أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم/ذكر البحار والأنهار
ذكر البحار والأنهار
عدلاعلم انا لم نر في الإسلام إلا بحرين، حسب أحدهما يخرج من نحو مشارق الشتاء بين بلد الصين وبلد السودان فإذا بلغ مملكة الإسلام دار على جزيرة العرب كما مثلناه، وله خلجان كثيرة وشعب عدة، وقد اختلف الناس في وصفه والمصورون في تمثيله، فمنهم من جعله شبه طيلسان يدور ببلد الصين والحبشة وطرف بالقلزم وطرف بعبادان. وأبو زيد جعله شبه طير منقاره بالقلزم ولم يذكر شعبة ويلة وعنقه بالعراق وذنبه بين حبشة والصين. ورأيته ممثلاً على ورقة في خزانة أمير خراسان وعلى كرباسة عند أبي القاسم ابن الأنماطي بنيسابور، وفي خزانة عضد الدولة والصاحب، وإذا كل مثال يخالف الآخر، وإذا في بعضهن خلجان وشعب لا اعرفها. وأما انا فسرت فيه نحو آلفي فرسخ، ودرت على الجزيرة كلها من القلزم إلى عبادان، سوى ما توهت بنا المراكب إلى جزائره ولججه، وصاحبت مشايخ فيه ولدوا ونشأوا، من ربانيين واشاتمة ورياضيين ووكلاء وتجار، ورأيتهم من ابصر الناس به وبمراسيه وأرياحه وجزائره. فسألتهم عنه وعن أسبابه وحدوده ورأيت معهم دفاتر في ذلك يتدارسونها ويعولون عليها ويعملون بما فيها. فعلقت من ذلك صدراً صالحاً بعد ما ميزت وتدبرت، ثم قابلته بالصور التي ذكرت. وبينا أنا يوماً جالس مع أبي علي بن حازم انظر في البحر ونحن بساحل عدن إذ قال لي: ما لي أراك متفكراً. قلت: أيد الله الشيخ قد حار عقلي في هذا البحر لكثرة الاختلاف فيه، والشيخ اليوم من اعلم الناس به لأنه أمام التجار ومراكبه أبداً تسافر إلى أقاصيه، فإن رأى أن يصفه لي صفة اعتمد عليها وارجع من الشك إليها فعل. فقال: على الخبير بها سقطت، ثم مسح الرمل بكفه ورسم البحر عليه لا طيلسان ولا طير، وجعل له معارج متلسنة وشعباً عدة ثم قال هذه صفة هذا البحر لا صورة له غيرها. وأنا أصوره ساذجاً وأدع الشعب والخلجان إلا شعبة ويلة لشهرتها وشدة الحاجة إلى معرفتها وكثرة الأسفار فيها وأدع ما اختلفوا فيه وارسم ما اتفقوا عليه. وعلى الأحوال كلها لا شك إنه يدور على ثلاثة أرباع جزيرة العرب، وإن له لسانين كما ذكرنا من نحو مصر يفترقان على طرف الحجاز بموضع يسمى فاران. وعظم هذا البحر وامتناعه بين عدن وعمان حتى يصير اتساعه نحو ستمائة فرسخ ثم يصير لسان إلى عبادان. ومواضع الخوف في المملكة جبيلان موضع غرق فرعون وهي لجة القلزم وفيها تسير المراكب العراض لترجع من البر الغامر إلى البر العامر. ثم فاران وهو موضع تهب فيه الرياح من مصر والشام فتتحاذيان وفيه هلاك المراكب ومن رسمهم أن يبعثوا رجالا يرقبون الريح، فإذا سكنت الرياح أو غلبت التي هم من نحوها ساروا وإلا أقاموا المدة الطويلة إلى وقت الفرج. ثم مرسى الحوراء كثير العرى تغتر فيه المراكب عند دخوله. ومن القلزم إلى الجارعرى صعبة من أجلها لا يسيرون إلا بالنهار، والربان على الجخوار منكب يطلع في البحر فإذا ظهرت عراة صاح يميناً وشمالاً وقد رتب صبيان يصرخان بذلك، وصاحب السكان بيده حبلان يجذبهما يميناً وشمالاً إذا سمع النداء، وإن غفلوا غن ذلك صدم العرى المركب فأعطبته. ثم عن جزيرة الصلاب مضيق يتقى فيه للمراكب ويؤجل فمن أخذ ذات الشمال كان في سعة البحر. ثم جابر وهو موضع سوء يرى فيه قعر البحر وذلك القصير كثيرا ما يعطب فيه المراكب. وعند دخول كمران خوف وشدة. والمندم مضيق صعب لا يسلك إلا في شباب الريح وقوتها. ثم يتلجلج البحر إلى عمان، وترى ما ذكر الله أمواجاً كالجبال الراسيات، إلا أنه سليم في الذهاب مخوف في الرجعة من العطب والغرق جميعاً، ولا بد في كل مركب من مقاتلة ونفاطين. ثم مرسى عمان ردي مهلك. ثم فم السبع مضيق مخوف،. ثم الخشبات التي تنسب إلى البصرة، وهي الطامة الكبرى، مضيق وبحر رقيق، وقد نصب في البحر جذوع عليها بيوت، ورتب فيها قوم يوقدون بالليل حتى يتباعد عنهم المراكب من رقة تلك المواضع، وسمعت شيخا يقول وقد لحقتنا ثم شدة وضرب المركب الأرض عشر مرات، هذا موضع يسافر فيه أربعون مركباً فيرجع واحد. ولا أحب أن أطول هذا الأصل وإلا ذكرت مراس هذا البحر والطرق فيه.
ولهذا البحر الصيني زيادات في وسط الشهر وأطرافه، وفي كل يوم وليلة مرتين، ومنه جزر البصرة ومدها إذا زاد دفع دجلة فانقلبت في أفواه الأنهار وسقت الضياع، فإذا نقص جزر الماء، وقد اختلف الناس في سببه، فقال قوم ملك يغمس فيه إصبعه كل يوم فيمد فإذا رفع إصبعه جزر. وقال كعب الأحبار لقي الخضر ملكاً. فقال اخبرني عن المد والجزر. فقال الملك أن الحوت يتنفس فيخرجه الماء إلى منخريه فذلك الجزر، ثم يتنفس فيخرجه من منخريه فذلك المد. وروي لنا فيه وجه آخر اذكره في إقليم العراق. وفيه ضيق وعمق، أحرجه راس الجمجمة إلى الديبل. ثم بعده بحر لا يدرك عمقه، وفيه من الجزائر ما لا يحصى كثرة، فيها ملك من العرب يقال أن بها ألفا وسبعمائة جزيرة تملكهن امرأة، وزعم من دخل مملكتها إنها تجلس لرعيتهاعلى سريرعريانة وعليها تاج وعلى رأسها أربعة آلاف وصيفة قياماً عراة. ثم بحر هركند وهو قاموس فيه سرنديب تكون ثمانين فرسخا في مثلها فيها جبل آدم الذي اهبط فيه، اسمه الرهن يرى من مسيرة أيام، عليه أثر قدم غرقت نحو سبعين ذراعا والأخرى على مسيرة يوم وليلة في البحر، يرى عليه كل ليلة نور. وثم يوجد الياقوت أجوده ما احدره الريح، وفيه ريحان شبه المسك، وفيها ثلاثة ملوك، وثم شجر كافور، لا يرى أطول من شجرته بيضاء تظل أكثر من مائتي رجل، ينقر أسفلها فينساب عليه الكافور كالصمغ، ثم تبطل الشجرة. تليها جزيرة الكلب فيها معادن الذهب، طعامهم النارجيل، بيض عراة حسان، يتصل بها جزيرة الرمى فيها أشجار البقم، تغرس غرساً، ثمرها يشبه الخرنوب مر وعروقها شفاء من سم ساعة. وجزيرة أسقوطرة كأنها صومعة البحر المظلم، وهي سد البوارج ومنهم تخاف المراكب ولم تزل في هلع حتى جاوزنها. وهو ابرك البحرين واحمدهما عاقبة.
والبحر الآخر خروجه من أقصى المغرب بين السوس الأقصى والأندلس، يخرج من المحيط عريضاً، ثم ينخرط ثم يعود فيعظم إلى تخوم الشام. وسمعت بعض مشايخ المغرب يفسر هذه الآية ورب المشرقين ورب المغربين قال: المغربان هذان الوجهان من هذا البحر مغرب الصيف عن يمينه ومغرب الشتاء عن يساره، وسمعت جماعة منهم يذكرون أنه يضيق في حدود طنجة حتى يكون واتفقوا على انه عند معابر الأندلس إذا عاينت هذا البرترايا لك البر الآخر. وذكر ابن الفقيه أن طول بحر الروم الدبوري آلفان وخمسمائة فرسخ من انطاكية إلى جزائر السعادة، وعرضه في مكان خمسمائة فرسخ وفي مكان مائتا فرسخ. فما كان من ناحية القبلة من طرسوس إلى دمياط ثم إلى السوس كلهم مسلمون، وما كان من الجهة الأخرى يعني يسار البحر فنصارى. وفيه ثلاث جزائر عامرة آهلة: اصقلية تقابل المغرب، واقريطش تقابل مصر، وقبرص تقابل الشام. وله خلجان معروفة، وعلى حافته بلدان كثيرة، وثغور جليلة، ورباطات فاضلة، وجهة منه على تخوم الروم إلى حدود الأندلس والغالب عليه الروم وهو مخوف منهم جداً وهم وأهل اصقلية. والأندلس أخبر الناس به وحدوده وخلجانه لأنهم يسافرون فيه ويغزون من هو يليهم، وفيه طرقهم إلى مصر والشام. وقد ركبت معهم المدة الطويلة أبداً أسألهم عنه وعن أسبابه واعرض عليهم ما سمعت فيه فقل ما رأيتهم يختلفون فيه، وهو بحر صعب هائج تسمع له أبداً جلبة خاصة ليالي الجمع. اخبرنا الفقيه أبو الطيب عبد الله بن محمد الجلال بالري. قال: حدثنا احمد بن محمد بن يزيد الاستراباذي. قال: حدثنا العباس بن محمد. قال: حدثنا أبو سلمة. قال: حدثنا سعيد بن زيد. قال: حدثنا ابن يسار عن عبدالله بن عمرو. قال: أن الله لما خلق بحر الشام أوحى إليه أني خلقتك وأنى حامل فيك عبادا لي يبتغون من فضلي يسبحونني ويقدسونني ويكبرونني ويهللونني فكيف أنت صانع بهم. قال: رب إذاً أغرقهم. قال: اذهب فقد لعنتك، وسأقل حليتك وصيدك. وأوحى إلى بحر العراق مثل ذلك. فقال: رب إذاً احملهم على ظهري فإذا سبحوك سبحتك معهم وإذا قدسوك قدستك معهم وإذا كبروك كبرتك معهم. قال: اذهب فقد باركت فيك سأكثر حليتك وصيد ك. وهذا دليل على أن ليس إلا بحران.
ولا أدري هذان البحران يقلبان في المحيط أم يخرجان منه وقرأت في بعض الكتب إنهما يخرجان منه وهما إلى القلب فيه اقرب، لأنك إذا خرجت من فرغانة لا تزال تنحدر إلى مصر ثم إلى أقصى المغرب. وأهل العراق يسمون العجم أهل فوق وأهل الغرب أهل أسفل. فهذا يؤيد ما ذهبنا إليه ويدل على إنها أنهار اجتمعت فصبت في المحيط والله أعلم. وجعل أبو زيد البحار ثلاثة، زاد المحيط ولم ندخله نحن في الجملة، لأنه كما يقال مستدير بالعالم كالحلقة لا يعرف له غاية ولا نهاية. وأما الجيهاني فإنه جعلها خمسة، زاد بحر الخزر وخليج القسطنطينية. ونحن اقتصرنا على ما أنبأ الله في كتابه حيث يقول مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان والبرزخ من الفرما إلى القلزم مسيرة ثلاثة أيام، فإن قيل إنما أراد الله تعالى بالبحرين العذب والمالح لأنهما لا يختلطان كما قال وهو الذي مرج البحرين -الآية- فالجواب أن اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان من الحلو والله يقول منهما ولا خلاف بين أهل العلم أن اللؤلؤ يخرج من الصيني والمرجان من الرومي. فعرفنا أنه إنما أراد هذين البحرين. فإن قيل البحار سبعة لأن الله قال عز وجل: )ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر(. وزاد المقلوبة والخوارزمية، فالجواب لم يقل الله تعالى إن البحار سبعة وإنما ذكر بحر العرب، وقال ولو أن سبعة مثله جعلت أيضاً مدادا. كما قال: )ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه(. مع إنه يجب بهذا الدعوى أن تكون ثمانية. وأيضا فإنا نلتزم هذا السؤال وننتصب فيه فنقول أن البحر هو بحر الحجاز والسبعة بحر القلزم وبحر اليمن وبحر عمان وبحر مكران وبحر كرمان وبحر فارس وبحر هجر، فهذه ثمانية كما نطقت الآية. فإن قيل يلزمك بهذا التأويل أن تكون أكثر من عشرة لأنك تركت بحر الصين وبحر الهند وبحر الزنج. فالجواب من وجهين أحدهما أن الله تعالى خاطب العرب بما يعرفونه ويعاينونه ليؤكد عليهم الحجة، وما كانت أسفارهم إلا في هذه البحار. ألا ترى أن هذا البحر بهذه الأسامي يدور على ديار العرب من القلزم إلى عبادان. والوجه الآخر لا ننكر أن يكون البحار كثيرة وذكر الله تعالى منها في هذه الآية ثمانية. فإن قيل هذا يرجع عليك ويلزمك أن البحار تجوز أن تكون سبعة، وإنما ذكر الله منها في تلك الآية بحرين. فالجواب هذا لا يشبه ذاك. لأن الله تعالى قال في تلك: )مرج البحرين يلتقيان(. فأشار إلى بحرين معهودين، والألف واللام إذا لم يكونا للجنس فإنما هما للتعريف. وقال في هذه يمده من بعده سبعة أبحر، ولم يدخل فيه حرف التعريف. فيجوز أن يكون أراد به سبعة من جماعة. كما قال: )سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً( وأيام الله كثيرة. وقال في آية أخرى: )وعلى الثلثة الذين خلفوا( فلا يجوز بأن يقال أنهم كانوا أكثر. فإن قيل لما وقع الاختلاف في تفسير هذه الآية ورأينا بحر الصين لا يلقى الرومي سقط الاحتجاج بها وسلمت لنا الآية الأخرى، فوجب أن تكون البحار سبعة. فالجواب قد ارتفع الاختلاف بقوله: )يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان(. وأما الالتقاء فحدثني جماعة من مشايخ مصر أن النيل كان يفيض في بحر الصين إلى قريب. فأن قيل تأويلك يوجب التناقض لأن فيه إنهما يلتقيان وإن بينهما على ما ذكرت ثلاثة أيام، وحاشى كتاب الله من التناقض. وما تأولناه مستقيم لأن التقاءهما جريان الحلو فوق المالح والبرزخ المنع من اختلاطهما. فالجواب تأويلنا أيضاً مستقيم لأن أعطينا كل معنى حقه فقلنا الالتقاء ما ذكرناه من صب النيل في الصيني وطرف النيل اليوم يفيض في الرومي فبالنيل التقيا. ويقال أن أم موسى إنما طرحت تابوته في بحر القلزم فخرج في النيل إلى مصر، مع أن الالتقاء غير الاجتماع لان الملتقيين يكون بينهما فصل ومسافة، وما ذهبوا إليه يسمى اختلاطاً لا التقاء. فإن قيل لم جعلت بحار الأعاجم من السبعة بعد ما قلت أن الله خاطبهم بما يعرفونه. فالجواب فيه من وجهين أحدهما أن العرب قد كانت تسافر إلى فارس آلا ترى أن عمر بن الخطاب رضه قال: إني تعلمت العدل من كسرى، وذكر خشيته وسيرته والآخر أن من سار إلى هجر وعبادان لا بد له من بحر فارس وكرمان وتيز مكران، أولا ترى إلى كثير من الناس يسمونه إلى حدود اليمن بحر فارس، وان اكثر
صناع المراكب وملاحيها فرس، وهو من عمان إلى عبادان قليل العرض لا يجهل المسافر فيه جهته. فإن قيل فهلا قلت هذا في بحر القلزم إلى موضع الأتساع. فالجواب قد قلنا أن من القلزم إلى عيذاب وما وراءها مفاوز خالية لم يسمع أن هذا البحر ينسب إلى شيء منها مع أنا قد انفصلنا عن هذا في بعض الجوابات. فإن قيل كيف يجوز أن تجعل بحرا واحدا ثمانية أبحر. فالجواب أن هذا مشهور عند كل من ركب البحر، ألا ترى كيف سمى الله بحر الروم بحرين، حيث يقول: وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً فلما بلغا مجمع بينهما . وكان هذا كله بسواحل الشام وأعلام ذلك ظاهرة وصخره موسى ثم بينة. فإن قيل فلم لا قلت أن معنى قوله مرج البحرين هو بحر واحد أيضاً. فالجواب هذا لا يجوز لأن الله تعالى قال: بينهما برزخ والبرزخ حاجز. مع أنا نقول لهذا المخالف إن كان الآمر على ما تزعم فأرنا ثمانية بحار في الإسلام. فإن ذكر المحيط قيل له ذلك على تخوم العالم بغير نهاية تعرف، وإن ذكر القسطنطيني قيل ذاك خليج من الرومي يخرج خلف اصقلية آلا ترى انهم ابدا يغزون فيه، فإن ذكر الخزري قيل له تلك بحيرة آلا ترى أن اكثر الناس يسمونها بحيرة طبرستان، أولم تر إلى قرب أطرافها، فإن قال المقلوبة والخوارزمية قيل له من جعل هاتين من هذه الجملة لزمه أن يجعل بحيرات الرحاب وفارس وتركستان فيجاوز العشرين. فإن انصف رجع إلى قولنا والله أعلم. المراكب وملاحيها فرس، وهو من عمان إلى عبادان قليل العرض لا يجهل المسافر فيه جهته. فإن قيل فهلا قلت هذا في بحر القلزم إلى موضع الأتساع. فالجواب قد قلنا أن من القلزم إلى عيذاب وما وراءها مفاوز خالية لم يسمع أن هذا البحر ينسب إلى شيء منها مع أنا قد انفصلنا عن هذا في بعض الجوابات. فإن قيل كيف يجوز أن تجعل بحرا واحدا ثمانية أبحر. فالجواب أن هذا مشهور عند كل من ركب البحر، ألا ترى كيف سمى الله بحر الروم بحرين، حيث يقول: وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً فلما بلغا مجمع بينهما . وكان هذا كله بسواحل الشام وأعلام ذلك ظاهرة وصخره موسى ثم بينة. فإن قيل فلم لا قلت أن معنى قوله مرج البحرين هو بحر واحد أيضاً. فالجواب هذا لا يجوز لأن الله تعالى قال: بينهما برزخ والبرزخ حاجز. مع أنا نقول لهذا المخالف إن كان الآمر على ما تزعم فأرنا ثمانية بحار في الإسلام. فإن ذكر المحيط قيل له ذلك على تخوم العالم بغير نهاية تعرف، وإن ذكر القسطنطيني قيل ذاك خليج من الرومي يخرج خلف اصقلية آلا ترى انهم ابدا يغزون فيه، فإن ذكر الخزري قيل له تلك بحيرة آلا ترى أن اكثر الناس يسمونها بحيرة طبرستان، أولم تر إلى قرب أطرافها، فإن قال المقلوبة والخوارزمية قيل له من جعل هاتين من هذه الجملة لزمه أن يجعل بحيرات الرحاب وفارس وتركستان فيجاوز العشرين. فإن انصف رجع إلى قولنا والله أعلم.
وأما الأنهار الفائضة في المملكة، فالمشهور منها فيما رأيت وميزت اثنا عشر.
دجلة والفرات والنيل وجيحون ونهر الشاش وسيحان وجيحان وبردان ومهران ونهر الرس ونهر الملك ونهر الاهواز، يجري فيها السفن. ودونها خمسة عشر أخرى: نهر المروين ونهر هراة ونهر سجستان ونهر بلخ ونهر الصغد وطيفوري وزندرود ونهر العباس وبردى ونهر الاردن والمقلوب ونهر انطاكية ونهر ارجان ونهر شيرين ونهر سمندر. ثم ما بعدهن صغار، نذكر بعضهن في الأقاليم مثل نهر طاب والنهروان والزاب ونظائرهن.
فأما دجلة فإنها عين تخرج من تحت رباط ذي القرنين عند باب الظلمات بإقليم أقور فوق الموصل، ثم يلقاها عدة انهار منها الزاب إلى أن يلقاها الفرات وشعب النهروان ببغداد.
وأما الفرات فإنه يخرج من بلد الروم ثم يتقوس على إقليم اقور، ويتشعب إليه الخابور، ثم يدخل العراق ويتبطح خلف الكوفة ويلقى دجلة منه أربع شعب.
وأما النيل فمخرجه من بلد النوبة ثم يشق إقليم مصر فيتشعب خلف الفسطاط، فنهر يفيض بالإسكندرية ونهر بدمياط. وذكر الجيهاني انه يخرج من جبل القمر ثم ينصب في بحيرتين خلف خط الاستواء ويطيف بأرض النوبة. وقال غيره لا يعرف له أول ولا يدري أحد من أين يقبل. وحدثنا أبو الحسن الخليل بن الحسن السرخسي بنيسابور. قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد القنطري. قال: حدثنا المأمون بن احمد السلمي. قال: حدثنا محمد بن خلف. قال: اخبرنا أبو صالح كاتب الليث بن سعد عن الليث. قال: ذكروا والله اعلم إنه كان رجل من بني العيص يقال له حائذ بن أبي شالوم بن العيص وإنه خرج هارباً من ملك من ملوكهم حتى دخل ارض مصر فأقام بها سنين، فلما رأى عجائب نيلها وما يأتي به جعل الله على نفسه أن لا يفارق ساحلها حتى يبلغ منتهاه من حيث يخرج أو يموت قبل ذلك فسار حتى انتهى إلى بحر اخضر فنظر إلى النيل يشق البحر قال المقدسي هذا البحر هو المحيط. قال: فصعد على البحر فإذا هو برجل قائم يصلي تحت شجرة تفاح فلما رآه استأنس إليه وسلم عليه. فسأله من أنت. قال: حائذ بن أبي شالوم بن العيص بن إسحاق صلعم. فمن أنت. قال: أنا عمران بن العيص بن إسحاق عم. قال: فما الذي جاء بك يا عمران. قال: جاء بي الذي جاء بك حتى انتهيت إلى هذا الموضع فأوحى الله تعالى إلى أن قف في هذا الموضع حتى يأتيك أمري. قال: فقال له يا عمران اخبرني عن النيل. فقال: لست بمخبرك دون أن تفعل ما أسألك. قال: وما ذاك. قال: إذا رجعت إلي وأنا حي أقمت عندي حتى يوحي الله إلي بأمر أو يتوفاني فتدفنني. قال: ذاك لك. قال: له سر كما أنت على هذا البحر فإنك ستأتي دابة مقاربة للشمس إذا طلعت اهوت إليها لتبتلعها فلا يهولنك آمرها فاركبها فإنها تذهب بك إلى جانب البحر، فسر عليه راجعاً حتى تنتهي إلى النيل، فسر عليه فإنك ستبلغ أرضاً من حديد جبالها وشجرها وسهولها من ارض ذهب، إلى أن تنتهي وإذا بقبة من ذهب فيها ينتهي إليك علم النيل. فسار حتى بلغ القبة فإذا ماء ينحدر من السور إلى القبة ثم يفترق في الأبواب الأربعة. فأما ثلاثة فتغيض في الأرض وأما واحد فيشق على وجه الأرض وهو النيل. فشرب منه واستراح أهوى إلى السور ليصعد فأتاه ملك، فقال له: يا حائذ قف مكانك فقد انتهى إليك علم النيل، وهذه الجنة وذكر الحديث بطوله.
وأما جيحون فإن ابتداءه من بلاد وخان يمد إلى الختل ثم يتسع ويعظم ويقع إليه ستة انهار: نهر هلبك ثم نهر بربان ثم نهر فارغر ثم نهر انديجاراغ ثم نهر وخشاب وهو اعمقهن ثم يلقاه نهر القواديان ثم انهار الصغانيان كل ذلك من جانب هيطل ينحدر متبحرا إلى خوارزم فيقر في بحيرة مرة وقد سقى عدة من المدن مع مدن خوارزم كلها شرقاً وغرباً.
وأما نهر الشاش فإنه يخرج عن يمين بلد الترك ويمد إلى بحيرة خوارزم أيضاً وهو يقارب جيحون في العظم إلا أنه شبه الميت.
وأما سيحان وجيحان وبردان فأنهن. انهار طرسوس وأذنة والمصيصة، يخرجن من بلد الروم ثم يفضن في البحر. وكذاك سائر انهار الشام آلا نهر بردى والأردن فإنهما يفيضان في البحيرة المقلوبة. وبردى يتفجر من جبال فوق دمشق، ويشق القصبة ويسعي الكورة ثم ينقسم فضلته فبعض يتبحر في اقصى الكورة وبعض ينحدر إلى الاردن.
وأما نهر مهران فإنه يخرج من الهند ثم يفيض في بحر الصين بعد ما يلقاه عدة انهار في الأقاليم وطعم مائه ولونه وزيادته وكون التماسيح فيه كالنيل.
وأما نهر الرس والملك والكر فأنهن يخرجن من بلاد الروم فيسقين إقليم الرحاب ثم يفضن في بحيرة الخزر.
وأما انهار الاهواز فإنها عدة انهار تنحدر على الإقليم من الجبال ثم تجتمع بحصن مهدي وتفيض في بحر الصين عند عبادان. ووجدت في كتاب بالبصرة أربعة انهار من الجنة في الدنيا: النيل وجيحون والفرات والرس. وأربعة من انهار النار: الزبداني والكر وسنجة والسم.
وأما نهر المروين وهراة وسجستان وبلخ فإنها تخرج من أربعة جوانب بلد الغور ثم تنحدر إلى هذه العرر فتسقيها.
وأما طيفوري فإنه ينحدر من جبال جرجان فيسقى الكورة. ونهر الري يخرج من فوق البلد من شبه فوارة ثم ينشعب وينحدر على البلد. وزندرود ينحدر من جبال اصفهان ثم يدخل اليهودية ويسقي الكورة.
وأما انهار فارس فإنها تفيض في خمس بحيرات في الإقليم ونهرطاب يقبل من البرج قبل سميرم ثم يمد على تخوم فارس ثم يفيض في بحر الصين عند سينيزونهر ارجان يتفجر من جبال فارس ويقع فيه ماء مالح تحت العقبة ويسقي الكورة بالقسمة.