مجلة البيان للبرقوقي/العدد 14/كشكول البيان

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 14/كشكول البيان

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 12 - 1913



تفاريق علمية. وأدبية. وفكاهية. وتاريخية: ونظرات - في سير مشهوري العلماء. والمخترعين: وشذرات في أخبار العالم وأحداثه الحاضرة

ألفرد رَسّل وُلَّس

إن الحق. في عالم مثل عالمنا هذا. أنشأه خير غير محدود. وخلقته حكمة لا نهاية لها. هو عون الأفراد. وناصر الشعوب. وقوام الغني. وسناد المقل. وأن الباطل. إن عاجلاً. وإن آجلاً. عقباه الشقاء. وخاتمته الدمار.

لقد كنا نعتصم طول القرن الماضي بالباطل. فجنينا - ولا نبرح نجني_الشقاء والدمار. وقد حان الوقت الذي يجمل بنا فيه أن نغير طرقنا الباطلة في أساسها. الظالمة في أصولها. السقيمة في مجموعها.

الفرد رسل ولس

كتب أحد أصدقاء فقيد انجلترة العظيم. بل فقيد العالم الإنساني. الدكتور الفرد رسل ولس. مقالاً شائقاً في مجلة المجلات الانجليزية. ألم فيه بعظمة الرجل. وترجمة حياته. والرسائل التي دارت بينه وبين دارون وكثيرين من أصدقائه العلماء. قال أن اسم دارون قد أخذ بين الأسماء الطائرة الذكر. التي زانت عصر فكتوريا المكانة الأولى. والمحل الأرفع. وهناك أسماء أخرى أنبه ذكرها. وأعلى مكانها. تيار مذهب النشوء. نخص بالذكر (لايل). الذي كان دارون وولس يركنان في أول أمرهما إلى مساعدته. ويسألان معونتهز وجالتون الذي ترك بعده أثراً باقياً. لتأسيس مجتمع جديد لا يبنيه إلا إنسان جديد. وهكسلي. المدافع عن مذهب دارونز الرافع شأنه. الذي لقبه دارون. بناصري الجليل. وهربرت سبنسر صاحب الفلسفة التركيبية التي يجدر بها أن تكون أثراً خالداً. ومعلماً أبدياً. ورب ذلك العقل المبتكر. والرأي المدبر. الذي لا يقارن بخصبه خصب. ولا يوازن بثروته ثراء.

هؤلاء الأعلامز أهل العظمة المتألفة. والروعة المشرقة. هم قادة تلك الحركة المأثورة في تاريخ العالم. تلك الحركة التي بدأتها مجهودات لامارك وبافون وكثيرين غيرهما. لا تنسى آخر الدهر أسماؤهم. والذين مهدوا السبيل للمذاهب الطبيعية. وذللوا الطريق لاكتشاف أسباب النشوء والتطور وقوانينهما.

وأن من بين هؤلاء العلماء النابهين. والأعلام الذائعي الصيت. عظيماً لا يدانيه أحد في عظمة الشأنز ونعني به ألفرد رسل ولس. ولقد قال لي يوماً وهو يبتسم (أني أعيش في زمن قبل زمني. وجيل غير جيلي).

ولقد انتهى بوفاته عصر الأبحاث في مذهب النشوء.

دخل ولس المدرسة فلم تظهر فيها مواهبه الطبيعيةز ولم تتجل بين جدرانها عبقريته. فخرج منها واشتغل مساحاًز يقيس الأرض ويذرعها. وكان يقضي أوقات الفراغ في الاشتغال بعلم النبات. فلما شب عن الطوق. وصار رجلاً. ذهب إلى لندن. لا عمل له ولا صناعةز فكانت هذه النكبة داعياً له إلى اعتزام سفر بعيد. وباعثاً على اتخاذ خطة شاقة. وهي الرحيل إلى مجاهل الأمازون وغاباته. ليشهد الطبيعة ويخرج أسرارها. وليسعى على رزقه محتطباً. وقد قال بعد ذلك الحين بستين عاماً لقد كان بي ولع شديد وشوق كبير إلى معرفة أسرار المحسوسات وأسبابها، وغرام بالجمال في كل أشكاله وألوانه ولقد وجد لروحه شبيهاً في هنري والتربيتس وفي مذكرات دارون، وجيولوجية لايل. ورحلات همبولت. وآثار شامبر. فأخذ أسفارهم في جعبته. وبدأ طوافه وتجوابه في مجاهل الأمازون وأجمه. ثم في جزر الملايو الهندية. بعيداً عن المدنية وروائها. ماثلاً في كل حين بين أيدي الطبيعة وجلالها. مراقباً عجيب تغيراتها وغريب أحوالها. شاهداً مثل دارون. وهو مبتهج طروب. حال الهمج وطبائع الوحشيين. في صفائها وطهرها. سكان الكهوف. وأهل غاب الأمازون. نائماً بين الأحراش والأدغال. جامعاً عدداً كبيراً من الفراش والخنافس والأطيارز وعلماً أكبر وأوسع لم يسبقه إليه أحد. فكان منه مثل دارون عالم طبيعي مبتكر. وكان ذلك أساس حياته وأعماله.

هناك جمع الحقائق التي تجلت له. والتي وضع بها سفره الرائع في فائدة الألوان في حماية الحشرات والطيور والحيوان من التلاشي والفناء. وهناك بدأ ذلك البحث الذي أدى به إلى وضع كتاب في توزيع الحيوان والنبات الجغرافي. وهناك في تلك الأصقاع النائية رأى الطبيعة في أبهى مناظرها. وأروع محاسنها وأجمل معالمها. هناك حيث لا يكاد ينفذ إلى وارف ظلال الغاب. ومظلم أفياء الأجم أشعة الشمس الحارة. حيث الشجر باسقة أفنائه. فارعة أغصانه. وأن منها لما يطول كأنه العمد الممدة. وأن منها لما يبلغ مائة من الأقدام.

ولا فروع له مهصورة. ولا صون له متأودة. . . . . حيث تخلق أغرب الطيور. وتدب لطف الحشرات، وتزحف الأفاعي وذوات الأثدية. وتعدو في أكماتها الأثمار. وتنساب في مسارحها العاصرات من البوّاء. هناك عند وريف الظل كان يسمع ولس تغريد الأطيار.

وفي أثناء رحلاته. تفرغ إلى التفكير في موضوع نشوء الأنواع. وفي سنة 1855 كتب ولس مقالاً في (القانون الذي به تتولد الأنواع الجديدة) وبعد ذلك بثلاثة أعوام ظهر مقاله الطنان الذي قرن أسمه باسم دارون. وجعله شريكه في اكشاف نظرية الانتخاب الطبيعي.

أما أصل مذهب (نشوء الأنواع) فيظهر أن دارون سبق ولس إلى إعلانه. وإن كان اسم الثاني يجب أن لا ينسى إذا ذكر ذلك المذهب.

وقد كتب دارون إلى هوكر لقد عزمت على أن أجمع على غير هدى كل حقيقة تدور حول الأنواع وسرها. . . . . . وقد اهتديت أخيراً إلى بصيص من النور. وأكاد أوقن (وفي ذلك مناقضة لما كتبت في مطلع الخطاب) أن الأنواع قابلة للتغير (وكأن اعترافي هذا اعتراف بجريمة قتل). . . . . . . . وأظنني قد اكتشفت الطريقة السهلة في تذليل الأنواع إلى مقاصد كثيرة.

هكذا تجلى سحر الحق على دارون، فكتب ما كتب. وصرح إلى هوكر ولايل ما صرح.

وحوال ذلك الحين. كان ولس في غابات (ترنات) البكر. قد أدنفته حمى الملاريا. وأوهنت جسمه. ولكنه كان يفكر في نفس الموضوعز ثم سطع عليه نور الحقيقةز فلم تكد تذهب عنه الحمى قليلاً. حتى كتب مقالة إلى دارون في شأن الموضوع. وقد قال دارون بعد قراءتها أن هذه المقالة في جلاء معانيها. وأوضح مراميها. تحوي تماماً ما كتبت أنا في مقالي. ولو كانت عند ولس مسوداتي المكتوبة في سنة 1842 لما استطاع أن يخرج منها مختصراً أحسن من مختصره. وأن اصطلاحاته ليست الآن إلا رؤوساً لموضوعاتي وعناوين لفصولي. إذن فسيضيع ابتكاري هباءً منثوراً. وقد سبقت إلى اكتشافي جد السبق

وأن سلوك الرجلين لهو مثال واضح ودليل جلي على ما سمي بعد ذلك (تلك الفضيلة السامية. وذلك الكرم العالي والسماحة الكبيرة. التي لن يضعف أبد الدهر وقعها من نفوس الناس).

كتب ولس إلى دارون يقول أما عن النظرية فأني سأكفل دائماً أن تكون لك. ولك وحدك. .

وكل ما استحق من الفضل هو أني كنت الوسيلة التي جعلتك تكتب وتبادر بطبعها.

فكتب دارون إلى العالم الطبيعي هنري بيتس، صديق ولس الحميم. يقول ما أجمل العقل الفلسفي الذي يحمل صديقك ولس. لقد فعل من جهتي ما يفعله الرجل الصادق ذو الروح النبيلة.

تلكم شذرة من تلك القصة العطرة التي لم أذكر منها لا لمعاً. أما الرجلان في نفسهما فقد كانا أعظم شأناً من نظرية النشوء والارتقاء التي أنارت العالم بهديها. وأشرقت على الدنيا بنورها. ولم يحدث بينهما في مدى السنين التي عرف كل فيها صاحبه أدنى ظل للتنافس أو الحقد. وقد كان كل منهما على جانب عظيم من ذلكم الهدوء الذي يكسبه العلم الصحيح. ويورثه التوفر على الحق وخدمته لذاته. على حين أصبح الحق يخاف عليه أن يضيع في هذا العصر اللجب. ويفقد في هذا الجيل المتحاسد المحموم.

فلما فرغ من رحلاته وجولاته، تزوج في سنة 1866 من ابنة المستر ميتن. ذلك العالم النباتي المشهور. وبدأ بذلك تلك الحياة المنزلية الناعمة. وخلالى الكتابة. وفرغ إلى البحث.

ولعل القارئ يلذه أن يرى شيئاً من حياة ولس اليومية في مدى العشر سنين الأخيرة من عيني أبنته. قالت.

كان ينهض من نومه الساعة الثامنةز فيتناول طعام الافطار في مكتبه وحده. وطعام أفطاره لا يزيد عن فنجان من الشاي وشيء من الكاكاو. وكان يصنعه بيده. ثم يأخذ في قراءة الصحف. فإذا فرغ من ذلك. ذهب إلى الحديقة ليتعهد شجيراته. ويرى نجماً له يكون مهتماً به في ذلك الحين

ثم يكتب عادة الرسائل أو يشتغل بكتاب له يريد أن يتمه. وفي الساعة الحادية عشر أو منتصفها يشرب ماءً ساخناً. ثم يعقبه ببرتقالة. وكان يحب البرتقال حباً جماً. وبعد ذلك يخرج إلى الحديقة. ويزور نباتاته الخصوصية. ولا يتناول طعامه التام إلا عند الساعة الواحدة. وهو يتركب من قطعة من اللحم البقري. يقطعها نتفاً صغيرة. ولم يكن يأكل الخبز ولا الخضر، بل كان يؤثر الفاكهة. وكان يلذ تلامذتي مرآه وهو يأكل اللحم بالموز والبرتقال. وكان يستريح بعد الغذاء حتى الساعة الثالثة. فإذا نهض جال جولة أخرى في الحديقة. وإن زارنا زائر قابله.

وفي الساعة الرابعة والنصف يتناول الشاي. وكان يصنعه كذلك بيده. ولا يأكل شيئاً. وكان يتناوله في مكتبه عادة. إلا إذا زارنا أصدقاء لنا مقربون. أو جاء لزيارته من يحب رؤيته. فقد كان يأتي إلى قاعة الاستقبال. وكان دائماً في استعداد للقاء الناس في ذلك الوقت من النهار. وإذا لذه الحديث. ووجد في محاضرة الزوار روحه وسروره. لم يأبه للوقت مهما أقاموا. فإن لم يكن هناك أضياف. أخذ في أي عمل له حتى الساعة السابعة ونصف مساءً وهو موعد العشاء. والطعام خفيف. شيء من الأرز والفاكهة المعتادة. ثم يشرب ماء سخناً ممزوجاً بعصير البرتقال. وقدر (ملعقة) من خفيف النبيذ.

وبعد العشاء يعمد إلى قراءة رواية. ولا يقرأ في غير ذلك الوقت. وكان يؤثر في اختياره الروايات التي تدور حوادثها حول المنزل والأسرة. ولكنه كان يحب أيضاً الروايات التي تحوي الغرائب والمخاطر.

وكان يأوي إلى فراشه بين العاشرة والحادية عشر. وهذا نظام أغلب أيامه. ولكنها لا تخلو بطبيعة الحال من تغير واختلاف. ففي بعض الأحيان كان يشتغل أكثر من عادته. ولا سيما إذا كان يضع كتاباً له. وفي أوقات أخر. إذا لم يكن عنده ما يكتبه. يجعل كل همه في العناية بنباتاته. يغير أمكنتها. أو يبذر بذورها ولقد ذكا لديه مئات من أنواع النبات. كانت تبعث بذورها إليه من جميع أنحاء العالم وأرجائه.

وكان طول حياته مستقلاً. معتمداً على نفسه. يصنع كل شيء لنفسه بنفسه. يقرأ ولا يقرأ عليه. وكان يكتب رسائله بيده. ولم يستعن فيها بعون أحد. لا في أخريات أيامه. وكان نشيطاً. يتخطى المقاعد ليرفع ما سقط من الكتب. ويمشي بخطوات واسعة. ولساقه اليمنى هزة خاصة. وكان يحتذي في جولاته في الحديقة أحذية طويلة. خشبية الكعب. يبلغ طولها ثلاثة عشر (بوصة). وأن الإنسان ليعجب له كيف كان يمشي بها. وكان المشي في أوليات أيامه أحدى مباهجه. وكثيراً ما خرجنا جميعاً إلى الرياضة وترويح النفس طول اليوم. ونأخذ معنا الطعام والزاد. كنا كلما كان لنا أيام عيد أو عطلة. نمشي معه كل يوم. نخبر الأقليم المجاور ونطوف بجنباته. ونجول بأرياضه. مهتدين بمصور جغرافي نأخذه معنا في جولاتنا. ولم يكن يخشى الجراثيم أو يرهب أذاها. بل كان يطلق عليها كلمة أي (كلام فارغ). حتى لقد كان يشرب أي ماء يبدو لعينه صافياً، لا أذى فيه ولا كدر، وأني لأذكر أنه كان يحمل دائماً في جولاته قدحاً، ففي إحدى جولاته البهيجة التي لا أنسى أبداً ذكراها، وكنا نروح النفس في إحدى الغابات أخرج من جيبه أنبوبة من المطاط، وولى وجهه وأنا أتبعه شطر غدير كان على عدوة الطريق، وسألني أن أعل بواسطة أنبوبته من ماء ذلك الغدير، وإذا جرح لنا إصبع، ضمده بأوراق الطوابع.

أما عن مزاياه العمومية. فقد كان أبداً مغتبطاً مبتهجاً. يظن بالحياة خيراً ويعلق عليها الآمال. وكان يكره مذهب التشاؤم. وأما عن معارفه وعلومه فكانت جعبته منها حافلة. حتى لقد كان يستطيع أن يتكلم في كل موضوع. وقد كان لنا دائرة معارف حية ممتعة تحبونا في كل شيء بالمعلومات الوافية الضافية. وكان يحب الطفل الصغار، وطالما استحثني على أن أعلم طفلاً أو طفلين. وإذا غاب الأطفال التلامذة. سألني إن كان أحد منهم مقبلاً. ولا أظنه كان يحب الحيوانات. ولكنه لم يكن يتأفف منها. ولم يكن ليعيرها كبير اهتمام. على أنه كان يسمح للهرة أن تجلس فوق مكتبه. ما دامت لا تقلقه. وكان يلتذ برؤية صغار القطط وهن يلعبن ويتداعبن. وكان بينهن قط عجوز. لا تجده في أغلب الآحايين إلا نائماً في حجرته الخصوصية بين القماطر والأسفار.

نما عنده الدين جنباً لجنب مع الأسرةز وكان سراً كالحياة غامضاً. وأحسن اسم نطلقه على دينه هو قول كارليل العقيدة الطبيعية في وجود قوة خارقة للطبيعية وقد كتب إلى كاتب هذه الأسطر قبل وفاته بقليل يقول إن ذلك العقل المادي الذي كنت أحمله في زمان الصبا والشباب أخذ يتشكل في رفق ويتحول إلى أن صار الآن ذلك العقل الاشتراكي الروحاني. المؤمن. ذلك العقل الذي يظنه أصدقائي العلماء قد بلغ منه الضعف في متهدم العمر وأخذت منه البساطة حتى يعتقد أن الفاكهة والأزهار ومستأنس الحيوان وعظيم الطير والهوامز والصوف والقطن والسكر والمطاط. والمعادن واللآلى والدر. خلقت من قبل خلقنا وأنشئت لتهذيب الإنسان وتنعمه

وقال في خطاب له آخر: أن القول بقوانين الطبيعة مع إنكار وجود كائن هناك يعمل ويدبر. قول هراء وكلم لا معنى لها. وسواء كان الحق المجهول كائناً فرداً يعمل في كل مكان من الكون بنفسه وهو الخالق والمنظم والمدبر لأدق حركة في العالم والعوالم الأخرى الممكنة أو يعمل. وهو ما أرى بواسطة طبقات لا تحصى من الكائنات. فالأمر في كلا الرأيين. ولعل رأي هو الجلي المعقول. هو تعاليم الإنجيل وسويدنبرج وملتون

وكان يدافع ويناضل قائلاً أن هناك قوة خارقة وعقلاً مدبراً. ومقصداً سامياً إلى خلق هذا العالم الحيواني المتسع. وإلى هذا التطور الذي تبعه من عهد خلقه. وذلكم المقصد هو ترقية الإنسان.

وكان يعتقد إمكان مناجاة الأرواح. ويحتج بأن تكاثر الأدلة والشواهد على حدوث هذه المناجاة كاف لإقناع المكذبين.

وكان يقول لمحاجيه وأخصامه المنكرين مذهب وجود قوة خارقة لقوى الطبيعة ما قاله كارليل إذا كنا لم نعلم بعد من فعل الطبيعة وأحوالها في هذا العالم الذي لا يكاد يكون جزءاً صغيراً من كوكب إلا العلم القليل. فمن يعلم ما وراء هذا الفعل من قوة أخرى يركن إليها ويسير بمشيئتها. ومن يعلم ما تدور حوله هذه الدائرة من دوائر لا تعد ولا تحصى؟ يجوز للسمكة أن تعلم كل حصاة. وكل ركن. وكل ضرب من الأسماك. ولكن هل تفهم هذه السمكة الصغيرة مدالاوقيانوس وجزرهز ولججه وتياراته المنتظمة والرياح التجارية. وأرواح المونسون وخسوف القمر. تلكم الأحوال التي بها تنتظم حال كل جزيرة في الأقيانوس الخضم. ومنها تتغير في كل حين وتنعكس. مثل تلكم السمكة الصغيرة هو الإنسان. ومثل هذه الجزيرة كوكبه الأرض ومستقره. وما أوقيانوسه إلا الكون الذي لا يقاس ولا يحد. وما رياحه وتياراته إلا أقدار العناية الآلهية الرهيبة من آباد الآباد

على أن العلم والدين لم يستنفدا كل ميوله. ولم يستبدا بكل معارفه. بل شغل في أعوامه الأخيرة بأرائه الاشتراكية وكأنما كان يكتبها وقد أبدى هذه الآراء في كثير من مقالاته نخص بالذكر الكتاب الأخير الذي وضعه في الوسط الاجتماعي والتقدم الأخلاقي وقد حمل فيه على الوسط الاجتماعي الحاضر. وأظهر في نقائضه وعيوبه. وأثبت فيه بالأدلة الجائزة أن أخلاق الإنسان وأحواله الملازمة له عقلية كانت أو نفسية أو أدبية. هي ملاصقة له من يوم مولده. وأنها نهرضة للتغير قابلة للتحول. ويختلف تغيرها في الأشخاص. ومن السهل تهذيبها بتأثير الرأي العام. ونفوذ التربية. بما أنها ليست وراثة فمن ثم لا ترتقى الأخلاق ولا تهذب الآداب. إلا إذا كان هناك قوة انتخابية أو مشتركة تساعد على رقيها. وقال إن التاريخ يدل على أن ازدياد الثروة ووفرة الخيرات لم يراع في تقسيمها العدل.

وصرح بأن أول واجب على الحكومة الراقية هو أن تعمل على جعل الجميع يتساوون في الانتفاع بثمرات العمل. وأن تسارع إلى منع تفشي الموت جوعاً. وانتشار الأمراض الناتجة من الإقامة بالمساكن المضرة بالصحة ومن الأشتغال بالأعمال الخطرة. وكان يرى رأي كارليل وهو أن الظلم يعقب خسارة فادحة (بفوائد) باهظة.

وإلى القراء خاتمة الجملة التي حملها على المجتمع الانجليزي ونقد بهاز قال: إذا اعتددنا بهذا الحقائق المترادفة المتعددة الصادقة، وكثير منها هائل مخيف حتى لا تمكن المبالغة فيه. كان لنا أن نقول أن نظام مجتمعنا فاسد من عاليه إلى سافله. وأن الوسط الحاضر في مجموعه هو أسوأ الأوساط الاجتماعية التي رآها العالم.

وأنجع دواء يراه الدكتور ولس هو أن النظام الحاضر يجب أن ينقض ويغير. إذ يجب أولاً - أن يكون هناك تعاون عام بدلاً من هذا التنافس العام،_وثانياً_أن يعتاض عن هذا النظام الاقتصادي العدائي بنظام اقتصادي أخوي. وثالثاً أن تعطي الحرية لاشتراك الجميع في الأرض وفي رأس المال. وأخيراً. أن ينعم الجميع بالمساواة في فرص العمل أو في أملاك الحكومة المودعة عندها على ذمة الشعب.

ويقول الدكتور ولس: نحن أنفسنا الذين أنشأنا وسطاً اجتماعياً مجرماً فاسداً. فلكي نمنع نتائجه اللازمة يجب أن نعكس وجوه النظام الحاضر. ينبغي أن يكون كل إصلاح اجتماعي نبديه أو قانون اقتصادي نسنه على نقيض أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية الحاضرة.

كذلك كان ولس عالماً بيولوجياً طبيعياً جغرافياً اجتماعياً وكان كذلك على علم بالعلوم الفلكية. فتراه في كتاب له محللاً رأي العالم الفلكي لويل في إمكان وجود سكان في عطارد. ومركز الإنسان والأرض من الكون، وفي سفر له آخر باحثاً عن نتائج التطعيم. ثم في التنويم المغناطيسي، وكان له به معرفة واسعة، ثم تراه شاغلاً وقتاً من زمنه في إعادة النظر في ذلك المذهب الذي أبت عليه سماحته إلا أن يسميه (الدارونية)، وكان يصح أن يدعى (الولسية)، وفي كتاب آخر باحثاً في (علم التقليد المجوني) وتشهده بعد ذلك باحثاً في شؤون القرن التاسع عشر وغرائبه، وقد استعان أخيراً بك معلوماته ومعارفه ومعتقدات وجدانه على الدفاع عن الموجعين والمناضلة عن البائسين المظلومين ولقد يصح أن يكون شعاره تلك الكلمة المأثورة التي جاءت في مذكرات سلى وهى لا يثور الشعب حباً في القتل والسلب. بل عجزاً عن احتمال العذاب والآلام.

وكان ولس جريئاً مقداماً على ابداء آرائه وإظهار الحقائق التي تنكشف لهز مهما كانت نتائجها وعواقبها.

وكان لجثمانه قوة روحه وسلامتها ولقد قالت زوجتي وكانت معي في إحدى زوراتي الأخيرة له لو نظرت إليه منذ بضعة أشهر لما صدقت أنه قد جاوز التسعين.

وكان جميل الطلعة، مستوي القامة، مشرق المحيا، ثابت الخطا، وكان لرأسه الجميل وقد جلله المشيب، ولحيته البيضاء وقد تدلت إلى صدره، روعة وجلال. وكان يضع منظاراً أزرق لا تبدو من خلال زجاجه عيناه. وإذا تكلم بدت على معارف وجهه ابتسامة لا تغيب. وإذا جلس وضع رجلاً فوق رجل. وشبك يديه أمامه. وكانت نبرات صوته حلوة عذبة كالموسيقى. حتى ليستمع إلى الحديث جليسه وهو مقبل عليه مبتهج ويصغي وهو طروب إلى ذلك السيل المتدفق العذب. الذي لا يشوبه للضعف أثر.

وكان قد بدأ يضع كتاباً جديداً ولكن عاجلته المنية فجأة. وكانت وفاته. وأن شئت فنومه الهادئ. في يوم الجمعة لسبع خلون من نوفمبر. بعد الساعة التاسعة من المساء بخمس وعشرين دقيقة. وهو في الواحد والتسعين.

وشيعت جنازته يوم الإثنين العاشر من ذلك الشهر في لفيف من العلماء، وسار خلفه أبنه وأبنته وأخت زوجته. فأدرج في قبره في رفق وأسى.

فلما كنا بالقبر وقوفاً ذهبت نفوسنا حسرات على زوجه المقيمة في البيت التي لن يعود إليها ذلكم الزوج العظيم آخر الدهر. وقد أخلي له في الكنيسة موضع بجانب قبر دارون. ولكن رغباته ورغبات أسرته لم تسمح بذلك.

على أن زوار الكنيسة لم يلبثوا أن رأوا اسم ولس منقوشاً على وسام تحت صورة له في الجمعية الملوكية. وأخرى في متحف الصور. وإذا سمحت الميزانية أقيم له تمثال في متحف الآثار.

وكذلك راح دارون وولس. كما كانا في الحياة. مرتبطين مصطحبين. وكذلك كانا من أبطال العالم في الحياة وفي الممات.

تأثير الكحول على النسل كلفت الحكومة الألمانية جماعة من العلماء بعمل مقارنة بين تأثير الكحول على نسل المدمنين السكيرين وبين تأثيره على المعتدلين. وقد أجرى العلماء أبحاثهم في الموضوع في عشر أسرات من كل فريق من الفريقين وخلصوا من بحثهم على أن نسبة الوفيات في الشهر الأول من حياة الأطفال الذين أدمن آباؤهم على الشراب وسكنوا إلى الكأس هي 43 في المائة، وثمانية في المائة عند أطفال المعتدلين وأن نسبة الأطفال الذين أصيبوا من مفعول الشراب في آبائهم بالعته والجنون 10 في المائة وبالصرع 8 وليس من بين أطفال شاربي الخمر إلا سبعة عشر في المائة تنمو مداركهم النمو العادي.

معرض سان فرنسيسكو القادم

سيقوم في ربيع سنة 1915 معرض دولي في سان فرنسيسكو سموه معرض بناما والباسيفيك (المحيط الهادئ) وقد تخيرت سان فرنسيسكو هذا الموعد وهو كما يعرف القراء موعد إتمام قناة بناما الواصلة بين المحيطين لتؤكد للناس مبلغ رقي الأمريكي وعظمته، وسيشترك في المعرض سبعة وعشرون شعباً وسيقام في بقعة فسيحة يبلغ طولها نحواً من خمسة كيلو مترات.

شكسبير في نظر المقتطف

يقول المقتطف في بضعة أسطر كتبها تقريظاً لرواية هنري الخامس تأليف أكبر شعراء الدراما وأنبغ نوابغ العالم ويليم شكسبير، تلك التي قررتها نظارة المعارف العمومية على طلبة البكالوريا في هذا العام، والتي عربها على نقتنا الكاتب المعروف محمد السباعي. (لم تكن لغة شكسبير حينما وضع رواياته من الفصاحة في شيء لكنها صارت عند الانكليز مقياس الفصاحة).

ونحن فإنا نعجب للمقتطف كيف يعجل بكلمة مثل هذه لا تتفق مع الحقيقة في شيء، فضلاً عن أنها تناقض لم يكن ليفوت صاحبيه الفاضلين ومكانهما في الفضل والفلسفة مكانهما، والذي يدور الآن في خلدنا هو أن صاحبيه لم يشتغلا دهرهما بروايات شكسبير، بل استنفدت الفلسفة كل أوقاتهما، فكان حظ شكسبير من المقتطف حظ مواطنه الكاتب الحكيم توماس كارليل صاحب كتاب الأبطال الذي عربناه إلى العربية وكتب المقتطف عنه في حينه وانتقصه إذ ذاك، ولو نحن أقدمنا على ترجمة أصل الأنواع لشارلز دارون لأشفقنا من تقريظ المقتطف وخفنا على داروين من أن يقول رصيفنا المقتطف أنه ليس من العلم في شيء وأن كتابه (أصل الأنواع) لم يكن له أدنى أثر في الفلسفة الطبيعية، ولو خطر لنا أن ننقل كتاب رسل ولس في الانتخاب الطبيعي لما ظفر ولس من المقتطف بكلمة مديح.

يقول المقتطف أن لغة شكسبير لم تكن في شيء من الفصاحة ويخال لنا أن المقتطف لم يقرأ شيئاً عما كتب الانجليز عن أسلوب شكسبيرن ولم يفرغ للبحث في أدبه، كما يظهر من كلمته المخالفة للحقيقة فإن شكسبير كان على علم قليل باللغة اللاتينية، ومعرفة أقل باللغة اليونانية، ولكنه كان حافل الجعبة من الانجليزية وقد استعمل 15000 كلمة وكان يكتب بالانجليزية الصميمة الصحيحة ففي كل خمسة أفعال أو ظروف أو أسماء أربع منها (تيوتونية).

وإذا كانت لغة شكسبير ليست من الفصاحة في شيء، كما يقول المقتطف، فكيف يجوز لها أن تصبح بعد ذلك مقياساً للفصاحة؟

وإذا صح قوله أن لغة شكسبير أصبحت مقياساً للفصاحة لكان يكون إذا أراد الكاتب العصري من الانجليز أن يروح بين جيله فصيحاً فليس عليه إلا أن ينحو منحى شكسبير ويقلد أسلوبه ولغته؟

وهل لغة الكاتبين العصريين المشهورين، ويلز وتشترتون تتفق مع لغة شكسبير؟ نحن نعلم أن في روايات شكسبير كلمات كثيرة لها معان مخالفة لمعانيها اليوم، ولكننا لا نتصور أن ما يكون بالأمس غير فصيح يصبح اليوم وهو الحد الذي تقاس به كل فصاحة!

هذه كلمتنا نسوقها إلى المقتطف حتى يتثبت مما يكتب، وحتى لا يعجل في أمره فيكتب كما شاء القلم وشاء له الهوى.

اللغة العربية والزراعة

للفاضل أحمد أفندي الألفي

(تابع لما في الجزء 5 و 6 و 7)

النجل والنز والأمدان

النجل الماء المستنقع. والنز الذي يتحلب من الأرض. يقال استنجل المكان كثر فيه النجل - أي النز ويقال استنقع الماء أصفر وتغير من ركوده في الأرض.

النز - ما يتحلب من الأرض من الماء يقال نز المكان صار ذا نز ويقال للأرض السبخة النشاشة ذات ملح ونز.

الأمدَّان - هو الماء الناقع في السبخة خاصة.

ويعرف من ذلك أن النجل أو النز هو ما يعبرون عنه الآن بالماء السفلي أو ماء الطبقة السفلية أو الماء الأرضي أو ماء تحت الأرض أو الرطوبة الراكدة في الأرض التي تصيرها غمتة والمختار عندي لفظ النز لأنه أعرف وأكثر استعمالاً.

الغمر

الغمر ماء الأرض والماء الغمر هو الماء الكثير ومعلوم في فن الزراعة أن الماء الأرضي نوعان الأول هو النز الذي تنشأ منه عماتة الأرض كما مرّ بيانه والثاني أعمق من الأول ولا ينشأ منه ضرر للأرض ويسمونه الآن بالماء الأرضي العميق أو الأعمق. وعندي أن لفظ الغمر ينطبق عليه فهو أحسن لفظ يستعمل له.

الماء الخاثر

ماء خاثر أي كثير الطين (كمياه النيل أبان الفيضان) ويعبر عنها في العرف وغيره بالمياه الحمراء أو العكرة وفي اللغة أن تقانة الماء خثورته وتقنوا أرضهم أرسلوا فيها الماء الخاثر لتجود كما يقال في العرف (نيلوا الأرض أي أصلحوها بماء النيل أو التنييل)

السيح: الماء الجاري على وجه الأرض.

العين: الماء الجاري من العيون.

الآبار المنبثقة هي ما يسمونه الآن بالآبار الارتوازية خطأ

أو الآبار المتفجرةولا أدري أخطأ مشهور خير أم صواب مهجور؟؟

البعل من الزرع: ما شرب بعروته (أي بجذيراته) من الأرض من غير سماء (أي من غير مطر) ولا شقي وهو ما يعرف في العرف الزراعي بالزراعة البعلية في أرض الملق أي حياض الصعيد.

المسقوى من الزرع - ماسقي بالماء وهو ما يعرف في هذا العرف بالزراعة المسقاوي العفر - أول سقية يسقاها الزرع بعد بذر الحب مباشرة ومنه (زراعة العفير) إحدى طرق الزراعة المعروفة في زراعة الحبوب وهي المقابلة لزراعة التخضير.

السد - الردم لسد الماء.

الرصف - السد المبني للماء وأيضاً الحجارة المرصوف بعضها ببعض في مسيل الماء المنزفة - الشادوف. وقد وهم معربو كتاب الزراعة المصرية فحسبوه (الدالية) وليست هي إياه (راجع المخصص).

المحوض - ما يصنع حول الشجرة كالشربة لسقيتها.

الأخدود - الحفر المستطيلة في الأرض ج أخاديد وتوجد الأخاديد بكثرة في أراضي الملق التنبيث. التطهير (أي ما يعرف في العرف بتطهير الترع ونحوها) يقال نبث النهر استحدث حفره والنبائث التراب المستخرج الملقى على شط النهر.

الزريعة. التقاوى سواء كانت حباً أو غيره.

البذر

البزركل حب يزرع أو يبذر

المحفر: آلة الحفر المعروفة في العرف بالكريك.

المسحاة - هي الفأس.

المعزقة - أو المعزق فاس العزق خاصة فهي أخص من الفاس.

العزاقة - آلة العزق - إحدى الآلات المستحدثة.

أرض مبكار - أي معجلة بالنبات وضدها الأرض المئخار.

كدت الأرض - كدوا أبطأ نباتها أو قل يقال كدأ الزرع ساء نبته ونبت كدى قليل الريع الأرض الموات - وهي التي لم تعمر ولم تزرع بعد.

إحياؤها - أي عمارتها وإصلاحها. (للحديث بقية)

العقائد القديمة والحديثة في الصين

يقول أهل الغرب أن السببأكبرقدم المدنية الغربية هو انقراض سلطة الكنيسة، وإن كان الذين يريدون أن يهموا من أنفسهم معنى الأديان يزيدون في كل يوم عدداً وتأثيراً فلا يصح للكنيسة بعد ذلك أن تدعي أنها تهدي القلوب الراغبة في الأيمان، ثم يقولون أن الصين واليابان في حاجة إلى الانتفاع بتأثير الشعور الديني في تحقيق تقدمهم، ولكن بينا ترى اليابان تحاول أن تدين بشيء من المسيحية، إذ بك تجد الصين تجتهد في إحياء الدين القديم، إذ يرجع أهل الصين الآن إلى عبادة كونفوشيوس، والغرض من ذلك أن يربطوا الأقاليم المختلفة برباط وثيق من النزعة الدينية، ولئن كان تأثير ذلك المعلم الديني قد ضعف في خلال القرن الماضي، فلم يصر بعد عند أهل الصين نسياً منسيا، كما يشهد بذلك الاحتفال الذي أقاموه يوم عيد ميلاده الأخير، وكان في السابع والعشرين من شهر سبتمبر الماضي وقد كتبت قبل يوم العيد نشرة عامة بعثت إلى كل حكام الأقاليم وضمنت كل فضائل كونفوشيوس، وكان العزم أن تقدم هذه النشرة لقضاة البلاد ليقدموها إلى الجمهور، وبذلك تتمهد السبيل لكونفوشيوس فيصبح قائد الجمهورية الصينية الحديثة، ورجال حزب الصين الفتاة يرون أن البلاد في حاجة ماسة إلى قائد يحكمها أو دين يهديها. وإن هذه الحاجة يجوز أن تسد بإحياء دين كونفوشيوس. ولكن في شكل حديث. وقد أقيمت لكونفوشيوس في كثير من بلاد الصين الاحتفالات وأنشدت الأناشيد مما يجعلنا نتوقع أن نهضة الصين ستكون في بادئ أمرها دينية. ثم تنقلب بعدها إلى نهضة سياسية. ولكن من ذا الذي يعلم نتيجة الرجوع إلى دين كونفوشيوس؟

الآي آي

إن الحيوان الذي ترى أمامك صورته هو من حيوانات جزيرة مدغشقر الإفريقية، وهو أحط أنواع فصيلة القردة وأشدها اختلافاً عن بقية الأنواع، ولقد جاء الانجليز به إلى نجلترة ووضعوه في حدائق الحيوان، فلم يعش طويلاً.

وقد كتب كاتب يصفه قال: رأسه أشبه من القرد بالدب، وذنبه غزير الشعر جثله، يحكي ذنب الذئب، وأسنانه الأمامية كبيرة الحجم حادة الطرف كأسنان الفأرة، وقدماه كأقدام القردة، لأن للأصبع الكبير ظفراً مسطحاً، يخالف الأصابع الأخرى ولها أظلاف طوال، وأما الأصبع الأوسط فنهاية في الطول والرفع، ويقولون أن الحيوان يستخدمه في إخراج الحشرات والديدان من أصول الشجر. ويقول ثقة أنه يستخدمه أيضاً إذا قدم إليه طعام سائل. إذ يدني شفتيه من السائل المقدم إليه. ويدخل هذا الأصبع في فمه ويضعه خلف أسنانه. ويجعل يقدمه ويؤخره كلما ارتشف من الماء. وكذلك يفعل في أكل البيض.

ويقول الكاتب أنه لا ينفع في حدائق الحيوان. لأنه يقضي طول النهار في زاوية مظلمة من قفصه. ولا يخرج منه إلا إذا اشتدت ظلمة الليل.

فكاهة

أراد صاحب مطعم أن يداعب ماركوني مخترع التلغراف اللاسلكي. وقد جاء إلى مطعمه لتناول العشاء. فكتب في قائمة الأصناف التي أكلها بدلاً من (فصولية خضرة بالزبدة) فصولية خضرة ماركوني فلما قرأها المخترع سأله لم فعلت ذاك. مع أن الفصولية من النوع الفرنساوي المعروف فسأله صاحب المطعم وهل كان فيها شيء من الخيوط؟ قال لم يكن فيها أدنى خيط

ثم ضحك الرجل وقال أذن فنسميها الفصولية اللاسلكية وإن شئت قلنا فصولية ماركوني!

فابتسم ماركوني وابتسم الرجل.

فكاهة

حدث أن الصحف الانجليزية نعت كذباً وفاة رجل. فلما وقعت في يده الصحيفة وقرأ المنعي أسرع إلى مكتب التلغراف فأرسل إلى زوجته تلغرافاً في الحال يقول فيه لا أزال على قيد الحياة. فلا تتزوجي!

الفلسفة الساذجة

كم في حدائق الأدب من زهور. ولكن كم من هذه الزهور نراه رقيق الغلالة بديع اللون طيب الشذى. وهو القاتل السام.

هل تظن أن من الفلسفة في شيء قول فوفينارج يولد الناس كلهم أوفياء. ويموتون جميعاً خونة غادرين

أو قول سافارين قل لي ماذا تأكل أنيئك من أنت أوكلمة ميرابو أقتل ضميرك. فهو أعدى عدوك. إن طلبت النجاح أو كلمة جيلرت (من يح رذيلة. وقع في حب الرذائل جميعها)

أو قول شاملور إن الطمع يتغلب على الارواح الصغيرة أكثر من تغلبه على الأرواح الكبيرة. كالنار تأكل سقوف الأكواخ أكثر من سقوف القصور أو كلمة باسكال (في الروح العظيمة كل شيء عظيم)

أو أغنية الشاعر بونستد (كل عين دعجاء خداعةز. وكل عين ظمياء فاسقة خوانة. أما العين الزرقاء فدليل الطاعة!)

واسمع ما جاء من المتناقضات

يقول ليسنج (الحياء في العظماء) ويقول جوت (الحياء في المجرمين) ويقول جان بول (الحي من خجل إذا أنب قبل أن يخجل إذا مدح)