتمثيل رواية نابوليون في مرسح برنتانيا وهي رواية شائقة جليلة الموضوع تدور حول المؤامرات التي كان يعقدها الملكيون لقتل نابوليون أيام القنصل الأول. وكان أفراد الجوقة وكلهم من الممثلين الأكفاء يمثلون أدوارهم في غاية من الدقة والافتتان وكان الأستاذ جورج أبيض يمثل دور نابوليون وقد تجلى فيه آية في الإبداع. وكانت حركاته التمثيلية غاية في المهارة والإتقان، ولهجته نهاية في التأثير. وقد كانت الجوقة في هذه الرواية موضوع أعجاب الحضور، ونحن نشكر للأستاذ جورج أبيض عنايته بانتقاء القديرين من الممثلين. واهتمامه الكبير بترقية فن الدراما في مصر. ونرجو أن يتخير أيضاً الأكفاء من المعربين حتى ينهض التمثيل على يديه بجملته. وتلازم الأساليب السهلة الراقية الصناعة التمثيلية العالية. وندعو المصريين جميعاً إلى أن يقبلوا الإقبال كله على روايات ممثلنا النابغة وأن يكبروا شأن التمثيل. فليست النهضة التمثيلية بأقل شأناً من النهضة العلمية أو النهضة الأدبية أو غيرهما من النهضات النافعة. وليست دار التمثيل بأقل خدمة للشعب من المعهد أو المدرسة. وليست الروايات التمثيلية إلا محاضرات عالية يقدمها الممثل لتزكية أفراد الشعب بأجمعه. وأن الإقبال على الدراما الراقية دليل على أن الأمة متنبهة تطلب الرقي من مصادره وتبحث عن منفعتها من مكانها.

هذه كلمة مجملة اليوم وسنعود إلى تفصيل الكلام على الأستاذ جورج أبيض وترجمة حياته ورواياته ونشر صورته في الأعداد القادمة.

علي باشا أبو الفتوح

ليس الموت هو الذي يخيف ويفزعن بل هي اشراكه وحبائله. بل إن غمرات الموت وسكراته، وعويل الخلصاء، وبكاء الأقارب، والأثواب الغدافية، والمناعي والمناحات. هي التي ترينا الموت رائعاً هائلاً.

وإذا كنا لا نرهب الموت ولا نخاف وقعه، فإننا نأسي على الذين يختطفهم الموت، وهم ركن شديد لنا، وحمى منيع لدينا، بل كم من مئات من الناس يموتون في اليوم الواحد، لا يبكي الشعب عليهم، ولا يعلم عن موتهم إلا أرقاماً في الإحصائيات الأسبوعية، وكم في الأحياء من ألوف يحسبون في التعداد، وما كان أحق أن تحتويهم جداول الموتى، وكأني بالموت لا تخدعه الكثرة، ولا يغره العديد، وإلا لما رأيت الجيوش تعود من الميدان بكتائب منها، بل كم من جندي ثابت اللقاء راح في المعمعة قتيلاً، على حين عاد منها إلا كتع الهيابة يبتهج بالنصر، ويلهو بالظفر، وإلا لما رأيت العظيم ينتشل من بين شعبه وفيه الآلوف من الرذالة والغوغاء الذين يحسبون إلى شعبهم بموتهم.

وإذا كان في حياة العظيم فرح أمته وابتهاجها، فإن في موته أسى لها يزيد على قدر ذلك الفرح، لأن الأسى على العظمة المفقودة أشد من الفرح بالعظمة الموجودة، وإذا كان الفرد يبتئس بموت صديقه النافع، فما بالك بأسى مجموع الشعب على صديقه القائم على خدمته ونصرته.

تلك كلمة جالت بخاطرنا إذ ذكرنا فقيداً لنا اختطفته المنية من بيننا في الشهر المنصرم، وإذ ذكرنا فقده شهماً لا يهم بأمر إلا أمضاه، ورجلاً جمع بين النبوغ الفطري، والعزمة الراسخة والعلم الواسع. وأنا لنذكره ما دامت مجلة البيان أنه الذي عني بها ولم تك بيننا وبينه صداقة مؤكدة ولا غير مؤكدة. إذ أرسل إلينا خطاباً دون سابقة عرفان بيننا يقول أنه قد قرر اشتراك نظارة المعارف العمومية في مجلدات من البيان. ولقد زرناه في النظارة قبل مرضه بأيام فاحتفل بنا ووعدنا أن سيكتب في البيان ويعطينا صورته. فخرجنا من لدته ونحن أعلم من قبل بنبوغه وفضله ووطنيته. وأنه الرجل الكبير الفذ الذي يقدر كل مشروع مفيد قدرهز

ذلكم هو فقيد الشعب المصري ألا سيف المرحوم علي أبو الفتوح باشا وكيل نظارة المعارف السابق. فلا حول ولا قوة بالله. . .

الجمعية التشريعية

كان موعد الانتخاب العام لأعضاء الجمعية التشريعية يوم السبت 13 ديسمبر الماضي وما كان المساء حتى عرف الناس أسماء بعض المنتخبين الذين كانت مصر تعلق على فوزهم في الانتخاب الأهمية الكبرى ومن ذلك الأعضاء النائبون عن القاهرة، ولم يكد يرتفع ضحى اليوم الثاني حتى عرف أغلب المنتخبين الفائزين وأجل انتخاب البعض ليوم إعادة الانتخاب، وقد أعيد الانتخاب فظفر به من ظفر، وسيكون افتتاح الجمعية التشريعية في اليوم الثاني والعشرين من هذا الشهر (يناير سنة 1914) وسيحضر النواب بالملابس الرسمية والنياشين.

وقد نشرنا في الصحف أننا سنصدر عدداً خاصاً بحضرات الأعضاء وتراجم حياتهم ومبادئهم وآرائهم حتى يكون ككتاب خالد، وسيصدر في القريب العاجل إن شاء الله.

التنقلات الإدارية في الحكومة

حول ديوان عموم الأوقاف إلى نظارة وانتقلت شؤونه إلى أيدي الحكومة المصرية فسبب هذا التحويل تنقلات كثيرة في الإدارة فقلد وزارة الأوقاف سعادة الوزير العامل أحمد حشمت باشا وحل محله في وزارة المعارف سعادة أحمد حلمي باشا وقد كان ناظراً للمالية وأصبح على وزارة المالية سعادة سعيد ذو الفقار باشا الذي كان مديراً للدقهلية. وأحيل على المعاش سعادة إبراهيم باشا نجيب الذي كان مديراً للأوقاف وعين سعادة الأستاذ المحقق محمد بك أمين واصف مدير الجيزة مفتشاً عاماً لنظارة الأوقاف.

وكذلك حولت مصلحة الزراعة إلى نظارة وقلد وزارتها سعادة محمد محب باشا مدير الغربية وزيد في اختصاصاتها فانتقلت جميع المدارس الزراعية العالية والابتدائية من رعاية نظارة المعارف إلى رعايتها وكذلك أخذت اختصاصات أخرى من نظارة الأشغال وأعدت لها مكاناً لها بسراي فاضل باشا بالقرب من نظارة الأشغال لتكاثر الأشغال عليها وعين في وكالة المعارف سعادة إسماعيل باشا حسنين ناظر مدرسة المعلمين الخديوية.

وبذلك أصبحت نظارات الحكومة تسع نظارات يشغلها ثمانية وزراء.

ومن هنا حدثت تنقلات في المديديات ووكالاتها.

النبأ العظيم

حول مشروع أبطال العالم

علم القراء ما هو مشروع أبطال العالم. ونزيد هنا أنا سنفتتح هذا المشروع الجليل بسيرة سيد العالم سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله - وذلك كما يأتي:

ستقع هذه السيرة المحمدية المباركة في ستة أسفار كل سفر مانون صفحة (وهذه الثمانون صفحة هي أقل صفحات فرضناها للكلام على كل بطل) لا تظهر هذه الأسفار الست الخصيصة بالمصطفى متتالية بعضها إثر بعض ولكن سيظهر السفر الأول منها مبتدأً الخمسة الأسفار الأول ثم تظهر أربعة أسفار عن أربعة أبطا منوعين. وبعد أن تنتهي الخمسة الأسفار الأول (ومنها السفر الأول في السيرة المحمدية طبعاً) يظهر السفر الثاني من السيرة المحمدية ثم أربعة أسفار عن أربعة أبطال منوعين. وهلم جراً إلى أن تنتهي السيرة المحمدية على هذا الترتيب. أما طريقتنا في الكلام على المصطفى فهي على الجملة طريقة أهل البحث والنظر وبالحري طريقة المؤرخين الباحثين لا طريقة المؤرخين الذين يسردون الحوادث سرداً (أنظر النبذة الأولى من المقدمة الأولى لتاريخ الإسلام في العدد الأول من السنة الأولى للبيان) وسيكون معولنا في ذلك كتب مؤرخي العرب ومؤرخي الافرنج وكل كتاب عربي أو غربي يتعرض لمسألة عمرانية أو فلسفية أو تاريخية أو جغرافية أو أدبية تعترضنا في هذه السبيل. ومن هنا أحضرنا مكتبة جامعة تحتوي كل كتاب عربي وغربي له صلة كبيرة أو صغيرة بموضوعنا هذا. وسنشير إلى هذه المصادر ف هوامش صفحات السيرة وسنبدأ السيرة بمقدمات في صفة جزيرة العرب وتاريخ العرب وأديانهم وعاداتهم وما إلى ذلك مع الصور والخرائط. وفي ضفة سائر الدول التي كانت تعاصر المصطفى عليه السلام وفي القول على سائر الأديان التي كان الناس يدينون بها في تلك الأعصر. ثم يلي ذلك تاريخ العالم بأسلوب نرجو أن يكون عند رجاء القارئين إن شاء الله والله وحده هو الموفق والمعين.

الشيء يذكر بالشيء وإذ قد كنا جعلنا من بين أبواب البيان باب تاريخ الإسلام - وكان القسم الأول من هذا التاريخ وهو تاريخ المصطفى ومقدماته سنفرد له أسفاراً من بين أسفار أبطال العالم، وكان من حق القراء علينا أن نستمر في هذا الباب باب تاريخ الإسلام لمكانه من الفائدة واللذة. رأينا أن نستأنف القول على تاريخ الإسلام من وقت أن استأثر الله بالمصطفى وذلك في العدد القادم إن شاء الله.

موضوعات العدد القادم

قد انتهت بهذا العدد العاشر السنة الثانية من البيان وسيستقبل عامه الثالث وكله أمل أن يكون فيه عند تعضيد القراء وإقبال المشتركين على دفع اشتراكاتهم المتقدم منها والمتأخر حتى لا يمسكنا عن إصدار العدد في موعده مطل الماطلين.

ومن بين موضوعات العدد الأول من السنة الثالثة مقدمة العام وباب تاريخ الإسلام وفصل في التعليم من كتاب روح التربية للعلامة الدكتور جوستاف لوبون، والعلم والمدنية الحديثة من كتاب النزاع بين العلم والدين بقلم أكبر منصفي الإسلام الفيلسوف الأميركي ويليم دريبر، وفصل في سر تطور المادة يتضمن الآراء الحديثة عن فناء المادة بقلم جوستاف لوبون. ورواية بديعة تامة للكاتب الفرنسي العصري المشهور أناطول فرانس وتابع مقدمة الكلام على نابغة الشعراء أحمد بك شوقي وغير ذلك من الموضوعات الجليلة الشائقة وهذا عدا التصوير وكشكول البيان والمطبوعات الجديدة الخ الخ.

حالنا الأدبية في شهر

عزمنا أن نضيف على أبواب البيان من بدء السنة الثالثة باباً جديداً تحت هذا العنوان نتناول فيه نقد كل ما نقع عليه في الصحف من قصائد الشعراء أو مقالات الكتاب والأدباء وكل ما يصدر من الكتب المؤلفة والمترجمة، وما صدر منها مما لا نرى السكوت عليه وسنأخذ فيه بالنقد الصحيح حتى يتبين منها الجيد والبهرج. فنلفت إليه أنظار القراء.

صحيفة الأشرار

الحقيقة ضالة الناقد العدل. الصحيح القلب. الشريف المبدأ. فهو يمضي في طلبها غير منثن ولا مرتد. وإن علم أنه سيسيء في إعلانها إلى نفسه. أو إلى أمته. أو إلى شعوب الأرض.

والناقد العدل هو الذي لا يضع إزاءه عاطفته وعاطفة منقوده فيعارض بينهما. ولا ينقص من هذه ليزيد في تلك. ولا يستعين على نقده بجيوش الباطل من سياب وافتاء واتهام. ولا يقدم عليه قدوم المتهور على قتالز ولا يعمد إلى مواهب الناس فيجعلها عوناً له على ظهور بعد خمول. ولا يدعي أنه يحنو على القراء. ويحوطهم برعايته. ويعلمهم كيف يحكمون. وكيف يمدحون. ولا يزهي عليهم بأنه عريفهم وولي أمرهم. وأعرف منهم بالبهرج. وأخبر بالزيف. ليشهد له كما يشهد للصيني الذي يقيس مبلغه من الحكمة بطول أظفاره.

فإذا اجتمعت هذه الأسباب كلها في الناقد. وكثر عدد الآخذين بها في وسط من الأوساط. فاعلم أن الجمهور فيه محترم القدر. لا يجترأ على خدعته. ولا يقدم على الكذب عليه. ولا تنال الشهرة على حسابه.

أما إذا قام الجاهل المطرح فاستمع له. وانبري الدعى المنبوذ فأصغي إليه. واستوي الشتام البذيء فأصاب الشهرة ببذائته. ودب الخسيس الفاسد الدخلة فتعرف بين الناس بخسته. فثق أن الرأي العام في الأمة قائل. وأن الجمهور فيها غير محترم.

ولقد كان حظ هذا البلد من الأولين سيئاً. وكانت نكبته بالآخرين فادحة. فقد تخاذل الأدب بالأدباء. وتشابه الادعياء بالأكفاء. وأصبح الأديب يرى في الأديب مزاحماً منافساًز وعدواً مكاشحاً. وأصبح كلهم يمشي بالسعاية لأخيه. والأذية له. والزراية به. والسخرية منه. واندس بينهم الدعي الجاهل. يرفع عقيرته بالشتائم ويصرخ بما توحي إليه نفسه الصغيرة وروحه القذرة. ويتصيد الشهرة بالصياح. ويفرغ من فمه بالكلم العور. لسد ببذر المال. ويحقد عليك مقدرتك ويدعي أنك الحاقد. وينفس عليك كفاءتك ويصيح بأنك النافس. ويصفك بطيب السريرة ليتفرد هو بسوءها وينعتك بسلامة النية. ليحتكر هو عليلتها. فإذا أسرعت من سفهه إلى السكوت. كان كالكلب يرى الرجل يعدو في سبيله. فيظن من خوف منه وخشية. فيتبعه نباحاً وعواء. وإن خرجت إليه. فجاريته في سبابه. سجلت عليك شتمتك. ونزلت بمجاراته عن مكانتك. ولم تسلم من عتب العقلاء.

وأنت فتعلم أن أمثال هذا كثيرون. كلهم يعيشون من خداع الجمهور. ويسدون أرماقهم من الرتع في لحوم الناس.

وكلهم المعني بقول الفيلسوف نيتشه انظروا! هذا هو جحر العنكبوت (الترنتي) فهل تريدون أن تشهدوه. هذا هو نسجه فهزوه تروه مهتزاً مقبلاً. هذا هو الحيوان جاءكم طواعية واختياراً، فمرحباً ياذا العنكبوت السام، إن فوق ظهرك بثوراً سوداء، وأني لأعلم ما في روحك.

ألا أن في روحك يختلج الحقد وأنك كلما عضضت بدت على ظهرك قرحة سوداء. وأن سم حمتك ليجعل الروح ذاهلة.

إليكم أيها الأناسي العناكب. أسوق القول وأني مخرجكم من مكامنكم وأجحاكم إلى النور. وأني لأضحك السمو والعلاء. وسأهدم نسيجكم. وأبدد خيطكم. حتى يبعثكم الغضب والسخط على ترك جحر الأكاذيب

إن قلوب العناكب تحدثها فتقول اعمدوا إلى الانتقام. وخذوا بشتم من ليس في درككم. وارفعوا الصوت في وجوه أهل المقدرة والقوة

إن في كل حسراتهم ولهفاتهم يصوت الحقد. وفي كل أماديحهم يكمن الشر والويل

بل هم. كما يقول نيتشه في موضع آخر. يمدحونك كما يمدح الله. وما هم إلا المالقون الصارخون. ويعاقبونك على فضائلك. ويغفرون لك في أعماق قلوبهم هناتك. وأنت تقول من كرم فيك وعظمة شأن. لا عتب على الأقزام المجاهيل. وتصرخ فيهم نفوسهم. لا عتب إلا على العظمة. بل أنت لتكرمهم. وتوادعهم. وتلابسهم. ومع ذلك يشعرون أنهم عندك المرذولون المحقورون. ولا يرضون أبداً عن عزتك الصامتة. ويبتهجون بالحقد المحتجب. ألم تر إليهم كيف يروحون خرساً إذا دنوت منهم. وكيف تتخلى عنهم خفتهم كدخان النار الخابئة.

فاعمد يا صاحبي إلى العلة عنهم. فهم الذابا السام. وأنت لم تخلق لكون مروحة

وهل رأيت أفضح أمراً من أن يقوم أجهل الجهلاء. وأظهر الأدعياء. فيخرج للناس صحيفة يقصرها على شتم من يحقرونه. ويعرفون مبلغ جهله. ويقيمها لنهش أعراض الأخيار. ويخرجها حافلة بالأغلاط التي يخجل منها طلاب المدارس الابتدائية. ويصدرها بأقلام المتقاعدين من الأدباء. الذين يودون لو تلصق مقالاتهم وقصيدهم فوق جدران الطرق. والذين يغلب فيهم حب الشهرة على الشعور بالعزة. فيسارعون إليه بكتاباتهم وخواطرهم. خشية من شره. وجبانة من قحته. ويهجم على قرائه. وما أقل عدادهم. بالهجر من القول الذي تأنف منه النسوة الرادحات في ثنيات الطرق. ويبعث بصحيفته إلى المبصرين من الكتاب. فيردونها لسخفها ولوثتها. ويخاطب فيها قلم المطبوعات وقلم المطبوعات يعرف أمره. ويدعي أنه يوجه القول إلى إدارة الشرطة. وإدارة الشرطة تعلم دخيلته!

وماذا عسى ينتظر الناس من خبيث فاسد الروح. خرج من بلده في أطمار وأسمال. وجاء إلى الأزهر، فكان حرباً على نفسه وذويه وأخوانه. ولم يلبث أن مشى بين الأزهريين بالفتنة، وسعى بينهم بالحطب الجزل. وخطر في صفوفهم بالأراجيف. حتى كاد الأزهر ينقلب إذ ذاك من شؤم هذا الحيوان ميدان تضارب وقتال، ورأت إدارة الأزهر فيه جرثومة أين منها حمة التستسي فطردته أشنع الطرد، ولفظته من رحمتها، فخرج ولم يقض في طلب العلم. وإن شئت الحق. فقل في أحداث الفتنة، إلا شهوراً معددات، وكأن الأقدار أبت إلا أن يجد ثمن طعامه. فاشتغل مصححاً في مطبعة أحدى الصحف اليومية فلم تهدأ دناءته. بل ما فتيء يدس الدسيسة. ويصوغ الفتنة. وينسج الفرية حتى إذا كشف لمدير تلك الجريدة بعض أمره. بادر بطرده. ومن ذلك الحين راح متبطلاً شريداً. وصار قعيدة القهاوي. وجوابة الطرق. يغشى المجالس فيتهافت به أهلها. ويختلف إلى جمعيات الخطابة فيطرد من على المنبر. ويزور إدارات الصحف. فيأمرون الخدم بمنع دخوله. فلما قعدت به الحال. وأزرى به الدهر فوق أزرائه. ورأى آلام الجوع والإفلاس. فكر في الحصول على أداة تجلب المال. وسلاح ينفس الكربة. فطفق ينكفئ كل يوم إلى نظارة الداخلية. ليستخلص ترخيصاً له بإصدار صحيفة أسبوعية. وطفق الموظفون يشتدون في أهانته. ويأمرونه في كل مرة بترك المكان. ومضي على هذا الهون بضعة أشهر. يهدد في خلالها من يزري به. ويوعد في أثنائها كل من يسخر منه. أما نحن فكنا نظن أنه لن يظفر بالترخيص أبداً مما كنا نسمع منه عن سوء المعاملة التي كان يلقاها من كبار الموظفين وصغارهم. ومما كنا نعتقده من أن الحكومة تعرف من هو طالب هذا الترخيص وتذكره في فتنة الأزهر. وحادثة المؤامرات. وتعلم مرماه من إصدار صحيفته ومبتغاه. وكنا مثق أن الحكومة تحرص على كرامة أفراد شعبها حرصها على كرامة كبارها ولكن شاءت الأقدار أن يفوز بالترخيص. وأقبل يوم حصوله عليه فرحاً متهللاً. وطلب إلى صاحب البيان. وطالما أكرمه وأحسن مثواه. أن يبتاع له الورق. وينفق على إصدار الصحيفة. وجاء باسمها ليخرج له صاحب البيان (كليشتها) على نفقته ولكن السيد البرقوقي. المسلم الأزهري كما يقول. كان يعرف دخيلة الخبيث ويعلم مستقبل صحيفته وغرضه من إظهارها. فلم يشأ أن يعينه على أعراض الناس. أو يشجعه على النيل من مقدرة الأكفاء. ولذلك رفض سؤله ولم يبض له بدرهم واحد. فأسرها في نفسه. ورأي الناس منه بعد ذلك في حق مكرمه ما رأوا.

هذه ترجمة حياة هذا الشاب مفصلة. لم نرد أن نمسكها. إشفاقاً على أخلاق قراء صحيفته. ولا سيما طلبة المدارس. من عدوي هذا المتشنج المحموم. الذي لا يكتب كلمة مديح إلا ليسأل الممدوح. ولا يرمي بالكلمة العوراء إلا وهو فاغر فاه من الجوع. والذي يدعي أن به نعرة دينية. والحقيقة أنها نعرة (معوية!). فلا بدع إذا قرف هذه المجلة الشريفة المبدأ. الشريفة الجيب، بقبول الأجور. فهو على حد قول المتنبي:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدق ما يعتاده من توهم

على أني أقول أن السيد البرقوقي لا يستطيع أن يكفل فوق الإنفاق على المجلة وإدارتها ومطبوعاته ومشروعه. أبطال العالم ثمن طعام الجائعين. وإنقاذ المنكودين. والمحرويين. فليغضب هذا السباب وليسخط. وليشتم وليصرخ. فإن أفشل الأشياء أجهرها صوتاً.

ذلكم هو السباب الذي يود أن يكتسي من سبابه بعد عري. ويشبع بعد مسغبة. وينتعش بعد متربة ولو شئنا أذاه لقلنا كلمة واحدة تسرع بقلم المطبوعات إلى تعطيل صحيفته. وإلقائه في غيابات السجون. ولكنا لا نحب أن نقطع عنه مرتزقه، ولا نود أن نغلق في وجهه باب عيشه. وإن كنا لا نرى الركون المطلق. ولا التزام المجاراة المطلقة. وإنما نعرف كيف نزع كل سفيه. ونرد كيد كل كائد. ونرغم أنف كل مكابر وإنا لفاعلون.

غيور

(البيان) جاءت إلينا هذه الكلمة من ناحية كاتب مخلص. حدا به إلى كتابتها صدقه وغيرته على الأخلاق والأعراض إذ رأى تحت سماء مصر بلد المضحكات.

وماذا بمصر من المضحكات ... ولكنه ضحك كالبكا

نوعاً غريباً من عجائب المخلوقات. ذئاباً في جلود أناس. قد حشروا أنفسهم غصباً واقتسارا بين جماعة الصحفيين. وأبت عليهم خستهم ولؤم غرائزهم. ونضوب معينهم من العلمز وإجداب ثراهم من الفضل. وإخصابه عوض ذلك بالحماقة والجهل. إذ هم. كما يعرف ذلك من وقف على جلية أمرهم. ليسوا من العرفان ولا قلامة ظفر. إلا أن يتحرشوا بنا كما تحرشوا بأكبر أفاضل المصريين. ويريدونا على أن نسقط إليهم. وكأنهم لم يسمعوا لا سمعوا ذلك الأدب الآلهي الكريم خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ثم قول إبراهيم بن العباس الصولي بعد ذلك في مثل هذا الواغل البذيء

قل كيف شئت وأنى تشا ... وأبرق يميناً وأرعد شمالاً

نجا بك لؤمك منجى الذباب ... حمته مقاذيره أن ينالا

عبد البهاء عباس أفندي زعيم البهائيين

سننشر في العدد القادم وتواليه في باب أبطال العصر بقية كلامنا على زعيم البهائيين عبد البهاء عباس أفندي.

وهنا نقول أن بعضهم غاب عنه غرضنا من الكلام على أبطال العصر وزعموا أنا نقصد بكلامنا على زعيم البهائيين إلى الحوم حول نحلته ولم يريدوا أن يفهموا أنا إنما كتبنا وسوف نكتب عن الرجل كما كتبنا ونكتب عن فولتير ونيتشه وسبنسر وأرسطو وأفلاطون والفارابي وابن سينا وابن رشد وأضرابهم من رجالات العالم إن موافقين لنا في الدين وإن مخالفين. لأنا لسنا في هذا الباب بصدد من الدين وإنما بصدد من العظمة والنبوغ.

وبعد فإنا لا نأبه بعويل هؤلاء ما دامت قلوبنا مطمئنة بالأيمان وما دمنا في شغل بما هو أجدى وأراد على القارئين. عن إضاعة الوقت في مناظرة المكابرين. وإن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى.

الغرفة التجارية المصرية

يرى القارئ في غير هذا المكان صورة سعادة عبد الخالق باشا مدكور رئيس الغرفة التجارية المصرية وهي ذلك المشروع الجليل الذي طالما كانت التجارة المصرية في حاجة إلى تحقيقه وكذلك صورة رئيس الأمة التجارية الانجليزية ونود أن تصبح أهمية الأولى لهذه البلاد أهمية الثانية للشعب الانكليزي في علائقها التجارية وسنعود إلى الموضوع في العدد القادم إن شاء الله.