مذكراتي عن الثورة العربية الكبرى/مناورات افرنسية


مناورات افرنسية

وكانت الروح العربية الاستقلالية تشع من دمشق ، لتنشر تأثيرها السحري في فلسطين ولبنان والعراق ، الأمر الذي جعل السلطات الفرنسية والبريطانية تحسب لذلك ألف حساب ، فرأت الحكومة الفرنسية أن تواصل في دمشق مساعيها التي بدأتها في باريس عساها تصل الى تفاهم مع الامير كما يضع حداً لمقاومة سياستها ويسهل لها تحقيق معاهدة سیکس ـ بيكو . فأوحت الى بطل المعاهدة الافرنسي جورج بيكو بتنفيذ ذلك فجاء الى دمشق في ٢٠ مايس وبدأ محادثاته وكنت أنا المترجم في أكثر الأحيان ، كما كنت أتصرف بترجمة أقوال الامير أحياناً كي لا يفهم منها غير ما يقصده فيسجله عليه . وكأني به قد لاحظ ذلك ، فاعترض علي" ، فرجعت الى الامير ، فأبد ما ترجمته بدون أي تغيير . وبعد محادثات استمرت عدة أيام أبي الامير إلا أن يدور البحث على أساس الغاء معاهدة سيكس – بيكو . وبذلك تنشأ في الساحل السوري ولبنان ادارة وطنية تحل محل الحكم العسكري الفرنسي الذي المنطقة الشرقية بوحدة واتحاد وفقا لرغبات كان قائما فيها وترتبط الأهلين . وأعلن المسيو بيكو أن ذلك متعذر ، محتجاً بأن انكلترا طرف ثان في المعاهدة المذكورة وألح الامير بضرورة تحقيق ذلك قبل وصول لجنة الاستفتاء الدولية . ولما كانت الموصل داخلة ضمن سورية ، وفلسطين منطقة دولية وفقا للمعاهدة المذكورة ، فقد طلب الامير أن تتعهد فرنسا وتعمل معه على ادخال الموصل وفلسطين ضمن الدولة السورية فاعتذر بيكو بأن انكلترا تقاوم ما يطلبه ولا فرنسا أن جورج تدخل بأي بحث يتعلق بالعراق عندما تطرق الامير لذلك . وبعد شهر تقريبا أي في 18 حزيران عاد المسيو بيكو فزار الامير ليبلغه استعداده لنشر بيان يتفق مع مطالب الامير في الساحل بدون أن تتقيد فرنسا بتوقيع اتفاقية الأمير بهذا الشأن وكانت لجنة الاستفتاء الاميركية قد وصلت الى لبنان في 16/10 1916 وهي على وشك مغادرة فلسطين الى جنوبي لبنان . وقد لاحظنا أن غاية فرنسا من ذلك كانت تأمين حصولها على الانتداب في سورية استناداً لرغبة أهلها بعد أن تأمن عدم مقاومة الامير لذلك ، وعندها تتصرف كما تشاء تحت ستار الانتداب المخول لها من مؤتمر السلام . فرفض الامير ذلك أيضاً برأي وقد بذل العاملون الوطنيون قصارى الجهد لتوحيد الصفوف والتقدم الى لجنة الاستفتاء الدولية بالمطالبة بالاستقلال التام على أن يصار الى الاستعانة بالفنيين الأجانب وفقا للحاجة وبحرية كاملة كمأجورين - ۱۱۸ من تدفع لهم الدولة العابهم ، ورفض أي استعانة أو مساعدة فرنسية . الا أنه لما كان قرار مؤتمر الصلح يحتم الاستعانة بخبراء احدى الدول العريقة وفقاً لرغبات الشعب ، فكان الأمير يرى أن تطلب المساعدة أميركا أو انكلترا إد أن بشائر رفض اميركا المداخلة في شؤون العالم القديم بدأت تظهر للعيان ، وليقطع بالتالي الطريق على فرنسا بعد أن امتلاء قلبه خوفاً من تدخلاتها ، وبما انتهى اليه من سياستها التعسفية في شمال افريقية وعدم تمكين السكان من ادارة شؤونهم بأنفسهم ، وقد شاطرت الأمير هذا الرأي ، إلا أن الهيئة الادارية للفتاة لم تقبل بهذا الاجتهاد ، وقررت أن تكون المساعدة التي لا تمس بالاستقلال المطلق وقفاً على أميركا حتى إذا أبت كانت بريطانيا ( وفي هذه الأثناء وردت على الأمير برقية من وفد الحجاز في مؤتمر السلام ورد فيها أن فرنسا تضع العراقيل التحول دون لجنة الاستفتاء الدولية من السفر زاعمة أن سكان سورية وغيرها من البلاد العربية ليسوا من النضج الفكري والثقافي بحيث يمكنهم وعي مثل هذه الأمور ، الا أن حظوة الأمير لدى الرئيس ولسون جعلته ينكر على فرنسا زعمها ويصر على ارسال الاحنة وكانت لجنة الاستفتاء مؤلفة من الوفد البريطاني برئاسة السير هنري ما كماهون وعضوية الاستاذ هوجارت وعدد من الخبراء والسكرتيرين ، ومن اللجنة الفرنسية برئاسة هنري لونغ ومن اللجنة الأميركية وهي مؤلفة من شارلز کرابن وهنري كنغ مندوبين والبرت لايبابر يساو وجورج مونتغمري ، والكابتين وليام باي مستشارين والكابتين برودی أمين سر والمستر اورنس مور مدر أعمال - ۱۱۹ ولا كان قرار ارسال لجنة دولية للاستفتاء والتحقيق لم يقابل م بالارتياح من قبل الدوائر الفرنسية الرسمية والبرلمانية ، فقد اشترطت الحكومة الفرنسية أن تنفق الحكومات ذات الشأن على كل ماله علاقة بذلك الاستفتاء قبل ارسال اللجنة ، فأبى الرئيس ولسن أن يتقيد بطلبها هذا ، وبذل المندوبان المربيان في المؤتمر جهوداً صادقة كي لا تجاري الحكومة البريطانية الفرنسيين في عرقلة ارسال اللجنة ولحملها على ارسال وفدها . فأرسل عضو الوفد البريطاني في مؤتمر الصلح اللورد هاردينغ كتاباً إلى الوفد العربي في المؤتمر يقول فيه أن الوفد الانكليزي سيلحق بعد قليل بالوفد الأميركي الذي سافر الى الشرق للاضطلاع بمهمته بأمر الرئيس ولسن بدون أن يتقيد بسفر اللجنتين الفرنسية والانكليزية غير أن انكلترا عادت بعدئذ فلبت مطلب فرنسا ، ولم ترسل وفدها اذ أن وعد بلفور سيسبب جملة من المشاكل اذا هي اشتركت بالاستفتاء ، لا سيما وأن البلاد لم تكن تجهل عقبى ذلك الوعد المشؤوم من أخطار . ولا شك في أن انكلترا كانت حائرة بسبب الوعود الكثيرة التي قطعتها على نفسها لاستكثار انصارها ابان الحرب اذ هي لم تدخر وسعاً في حشد ع وكان من كافة القوى الممكنة لمساعدتها ، ومن جملتها القوة الصهيونية العالمية ، التي مدت لها يد العون تلقاء تحقيق الحلم اليهودي في أرض الميعاد و فلسطين » . أثر الصهيونية في اميركا ان جرتها الى الحرب بجانب بريطانيا وحلفائها . وقد دخلت الولايات المتحدة في ١٢ نيسان ( ابريل ) 1917 الحرب بجانب انكلترا ، ولذا وقت انكلترا بوعدها لليهود فأصدرت وعد بلفور المشؤوم في ٢ تشرين الثاني 1917 وهذا نصه : عزيزي لورد روتشيلد : يسرني أن أبعث اليكم باسم حكومة جلالة الملك ، هذا التصريح – ۱۲۰ – ( المشوب بالعطف على الأماني الصهيونية ، والذي عرض على الحكومة ووافقت عليه ·

تعتزم الحكومة البريطانية اقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل كل ما لديها من جهد في سبيل تحقيق هذه الغاية، هذا مع العلم بأن حكومة جلالة الملك لن تفعل شيئا ينطوي على أي مساس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين ، ولا بحقوق اليهود الذين يعيشون في دولة أجنبية ، ونظم أحوالهم الشخصية . واكون لك شاكرا لو تكرمت بابلاغ هذا التصريح الى اتحاد الهيئات الصهيونية» . ارثر جمس بلفور

وكان علينا أن نحسب حساب هذا البلاء الذي قد يكون أخطر من الاستعمار ·