​أبناء حواء​ المؤلف خالد الفرج


لأبناءِ حوَّا منِّيَ الهزءُ وَالْعَطْفُ
فَأَقْوالُهُمْ صِنْفٌ وَأَفْعالُهُمْ صِنْفُ
عُقولٌ، وَلكِنَّ السَّخافاتِ جَمَّةٌ
وَأَفْئِدةٌ، لكِنَّها – غالباً – غُلْفُ
هُم اخْتَلَفوا في البدءِ وِاتَّفَقوا معاً
على أن يدومَ الشَّرُّ والظّلمُ والخُلْفُ
وَهُمْ صَوَّروا ما قدْ دَعوهُ فَضائلاً
وما هي إلا دون شرهمُ سجفُ
فلا خَيْرَ إلا أنْ يكونَ وسيلةً
ولا بذرَ إلا أنْ يُرادَ لَهُ قَطْفُ
إذا أوّلوا النعمى طَغَوا وتجبَّروا
وسرعانَ ما يلوون إن جاءهم صرْفُ
سكارى كأنَّ الموتَ يأخُذُ غيرَهُم
فداءً لهم كَيْلا يَمُرَّ بِهِمْ حَتْفُ
فَهَلْ نَفَسُ الإنسانِ منفاخ نافخٍ
ونار الأماني من تردده تخفو
عَجيبٌ لمن يرتاعُ مِنْ شَيْبِ شعرِهِ
ويُذهِبُ عَنْهُ خَوْفَهُ الصَّبْغُ وَالنَّتْفُ
وَمِنْ طامعٍ لا يكتفي بِحَياتِهِ
فَيَرْنو لِما بَعْدِ الحياةِ لَهُ طَرْفُ
يُريدُ خُلودَ الذِّكْرِ وَهْوَ بِقَبْرِهِ
وَيَسْري إلى أعْقابِ أعقابِهِ «الوقفُ»
فيا مَنْ لَهُمْ في النّاسِ ذِكْرٌ مُخَلَّدٌ
أيأتيكُمْ عَمّا يَقولونَهُ كَشْفُ
وَإنّي أرى التاريخَ أكْذَبَ كاذِبٍ
أيَصْدُقُ فيما قالَهُ عَنْكُمُ الوَصْفُ

* * *
وَبِالرَّغْمِ مِنّي صِرْتُ مِنْهُمْ وَإنَّني
لإيّاهُم، وَالْفَرْدُ في الجَمْعِ مُلتَفُّ
أتيتُ إلَيْهم صارِخاً غَيْرَ عالِمٍ
فَهَشُّوا وبالبُشرى إلى معشري خَفّوا
وأوَّل قيدٍ طوَّقوني بِغِلِّهِ
ثِيابٌ وِأقْماطُ على الجسمِ تَلْتَفُّ
فما اخْترْتُ ميلادي وَما اخترْتُ نزعتي
وما ليَ في التاريخِ من سيرتي حَرْفُ
أعيشُ كما شاءوا وشاء اجْتِماعُهُمْ
تُكَيِّفُني عاداتُ قَوْمِيَ والعُرْفُ
وَعَقْلي كَجِسْمي ما ملكتُ قيادَهُ
وَغايَتُهُ إنّي لَمّا رَسَمُوا أقفو
كأنَّهُمْ ختْمٌ، كأنِّيَ شَمْعةٌ
ليَ الكم من نفسٍ وَهُمْ لَهُمُ الكيفُ
حياء ولولا اللوم دامت صراحتي
وخوفٌ وليدٌ أصْلُهُ العسْفُ والعنْفُ
درجتُ بألفاظي القليلة سائلاً
وَعَقْلي لِما يُمْلى على مَسْمَعي طرْفُ
وَسِرْتُ مَعَ التّيّارِ لا مُتَلَفِّتاً
شِعارُ شَبابي: الغايةُ اللَّهْوُ وَالقَصْفُ
وَكُلِّيَ آمالٌ كِبارٌ قَوامُها
كآمالِ قَوْمي - المالُ وِالصِّيتُ وِالإلْفُ
طَمعتُ وَهُمْ قَدْ لَقَّنوني مَطامِعي
قُفولٌ بأيدي الغيرِ، مِفْتاحُها العَسْفُ
وَماذا؟ فَلِذّاتي معاً وَمَصائبي
لَدى يَقْظَتي كالحلمِ ساعةَ ما أغفو
وَها أنا أسلو ما ملكت عواطفي
ولكنَّها مُذْ شِبْتُ أدرَكَها الضعْفُ
مَضى نِصْفُ عُمْري لَمْ يَفِدْني حقيقةً
فَما هِيَ آمالي وإن بَقِيَ النِّصْف؟
فما حيلتي والاجتماعُ مقيِّدي
إذا شئتُ صفواً فالموارِدُ لا تصفو
أرى الحقَّ رؤيا الشمسِ والحظّ منهما
شعاع ولكن لا تنالهما الكفُّ
أعفُّ كفافاً ثم أهدأ قانعاً
سعيداً فأين الآخر القانع العفُّ؟