أحسن ما فيه يسرح النظر

أَحسَنُ ما فيهِ يُسرِحُ النَظَرَ

​أَحسَنُ ما فيهِ يُسرِحُ النَظَرَ​ المؤلف شكيب أرسلان


أَحسَنُ ما فيهِ يُسرِحُ النَظَرَ
وادٍ بِحَيثُ الأُردُنِّ يَنفَجِر
غارَت عَلَيهِ النُجودُ مِن شَغَفٍ
فَالغورُ ما بَينَهُنَّ مُنحَصِرُ
قامَت عَلى الجانِبَينِ تَخفِرُهُ
كَذَلِكَ الحُسنُ شَأنُهُ الخَفَرُ
مُبتَدِئُ الجَريَ في الشَمالِ لَدى
شَيخٌ لَهُ الكِبرُ باتَ وَالكِبَرُ
هاوٍ إِلى المَوتِ في الجَنوبِ لَدى
بَحرٌ وَلا كَالبِحارُ يَحتَضِرُ
وَمَن يَعُمُّ البَياضَ لِمَّتَهُ
فَهَل سِوى المَوتَ باتَ يَنتَظِرُ
يا شَرقَ هُوَ نينٌ كَم لَدَيكَ جَرى
مَعينٌ ماءَ حَصباؤُهُ دُرَرُ
الشَطرُ تَلُّ القاضي يُسَلسِلُهُ
وَالشَطرُ مِن بانياسَ يَنحَدِرُ
وَالحاصِباني باتَ إِثرَها
يَشتَدُّ في الجَريَ لَيسَ يَصطَبِرُ
يَملَأُ مِنها الأُردُنَّ بِركَتُهُ
وَيَزدَهي مَرجَ حَولِهِ الخُضرُ
حَيثُ وَشيجُ اليَراعِ مُشتَبِكٌ
كَأَنَّما الخَطُّ ثُمَّ وَالسَمُرُ
حَيثُ نُمُوَّ النَباتِ مُعجِزَةٌ
كَأَنَّما سوقُ قَمحِهِ الشَجَرُ
وَالصَيدُ ما إِن يَزالُ عَن كَثِبٍ
لا كِنَّ مِن دونِهِ وَلا قَتَرُ
بُحَيرَةٌ لَم يُرِم بِساحَتِها
ضاقَ بِها أَن تَقِلُّهُ الصِغَرُ
يَمَّمَ أُخرى وَرامَ ثالِثَةً
لَقَد تَرامَت بِهِ نَوى شُطرُ
أَمَّن جَسَرَالنباتَ مَعبَرَهُ
وَرُبَّما خاضَ دونَهُ الجَسَرُ
حَتّى إِذا فاضَ مِن هُناكَ غَدَت
أَرضَ البَطيحاءِ مِنهُ تَزدَهِرُ
أَرضٌ عَلَت ماؤُهُ مَناكِبَها
وَباتَ مِنها في البَحرِ يَنفَغِرُ
أَقبِل يَرغى وَما بِهِ قَطَمٌ
وَظَلَّ يَعدو وَما بِهِ بَطَرُ
حَتّى إِذا ما مِياهِهِ اِختَلَطَت
بِهِ تَوَلّاهُ بَغتَةً سَكَرُ
مِن بَعدِ تِلكَ الحَياةُ باتَ بِهِ
مَيتاً وَفي البَحرِ يَغرَقُ النَهرُ
بَحرُ الجَليلِ الَّذي شَواطِئُهُ
في كُلِّ شَبرٍ مِن رَحبِها أَثَرُ
غَذا دِماءَ المَسيحِ مَورِدُهُ
وَراقَهُ مِنهُ ريقُهُ النَضِرُ
وَبَينَ أَمواجِهِ وَأَربَعَهُ
كانَت تَجلى آياتِهِ الكِبَرُ
كَم فيهِ لِلكاتِبينَ مِن سَيرٍ
وَكَم نَبيينَ فيهِ تُدَّكَرُ
عيسى حَوارِيُّهُ وَصَفوَتُهُ
وَالناسُ مِن حَولٍ وَعظُهُ زُمَرُ
وَالصائِدونَ الأُلى لَهُ اِتَّبَعوا
هَدى وَذاكَ الشِراعُ مُنتَشِرُ
وَكَفرٌ ناحومَ مَعَ عَجائِبِها
وَمَن بِها آمَنوا وَمَن سَفَروا
وَالمُجدِلُ القَريَةَ الَّتي نَشَأَت
مَريَمَ مِنها وَالطيبُ مُنتَشِرُ
وَالزُهدُ فيهِ الأَفراحُ قَد دَمَجَت
وَالفَقرُ مَعَهُ البَيانُ وَالفَقرُ
وَالخُبزُ تَقرى الأُلوفُ كَسَرتَهُ
وَالمَشيُ فَوقَ المِياهِ مُشتَهِرُ
وَالقَولُ هَذي الفَتاةُ نائِمَةٌ
وَالبِكرُ عَزريلُ نَحوَها بَكَرُ
وَكَم نَبَت بِالسَفينِ عاصِفَةً
وَظَنَّ أَنَّ الرِكابَ قَد غَبَروا
فَسَكَنَ البَحرَ وَهوَ مُضَّطَرِبٌ
مِن بَعدِ ما اِستَصرَخوا وَما جَأَروا
سَجا بِإيماءَةٍ لَهُ وَنَجا
مِن حَملَتِهِ الأَلواحُ وَالدَسَرُ
في ضِفَّتي هَذِهِ البُحَيرَةَ لَو
تُبحِرُ الفِكرُ حارَتِ الفِكرُ
كَم خَبَأَ الدَهرُ في جَوانِبِها
وَكَم رَمى فَوقَ مَوجِها القَدَرُ
ما الأَبحُرُ السَبعُ مِن نَتائِجِها
ما الرومُ ما الهِندُ ثُمَّ ما الخَزَرُ
وَقَومُ موسى لَهُم بِساحَتِها
مَركَعٌ صَدَقَ وَأَدمع غَزَرُ
في طَبَرِيّا مَواقِفٌ حَمَدَت
وَأَرضُها مُقَدَّسٌ وَمُغتَفَرُ
بِها رِجالُ التَلمودِ قَد سَكَنوا
وَجُلَّ آرائَهُم بِها زَبَروا
وَكَم نَبى في ذي البِلادِ قَفا
موسى وَكَم مَرَّ هَهُنا الخَضرُ
يَكفيكَ ما في الأُردُنِّ مِن عَبَرٍ
نَهرٌ عَلَيهِ آباؤُهُم عَبَروا
وَإِن يَحيى عَلى شَواطِئِهِ
بَينَ يَدَيهِ الأَنامِ تَطَهَّرُ
ما القَنجُ ما النَيلُ في جَوانِبِهِ
ما دِجلَةَ ما الفُراتُ يُعتَبَرُ
وَالغورُ بَينَ البَحرَينِ مُنبَسِطٌ
تُسرِحُ فيهِ الجَآذِرُ العُفرُ
لَو طَبَّقَتهُ أَيدي الوَرى عَمَلاً
عضلى فِلَسطينَ فاضَتِ المِيَرُ
قَد كانَ وَالماءُ غابِراً شَرَعا
وَالآنَ ما إِن يَكادُ يَنحَسِرُ
بُحَيرَةُ كُلِّ شَأنِها عَجَبُ
وَهيَ مِنَ الحُسنِ كُلِّها غُرَرُ
لِلَهِ دَرُّ الكَنَدي واصِفُها
كَأَنَّها في نِهارِها قَمَرُ
كانَت تَحُفُّ الجِنانِ دَورَتَها
وَالآنَ تَحتَفُّ دورَها السِدَرُ
مِرآةَ نورٍ مِنَ السُفوحِ لَها
إِطارَ نورٍ لَم تَحكِهِ الأَطَرُ
كَأَنَّها في صَفائِها فَلَكُ
وَفَلكُها فيهِ أَنجُمٌ زَهَرُ
أَجمَدَ بِقَومٍ رَأَوا مَحاسِنَها
يَوماً فَما أَنشَدوا وَلا شَعَروا
عِندَ الشَمالِ الأُردِنِّ وارِدُها
وَفي جَنوبِيَّها لَهُ صَدَرُ
شَريعَةٌ مِنَ مِياهِها ظَهَرَت
وَقَد تَلَتها شَرائِعُ أُخَرُ
عَلَمُ عيسى هُنا شَريعَتَهُ
وَقَومُ موسى تَوراتَهُم فَسَروا
وَفي حُروبِ الصَليبِ قَد رُفِعَت
أَعلامُ دينِ الَّذي نِمتَ مُضَرُ
يا يَومَ حِطينَ كَم حَطَطَت مِنَ الإِ
فرِنجِ شَأَناً ما كانَ يَنكَسِر
هَبّوا مِنَ الغَربِ كَالجَرادِ فَلَم
يَكُن لِشَرقٍ بَردَهُم قُدَرُ
وَاِستَفتَحوا القُدسَ وَالبِلادِ وَلَم
يَعصِ عَلَيهِم بَدوٌ وَلا حَضَرُ
وَهَدَّدوا المَسجِدَ الحَرامِ وَكَم
دَعا مَلَبٍ فيهِ وَمُعتَمِرُ
وَكادَ يَبكي الميزانَ فيهِ دَماً
وَرَقَّ مِمّا أَصابَنا الحَجَرُ
وَنابِتُ المُسلِمينَ داهِيَةً
دَهماءَ قَد عَمَّهُم بِها الذُعرُ
فَكُلُّ كَفٍّ أَصابَها شَلَلُ
وَكَم عَزَمَ أَصابَهُ خورُ
وَكُلُّ جَمعٍ ناواهُم اِنقَلَبَت
فُرسانُهُ وَهيَ لِلظَبيِ جُزُرُ
وَحوصِرَت جَلَّقٌ وَلَو أَخَذَت
لَم تَبقَ مُدنٌ لَنا وَلا مَدَرُ
وَقيلَ دارُ الإِسلامِ قَد حَصَرَت
وَحَفَّ باقي بِلادِهِ الخَطَرُ
ما زالَ مِلءَ القُلوبِ رُعبَهُم
وَلَم يَكُن نافِعاً لَها الحَذَرُ
حَتّى تَوَلّى زَنكي فَنازَلَهُم
وَكانَ مِن شيركو لَهُ وَزرُ
طَليعَةَ النَصرِ في وِلايَةِ نو
رِ الدينِ مَلِكٌ بِالعَدلِ يَأتَزِرُ
مُجاهِدٌ ماهِدٌ بِخُطبَتِهِ
في الفَتحِ وَالعَدلِ سارَت السِيَرُ
تُقِرُّ عَينَ النَبِيِّ سيرَتُهُ
وَيَرتَضي مِثلَ هَديِهِ عُمَرُ
ثُمَّ اِبنُ أَيّوبٍ جاءَهُ خَلَفا
وَلَيسَ إِلّا سُروجِهِ سُرَرُ
مَهَّدَ دارَ المَعزِ فَاِنقَلَبَت
بِيوسُفَ مِصرَ وَهيَ تَفتَخِرُ
لَمّا سَتقامَت لَهُ الأُمورَ وَلَم
يَبقَ رَقيبٌ وَاِنجابَت الغُمَرُ
أَقبَلَ في جَحفَلٍ لَهُ لَجَبُ
يَطلُبُ ثَأرَ الدينِ الَّذي وَتَروا
بِفِتيَةٍ سُمرُهُم إِذا عَشِقوا
سُمرُ صِعادٍ وَبيضُهُم بَتَرُ
غَيرَ طِعانِ النُحورِ ما عَرَفوا
وَغَيرَ جَردِ الخُيولِ ما زَجَروا
أَناخَ في شاطِئِ البُحَيرَةِ إِذ
إِلَيهِ عَن كُلِّ ناجِذٍ كَشَروا
فَقامَ مِن أَرضِهِ لِصَدمِهِم
في السَهلِ مِن لوبِياءَ وَاِشتَجَروا
يَومَ تَلاقى الجَمعانِ وَالتَظَّت ال
هَيجاءُ حَتّى كَأَنَّها سَقَرُ
يَومَ تَلاقى الجَمعانِ وَاِنتَصَبَ ال
ميزانُ رَهنَ اِنحِرافِهِ الظَفَرُ
الشَرقُ وَالغَربُ بَعدَ طولِ وَغى
تَواقَفا وَالبِرازُ مُختَصَرُ
ثَلاثَةً وَالنِزالُ بِينَهُما
نِزالٌ مِن بَعدِ يَومِهِ العُصَرُ
فَأَمطَرَتهُم قَسِيُّ جَيشِ صَلا
حِ الدينِ نُبلاً مِن دونِهِ المَطَرُ
وَدَوا وَقَد أَبصَروهُ عارِضَهُم
لَو سَتَرتُهُم مشن دونِهِ حَفَرُ
كَأَنَّما قَوماً وَقَد وَثَبوا
زَعازِعٌ لِلغُصونِ تَهتَصِرُ
ذاقَ العِدا مِن سُلافِ طَعنِهِم
كَأساً بِغَيرِ العَنقودِ تَختَمِرُ
لَمّا بَدا الأَمرُ غَيرَ ما حَسَبوا
وَالناسُ مِن فَوقِ صَبرِهِم صَبَروا
وَلَوا ظَبى يوسُفَ ظُهورَهُم
تَأخُذُ مِنها فَوقَ الَّذي تَذَرُ
ضَياغِمَ أَجفَلوا وَقَد نَظَروا
حُمرَ المَنايا كَأَنَّهُم حُمرُ
وَأَدبَرَ القُمصَ مَعَ فَوارِسِهِ
ما غَرَّهُ مِثلَ غَيرِهِ الغُرَرُ
لا عَجَبَ أَن نَجا وَحيطَ بِهِ
عادَةً ذي الأَرضِ نَشَرَ مِن قَبروا
مالوا لِحِطّينَ طالِبينَ نَجا
فَلَم يَفِدهُم ضَلعٌ وَلا دَبَرُ
وَأَسفَرَ السَبتَ عِن هَزيمَتِهِم
وَأَصبَحَ المُلكُ ضِمنَ مَن أُسِروا
وَفَوقَ ذاكَ الصَعيدِ نائِمَهُم
كَأَنَّهُ النَخلُ وَهوَ مُنقَعِرُ
وَالهَيكَلِيّونَ مِن قَساوِرِهِم
لَم يَبقَ إِلّا هَياكِلَ دَثِرُ
لَم يَجبَنوا ساعَةً وَإِن خَذِلوا
وَإِنَّما اللَيثُ دونَهُ النَمِرُ
في حَضرَةٍ مِن شُعَيبٍ قَ شَعَبوا
كَذا لَهُم عَن مِزارِهِ زورُ
فَأُزلِفوا نَحوَ يوسُفَ خَضَعاً
رِقابَهُم ناكِساً لَهُم بَصَرُ
تُرهِقَهُم ذِلَّةً وَتَحسَبُهُم
قَوماً سُكارى كَأَنَّهُم حُشِروا
يوسُفَ عَصرٍ صَلاحُ مَملَكَةٍ
بِكُلِّ أَمرٍ لِلبِرِّ مُؤتَمَرُ
أَصبَحَ مُستَحيِياً دِماءَهُم
حَياؤُهُ والخَلائِقُ الزُهرُ
أَبى عَلَيهِ الأَباءُ مَصرَعَهُم
وَعَفَّ إِذ عَفَّ وَهوَ مُقتَدِرُ
عَفواً بِهِ عَمَّهُم وَأَخرَجَ مِن
بِنكَثِهِ السَهلُ ضاقَ وَالوَعرُ
وَفي بِأَرناطَ نَذرُهُ بيدٌ
إِذ طالَما لَم تَحكِ بِهِ النَذرُ
وَقالَ إِذ تَلَّهُ بِصارِمِهِ
ها أَنا ذا لِلنَبِيِّ أَنتَصِرُ
أَزوَجَ بَينَ التَهليلِ مُهجَتَهُ
مَخضوبَةً صارِماً هُوَ الذِكرُ
فَأَصبَحَ المُلكُ وَهوَ مُرتَجِفٌ
ما شَكَّ أَنَّ بِالحُسامِ يَبتَدِرُ
أَبصَرَ جِسمَ البِرِنسَ مُنعَفِراً
فَقالَ إِثرَ البِرِنسِ أَقتَفِرُ
فَأَفرَخَ الرَوعُ مِنهُ ساعَةً إِذ
بُشِّرَ أَن لَن يُصيبِهُ ضَرَرُ
عوقِبَ بِالأَسرِ موقِنٌ بَردي
وَجَلَّ مُلكاً مَعَ العَمى العورُ
قاصِمَةَ الظَهرِ لِلفِرِنجِ غَدَت
وَقعَةَ قَرنى حِطينَ مُذ ظَهَروا
كَأَن عَليا حَطينَ مُبتَدَأٌ
وَكُلُّ فَتحٍ مِن بَعدِها خَبَرُ
حَظُّ اِبنِ أَيّوبَ أَن يَفوزَ بِها
وَاللَهُ مِن خَلقِهِ لَهُ أُثرُ
وَحَظُّ جَيشٍ لِيَ النِداءُ غَدَت
في اللَوحِ مَكتوبَةٌ لَهُ الأَجرُ
قَومٌ أَراحوا الأَقوامَ إِذ تَعِبوا
وَقَد أَناموا الأَنامَ إِذ سَهِروا
بِهِم جُدودَ الإِسلامِ قَد صَعِدَت
مِن بَعدِ ما كانَ أَهلُهُ عَثَروا
وَلِاِبنِ شاذي ذِكرُ شَذاهُ سَرى
في كُلِّ قَطرٍ كَأَنَّهُ القَطرُ
قامَ بِوَجهِ الفِرِنجِ مُنفَرِداً
وَالقَومُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ جَمَروا
حَتّى اِستَرَدَّ البِلادَ أَكثَرَها
وَأَصبَحُ القُدسُ دانٍ وَالصَخرُ
كانَت مِئتُ الحُصونِ تَعصِمُهُم
مَنيعَةً إِذ ثُغورَنا ثَغرُ
مِن كُلِّ حِصنٍ أَماطَ عَرَّتُهُم
بِالسَيفِ لَم يَمشِ نَحوَهُم خَمرُ
وَاِستَعصَمَت صورٌ في مَعاقِلِها
وَكُلُّ طَرفٍ بِهِ لَها صُوَرُ
مَن فَرَطَ ما عَمَّهُم بِرَأفَتِهِ
وَفَلتِهِ فَلَهُم وَقَد كَثَروا
فَاِمتَنَعوا كُلُّهُم بِعَقوَتِها
فَهيَ لَهُم مَلجَاٌ وَمُعتَصِرُ
إِن عيبَ بِالحِلمِ وَالوَفا بَطَلٌ
فَإِنَّهُ خَيرُ ما هَفا البَشَرُ
ما شانَ طولُ الأَنّاةِ في رَجُلٍ
إِن لَم يَكُن شانَ باعَهُ القِصَرُ
قَد كانَ في رِقَّةٍ وَفي جَلَدٍ
كَالسَيفِ في ماءٍ حَدُّهُ الشَرَرُ
جَمرَةَ بِأسٍ ما شابَها وَهَل
غَمرَةَ حِلمٍ ما شابَها كَدَرُ
ما كانَ يَدري مِنَ الوَغى ضَجَراً
وَالكُلُّ في الجانِبَينِ قَد ضَجَروا
حَتّى يَميطَ العُوارُ أَجمَعُهُ
ما هانَ مِن كُلِّ هَمِّهِ العُسرُ
أَمَّن دارَ الإِسلامِ بَعدَ عَنا
كَذَلِكَ الشُهدُ دونَهُ الإِبَرُ
لَم يُلهِهِ عَن ثُغورِ مَملَكَةٍ
ثَغَرَ وَلا ناظِرٌ بِهِ حورُ
وَكانَ مِن حُرمَةِ العَدُوِّ لَهُ
أَنَّ ذِكرُهُ في بِلادِهِم عَطِرُ
تَغدو عِظامُ المُلوكِ واقِفَةً
بِبابِهِ وَهوَ أَعظَمُ نَخرُ
وَيَنحَني حاسِراً بِتُربَتِهِ
رَأسٌ بِأَعلى التيجانِ مُعتَجِرُ
وَالفَضلُ يَحيا مِن بَعدِ صاحِبِهِ
وَالذِكرُ يَبقى وَلَو عُدتَ غَيرُ
وَنَحنُ مِن بَعدِ كُلِّ ذاكَ وَذا
لَم يَبقَ إِلّا الحَديثُ وَالسَمَرُ