آذَنَتْ هِنْدٌ بِبَيْنٍ مُبْتَكِرْ

​آذَنَتْ هِنْدٌ بِبَيْنٍ مُبْتَكِرْ​ المؤلف عمر ابن أبي ربيعة


آذَنَتْ هِنْدٌ بِبَيْنٍ مُبْتَكِرْ
وحذرتُ البينَ منها، فاستمرّ
أَرْسَلَتْ هِنْدٌ إلَيْنَا نَاصِحاً
بَيْنَنَا: إيتِ حَبيباً قَدْ حَضرَ
فاعلمنْ أنّ محباً زائرٌ،
حِينَ تُخْفَى العَيْنُ عَنْهُ والبَصَرْ
قُلْتُ: أَهْلاً بِكُمُ مِنْ زَائِرٍ
أَوْرَثَ القَلْبَ عَناءً وَذِكَرْ
فتأهبتُ لها، في خفيةٍ،
حينَ مالَ الليلُ واجتنّ القمر
بينما أنظرها في مجلسٍ،
إذْ رَمَانِي اللَّيْلُ مِنْها بِسَكَرْ
لَمْ يَرُعْني بَعْدَ أَخْذي هَجْعَة
غَيْرُ ريحِ المِسْكِ مِنْها والقُطُرْ
قُلْتُ: مَنْ هذا؟ فَقَالَتْ: هكذا
أَنَا مَنْ جَشَّمْتَهُ طُول السَّهَرْ
ما أَنَا والحُبُّ قَدْ أَبْلَغَني
كَانَ هَذا بِقَضَاءٍ وَقَدَرْ
لَيْتَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ عُلِّقْتُكُمْ
كلَّ يومٍ أنا منكمْ في عبر
كلما توعدني، تخلفني،
ثُمَّ تَأْتي حِينَ تأْتي بِعُذُرْ
سَخِنَتْ عَيْني لَئِنْ عُدْتَ لَهَا
لتمدنّ بحبلٍ منبتر
عَمْرَكَ کللَّهُ أَما تَرْحَمُني
أَم لَنا قَلْبُكَ أَقْسَى مِنْ حَجَرْ
قلتُ، لما فرغتْ من قولها،
ودموعي كالجمان المنحدر:
أنتِ، يا قرةَ عيني، فاعلمي،
عِنْد نَفْسي عِدْلُ سَمْعي وَبَصَرْ
فاتركي عنكِ ملامي، واعذري،
وکتْرُكي قَوْلَ أَخي الإفْكِ الأَشِرْ
فَأَذَاقَتْني لَذيذاً خِلْتُهُ
ذَوْبَ نَحْلٍ شِيبَ بالماءِ الخَصِرْ
وَمُدَامِ عُتِّقَتْ في بابِلٍ
مِثْلِ عَيْنِ الدّيكِ أَوْ خَمْرِ جَدَرْ
فتقضتْ ليلتي في نعمةٍ،
مَرَّةً أَلْثَمُها غَيْرَ حَصِرْ
وأُفَرّي مِرْطَها عَنْ مُخْطَفٍ
ضامرِ الأحشاءِ، فعمِ المؤتزر
فَلَهَوْنَا لَيْلَنا حَتَّى إذا
طَرَّبَ کلدِّيكُ وَهَاجَ المُدَّكِرْ
حَرَّكَتْني ثُمَّ قَالَتْ جَزَعاً
ودموعُ العين منها تبتدر:
قمْ صفيَّ النفس، لا تفضحني،
قَدْ بَدا الصُّبْحُ وَذَا بَرْدُ السَّحَرْ
فَتَوَلَّتْ في ثَلاثٍ خُرَّدٍ
كَدُمَى الرُّهْبانِ أَوْ عَينِ البَقَر
لستُ أنسى قولها، ما هدهدتْ
ذَاتَ طَوْقٍ فَوْقَ غُصْنٍ مِنْ عُشَرْ
حينَ صَمَّمْتُ عَلَى ما كَرِهَتْ
هَكَذَا يَفْعَلُ مَنْ كانَ غَدَرْ