أبى الدهر إلا أن تقول وتفعلا

أبى الدَّهرُ إلاَّ أنْ تقولَ وتفعلا

​أبى الدَّهرُ إلاَّ أنْ تقولَ وتفعلا​ المؤلف ابن حيوس


أبى الدَّهرُ إلاَّ أنْ تقولَ وتفعلا
لتصفحَ عنْ جرمِ الزَّمانِ الَّذي خلا
وَمِنْ قَبْلُ عَادَاكُمُ لِقَهْرِكُمُ لَهُ
فَلَمَّا رَآهَا فُرْصَةً مَا تَمَهَّلا
وَرَدَّ إِلَيْكَ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ رَاغِماً
وَلَوْ أَنَّهُ أَلْفى بَدِيلاً تَبَدَّلا
فَمَا ذَمُّهُ إِذْ نَالَ بَعْضَ تِرَاتِهِ
وَمَا حَمْدُهُ إِذْ لَمْ يَجِدْ عَنْكَ مَعْدِلا
فلا تنكرِ الحسَّادُ أنْ حزتَ يافعاً
محلاًّ لهُ في المهدِ كنتَ مؤهَّلا
فَصَدَّقْتَ مَنْ سَمَّاكَ مِنْ قَبْلُ سابِقاً
بِكَوْنِكَ سَبَّاقاً إِلى رُتَبِ الْعُلا
تَكَدَّرَ ماءُ الْعَيشِ لَحْظَةَ ناظِرٍ
فَلَمَّا حَوَيْتَ الْمُلْكَ عاوَدَ سَلْسَلا
فللهِ مفقودٌ عزيزٌ مصابهُ
عراهُ ملمٌّ لمْ يجدْ منهُ موئلا
أَتاهُ وَحِيًّا حَتْفُهُ كَهِباتِهِ
وَإِنْ كانَ ما أَعْطاهُ أَوْحى وَأَعْجَلا
فمنْ قبلهِ لمْ تنشَ في الأرضِ ديمةٌ
تسحُّ ولاَ لاقى الغمامُ مبخِّلا
وعهدي بأثمارِ الأمانيِّ تجتنى
لديهِ وأبكارِ المحامدِ تجتلا
سأذكرهُ ما عشتُ لا ذكرَ عاتبٍ
كذكرِ امرئِ القيسِ الدَّخولَ فحَومَلا
وَإِنْ بَلِيَتْ أَوْصالُهُ وَعِظامُهُ
فعندي ثناءٌ لا يُلمُّ بهِ البلا
وَلَوْ كانَتِ الأَقْدَارُ تُرْدَعُ بِالأَسى
وتقدعُ كانَ الصَّبرُ أولى وأجملا
وكيفَ وليسَ الحزنُ إلاَّ علالةً
يَعِيشُ بِها الْغَمْرُ الْجَهُولُ تَعَلُّلا
وما النَّاسُ إلاَّ آمنٌ مثلُ خائفٍ
وَدَانٍ كَقاصٍ أَوْ مُعافىً كَمُبْتَلا
وَلَمْ نَرَ خَطْباً نالَ مِنَّا فَأَعْقَبَتْ
إساءتهُ نعمى وجارَ ليعدلا
ولاَ حادثاً راعَ القلوبَ ظهورُهُ
عَبُوساً وَفي حالِ الْعُبُوسِ تَهَلَّلا
أرادَ شقاءً فاستحالَ سعادةً
ورامَ قبيحاً حينَ صالَ فأجملا
لَئِنْ أَخَذَ الْمِقْدَارُ وَهْوَ مُحَكَّمٌ
عظيماً لقدْ أعطى عظيماً وأجزلا
عدا وابتغى منهُ بديلاً فما عدا
هماماً معمّاً في النَّباهةِ مخولا
مَناسِبُ فَنَّا خُسْرُ مِنها وَصالِحٌ
بها فليطلْ منْ طالَ وليعلُ منْ علا
سَخِطنا فَلَمَّا قُمْتَ فِينا مَقامَهُ
وَزِدْتَ رَضِينا أَنْ تُقِيمَ وَيَرْحَلا
وَرَاعَ الأَعادِي أَنَّهُ الْمُلكُ عَنْ يَدٍ
إلى أختها وهيَ اليمينُ تنقَّلا
وجدتُ بهاءَ الدَّولةِ الملكَ لمْ يزلْ
لَهُ الْعَزْمُ حَدَّاً وَالتَّصَوُّرُ صَيقَلاَ
هُوَ الدَّاءُ أَعْيا النَّاسَ طُرّاً دَوَآؤُهُ
فَلَوْ غَيْرُهُ كانَ الطَّبِيبَ لأَعْضَلا
أَذَلَّ عَصِيَّ الْخَطْبِ بَعْدَ جِمَاحِهِ
إلى أنْ أتى ممَّا جنى متنصِّلا
رآهُ بعينِ الفكرِ قبلَ وقوعهِ
فصادفَ منهث قلَّبَ الرَّأيِ حوَّلا
إلى أنْ أقرَّ الأمرَ في مستقرِّهِ
فأمَّنَ ما يُخشى وأرخصَ ماغلا
وأصفاكهُ عفواً ولمْ يطعِ الهوى
لميلٍ ولمْ يعصِ الكتابَ المنزَّلا
أبانَ لنا عنْ همَّةٍ عضديَّةٍ
كفى حدُّها بيضَ الظُّبى أنْ تسلَّلا
وذكَّرنا أسلافهُ بمضائهِ
وَإِنْ كانَ أَوْفى في النُّفُوسِ وَأَمْثَلا
وما جحدتْ علياؤهمْ غيرَ أنَّهُ
أَتى حادِثٌ أَنسَى القَدْيمَ وَأَذْهَلا
تميدُ بمنْ يعصيكَ أرضٌ تحلُّها
وَإِنْ لَمْ تُثِرْ فِيها جِيادُكَ قَسْطلا
وَعَجْزُهُمُ عَنْ أَنْ يُرَاعَ بِحَدِّهِمْ
كَعَجْزِ الصَّبَا عَنْ أَنْ تُحَرِّكَ يَذْبُلا
وَظَنُّوا حِمى نَصْرٍ يُباحُ بِمَوْتِهِ
وألفوهُ ظنّاً بالبوارِ موكَّلا
وَوَارِثُهُ مَنْ سَدَّدَ اللّهُ سَهْمَهُ
فَما إِنْ رَمى إِلاَّ وَصَادَفَ مَقْتَلا
لقدْ فتحوا بابَ العقوقِ جهالةً
وما زالَ بالإغضاءِ والصَّفحِ مقفلا
بَنِي عَامِرٍ لاَ تَمْتَطوا الْبَغْيَ ضِلَّةً
فَلَمْ يَعْلُهُ الْمَغْرُورُ إِلاَّ لِيَسْفُلا
وإنْ نتجتْ أمُّ المخافةِ فيكمُ
فلاَ تأمنوها أنْ تعاودَ ممغلا
وَلاَ تَتَّبِعُوا الأَهْوَاءَ فَهْيَ مضِلَّةٌ
وَإِنْ سَوّفَ الشَّيطانُ فيها وَسَوَّلاَ
وَلاَ تَقْتَفُوا مَنْ جَارَ عَنْ مَنْهَجِ الْهُدى
فَأَدْمَى يَداً مِنْ حَقِّها أَنْ تُقَبَّلا
وكونوا كأشياخٍ لكمْ غالها الرَّدى
ترى الموتَ منْ نقضِ المواثيقِ أسهلا
ففي آلِ ذبيانٍ وأبناءِ وائلٍ
مواعظُ لا تخفى على منْ تأمَّلا
أَعَلُّوا صَحِيحَ الرَّأْيِ وَاتَّبَعُوا الْهَوى
فأيتمَ منهمْ كيفَ شاءَ وأرملا
وَقَدْ حَدَثَتْ في الأَرْضِ وَالأَمْرُ وَاضِحٌ
نوائبُ تنهاكمْ عنِ الهجرِ والقلا
أذكِّرُكمْ ذكرَ الصَّديقِ صديقهُ
وأكبرُكم عن أن ألوموا عذلا
وَلاَ أَجْرَحُ الأَعْرَاضِ ضَنّاً بِوُدِّكُمْ
ويحسنُ فيهِ أنْ أضنَّ وأبخلا
فَلاَ تَرْضَ يَا عِزَّ الْمُلُوكِ بِذُلِّهِمْ
وَأَنْ يَرِدُوا مِنْ غَيْرِ بَحْرِكَ مَنْهَلا
وَصِنْوَاكَ لاَ تَعْصِ ابْنَ عَمِّكَ مِنْهُمَا
وَكُنْ غَيْرَ مَأْمُورٍ إِلى السِّلْمِ أَمْيَلا
فَما رَضِيَا بِالبُعْدِ عَنْكَ زَهَادَةً
وَلاَ ابْتَغَيَا مَا عَزَّ إِلاَّ تَذَلُّلا
وهلْ طلبا الإنصافَ منْ غيرِ أهلهِ
وَهَلْ أَوْعَرَا في السَّوْمِ إِلاَّ لِيُسْهِلا
وإنْ بانَ وثَّابٌ فما ضيفُ مسلمٍ
كَمَنْ شَطَّ عَنْ بَحْرٍ وَيَمَّمَ جَدْوَلا
ولكنَّ مثوىً في السَّماءِ نبا بهِ
فَعُوِّضَ في أُفْقٍ نَشَا مِنْهُ مَعِقلا
فأكرمْ بمنْ جابَ المهامهَ مرسلاً
إِلَيْكَ وَأَكْرِمْ بِابْنِ بَدْرَانَ مُرْسِلا
سَلِيلُ مُلُوكٍ أَقْسَمَتْ مَأْثُراتُهُمْ
بأنْ لاَ يكونَ المدحُ فيهمْ تقوُّلا
تماثلُ أنوارَ البدورِ أهلَّةً
وتعدو كما تعدو الضَّراغمُ أشبلا
وَكُلُّ مَنِيعِ الْجَارِ وَالْعِرْضِ وَالحِمى
يفوقُ الورى فضلاً ويُربي تفضُّلا
دَعَاكَ إِلى مَا يُكْسِبُ الْحَمْدَ مُحْسِناً
وحثَّ على ما يجمعُ الشَّملَ مجملا
وخصَّكَ فيهِ بالسُّؤالِ كرامةً
وما إنْ براهُ اللهُ إلاَّ ليُسأَلا
بِدَوْلَتِكَ ازْدَادَ الزَّمَانُ نَضَارَةً
فَلاَ بَرِحَتْ سِتْراً عَلى الدَّهْرِ مُسْبِلا
وَأَمَّنْتَ مُرْتَاعَاً وَأَرْهَبتَ مُرْهباً
وأنصفتَ مظلوماً وأغنيتَ مرملا
فضائلُ أعلاها أبوها فلمْ يدعْ
لذي شرفٍ فيها وإنْ عزَّ مدخلا
وأعربَ عنْ إجمالهِ بجمالهِ
فَصَدَّقَ تَأْمِيلاً وَرَاقَ تَأَمُّلا
لَكَ الْعَزْمُ لاَ يَنْبُو إِذَا كَلَّتِ الظُّبى
تُضَافِرُهُ البِيضُ الَّتي لَنْ تُفَلَّلا
تروِّعُ في أغمادها قبلَ سلِّها
ومنْ بعدهِ تفري المفارقَ والطُّلى
وخطِّيَّةٌ ما زالَ غضّاً حديثها
إِذَا شَهِدَتْ حَرْباً وَإِنْ كُنَّ ذُبَّلا
بِأَيْدٍ لَها أَيْدٌ تُبَرِحُ بِالعِدى
إِذَا صَارَتِ آلأَيْدِي مِنَ الرُّعْبِ أَرْجُلا
منَ القومِ حلُّوا بالقصورِ فشيَّدوا
علاً أسَّسوها إذْ همُ ساكنوا الفلا
فَدَانُوا بِدِينِ النَّاسِ وَاتَّخَذُوا النَّدى
كتاباً بتصديقِ الأمانيِّ أُنزِلا
فمنْ نعمٍ موهوبةٍ لعفاتهمْ
وَمِنْ نَعَمٍ مَأْكُولَةٍ وَهِيَ فِي الْكَلا
تردُّ الرَّدى عنها الصَّوارمُ والقنا
وتودي بها إنْ هبَّتِ الرِّيحُ شمألا
ذَوُو النَّارِ تُغْشى لِلإِضاءَةِ وَالقِرى
وَتَثْنِي العِدى عَنها لَظىً لَيْسَ تُصْطَلا
صفوا واصطفوا خيرَ الخؤولةِ نخوةً
فَما وَلَدُوا إِلاَّ مَخُوفاً مُؤَمَّلا
وَيَفْضُلُ تالِيكُمْ عَلَى مَنْ يَؤُمُّهُ
فمنْ جاءَ منكمْ آخراً عُدَّ أوَّلا
ليهنكَ عيدٌ أنتَ عصمةُ أهلهِ
فَلاَ خابَ مِنْكُمْ مَنْ دَعا وَتَبَهَّلا
يُقصِّرُ قولي دونَ ما أنتَ فاعلٌ
وإن كنتُ قدْ أوتيتُ قولاً ومقولا
فَخُذْ جُمْلَةً مِنْ وَصْفِ مَدْحِكَ سُطِّرَتْ
وَلاَ تُلْزِمَنِّي مُعْيياً أَنْ أُفَصِّلا
وَما جِئتُ مَحْمُوداً وَنَصْراً بِمِثلِها
لعمركَ إلاَّ فضَّلاها وأفضلا
وَلَوْ تَرَكا لِي بُغْيَةً أَسْتَزِيدُها
لَكُنْتَ بِها دُونَ الْوَرى مُتَكَفِّلا
وتلكَ العطايا منْ تراثكَ حزتها
وَما نَقَصَتْ عَنْ بُغْيَتِي فَتُكَمِّلا
ولاَ الظُّلمُ منْ شأني فأطلبَ آجلاً
وَقَدْ نِلْتُ أَقْصى ما رَجَوْتُ مُعَجَّلا
مواهبُ يسبقنَ السُّؤالَ سجيَّةً
وَضَنّاً بِرَاجِيهِنَّ أَنْ يَتَوَسَّلا
تَخَالَفَ أَهْلُ الأَرْضِ فِيَّ وَفِيهما
وقدْ أسرفا فيما أفادا وخوَّلا
فقالَ أناسٌ شاعرُ العصرِ نالَ منْ
أشفِّ الملوكِ فوقَ ما كانَ أمَّلا
وقالَ أناسٌ إنَّها شنُّ غارةٍ
وَإِنِّي إِلى مَدْحَيهِما قُدْتُ جَحْفَلا
وما قدتُ إلاَّ شرَّداً عَزُّ مرُّها
عَلَى بَلَدٍ لَمْ تَتَّخِذْ فِيهِ مَنْزِلا
تُحَلّى بِها الأَمْلاَكَ فِي كُلِّ مَشْهَدٍ
وَإِنْ نُظِمَتْ فِيكُمْ فَأَنْتُمْ لَها حُلا
نَهَتْهَا عُلاَكُمْ أَنْ تَبَدَّلَ غَيْرَكُمْ
وَآمَنَها إِنْعامُكُمْ أَنْ تَبَذَّلا
سَأُثْني بِما أَوْلاَهُ أَبناءُ صالِحٍ
بِجَهْدِي فَأَمَّا أَنْ أُكافِيهُمْ فَلا