الفتاوى الكبرى/كتاب البيوع/6

وبعد هذا فاعلم أن الأمة انقسمت في دخول الطلاق والعتاق في حديث الاستثناء على ثلاثة أقسام:

فقوم قالوا: يدخل في ذلك الطلاق والعتاق أنفسهما حتى لو قال: أنت طالق إن شاء الله وأنت حر إن شاء الله دخل ذلك في عموم الحديث وهذا قول أبي حنفية والشافعي وغيرهما

وقوم قالوا: يدخل في ذلك الطلاق والعتاق لا إيقاعهما ولا الحلف بهما لا بصيغة الجزاء ولا بصيغة القسم وهذا أشهر القولين في مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد

والقول الثالث: إن إيقاع الطلاق والعتاق لا يدخل في ذلك بل يدخل فيه الحلف بالطلاق والعتاق وهذه الرواية الثانية عن أحمد ومن أصحابه من قال إن كان الحلف بصيغة القسم دخل في الحديث ونفعته المشيئة رواية واحدة وإن كان بصيغة الجزاء ففيه روايتان

وهذا لقول الثالث هو الصواب المأثور معناه عن أصحابه رسول الله جمهور التابعين كسعيد بن المسيب والحسن لم يجعلوا في الطلاق استثناء ولم يجعلوه من الايمان ثم ذكرناه عن الصحابة وجمهور التابعين انهم جعلوا الحلف بالصدقة والهدي والعتاق ونحو ذلك يمينا مكفرة وهذا معنى قول أحمد في غير موضع الاستثناء في الطلاق والعتاق ليس من الايمان

وقال أيضا: الثنيا في الطلاق لا أقول به وذلك أن الطلاق والعتاق جزما واقعان

وقال أيضا: إنما يكون الاستثناء فيما يكون فيه كفارة والطلاق والعتاق لا يكفران وهذا الذي قاله ظاهر وذلك ان إيقاع الطلاق والعتاق ليس يمينا أصلا وإنما هو بمنزلة العفو عن القصاص والإبراء من الدين ولهذا قال: والله لا أحلف يمين ثم أعتق عبدا له أو طلق امرأته أو أبرأ غريمه من دم أو مال أو عرض فإنه لا يحنث ما علمت أحدا خالف في ذلك فمن أدخل إيقاع الطلاق والعتاق في قول النبي : [ من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث بعد ] حمل العام ما لا يحتمله كما أن من أخرج من العام قوله الطلاق بلزمني لأفعلن كذا أو لأفعله إن شاء الله أو إن فعلته فامرأتي طالق إن شاء الله فقد أخرج من القول العام ما هو داخل فيه قال هذا يمين بالطلاق والعتاق

وهنا ينبغي تقليد أحمد بقوله الطلاق والعتاق ليسا من الأيمان فإن الحلف بهما كالحلف بالصدقة والحج ونحوهما وذلك معلوم بالإضطرار عقلا وعرفا وشرعا

ولهذا لو قال: والله لا أحلف على يمين أبدا ثم قال إن فعلت كذا فامرأتي طالق حنث وقد تقدم أن أصحاب رسول الله سموه يمينا وكذلك الفقهاء كلهم سموه يمينا وكذلك عامة المسلمين سموه يمينا ومعنى اليمين موجود فيه فإنه إذا قال أحلف بالله لأفعلن إن شاء الله فإن المشيئة تعود عند الإطلاق إلى الفعل المحلوف عليه والمعنى إني حالف على هذا الفعل إن شاء الله فعله فإذا لم يفعل لم يكن قد شاءه فلا يكون ملتزما له فلوى نوى عوده إلى الحلف بأن يقصد أي الحالف إن شاء الله أن أكون حالفا كان معنى هذا مغاير الاستثناء في الإنشاءات كالطلاق وعلى مذهب الجمهور لا ينفعه ذلك وكذلك قوله الطلاق يلزمني لأفعلن كذا إن شاء الله تعود المشيئة عند الإطلاق إلى الفعل فالمعنى لأفعلنه إن شاء الله فعله فمتى لم يفعله لم يكن الله قد شاء فلا يكون ملتزما للطلاق بخلاف ما لو عنى بالطلاق يلزمني إن شاء الله لزومه إياه فإن هذا بمنزلة قوله أنت طالق إن شاء الله

وقول أحمد إنما يكون الاستثناء فيما فيه حكم الكفارة والطلاق والعتاق لا يكفران كلام حسن بليغ لما تقدم من أن النبي أخرج حكم الاستثناء وحكم الكفارة مخرجا واحدا بصيغة الجزاء وبصيغة واحدة فلا يفرق بين ما جمعه النبي إنما يقع لما علق به الفعل فإن الأحكام التي هي الطلاق والعتق ونحوهما لا تعلق على مشيئة الله تعالى بعد وجود أسبابها فإنها واجبة بوجوب أسبابها فإذا انعقدت أسبابها فقد شاءها الله وإنما تعلق على الحوادث التي قد يشاءها الله وقد لا يشاءها من أفعال العباد ونحوها والكفارة إنما شرعت لما يحصل من الحنث في اليمين التي قد يحصل فيها الموافقة بالبر تارة والمخالفة بالحنث أخرى ووجوب الكفارة بالحنث في اليمين التي تحتمل الموافقة والمخالفة كارتفاع اليمين بالمشيئة التي تحتمل التعليق وعدم التعليق فكل من حلف على شيء ليفعلنه فلم يفعله فإنه إن علقه بالمشيئة فلا حنث عليه وإن لم يعلقه بالمشيئة لزمته بالكفارة

فالاستثناء والتكفير يتعاقبان اليمين إذا لم يحصل فيها الموافقة فهذا أصل صحيح يدفع ما وقع في هذا الباب من الزيادة أو النقص فهذا على ما أوجبه كلام رسول الله ثم يقال بعد ذلك قول أحمد وغيره الطلاق والعتاق لا يكفران كقول غيره لا استثناء فيهما

وهذا في إيقاع الطلاق والعتاق وأما الحلف بهما فليس تكفيرا لهما وإنما هو تكفير للحلف بهما كما أنه إذا حلف بالصلاة والصيام والصدقة والحج والهدي ونحو ذلك في نذر اللجاج والغضب فإنه لم يكفر الصلاة والصيام والحج والهدي وإنما يكفر الحلف بهم وإلا فالصلاة لا كفارة فيها وكذلك هذه العبادات لا كفارة فيها لمن يقدر عليها وكما أنه إذا قال أن فعلت كذا فعلي أن أعتق فإن عليه الكفارة بلا خلاف في مذهب أحمد وموافقة من القائلين بنذر اللجاج والغضب وليس ذلك تكفيرا للعتق وإنما هو تكفير للحلف به فلازم قول أحمد هذا أنه إذا جعل الحلف بهما يصح فيه الاستثناء كان الحلف بهما يصح فيه الكفارة وهذا موجب سنة رسول الله كما قدمناه

وأما من لم يجعل الحلف بهما يصح فيه الاستثناء كأحد القولين في مذهب أحمد ومذهب مالك فهو قول مرجوح ونحن في هذا المقام إنما نتكم بتقدير تسلميه وسنتكلم إن شاء الله في مسألة الاستثناء على حده وإذا قال أحمد وغيره من العلماء أن الحلف بالطلاق والعتاق لا كفارة فيه لأنه لا استثناء فيه لزم من هذا القول أن الاستثناء في الحلف بهما وأما من فرق من أصحاب أحمد فقال يصح في الحلف بهما الاستثناء ولا تصح الكفارة فهذا لم أعلمه منصوصا عن أحمد ولكنهم معذورون فيه من قوله حيث لم يجدوه نص في تكفير الحلف بهما على روايتين كما نص الاستثناء في الحلف بها على روايتين لكن هذا القول لازم على إحدى الروايتين عنه التي ينصرونها ومن سوى الأنبياء يجوز أن يلزم قوله لوازم يتفطن للزومها ولو تفطن لكان إما أن يلتزمها أو لا يلتزمها بل يرجع عن الملزوم أو لا يرجع عنه ويعتقد أنها غير لوازم

والفقهاء من أصحابنا وغيرهم إذا خرجوا على قول عالم لوازم قوله وقياسه فإما أن لا يكون نص على ذلك اللازم لا ينفي ولا إثبات أو نص عليه نفيه وإذا نص على نفيه فإما أن يكون نص على نفي لزومه أو لم ينص فإن كان قد نص على نفي ذلك اللازم وخرجوا عنه خلاف المنصوص عنه في تلك المسألة مثل أن ينص في مسألتين متشابهتين على قولين مختلفين أو يعلل مسألة بعلة ينقضها في موضع آخر كما علل أحمد هنا عدم التكفير بعدم الاستثناء وعنه في الاستثناء روايتان فهذا مبني على تخريج ما لم يتكلم فيه بنفي ولا إثبات هل يسمى ذلك مذهبا أو لا يسمى

ولأصحابنا فيه خلاف مشهور فالأثرم والخرقي وغيرهما يجعلونه مذهبا له والخلال وصاحبه وغيرهما لا يجعلونه مذهبا لهما والتحقيق أن هذا قياس قوله ولازم قوله فليس بمنزلة المذهب المنصوص عنه ولا أيضا بمنزلة ما ليس بلازم قوله بل هو منزلة بين منزلتين هذا حيث أمكن أن لا يلزمه وأيضا فإن الله شرع الطلاق مبيحا له أو آمرا به أو ملزما له إذا أوقعه صاحبه وكذلك العتق وكذلك النذر وهذه العقود من النذر والطلاق والعتاق يقتضي وجوب أشياء على العبد أو تحريم أشياء عليه

والوجوب والتحريم إنما يلزم العبد إذا قصده سببه فإنه لو جرى على لسانه هذا الكلام لغير قصد لم يلزمه شيء بالاتفاق ولو تكلم بهذه الكلمات مكرها لم يلزمه حكمها عندنا وعند الجمهور كما دلت عليه السنة وآثار الصحابة لأن مقصوده إنما هو دفع المكروه عند لم يقصد حكمها ولا قصد التكلم بها ابتداء فكذلك الحالف إذا قال إن لم أفعل كذا فعلي الحج أو الطلاق ليس يقصد التزام حج ولا طلاق ولا تكلم بما يوجبه ابتداء وإنما قصده الحض على ذلك الفعل أو منع نفسه من كما أن قصده المكره دفع المكروه عنه ثم قال على طريق المبالغة في الحض والمنع: إن فعلت كذا فهذا لي لازم أو هذا علي حرام لشدة امتناعه من هذا اللزوم والتحريم علق ذلك به فقصده منهما جميعا لا ثبوت أحدهما ولا ثبوت سببه وإذا لم قاصدا للحكم ولا لسببه إنما قصده عدم الحكم لم يجب أن يلزمه الحكم وأيضا فإن اليمين بالطلاق بدعة محدثة لم يبلغني أنه كان يحلف بها على عهد قدماء الصحابة ولكن قد ذكروها في أيمان البيعة التي رتبها الحجاج بن يوسف وهي تشتمل على اليمين بالله وصدقة المال والطلاق والعتاق ولم أقف إلى الساعة على كلام لأحد من الصحابة في الحلف بالطلاق وإنما الذي بلغنا عنهم الجواب في الحلف بالعتق كما تقدم ثم هذه البدعة قد شاعت في الأمة وانتشرت انتشارا عظيما ثم لما اعتقد من اعتقد أن الطلاق يقع بها لا محالة صار في وقوع الطلاق بها من الأغلال على الأمة ما هو شبيه بالأغلال التي كانت على بني إسرائيل ونشأ عن ذلك خمسة أنواع من الحيل والمفاسد في الايمان حتى اتخذوا آيات الله هزوا وذلك أنهم يحلفون بالطلاق على ترك أمور لا بد لهم من فعلها إما شرعا وإما طبعا وعلى فعل أمور لا يصلح فعلها إما شرعا وإما طبعا وغالب ما يحلفون بذلك في حال اللجاج والغضب ثم فراق الأهل فيه من الضرر في الدين والدنيا ما يزيد على كثير من أغلال اليهود وقد قيل إن الله إنما حرم المطلقة ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره لئلا يتسارع الناس إلى الطلاق لما فيه من المفسدة فإذا حلفوا بالطلاق على الأمور اللازمة أو الممنوعة وهم محتاجون إلى تلك الأمور أو تكرها مع عدم فراق الأهل قدحت الأفكار لهم أنواعا من الحيل أربعة أخذت عن الكوفيين وغيرهم

الحيلة الأولى في المحلوف عليه: فيتأول لهم خلاف ما قصدوه وخلاف ما يدل عليه الكلام في عرف الناس وعاداتهم وهذا هو الذي وصفه بعض المتكلمين في الفقه ويسمونه باب المعاياة وباب الحيل في الأيمان وأكثره مما يعلم بالاضطرار من الدين إنه لا يسوغ في الدين ولا يجوز حمل كلام الحالف عليه ولهذا كان الأئمة كأحمد وغيره يشددون النكير على من يحتال في هذه الأيمان

الحيلة الثانية: إذا تعذر الاحتيال في الكلام المحلوف عليه احتالوا للفعل المحلوف عليه بأن يأمروه بمخالفة امرأته ليفعل المحلوف عليه في زمن البينونة وهذه الحيلة أحدث من التي قبلها وأظنها حدثت في حدود المائة الثالثة فإن عامة الحيل إنما نشأت عن بعض أهل الكوفة وحيلة الخلع لا تمشي على أصلهم لأنهم يقولون إذا فعل المحلوف عليه في العدة وقع به الطلاق لأن المعتدة من فرقة بائنة يلحقها الطلاق عندهم فيحتاج المحتال بهذه الحيلة أن يتربص حتى تنقضي العدة ثم يفعل المحلوف عليه بعد انقضائها وهذا فيه ضرر عليه من جهة طول المدة فصار يفتي بها أصحاب الشافعي وربما ركنوا معها إلى أخذ قوله الموافق لأشهر الروايتين عن أحمد من أن الخلع فسخ وليس بطلاق فيصير الحالف كلما أراد الحنث خلع زوجته وفعل المحلوف عليه ثم تزوجها فإما أن يفتوه بنقص عدد الطلاق أو يفتوه بعدمه وهذا الخلع الذي هو خلع الأيمان شبيه بنكاح المحلل سواء فإن ذلك عقد لم يصده وإنما قصد إزالته وهذا فسخ فسخا لم يصده وإنما قصد إزالته وهذه حيلة محدثة باردة قد صنف أبو عبد الله بن بطة جزأ في إبطالها وذكر عن السلف في ذلك من الآثار ما قد ذكرت بعضه في غير هذا الموضع

الحيلة الثالثة: إذا تعذر الاحتيال في المحلوف عليه احتالوا في المحلوف به فيبطلونه بالبحث عن شروطه فصار قوم من المتأخرين من أصحاب الشافعي يبحثون عن صفة عقد النكاح لعله اشتمل على أمر يكون به فاسدا ليرتبوا على ذلك أن الطلاق في النكاح الفاسد لا يقع ومذهب الشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى روايته أن الولي الفاسق لا يصح نكاحه والفسوق غالب في كثير من الناس فيقتنون هذه المسألة بسبب الاحتيال لرفع الطلاق ثم نجد هؤلاء الذين يحتالون بهذه الحيلة إنما ينظرون في صفة عقد النكاح وكون فلان الفاسق لا يصح عند إيقاع الطلاق الذي قد ذهب كثير من أهل العلم أو أكثرهم إلى أنه يقع الفاسد في الجملة وأما عند الوطء والاستمتاع الذي أجمع المسلمون على أنه لا يباح في النكاح الفاسد فلا ينظرون في ذلك ولا ينظرون في ذلك أيضا عند الميراث وغيره من أحكام النكاح الصحيح بل عند وقوع الطلاق خاصة وهذا نوع من اتخاذ آيات الله هزوا ومن المكر في آيات الله إنما أوجبه الحلف بالطلاق والضرورة إلى عدم وقوعه

الحيلة الرابعة: الشرعية في إفساد المحلوف به أيضا لكن لوجود مانع لا لفوات شرط فإن أبا العباس بن سريج وطائفة بعده اعتقدوا أنه إذا قال لامرأته إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبل ثلاثا فإنه لا يقع عليها بعد ذلك طلاق أبدا لأنه إذا وقع المنجز لزم وقوع المعلق وإذا وقع المعلق امتنع وقوع المنجز فيفضي وقوعه إلى عدم وقوعه فلا يقع وأما عامة فقهاء الإسلام من جميع الطوائف أنكروا ذلك بل رأره من الزلات التي يعلم بالإضطرار كونها ليست من دين الإسلام حيث قد علم بالضرورة من دين محمد بن عبد الله أن الطلاق أمر مشروع في كل نكاح وأنه ما من نكاح إلا ويمكن فيه الطلاق وسبب الغلط أنهم اعتقدوا صحة هذا الكلام فقالوا إذا وقع المنجز وقع المعلق وهذا الكلام ليس بصحيح فإنه مستلزم وقوع طلقة مسبوقة بثلاث ووقوع طلقة مسبوقة بثلاث ممتنع في الشريعة فالكلام المشتمل على ذلك باطل وإذا كان باطلا لم يلزم من وقوع المنجز وقوع المعلق لأنه إنما يلزم إذا كان التعليق صحيحا ثم اختلفوا هل يقع من المعلق تمام الثلاث ثم يبطل التعليق ولا يقع إلا المنجز على قولين في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما

وما أدري هل استحدث ابن سريج هذه المسألة للاحتيال على دفع الطلاق أم قال طردا للقياس اعتقد صحته واحتال بها من بعده لكني رأيت مصنفا لبعض المتأخرين بعد المائة الخامسة صنفه في هذه المسألة ومقصوده بها الاحتيال على عدم وقوع الطلاق ولهذا صاغوها بقوله إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا لأنه لو قالوا إذا طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا لم تنفعه هذه الصيغة في الحيلة وإن كان كلاهما في الدور سواء وذلك لأن الرجل إذا قال لامرأته إذا طلقتك فعبدي حر أو فأنت طالق لم يحنث إلا بتطليق ينجزه بعد هذه اليمين أو يعلقه بعدها على شرط فيوجد فإن كان كل واحد من التنجيز والتعليق الذي وجد شرطه تطليق أما إذا كان قد علق طلاقها قبل هذه اليمين بشرط ووجد الشرط بعد هذه اليمين لم يكن مجرد وجود الشرط ووقوع الطلاق به تطليقا لأن التطليق لا بد أن يصد عن المطلق ووقوع الطلاق بصفة يفعلها غيره ليس فعلا منه

فأما إذا قال إذا وقع عليك طلاقي فهذا يعم المنجز والمعلق بعد هذا شرط والواقع بعد هذا شرط يقدم تعليقه فصوروا المسألة بصور قوله إذا وقع عليك طلاقي حتى إذا حلف الرجل بالطلاق لا يفعل شيئا قالوا له بل إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فيقول ذلك فيقولون له افعل الآن ما حلفت عليه فإنه لا يقع عليك طلاق فهذا التسريح المنكر عند عامة أهل الإسلام المعلوم يقينا إنه ليس من الشريعة التي بعث الله بها محمدا إنما تفقه في الغالب وأحوج كثيرا من الناس إلى الحلف بالطلاق وإلا فلولا ذلك لم يدخل فيه أحد لأن العاقل لا يكاد يقصد انسداد باب الطلاق عليه إلا بالبر

الحيلة الخامسة: إذا وقع الطلاق ولم يمكن الاحتيال لا في المحلوف عليه قولا ولا فعلا ولا في المحلوف به إبطالا ولا معنا احتالوا لإعادة النكاح بنكاح المحلل الذي دلت السنة وإجماع الصحابة مع دلالة القرآن وشواهد الأصول على تحريمه وفساده ثم قد توالد من نكاح المحلل من الفساد ما لا يعلمه إلا الله كما قد نبهنا على بعضه في كتاب إقامة الدليل على بطلان التحليل وأغلب ما يحوج الناس إلى نكاح المحلل هو الحلف بالطلاق وإلا فالطلاق الثلاث لا يقدم عليه الرجل في الغالب إلا إذا قصده ومن قصده لم يترتب عليه من الندم والفساد ما يترتب على من اضطر لوقوعه وإخراجهما على مفهومهما ومقصودها بالاحتيال بالخلع وإعادة النكاح ثم الاحتيال عن فساد النكاح ثم الاحتيال بمنع الطلاق ثم الاحتيال بنكاح المحلل في هذه الأمور من المكر والخداع والاستهزاء بآيات الله واللعب الذي ينفر العقلاء عن دين الإسلام ويوجب ظفر الكفار فيه كما رأيته في بعض كتب النصارى وغيرها وتبين لكل مؤمن صحيح الفطرة أن دين الإسلام بريء منزه عن هذه الخزعبلات التي تشبه حيل اليهود ومخاريف الرهبان وأكثر ما أوقع الناس فيها وأوجب كثرة إنكار الفقهاء فيها وإستخراجهم لها هو حلف الناس بالطلاق

واعتقاد وقوع الطلاق عند الحنث لا محالة حتى لقد فرع الكوفيون وغيرهم من فروع الإيمان شيئا كثيرا مبناه على هذا الأصل وكثير من الفروع الضعيفة التي يفرعها هؤلاء ونحوهم هي كما كان الشيخ أبو محمد المقدسي رحمه الله يقول مثالها مثال رجل بنى دارا حسنة على حجارة مغصوبة فإذا توزع في استحقاق تلك الحجارة التي هي الأساس فاستحقها غيره انهدم بناؤه فإن الفروع الحسنة إن لم تكن على أصول محكمة وإلا لم يكن لها منفعة فإذا كان الحلف بالطلاق واعتقاد لزوم الطلاق عند الحنث قد أوجب هذه المفاسد العظيمة التي قد غيرت بعض أمور الإسلام غلا من فعل ذلك وقال في هؤلاء شبه من أهل الكتاب كما أخبر به النبي مع أن لزوم الطلاق عند الحلف به ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا أفتى به أصحاب رسول الله بل ولا أحد منهم مما أعلمه ولا اتفق عليه التابعون لهم بإحسان والعلماء بعدهم ولا هو مناسب لأصول الشريعة ولا حجة لمن قاله أكثر من عادة مستمرة أسندت إلى قياس معتضد بتقليد لقوم أئمة علماء محمودين عند الأمة وهم لله الحمد فوق ما يظن به لكن لم نؤمر عند التنازع إلا بالرد إلى الله وإلى الرسول

وقد خالفهم من ليس دونهم بل مثلهم أو فوقعهم فإنا قد ذكرنا عن أعيان من الصحابة كعبد الله بن عمر المجمع على أمامته وفقهه ودينه وأخته حفصة أم المؤمنين وزينب ربيبة رسول الله وهي من أمثل فقيهات الصحابة الافتاء بالكفارة في الحلف بالعتق والطلاق أولى منه وذكرنا عن طاوس وهو من أفاضل علماء التابعين علما وفقها ودينا أنه لم يكن يرى اليمين بالطلاق موقعة له فإذا كان من لزوم الطلاق عند الحنث في اليمين به مقتضيا لهذه المفاسد وحاله في الشريعة هذه الحال كان هذا جليلا على أن ما أفضى إلى هذا الفساد لم يشرعه الله ولا رسوله كما نبهنا عليه في ضمان الحدائق لمن يزدرعها ويستثمرها وبيع الخضر ونحوهما وذلك أن الحالف بالطلاق إذا حلف ليقطعن رحمه وليعقن أباه وليقتلن عدوه المسلم المعصوم وليأتين الفاحشة وليشربن الخمر وليفرقن بين المرء وزوجه ونحو ذلك من كبائر الإثم والفواحش

فهو بين ثلاثة أمور: إما أن يفعل هذا المحلوف عليه فهذا لا يقوله مسلم لما فيه من ضرر الدنيا والآخرة مع أن كثيرا من الناس بل والمفتين إذا رأوه قد حلف بالطلاق كان ذلك سببا لتخفيف الأمر عليه وإقامة عذره

وأما أن يحتال ببعض تلك الحيل المذكورة كما استخرجه قوم من المفتين ففي ذلك من الإستهزاء بآيات الله ومخادعته والمكر في دينه والكيد له وضعف العقل والدين والإعتداء لحدوده والإنتهاك لمحارمه والإلحاد في آياته مالا خفاء به وإن كان في إخواننا الفقهاء من قد يستجيز بعض ذلك فقد دخل من الغلط في ذلك وإن كان مغفورا لصاحبه المجتهد المنفي لله ما فساده ظاهر لمن تأمل حقيقة الدين

وأما أن لا يحتال ولا يفعل المحلوف عليه بل يطلق امرأته كما يفعله من يخشى الله إذا اعتقد وقوع الطلاق ففي ذلك من الفساد في الدين والدنيا ما لا يأذن الله به ولا رسوله أما فساد الدين فإن الطلاق منهي عنه مع استقامة حال الزوج باتفاق العلماء حتى قال النبي : [ إن المختلعات والمنتزعات هن من المنافقات ]

وقال: [ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ]

وقد اختلف العلماء هل هو محرم أو مكروه وفيه روايتان عن أحمد وقد استحسنوا جواب أحمد رضي الله عنه لما سئل عمن حلف بالطلاق وليطأن امرأته وهي حائض فقال: يطلقها ولا يطأها قد أباح الله الطلاق وحرم وطء الحائض وهذا الاستحسان يتوجه على أصلين إما على قوله إن الطلاق ليس بحرام وإما أن يكون تحريمه حون تحريم الوطء وإلا فإذا كان كلاهما حراما لم يخرج من حرام إلا إلى حرام وأما ضرر الدنيا فأبين من أن يوصف فإن لزوم الطلاق المحلوف به في كثير من الأوقات يوجب من الضرر ما لم تأت به الشريعة في مثل هذا قط

فإن المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الزوج الصالح سنين كثيرة وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله : [ الدنيا متاع وخير متاعها المرأة المؤمنة إن نظرت إليها أعجبتك وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك ]

وهي التي أمر بها النبي في قوله لما سأله المهاجرون أي المال نتخذ فقال: [ لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا أو امرأة صالحة تعين أحدكم على إيمانه ] رواه الترمذي من حديث سالم بن أبي الجعد عن ثوبان

ويكون منها من المودة والرحمة ما امتن الله تعالى بها في كتابه فيكون ألم الفراق أشد عليها من الموت أحيانا وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان خصوصا إن كان بأحدهما علاقة من صاحبه أو كان بينهما أطفال يضيعون بالفراق ويفسد حالهم ثم يفضي ذلك إلى القطيعة بين أقاربها ووقع الشر لما زالت نعمة المصاهرة التي امتن الله تعالى بها في قوله وجعله نسبا وطهرا ومعلوم أن هذا من الحرج الداخل في عموم قوله: { وما جعل عليكم في الدين من حرج } ومن العسر المنفي بقوله: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وأيضا فإذا كان المحلوف عليه بالطلاق فعل بر وإحسان من صدقة أو عتاقة وتعليم علم وصلة رحم وجهاد في سبيل الله وإصلاح بين الناس ونحو ذلك من الأعمال الصالحة التي يحبها الله ويرضاها فإنه لما عليه من الضرر العظيم في الطلاق أعظم لا يفعل ذلك بل ولا يؤمر به شرعا لأنه قد يكون الفساد الناشيء من الطلاق أعظم من الصلاح الحاصل من هذه الأعمال

وهذه المفسدة هي التي أزالها الله ورسوله بقوله تعالى: { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } وقوله : [ لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يأتي الكفارة ]

فإن قيل: فهو الذي أوقع نفسه في أحد هذه الضرائر الثلاث فلا ينبغي له أن يحلف

قيل: ليس في شريعتنا ذنب إذا فعله الإنسان لم يكن له مخرج منه بالتوبة إلا بضرر عظيم فإن الله لم يحمل علينا إصرا كما حمله على الذين من قبلنا فهب هذا قد أتى كبيرة من الكبائر في حلفه بالطلاق ثم تاب من تلك الكبيرة فكيف يناسب أصول شريعتنا أن تنفي ضرر ذلك الذنب عليه لا يجد منه مخرجا وهذا بخلاف الذي ينشىء الطلاق لا بالحلف عليه فإنه لا يفعل ذلك إلا هو مريد للطلاق أما لكراهة المرأة أو غضب عليها ونحو ذلك وقد جعل الله الطلاق ثلاثا فإن كان إنما يتكلم بالطلاق بإختياره وله ذلك ثلاث مرات كان وقوع الضرر بمثل هذا نادرا بخلاف الأول فإن مقصوده لم يكن الطلاق وإنما كان يفعل المحلوف عليه أولا يفعله ثم قد يأمره الشرع أو يضطره الحاجة إلى فعله أو تركه فيلزمه الطلاق بغير إختيار لا له ولا لسببه وأيضا فإن الذي بعث الله محمدا في باب الأيمان تخفيفها بالكفارة لا تثقيلها بالإيجاب أو التحريم فإنهم كانوا في الجاهلية يرون الظهار إطلاقا واستمروا على ذلك في أول الإسلام حتى ظاهر أوس بن الصامت من امرأته وأيضا فالاعتبار بنذر اللجاج والغضب فإنه ليس من الفرق إلا ما ذكرناه وسنبين إن شاء الله عدم تأثيره

والقياس بإلغاء الفارق أصح ما يكون من الاعتبار باتفاق العلماء المعتبرين وذلك أن الرجل إذا قال إذا أكلت أو شربت فعلي أن أعتق عبدي أو فعلي أن أطلق امرأتي أو فعلي الحج أو فأنا محرم بالحج أو فمالي صدقة أو فعلي صدقة فإنه تجزئه كفارة يمين عند الجمهور كما قدمناه بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فكذلك إذا قال إن أكلت هذا أو شربت هذا فعلي الطلاق أو فالطلاق لي لازم أو فامرأتي طالق أو فعبيدي أحرار فإن قوله علي الطلاق لا أفعل كذا أو الطلاق يلزمني لا أفعل كذا فهو بمنزلة قوله علي الحج لا أفعل كذا أو الحج لي لازم لا أفعل كذا

وكلاهما يمينان محدثتان ليستا مأثورتين عن العرب ولا معروفتين عن الصحابة وإنما المتأخرون صاغوا من هذه المعاني أيمانا وربطوا إحدى الجملتين بالأخرى كالايمان التي كان المسلمون من الصحابة يحلفون بها وكانت العرب تحلف بها لا فرق بين هذا وهذا لأن قوله: إن فعلت فمالي صدقة يقتضي وجوب الصدقة عند الفعل وقوله: فامرأتي طالق يقتضي وجود الطلاق فالذي يقتضي وقوع الطلاق نفس الشرط وإن لم يحدث بعد هذا طلاقا ولا يقتضي وقوع الصدقة حتى تحدث صدقة

وجواب هذا الفرق الذي اعتمده الفقهاء المفرقون من وجهين

أحدهما: مع الوصف الفارق في بعض الأصول المقيس عليها وفي بعض صور الفروع المقيس عليها بيان عدم التأثير أما الأول فإنه إذا قال: إن فعلت كذا فمالي صدقة أو فأنا محرم أو فبعيري هدي فالمعلق بالصفة وجود الصدقة والإحرام والهدي إلا وجوبهما كما أن المعلق في قوله فعبدي حر وامرأتي طالق وجود الطلاق والعتق لا وجوبهما ولهذا اختلف الفقهاء من أصحابنا وغيرهم فيما إذا قال: هذا هدي وهذا صدقة لله هل يخرج عن ملكه أو لا يخرج

فمن قال يخرج عن ملكه فهو كخروج زوجته وعبده عن ملكه أكثر ما في الباب أو الصدقة والهدي يتملكه الناس بخلاف الزوجة والعبد وهذا لا تأثير له وكذلك لو قال علي الطلاق لأفعلن كذا أو الطلاق يلزمني لأفعلن كذا فهو كقوله: علي الحج لأفعلن فهل جعل المحلوف به ههنا وجوب الطلاق لا وجوده كأنه قال: إن فعلت كذا فعلي أن أطلق فبعض صور الحلف بالطلاق يكون المحلوف به صيغة وجود

وأما الثاني فيقول هب أن المعلق بالفعل هنا وجود الطلاق والعتاق والمعلق هناك وجود الصدقة والحج والصيام والإهداء ليس موجب الشرط ثبوت هذا الوجوب بل يجزئه كفارة يمين كذلك عند الشرط لا يثبت هذا الوجوب بل تجزئه كفارة يمين عند وجود الشرط فإن كان عند الشرط لا يثبت ذلك الوجوب كذلك عند الشرط لا يثبت هذا الوجود بل كما لو قال: هو يهودي أو نصراني أو كافر إن فعل كذا فإن المعلق هنا وجود الكفر عند الشرط ثم إذا وجد الشرط لم يوجد الكفر بالاتفاق بل يلزمه كفارة يمين أو لا يلزمه شيء ولو قال ابتداء: هو يهودي أو نصراني أو كافر يلزمه الكفر بمنزلة قوله ابتداء: عبدي حر وامرأتي طالق وهذه البدنة هدي وعلي صوم هدي وعلى صوم يوم الخميس

ولو علق الكفر بشرط يقصد وجوده كقوله: إذا هل الهلال فقد برئت من دين الإسلام لكان الواجب أنه يحكم بكفره لكن لا يناجز الكفر لأن توقيته دليل على فساد عقيدته قيل: فالحلف بالنذر إنما عليه فيه الكفارة فقط قيل: مثل في الحلف بالعتق وكذلك الحلف بالطلاق كما لو قال: فعلي أن أطلق امرأتي ومن قال: إنه إذا قال: فعلي أن أطلق امرأتي لا يلزمه شيء فقياس قوله في الطلاق لا يلزمه شيء ولهذا توقف طاوس في كونه يمينا وإن قيل إنه يخير بين الوفاء به والتكفير فكذلك هنا بخير بين الطلاق والعتق وبين التكفير فإن وطء امرأته كان اختيار للتكفير كما أنه في الظهار يكون مخيرا بين التكفير وبين تطليقها فإن وطئها لزمته الكفارة ولكن في الظهار لا يجوز له الوطء حتى يكفر لأن الظهار منكر من القول وزور حرمه عليه وأما هنا فقوله إن فعلت فهي طالق بمنزلة قوله فعلي أن أطلقها أو قال والله لأطلقنها إن لم يطلقها فلا شيء وإن طلقها فعليه كفارة يمين

يبقى أن يقال هل تجب الكفارة على الفور إذا لم يطلقها حينئذ كما لو قال والله لأطلقها الساعة ولم يطلقها أو لا تجب إلا إذا عزم على إمساكها أو لا تجب حتى يوجد منه ما يدل على الرضاء بها من قول أو فعل كالذي يخير بين قراقها وإمساكها ونحوه كالمتعة تجب ابتداء أو لا تجب بحال حتى يفوت الطلاق قيل الحكم في ذلك كما لو قال فثلث مالي صدقة أو هدي ونحو ذلك وإلا قيس في ذلك أنه محير بينهما على التراخي ما لم يوجد منه ما يدل على الرضاء بأحدهما كسائر أنواع الخيار

فصل

موجب نذر اللجاج والغضب عندنا أحد شيئين على المشهور أما التكفير وأما فعل المعلق ولا ريب أن موجب اللفظ في مثل قوله إن فعلت كذا فعلي صلاة ركعتين أو صدقة ألف أو فعلي الحج أو صوم شهر هو الوجوب عند الفعل فهو مخير بين هذا الوجوب وبين وجوب الكفارة فإذا لم يلتزم الوجوب المعلق ثبت وجوب الكفارة فاللازم له أحد الوجهين كل منهما ثابت بتقدير عدم الآخر كما في الواجب المخير وكذلك إن قال إن فعلت كذا فعلي عتق هذا العبد أو تطليق هذه المرأة أو علي أن أتصدق أو أهدي فإن ذلك يوجب استحقاق العبد للإعتاق والمال للتصدق والبدنة للهدي ولو أنه نجز ذلك فقال هذا المال صدقة وهذه البدنة هدي وعلي عتق هذا العبد فهل يخرج عن ملكه بذلك أو يستحق الإخراج فيه خلاف وهو يشبه قوله هذا وقف فأما إذا قال هذا العبد حر وهذه المرأة طالق فهو إسقاط بمنزلة قوله ذمة فلان برية من كذا أو من دم فلان أو من قذفي فإن إسقاط حق الدم والمال والغرض من باب إسقاط حق الملك بملك البضع وملك اليمين فإن قال إن فعلت فعلي الطلاق أو فعلي العتق أو فإمرأتي طالق أو فعبيدي أحرار وقلنا ان موجبه أحد الأمرين فإنه يكون مخيرا بين وقوع ذلك وبين وجوب الكفارة كما لو قال: فهذا المال صدقة أو هذه البدنة هدي

ونظير ذلك ما لو قال: إذا طلعت الشمس فعبيدي أحرار أو نسائي طوالق وقلنا التخيير إليه فإنه إذا اختار أحدهما كان ذلك بمنزلة اختياره أحد الأمرين من الوقوع أو وجوب الكفارة ومثال ذلك أيضا إذا أسلم وتحته أكثر من أربع أو أختان فاختار إحداهما فهذه المواضع التي تكون الفرقة أحد اللازمين أما فرقة معين أو نوع الفرقة لا يحتاج إنشاء طلاق لكن لا يتعين الطلاق إلا بما يوجب تعيينه كما في النظائر

المذكورة ثم إذا اختار الطلاق فهل يقع من حين الاختيار أو من حيث الحنث يخرج على نظير ذلك؟ فلو قال في جنس مسائل نذر اللجاج والغضب اخترت التكفير أو اخترت فعل المنذور هل يتعين بالقول أو لا يتعين إلا بالفعل؟ إن كان التخيير بين الوجوبين تعين بالقول كما في التخيير بين الإنشاء وبين الطلاق والعتق وإن كان بين الفعلين لم يتعين إلا بالفعل كالتخيير بين خصال الكفارة وإن كان بين الفعل والحكم كما في قوله إن فعلت كذا فعبدي حر أو امرأتي طالق أو دمي هدر أو مالي صدقة أو بدنتي هدي تعين الحكم بالقول ولم يتعين الفعل إلا بالفعل

فصل

وأما تحريم الجمع فلا يجمع بين الأختين بنص القرآن ولا بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها لا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى فإنه قد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي نهى عن ذلك

فروي أنه قال: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم بين أرحامكم ولو رضيت إحداهما بنكاح الأخرى عليها لم يجز فإن الطبع يتغير

ولهذا لما عرضت أم حبيبة على النبي أن يتزوج أختها فقال لها النبي : أو تجبين ذلك؟ فقالت لست لك بمخلية وأحق من شركني في الخير أختي فقال: إنها لا تحل لي فقيل له: إنا نتحدث أنك ناكح درة بنت أبي سلمة فقال لو لم تكن ربيبتي في حجري لما حلت لي فإنها بنت أخي من الرضاع أرضعتني وأباها أبا سلمة ثوبية أمة أبي لهب فلا تعرضن علي بناتكن ولا إخواتكن وهذا متفق عليه بين العلماء والضابط في هذا أن كل امرأتين بينهما رحم محرم فإنه يحرم الجمع بينهما بحيث لو كانت إحداهما ذكرا لم يجر له التزوج بالأخرى لأجل النسب فإن الرحم المحرم لها أربعة أحكام حكمان متفق عليهم وحكمان متنازع فيهما فلا يجوز ملكهما بالنكاح ولا وطئهما فلا يتزوج الرجل ذات رحمه المحرم ولا يتسرى بها وهذا متفق عليه بل وهنا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فلا تحل له بنكاح ولا ملك يمين ولا يجوز له أن يجمع بينهما في ملك النكاح فلا يجمع بين الأختين ولا بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وهذا أيضا متفق عليه ويجوز له أن يملكهما لكن ليس له أن يتسراهما فمن حرم جمعهما في النكاح حرم جمعها في التسري فليس له أن يتسرى الأختين ولا الأمة وعمتها والأمة وخالتها وهذا هو الذي عليه قول أكثر الصحابة وهو قول أكثر العلماء وهم متفقون على أنه لا يتسرى من تحرم عليه بنسب أو رضاع وإنما تنازعوا في الجمع فتوقف بعض الصحابة فيها وقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية وظن أن تحريم الجمع قد يكون كتحريم العدد فإن له أن يتسرى ما شاء من العدد ولا يتزوج إلا بأربع

فهذا تحريم عارض وهذا عارض بخلاف تحريم النسب والظهر فإنه لازم ولهذا تصير المرأة ذوات المحارم بهذا ولا تصير من ذوات المحارم بذلك بل أخت امرأته أجنبية منه لا يخلو بها ولا يسافر بها كما لا يخلو بما زاد على أربع من النساء لتحريم ما زاد على العدد

وأما الجمهور فقطعوا بالتحريم وهو المعروف من مذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم قالوا لأن كل ما حرم الله في الآية يملك النكاح حرم بملك اليمين وآية التحليل وهي قوله: { أو ما ملكت أيمانكم } إنما أبيح فيها جنس المملوكات ولم يذكر فيها ما يباح ويحرم من التسري كما لم يذكر ما يباح ويحرم من الممهورات والمرأة يحرم وطئها إذا كانت معتدة ومحرمة وإن كانت زوجة أو سرية وتحريم العدد كان لأجل وجوب العدل بينهن في القسم كما قال تعالى: { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا } أي: لا تجوروا في القسم

هكذا قال السلف وجمهور العلماء وظن طائفة من العلماء أن المراد أن لا تكثر عيالكم وقالوا: هذا يدل على وجوب نفقة الزوجة وغلط أكثر العلماء من قال ذلك لفظا ومعنى أما اللفظ فلأنه يقال عال يعول إذا جار وعال يعيل إذا افتقر وأعال يعيل إذا كثر عياله وهو سبحانه قال تعولوا لم يقل تعيلوا وأما المعنى فإن كثرة النفقة والعيال يحصل بالتسري كما يحصل بالزوجات ومع هذا فقد أباح مما ملكت اليمين ما شاء الإنسان بغير عدد لأن المملوكات لا يجب لهن قسم ولا يستحققن على الرجل وطئا ولهذا يملك من لا يحل له وطئها كأم امرأته وبنتها وأخته وابنته من الرضاع ولو كان عنينا أو مواليا لم يجب أن يزال ملكه عنها والزوجات عليه أن يعدل بينهن في القسم وخير الصحابة أربعة

فالعول الذي يطيقه عامة الناس ينتهي إلى الأربعة وأما رسول الله فإن الله قواه على العدل فيما هو أكثر من ذلك على القول المشهور وهو نضوب القسم عليه وسقوط القسم عنه على القول الآخر كما أنه لما كان أحق بالمؤمنين من أنفسهم أحل له التزوج بلا مهر قالوا وإذا كان تحريم جمع العدد إنما حرم لوجوب العدل في القسم وهذا المعنى منتف في المملوكة فلهذا لم يحرم عليه أن يتسرى بأكثر من أربع بخلاف الجمع بين الأختين فإنه إنما كان دفعا لقطيعة الرحم بينهما

وهذا المعنى موجود بين المملوكتين كما يوجد في الزوجتين فإذا جمع بينهما بالتسري حصل بينهما من التغاير ما يحصل إذا جمع بينهما في النكاح فيقضي إلى قطيعة الرحم ولما كان هذا المعنى هو المؤثر في الشرع جاز له أن يجمع بين المرأتين إذا كان بينهما حرمة بلا نسب أو نسب بلا حرمة فالأول مثل أن يجمع بين المرأة وابنة زوجها كما جمع عبد الله بن جعفر لما مات علي بن أبي طالب بين امرأة علي وابنته وهذا يباح عند أكثر العلماء الأئمة الأربعة وغيرهم فإن هاتين المرأتين وإن كانت إحداهما تحرم على الأخرى فذاك تحريم بالمصاهرة لا بالرحم والمعنى إنما كان بتحريم قطعية الرحم فلم يدخل في آية التحريم لا لفظا ولا معنى

وأما إذا كان بينهما رحم غير محرم مثل بنت العم والخال فيجوز الجمع بينهما لكن هل يكره فيه قولان هما روايتان عن أحمد لأن بينهما رحما غير محرم

وأما الحكمان المتنازع فيهما فهل له أن يملك ذا الرحم المحرم وهل له أن يفرق بينهما في ملك فيبيع أحدهما دون الآخر هاتان فيهما نزاع وأقول ليس هذا موضعها وتحريم الجمع يزول بزوال النكاح فإذا ماتت إحدى الأربع أو الأختين أو طلقها أو انفسخ نكاحها وانقضت عدتها كان له أن يتزوج رابعة ويتزوج الأخت الأخرى باتفاق العلماء وإن طلقها طلاقا رجعيا لم يكن له تزوج الأخرى عند عامة العلماء الأئمة الأربعة وغيرهم وقد روى عبيدة السلماني: قال لم يتفق أصحاب محمد على شيء كاتفاقهم على أن الخامسة لا تنكح في عدة الرابعة ولا تنكح الأخت في عدة أختها وذلك لأن الرجعية بمنزلة الزوجة فإن كلا منهما يرث الآخر لكنها صابرة إلى البينونة وذلك لا يمنع كونها زوجته كما لو حالها إلى أجل مثل أن يقول إن أعطيتني ألفا في رأس الحول فأنت طالق فإن هذه صائرة إلى بينونة صغرى مع هذا فهي زوجة باتفاق العلماء

وإذا قيل: هذه لا يمكن أن تعطيه العوض المعلق به فيدوم النكاح

قيل: والرجعية يمكن أن يراجعها فيدوم النكاح

وكذلك لو قال: إن لم تلدي في هذا الشهر فأنت طالق وكانت قد بقيت على واحدة فها هنا هي زوجة لا يزول نكاحها إلا إذا انقضى الشهر ولم تلد وإن كانت صائرة إلى بينونة وإنما تنازع العلماء هل يجوز له وطئها كما تنازعوا في وطء الرجعية وأما إذا كان الطلاق بائنا فهل له أن يتزوج في الخامسة في عدة الرابعة والأخت في عدة أختها هذا فيه نزاع مشهور بين السلف والخلف والجواز مذهب مالك والشافعي والتحريم مذهب أبي حنيفة وأحمد والله أعلم

قاعدة في الوقف الذي يشتري بعوضه ما يقوم مقامه

وذلك مثل الوقف الذي أتلفه متلف يؤخذ منه عوضه يشتري به ما يقوم مقامه فإن الوقف مضمون بالإتلاف باتفاق العلماء ومضمون باليد فلو غصبه غاصب تلف تحت يده العادية فإن عليه ضمانه باتفاق العلماء لكن قد تنازع بعضهم في بعض الأشياء هل تضمن بالغصب كالعقار وفي بعضها هل يصح وقفه كالمنقول ولكن لم يتنازعوا أنه مضمون بالإتلاف باليد كالأموال بخلاف أم الولد فإنهم وإن اتفقوا على أنها مضمونة بالإتلاف

فقد تنازعوا هل تضمن باليد أولا فأكثرهم يقول هي مضمونة باليد كمالك والشافعي وأحمد

وأما أبو حنيفة فيقول لا يضمن باليد وضمان اليد هو ضمان العقد لضمان البائع تسليم المبيع وسلامته من العيب وأنه بيع بحق وضمان دركه عليه بموجب العقد وإن لم يشترطه بلفظه

ومن أصول الإشتراء ببدل الوقف إذا تعطل نفع الوقف فإنه يباع ويشتري بثمنه ما يقوم مقامه في مذهب أحمد وغيره وهل يجوز مع كونه فعلا أن يبدل بخير منه فيه قولان في مذهبه والجواز مذهب أبي ثور وغيره والمقصود أنه حيث جاز البدل هل يشترط أن يكون في الدرب أو البلد الذي فيه الوقف الأول أم يجوز أن يكون بغيره إذا كان ذلك أصلح لأهل الوقف مثل أن يكونوا مقيمين ببلد غير بلد الوقف وإذا اشترى فيه البدل كان أنفع لهم لكثرة الربع ويسر التناول فيقول: ما علمت أحدا اشترط أن يكون البدل في الوقف الأول بل النصوص عند أحمد وأصوله وعموم كلامه وكلام أصحابه وإطلاقه يقتضي أن يفعل في ذلك ما هو مصلحة أهل الوقف

فإن أصله في هذا الباب مرعاة مصلحة الوقف بل أصله في عامة العقود اعتبار مصلحة الناس فإن الله أمر بالصلاح ونهى عن الفساد وبعث رسله بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وقال موسى لأخيه هارون: { اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } وقال شعيب: { إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت } وقال تعالى: { فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } وقال تعالى: { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون }

وقد جوز أحمد بن حنبل إبدال مسجد بمسجد آخر للمصلحة كما جوز تغييره للمصلحة واحتج بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبدل مسجد الكوفة القديم بمسجد آخر وصار المسجد الأول سوقا للمارين وجوز أحمد إذا خرب المكان أن ينقل المسجد إلى قرية أخرى بل ويجوز في أظهر الروايتين عنه أن يباع ذلك المسجد ويعمر بثمنه مسجد آخر في قرية أخرى إذا لم يحتج إليه في القرية الأولى فاعتبر المصلحة بجنس المسجد وإن كان في قرية غير القرية الأولى إذا كان جنس المساجد مشتركة بين المسلمين والوقف على قوم بعينهم أحق بجواز نقله إلى مدينتهم من المسجد

فإن الوقف على معينين حق لهم لا يشركهم فيه غيرهم وغاية ما فيه أن يكون بعد انقضائهم لجهة عامة كالفقراء والمساكين فيكون كالمسجد فإذا كان الوقف ببلدهم أصلح لهم كان اشتراء البدل ببلدهم هو الذي ينبغي فعله لمتولي ذلك وصار هذا كالفرس الحبيس الذي يباع ويشتري بقيمته ما يقوم مقامه إذا كان محبوسا على ناس ببعض الثغور ثم انتقلوا إلى ثغر آخر فشراء البدل بالثغر الذي هو فيه مضمون أولى من شرائه بثغر آخر وإن كان الفرس حبيسا على جميع المسلمين فهو بمنزلة الوقف على جهة عامة كالمساجد والوقف على المساكين ومما يبين هذا أن الوقف لو كان منقولا كالنور والسلاح وكتب العلم وهو وقف على ذرية رجل يعينهم جاز أن يكون مقر الوقف حيث كانوا بل كان هذا هو المتعين بخلاف ما لو أوقف على أهل بلد بعينه لكن إذا صار له عوض هل يشتري به ما يقوم مقامه كان العوض منقولا وكان أن يشتري بهذا العوض في بلد مقامهم أولى من أن يشتري به في مكان العقار الأول إذا كان ذلك أصلح لهم إذ ليس في تخصيص مكان العقار الأول مقصود شرعي ولا مصلحة لأهل الوقف وما لم يأمر به الشارع ولا مصلحة فيه للإنسان فليس بواجب ولا مستحب فعلم أن تعيين المكان الأول ليس بواجب ولا متسحب لمن يشتري بالعوض ما يقوم مقامه بل العدول عن ذلك جائز وقد يكون مستحبا وقد يكون واجبا إذا تعينت المصلحة فيه والله أعلم

قاعدة فيما يشترط الناس في الوقف

فإن فيها ما فيه عوض دنيوي وآخروي وما ليس كذلك وفي بعضها تشديد على الموقوف عليه فنقول الأعمال المشروطة في الوقف على الأمور الدينية مثل الوقف على الأئمة والمؤذنين والمشتغلين بالعلم من القرآن والحديث والفقه ونحو ذلك أو بالعبادات أو بالجهاد في سبيل الله تنقسم ثلاثة أقسام:

أحدها: عمر يتقرب به إلى الله تعالى وهو الواجبات المستحبات التي رغب رسول الله فيها وحض على تحصيلها فمثل هذا الشرط يجب الوفاء به ويقف استحقاق الوقف على جهة حصوله في الجملة

والثاني: عمل نهى النبي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه فاشتراط مثل هذا العمل باطل باتفاق العلماء لما قد استفاض عن النبي أنه خطب على منبره فقال: [ ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ]

وهذا الحديث وإن خرج بسبب شرط الولاء لغير المعتق فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند عامة العلماء وهو مجمع عليه في هذا الحديث وكذا ما كان من الشروط مستلزما وجود ما نهى عنه الشارع فهو بمنزلة ما نهى عنه وما علم أنه نهى ببعض الأدلة الشرعية فهو بمنزلة ما علم أنه صرح بالنهي عنه لكن قد اختلف العلماء في بعض الأعمال هل هو من باب المنهى عنه فيختلف اجتهادهم في ذلك الشرط بناء على هذا وهذا أمر لا بد منه في الأمة

ومن هذا الباب أن يكون العمل المشترط ليس محرما في نفسه لكنه مناف لحصول المقصود المأمور به ومثال هذه الشروط أن يشترط على أهل الرباط ملازمته وهذا مكروه في الشريعة مما أحدثه الناس أو يشترط على الفقهاء اعتقاد بعض البدع المخالفة للكتابو السنة أو بعض الأقوال المحرمة أو يشتطر على الإمام أو المؤذن ترك بعض سنن الصلاة أو الأذان أو فعل بعض بدعهما مثل أن يشترط على الإمام أن يقرأ بقصار المفصل أو أن يصل الأذان بذكر غير مشروع أو أن يقيم صلاة العيد في المدرسة أو المسجد مع إقامة المسلمين لها على سنة نبيهم ومن هذا الباب أن يشترط عليهم أن يصلوا وحدانا ومما يلح بهذا القسم أن يكون الشرط مستلزما ترك ما ندب إليه الشارع مثل أن يشترط على أهل رباط أو مدرسة جانب المسجد الأعظم أن يصلوا فيها فرضهم فإن هذا دعاء إلى ترك الفرض على الوجه الذي هو أحب إلى الله ورسوله فلا يلتفت إلى مثل هذا بل الصلاة في المسجد الأعظم هو الأفضل بل الواجب هدم مساجد الضرائر مما ليس هذا موضع تفصيله

ومن هذا الباب اشتراط الإيقاد على القبور إيقاد الشمع أو الدهن ونحو ذلك فإن النبي قال [ لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ] وبناء المسجد أو إسراج المصابيح على القبور مما لم أعلم فيه خلافا أنه معصية لله ورسوله وتفاصيل هذه الشروط يطول جدا وإنما نذكرها هنا جماع الشروط

القسم الثالث: عمل ليس بمكره في الشرع ولا مستحب بل هو مباح مستوى الطرفين فهذا قال بعض العلماء بوجوب الوفاء به والجمهور من العلماء من أهل المذاهب المشهورة وغيرهم على أن شرطه باطل فلا يصح عندهم أن يشرط إلا ما كان قربة إلى الله تعالى وذلك لأن الإنسان ليس له أن يبذل ماله إلى لما فيه منفعة في الدين أو الدنيا فما دام الإنسان حيا فله أن يبذل ماله له في تحصيل الأغراض المباحة لأنه ينتفع بذلك فأما الميت فما بقي بعد الموت ينتفع من أعمال الأحياء إلا بعمل صالح قد أمر به أو أعان عليه أو أحدى إليه ونحو ذلك فأما الأعمال التي ليست طاعة لله ورسوله فلا ينتفع بها الميت بحال فإذا اشترط الموصي أو الواقف عملا أو صفة لا ثواب فيها كان السعي في تحصيلها سعيا فيما لا ينتفع به في دنياه ولا في آخرته ومثل هذا لا يجوز وهذا إنما مقصوده بالوقف التقرب والله أعلم

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16