أتمضي كذا أيدي الردى بالمصاعب
أتمضي كذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ
أتمضي كذا أيدي الرّدى بالمصاعبِ
وتذهب عنّا بالذُّرى والغواربِ
وتُستلَبُ الآسادُ وهْيَ مُلِظَّةٌ
بأخياسِهِنَّ من أعزّ المسالبِ
وتُؤخذ منّا من وراء سُجوفنا
بلا رأيِ بوّابٍ ولا إذْنِ حاجِبِ
وتُقنص فينا روحُ كلِّ محاربٍ
أبيٍ جرئٍ وهو غير محاربِ
أيا صاحبي إنْ كنتَ في إثرِ من مضى
على مثل حلاتي فإنّك صاحبي
دعِ الفكرَ إلاّ في الحِمامِ ولا تُقِمْ
مع الحرصِ في دار الظّنونِ الكواذبِ
وإنْ كنتَ يوماً بالحديثِ مُعلِّلاً
لسمعي فَحَدِّثْني حديثَ النّوائِبِ
فلي شُغُلٌ عمَّنْ أقامَ بمنْ مَضَى
وعن مُعجباتٍ رُقْنَنا بالعجائبِ
وناعٍ لسيف الدّين أضرم قولُه
ولم يدنْ ما بين الحشا والتّرائبِ
وجاءَ بصدقٍ غيرَ أنّي إخالُهُ
خِداعاً لنفسي، إنّه قولُ كاذبِ
فأثْكَلني طيبَ الحياةِ وضمّني
إلى جانبِ الأحزانِ من كلِّ جانِبِ
فيالك من رُزءِ أزارَني الأسى
وعرّف ما بيني وبين المصائبِ
ولولاه لم أغضِ الجفونَ على قذىً
ولا لانَ للوجدِ المبرِّحِ جانبي
أساقُ إلى الأحزانِ من كلِّ وِجْهةٍ
كأنّي ذلولٌ في أكفّ الجواذبِ
فلا مَطعمٌ فينا يطيب لطاعمٍ:
ولا مشربٌ منّا يَلَذُّ لشاربِ
وقلْ لطِوال الخَطِّ يُركَزْن فالذي:
سَقَتْكُنَّ يمناهُ مضى غيرَ آئبِ
وقلْ لجيادِ القُودِ لستنّ بعد ما
تولّى جديراتٍ بركبةِ راكبِ
وقُل للمغيرين الذينَ تعوَّدوا
زِحامَ العوالي في صدورِ الكتائبِ:
دعوا ما ألِفْتُمْ من قراعٍ فقد مضى
بحكمِ الرَّدى منكم قريعُ المقانِبِ
وقل للسَّراة النازعين إلى الغِنى
فهمْ أبداً ما بين سارٍ وساربِ
أقيموا فلا نارٌ تَوَقَّدُ للقِرى
ولا راحةٌ مفجورةٌ بالمواهبِ
فتًى أوحشَتْ منه المكارمُ والعُلا
وإن أقاموا لم ينظروا في العواقبِ
وكم لك من يومٍ لدغت كُماتَه
بشوك العوالي لا بشوك العقاربِ
وحيٍّ خبطتَ الليلَ حتى ملكتَهُ
على آلفاتٍ للصّعابِ شَوازبِ
تراهُنّ يقضُمنَ الشّكيمَ كأنّما
لَبِسنَ بنسجِ الطَّعنِ حُمْرَ الجلابِبِ
وحولك طلاّعون كلَّ ثنيّةٍ
إلى المجد حلاّلون شُمَّ المراقِبِ
وفقدُ الصَّديقِ المحض صَعْبٌ فكيف بي
وفَقدي صديقًا من أجلِّ أقاربي؟
ويؤلمني أنّي تركتكَ مفرداً
بمَدْرَجةٍ بينَ الصَّبا والجنائبِ
يطاع بها أمرُ البِلى في معاشرٍ
أبَوْا أن يطيعوا غالبًا بعدَ غالبِ
وما منهُمُ إلاّ الّذي نال رتبةً
سَمتْ وعلتْ عن كلِّ هذي المراتِبِ
فإنْ يُكسَفوا في غَيْهَبٍ من قبورهمْ
فقد ضوّؤا دهراً ظلام الغياهِبِ
وإنْ قُبضتْ منهمْ أكفٌّ عنِ النّدى
فقد بُسطتْ دهرًا لهمْ بالرَّغائبِ
وإنْ جَثَموا بالتُّربِ طوعَ حِمامِهمْ
فكم جرَّروا فينا ذيولَ المواكِبِ
ألا سقّياني دوعَ عيني بعدَه
ولا تُسمعاني غيرَ صوتِ النّوادبِ
سَقى اللهُ ما أَصبحتَ فيه منَ الثَّرى
زُلالَ التَّحايا عن زلالَ السّحائبِ
ولا زال منضوحاً بعفوٍ ورحمةٍ
ورَوْحِ الجنانِ مِن جميع الجوانِبِ
فقد طُويَتْ منه الصفائِحُ
على سامقِ الأعراقِ ضخمِ الضَّرائبِ