أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين/خاتمة في حياة خالد بن الوليد

​خاتمة في حياة خالد بن الوليد​ المؤلف محمد رشيد رضا


خاتمة في حياة خالد بن الوليد
( سیف الله )

خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد بن عمرو بن مخزوم، أبو سليان وقيل أبو الوليد. أمه لُبَابه الصغرى وهي بنت الحارث بن حَزْن الهلالية وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي وهو ابن خالة أولاد العباس بن عبد المطلب الذين من لبابة.

هو البطل المشهور والفارس المأثور. صاحب الفتوحات العظيمة والغزوات الكثيرة، وأشهر الفاتحين في الإسلام.

كان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وكان إليه القبة وأعئة الخيل في الجاهلية. أما القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش وأما الأعنة فإنه كان المقدم على خيل قريش في الحرب أي أنه كان قائد فرسانهم .

حارب المسلمين في غزوة أحد قبل إسلامه. ولما خالف الرماة أمر رسول الله وبرحوا مكانهم طمعاً في الغنيمة، ورأی خالد خلاء الجبل الذي كان فيه الرماة وقلة أهله أتي من خلف المسلمين وكر عليهم بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل، فوقع الاختلاط فيهم إلا أن كفار قريش لم يجنوا ثار انتصارهم فلم يحاولوا الهجوم على المدينة بل قفلوا راجعين إلى مكة.

وكان خالد من الذين يناوشون المسلمين هو وعمرو ابن العاص في غزوة الخندق وكان قائداً لفرسان قريش في الحديبية

إسلامه

كان خبر إسلام خالد أن عمرو بن العاص لما عاد من الحبشة بعد مقابلة النجاشي لقي خالد الوليد وهو مقبل من مكة. قال عمرو بن العاص: «فقلت له أين يا أبا سليمان؟ قال والله لقد أستقام المِيْسَم ( أي تبين الطريق وظهر الأمر ) وأن الرجل لنبي. أذهب والله فأسلم فحتى متی؟ قلت : والله ما جئت إلا لأسلم فقدمنا المدينة على رسول الله فتقدم خالد بن الوليد». قدم خالد هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة العبدري على رسول الله فلما رآهم قال لأصحابه «رمتكم مكة بأفلاذ كبدها» وذلك لرفعة شأنهم في قریش.

قال خالد بن الوليد ولما أراد الله عز وجل بي ما أراد من الخير، قذف في قلبي الإسلام وحضر لي رشدي وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمداً يظهر. فلما جاء لعمرة القضية تغيبت ولم أشهد دخوله وكان أخي الوليد بن الوليد دخل معه فطلبني فلم يجدني فكتب إليَّ كتاباً فإذا فيه:

( بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك، أو مثل الإسلام يجهله أحد؟ قد سألني رسول الله عنك. فقال أين خالد؟ فقلت يأتي الله به. فقال ما مثله يجهل الإسلام ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيراً له ولقدمناه على غيره. فاستدرك یا أخي قد فاتك من مواطن صالحة).

فلما جاءني في كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة رسول الله ، ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدية فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة. فلما أجمعت على الخروج إلى المدينة لقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب أما ترى أن محمد ظهر على العرب والعجم؟ فلو قدمنا عليه واتبعناه فإن شرفه شرف لن ؟ فقال: لولم يبق غيري ما اتبعته أبداً. فقلت هذا رجل قُتل أخوه وأبوه ببدر. فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان فقال مثل الذي قال صفوان. قلت فاکتم ذكر ما قلت لك. قال لا أذكره. ثم لقيت عثمان بن طلحة الحجبي. قلت هذا لي صديق فأردت أن أذكر له. ثم ذكرت قتل أبيه طلحة وعمه عثمان و إخوته الأربعة: مسافع والجلاس والحارث وكلاب، فإنهم قتلوا كلهم يوم أحد فكرهت أن أذكر له. ثم قلت له: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج. ثم قلت له ما قلت لصفوان وعكرمة فأسرع الإجابة وواعدني إن سبقني أقسام بمحل كذا وإن سبقته إليه انتظرته فلم يطلع الفجر حتى التقينا فعدونا حتى انتهينا إلى الهدة ( اسم محل ) فوجدنا عمرو ابن العاص بها. فقال مرحبا بالقوم فقلنا وبك، قال أين مسيركم؟ قلنا الدخول في الإسلام فقال : وذلك الذي أقدمني»

فوصلوا المدينة وقال خالد « فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله فلقيت أخي فقال أسرع فإن رسول الله قد سر بقدومكم وهو ينتظركم، فأسرعنا المشي فأطلعت عليه فيها زال رسول الله لا يبتسم حتى وقفت عليه. فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال : «الحمد لله الذي هداك، وقد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير»، قلت: یا رسول الله ادع الله لي يغفر تلك المواطن التي كنت أشهدها عليك. فقال : «الإسلام يجب ما كان قبله». وتقدم عثمان بن طلحة وعمر و فاسلما وقد شهد رسول الله لخالد بالعقل کہا تری.

إن خالداً كا قلنا كان من رجال قريش المعدودين فكان أشجعهم قلباً، عالماً بفنون الحرب، فارساً مغواراً لا يرهب الموت، ولا تهوله كثرة الجيوش لكنه مع ذللك أخفق في محاربة رسول الله ولم تنفعه شجاعته ولم تفده فروسيته لذلك كان يرى أنه في غير شيء إزاء رسول الله {دصل}} کا اعترف بنفسه. فاذا يعمل خالد وغير خالد أمام النبوة ورسول الله يهده الله سبحانه وتعالى بالقوى الظاهرة والباطنة وتقع على يديه المعجزات الباهرة التي دونها بطولة الأبطال وشجاعة الشجعان وعلوم الخلق كافة ويبشره الله بالنصر والفتح المبين !؟ وماذا يفعل وهو يرى انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجأ. وقد ألفي نفسه وحيدأ عمرو بن العاص لا يقدر على عمل شيء. هذا وقد كان رسول الله يعرف الرجال ويقدرهم ولذلك كان يرجو أن يهدي الله خالداً إلى الإسلام ويجعل نكايته مع المسلمين على المشركين، فنصحه أخوه الوليد الذي سبقه إلى الإسلام أن يسلم فأثر فيه النصح بعد أن فكر في مواقفه الماضية، وفكر في كرامته فبادر إلى الدخول في الإسلام تكفيراً عن سيئاته وإراحة لضميره وصوناً لكرامته، وقد صدقت فيه فراسة رسول الله کا صدقت فراسته في عمر بن الخطاب، فإن خالداً بعد أن أسلم دافع عن الإسلام دفاعا مجيداً قل أن يحدث مثله في تاريخ العالم. وقد شهد له بذلك الصحابة والأمم التي حاربها من فرس وروم واعترف له علماء التاريخ بالكفاية الحربية النادرة، وصدق فيه قول رسول الله «إنه سيف من سيوف الله».

وقد كتب الأستاذ أوجست مولر في كتابه «الاسلام» يصفه فقال: «لقد كان خالد من أولئك الذين كانت عبقريتهم الحربية هي كل حياتهم الفكرية مثل نابليون فإنه لم يعن بشيء غير الحرب ولم يرد أن يتعلم شيئا غير ذلك».

وهذا ما قاله خالد عن نفسه {دمض|شغلني الجهاد عن تعلم كثير من القرآن}}.

ومن ذا الذي يدري ماذا كان يصنعه خالد لو أنه تلقى الفنون الحربية واستعمال الأسلحة المختلفة وأساليب القيادة وخطط الهجوم والدفاع أو لو أنه عاش في زمن انتشرت فيه الطرق المنظمة وامتدت السكك { الحديدية لنقل الجيوش وتموينها، في زمن اختراع التلغراف والتليفون واللاسلكي والأسلاك الشائكة ، والغازات الخانقة ، والمدافع الكبيرة والأساطيل العجيبة ، والمفرقعات المخيفة ، والطيارات التي تلقي القنابل ؟ ! ألا ترى أنه بمواهبه الحربية الفطرية وشجاعة قلبه وعقيدته الاسلامية قاد جيوش المسلمين على قلة عددهم وعددهم التي لم تتجاوز السيف والقوس والفرش ، فهزم امبراطوريتين ملكتا العالم بكثرة جيوشها ووفرة الذخائر والمال - ألا وهيا الفرس والرومان ، فكانت جيوشها تقتل وتفر أمامه من الميدان مهزومة ، وكبار القادة يصرعون أو يسلمون ، والمدن الحصينة تفتح أبوابها وتسلم وتخضع أمام قوة العقيدة وصدق الإيمان والإخلاص وعدم الاكتراث بمواجهة الجيوش الجرارة طمعا في الشهادة ! فهل تقاس هذه الشجاعة الخارقة وتلك المواهب النادرة التي اكتسحت الأمم بأي قائد من قواد الدنيا ؟ اللهم لا . كان خالد بن الوليد موضع إعجاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحسن تقديره ، فكان إذا هزم الفرس استدعاه لقتال الروم فيسير إلى الشام هو وجيشه الذي كان أطوع له من بنانه ، من غير أن يذوق للراحة طعي فلا يكاد يقود الجيش في الميدان الأخر حتى يفتح البلاد والحصون المنيعة ويوقع الرعب في قلوب الأعداء فيستولي المسلمون على بلادهم ويفر أمبراطور الروم من وجهه ويودع الشام الوداع الأخيرة کا فر وقتل قواد الفرس وعظياؤهم . أليس من المدهش أن خالدة لم يهزم في موقعة من المواقع بل كان رائده النصر على الدوام !؟ وكان العدو يخاف ويقع الرعب في قلبه بمجرد ذكر اسمه أو اقتراب جيشه . لذلك كانوا يبادرون إلى عقد الصلح معه لئلا يداهمهم بما لا قبل لهم به . وقد ساله عظيم من الروم هل أنزل الله عليه سيفا من السماء يحارب به الأعداء ؟

***

كان إسلام خالد في شهر صفر بعد الحديبية ، وكانت الحديبية في ذي القعدة من السنة السادسة الهجرية ( فبراير سنة ۱۲۸م). أمام ذلك شهد خالد غزوة مؤتة ، وقد كان الأمير في غزوة مؤتة زيد بن حارثة واستشهد فيها زيد ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فاستشهد أيضا . ثم أخذها عبد الله ابن رواحة فقتل أيضا . ثم اتفق المسلمون على دفع الراية إلى خالد بن الوليد فأخذها وقاتل قتالا شديدا . وما زال پدافع القوم حتى انحازوا عنه . ثم ارتد بانتظام وعاد بجيش المسلمين سالمة إلى المدينة ، وفي هذه الغزوة سیاه النبي : سيف من سيوف الله ، إذ لولا تدبيره وإحكامه خطة التقهقر لقضي على الجيش لقلة عدده الجيش العظيم وشهد خالد فتح مكة ، وحنينة ، وفي غزوة حنين قتل امرأة فنهاه النبيلة عن قتل النساء ، والأولاد ، والأجراء . ثبت في صحيح البخاري عن خالد أنه قال : اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فيها ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية » وولاه رسول الله أعنة الخيل ، فكان في مقدمتها ، وشهد فتح مكة فأبلى فيها ، وبعثه رسول الله إلى العزی 6 ( صنم ) فهدمها وقال : يا عز كفرانك لا سبحانك إنسي رأیت الله قد أهانك وبعد أن هدم خالد العزي رجع إلى رسول الله فقال له : هل هدمتها ؟ قال نعم . فقال له : هل رأيت شيئا ؟ فقال لا . قال فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها . فرجع وهو متغيظ فلما انتهى إليها جرد سیفه فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ناشرة الرأس فجعل السادن ( خادم الصنم ) يصيح بها قال خالد وأخذني اقشعرار في ظهري فجعل السادن يصيح و ويقول : اس شدي شدة لا تكذبي أعز القسي للقناع وشمري أعز إذا لم تقتلي اليوم خالد فبوني بذنب عاجل وتنصري فأقبل خالد إليها بالسيف فضربها فشقها نصفين ثم رجع إلى رسول الله فأخبره . فقال : « نعم تلك العزي قد أيست أن تعبد بېلادكم أبدا » ثم قال خالد : و أي رسول الله الحمد لله الذي أكرمنا بك وأنقذنا من التهلكة . ولقد كنت أرى ابي يأتي إلى العزى ومعه مائة من الإبل والغنم فيذبحها للقرى ويقيم عندها ثم ينصرف إلينا مسرورة فنظرت إلى ما مات عليه أبي وذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله كيف خدع حتى صار بذبح الحجر لا ولا يبصر ولا ينفع » فقال « إن هذا الأمر إلى الله فمن پیسرها ره للهدی پیسر، ومن ييسره للضلالة كان فيها . رسول الله : ولا الخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة وأرسله رسول الله إلى أكیدر صاحب دومة في رجب سنة تسع فأسره وأحضره عند رسول الله فصالحه على الجزية ، ورده إلى بلده . وأرسله رسول الله سنة عشر إلى بني الحارث بن کعب بن مذحج فقدم معه رجال منهم فأسلموا ورجعوا إلى قومهم . وأمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه على قتال مسيلمة الكذاب والمرتدين باليامة ، وكان له في قتالهم الأثر العظيم کھا مر ذكره في كتابنا هذا ، وله الآثار المشهورة في قتال الروم بالشام ، والفرع بالعراق , وهو أول من أخذ الجزية من الفرس في صلح الحيرة ، وافتتح دمشق وكان في قلنسوته شعر من شعر رسول الله يستنصر به ويتبرك فلا يزال منصورة . ولما حضرت خالدأ الوفاة قال : و لقد شهدت مائة زحف أو نحوها وما في بدني موضع شبر إلا وبه ضربة ، أو طعنة ، أو رمية ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت العير ، فلا نامت أعين الجبناء ، وما لي من عمل أرجی من لا إله إلا الله وأنا متترس ها » وكان يشبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلقه وصفته ( وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب سنة ۲۱ ه (641 - 64۲ م) وعمره بضع وأربعون سنة ، وكانت وفاته بحمص ، وقبره مشهور يزار إلى الآن في ضمن مسجد واقع خارج السور إلى الجهة الشمالية من حمص وقد أتصل به العمران وصار حوله هذا العهد حي يسمى ( حي سيدي خالد ) كما يسمى المسجد أيضأ مسجد سيدي خالد قال رفيق بك العظم في كتابه « أشهر مشاهير الإسلام ، وقد زرته مرة فوجدت عليه من المهابة والوقار ما يأخذ بمجامع القلوب التي يعرف أصحابها أقدار الرجال ويتأثرون بذكرى عصر أولئك الأبطال . وقد كان لخالد أولاد كثيرون انقرضوا جميعا في الطاعون فلم يبق منهم أحد ، وورث أيوب بن سلمة دورهم بالمدينة وكان عمر يقول لما مات خالد : قد ثلم في الإسلام ثلمة لا ترتق ، ولقد ندمت على ما كان مني إليه ورثته أمه فقالت : أنت خير من الف الف من النا اشجاع فأنت أشجع من ليا اجواد فأنت أجود من سيا ساس إذا ما كبت وجوه الرجال من عرين حميم إلى الأشبال سل ديابس يسيل بين الجبال 4 وخالد کرامات منها أنه ابتلع السم فلم يؤثر فيه كا مر ذكره ، ومنها ما رواه ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عن خيثمة قال أتي خالد بن الوليد رجل معه زق خمر . فقال : اللهم اجعله عسلا فصار عس . رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا بذكرى حياته المملوءة عبرة ، وشهامة وبلاء حسناً في سبيل الله. وسنذكر إن شاء الله تعالى بقية حروب خالد في خلافة بن عمر الخطاب في كتابنا «عمر ابن الخطاب».

وقد أردنا بهذه الكلمة الوجيزة تذكير المسلمين بحياة هذا البطل الطائر الصيت الذي سجل في تاريخ القيادة والبطولة صفحات ذهبية خالدة، ولا شك «أن حياة خالد خالدة» في الأسفار والقلوب، وأردنا كذلك أن نصور هذه الشخصية البارزة بصورة جلية واضحة حتى تكون مائلة أمامنا باعثة للهمم، وعبرة للمعتبرين، وقدوة يقتدي بها الأبناء في حسن البلاء، والإقدام، والصبر والإخلاص، ورفعة الشأن، والتمسك بالمبدأ حتى النفس الأخير، فإن مثل هذا القائد العظيم فتح الله على المسلمين فنشروا التوحيد والعقيدة الصحيحة، وقضوا على الوثنية والشرك، ووضعوا دعائم العدل والفضل.


هامش


*