أتراك تعرف علتي وشفائي

أتراكَ تعرفُ عِلتي وشفَائي

​أتراكَ تعرفُ عِلتي وشفَائي​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


أتراكَ تعرفُ عِلتي وشفَائي
يا داءَ قلبي في الهوى ودوائي
ما رقَّ قلبك لي كأن شكايتي
كانت لمسمع صخرةٍ صمّاء
والشوق برّح بي وزاد شجونَه
يا شدَّ ما ألقى من البرحاء
عجباً لمن أخذ الغرامُ بقلبه
أنّى يعد به من الأحياء
هل يعلم الواشون أن صبابتي
كانت بلحظ مها وجيد ظباء
وتجرُّعي مضضَ الملام من التي
حلت عقيب الجزع في الجرعاء
لم يحسن العيش الذي شاهدته
من بعد ذات الطلعة الحسناء
فمتى أبلُّ صدىً بمرشف شادن
نقص العهود ولا وفى لوفائي
وجفا وملّ أخا الهوى من بعد ما
كنا عقيدي ألفةٍ وإخاء
ونأى بركب الظاعنين عشية
أشكو طعان الصعدة السمراء
وأجيبُ سائلَ مهجتي عن دائها
دائي هواك فلا بليت بدائي
لم يدر واللمس الممنع طبّه
أن الدواء بمقتضى الأدواء
عُج يا نديم على الكؤوس ميمِّماً
وأدر عليَّ سلافة الصهباء
وأعد حديثَك لي بذكر أحبةٍ
أين الركابُ وأينَ ذاك النائي
مرت بنا أخبارهم فكأنها
أرَجُ الصبّا عن روضة غناء
وتحاكمتْ بي في الهوى أشواقُهم
فقضى عليَّ الحبُّ أيَّ قضاء
لو كنت أدري غدركم بمحبكم
ما كنتُ أمكنكمْ على أحشائي
لامَ النصيحُ فما سمعتُ ملامه
وصددتُ عنه لشقوتي وعنائي
ما كان أرشدني إلى سبل الهوى
لو أنني أصغي إلأى النصحاء
كيف المنازلُ بعد ساكنة الحمى
عهدي بها قمريَّة الأرجاء
لما وقفت على منازلها ضحىً
حَيَّيتُها بتحيَّةِ الكرماء
عَادتنيَ الأيّام في سُكانها
كعداوة الجُهَّال للعلماء
هل أصبح الدهر الخؤون معاندي
أم كانت الأيام من خصمائي
إني أصون الشعر لا بخلاً به
عن أن يذل بساحة اللؤماء
أن كنت تثني بالجميل على امرىء
فعلى جميلٍ أبي الثناء ثنائي
أعيى المناضلَ والمناظرَ فارتقت
علياؤه قدراً على العلياء
متوقد مثل الضرام فطانة
وبلطف ذاك الطبع لطف الماء
فتبلّجت منه شموس فضائلٍ
ظهرت على الدنيا بغير خفاء
وعلت على أفهامنا ألفاظه
فتمثَّلت بكواكب الجوزاء
تلك الرويّة والسجيّة لم تزل
أقمار أفقٍ أو نجوم سماء
كم قد أفيضت من يديه لنا يدٌ
شكراً لهاتيك اليد البيضاء
إيْ والذي جعل العلى من مجده
فرح الصديق وغمَّة الأعداء
شمنا بوارق نائل من سيله
متتابع الإحسان بالآلاء
هيهات يحكي جوده صوب الحيا
والغيث موقوف على الأنواء
بحر إذا التمس المؤمِّلُ ورده
فاضت عليه زواخر الأنداء
إن قيل في الزوراء أصبح قاطناً
فاعلم بأنَّ المجدَ في الزوراء
نشرت علومك في البلاد جميعها
كالصبُّح إذ ملأ الفضا بضياء
ولك الذّكاءُ كأنما برهانه
يكسو سناه تبلّج ابن ذكاء
ونظرتَ في الأشياء نظرة عارف
حتى عرفت حقائق الأشياء
وكشفت من سر العلوم غوامضاً
فيهن كانت حيرة الحكماء
أجريت حكم الله بين عباده
فعلتْ بحكمك راية الإفتاء
وكأنما يوحى إليك فقد بدت
لك معجزات النظم والإنشاء
فعلت لك الأقلام في مهج العدى
ما تفعل الأبطال في الهيجاء
خرسٌ إذا أنطقتها بأنامل
أخرستَ فيها ألسن الفصحاء
أبكيتها فتضاحكت لبكائها
روضُ الفضائل لا رياض كبار
فإذا مدحت مدحت غير مراهن
فيها وغير معرض لرياء
فاهنأ بهذا العيد إنك عيده
يا فرحتي دون الورى وهنائي
وأجزْ عبيدك في رضاك فإنه
ـ وأبيك ـ غايةُ مطلبي ورجائي
لا زلت منفرداً بما أدَّيته
من رفعةٍ وفضيلة وعلاء