أتطمع يا عباس في غير مطمع

أتطمعُ يا عبَّاسُ في غير مَطمعِ

​أتطمعُ يا عبَّاسُ في غير مَطمعِ​ المؤلف أبو الفضل بن الأحنف


أتطمعُ يا عبَّاسُ في غير مَطمعِ
بَعُدتَ! دعِ التَّطلابَ من كَثَبٍ دَعِ
ألمْ تَرَ داودَ النّبيَّ هَوَتْ بِهِ
جبالً الهوى فيما سمِعتَ أوِ اسمعِ
وما زالَ للنّاسِ الهَوَى ذا عَداوَةٍ
مُضِرَّاً بهم مُذْ عهدِ عادٍ وتبَّعِ
كأنّ هُمومَ الجِنّ والإنسِ أُسكِنتْ
فؤادي فما تَعدو فؤادي وأضلُعي
أُنيخت رِكاب اللّيلِ من كلِّ جانبٍ
وحادَتْ نجُومُ اللّيلِ عن كلِّ مَوقِعِ
ولوْ أنّ خَلقَ الله حَلّتْ صُدورَهمْ
تباريحُ مابي سُيبَتْ كلُّ مُرضِعِ
شكَتْ ما بها نفسي من الشّوْقِ والهَوى
فقلتُ: لقد طالبتِ ودَّ مُمنَّعِ
وما كانَ منْكِ العِشْقُ إلاّ لجَاجَةً
ولوْ شِئْتِ لم تَهوَيْ ولم تَتَطَلَّعي
وما هو إلاّ ما تَرَينَ، وذو الهَوى
يُعالجُ ثِقلاً فاصبري أو تَقَطَّعي
عسى اللهُ أن يرتاحَ يوماً برحمةٍ
فيُنصِفَني من فاضحي ومروِّعي
لَعَمْري لشتَّى بينَ حرَّانَ هائمٍ
وبينَ رخيٍّ بالُهُ ومُتَودِّعِ
كتمتُ اسمَها كتمانَ من صانَ عِرضَهُ
وحاذَرَ أنْ يَفْشُو قَبيحُ التّسَمُّعِ
فسمِّيتُها فوزاً ولو بُحتُ باسمها
لَسُمّيتُ باسمٍ هائلِ الذّكرِ أشنَعِ
فَوَا حَسرَتي إن نُحْتُ لم تُقضَ نهمتي
ولم يُغنِ عنّي طولُ هذا التّضَرُّعِ
وهَبتُ لها نَفسي فضَنّتْ بوَصْلِها
فيَا لكَ من مُعطٍ ومن مُتَمَنِّعِ
إليكِ، بنفسي أنتِ، أشكو بَليَّتي
وقد ذُقتُ طعمَ الموْتِ لوْلا تَشَجُّعي
هبي لي دمي لا تقتليني بلا دمٍ
فما يَستَحِلُّ القَتلَ أهلُ التّوَرُّعِ
إذا ذكرَتْكِ العينُ يوْماً تَبادَرَتْ
دُمُوعي على الخَدّينِ تَجري بأرْبَعِ
فيا كلَّ همِّي أَقطِعيني قطيعةً
من الوَصلِ تَبقَى لي ولَوْ قدرَ إصْبعِ
أنا لكِ مَملُوكٌ فإنْ شِئْتِ عذّبي
وإن شئتِ مُنِّي، أيّ ذا شئتِ فاصْنَعي
تُريدين إلاّ مُشْفِقاً ذا نَصِيحةٍ
فدونكِ حبلَ الطَّائعِ المتطوِّعِ
علامةُ ما بيني وبينَكِ أنْ تَرَيْ
كتاباً عليهِ فصُّ خَتْمٍ مُربَّعِ
مُسَلْسَلةٌ حافاتُهُ في لطافةٍ
وفي نقشهِ: يا أُذْنَ فوزٍ تَسَمَّعِي
تَمَنّيْتُ أن تُسقَيْ منَ الحُبّ شَرْبتي
وأنْ تَرْتَعي من لوْعةِ الحُبّ مَرْتَعي
وأن تُصبحي صُبحي قد بُليْتُ وإنَّني
متى ما أقُلْ قد غاضَ دَمعيَ يَهمَعِ
وَرَدْتُ، وبعضُ الوِردِ فيهِ مَرارَةٌ،
حِياضَ الهوى من كلِّ أفيَحَ مُترَعِ
فما زِلتُ أحسُوها بكأسَينِ كُلّمَا
شرِبتُ بكأسٍ لم تَزلْ أُختُها مَعي
أديرُهما من كلِّ حوضٍ إلى فمي
فَطُوْراً لإدْلاءٍ وطَوْراً لمَجرَعِ
على عَطَشٍ حتى بَدَتْ وهيَ مَشرَعٌ
حياضُ الهوى من بعد إيراد مشرعي
وولّيتُ قد زلَّتْ لُسُكري مفاصلي
أميل كجِذعِ النَّخلةِا لمتَزعزعِ