أخبار النحويين لأبي طاهر المقرئ/أخبار أبي عثمان المازني

​أخبار النحويين لأبي طاهر المقرئ​ المؤلف أبو طاهر المقرئ


وهو بكر بن محمد من بني مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن كعب بن علي بن بكر بن وائل. وقد كان أشخص إلى الواثق وكان السبب في ذلك أن جارية غنت.

أظليم إن مصابكم رجلاً         أهدى السلام تحية ظلم

فرد بعض الناس عليها نصب رجلاً وظن أنه خبر إن وإنما هو مفعول المصدر ومصابكم في معنى إصابتكم وظلم خبر إنّ فقالت: لا أقبل هذا أو لا أغيره وقد قرأته كذى على أعلم الناس بالبصرة أبي عثمان المازني فتقدم بإحضاره.

قال أبو العباس محمد بن يزيد حدثني المازني قال: لما قدمت سر من رأى دخلت على الخليفة فقال لي: يا مازني من خلفت وراءك؟ فقلت: خلفت يا أمير المؤمنين أخية لي أصغر مني أقيمها مقام الوالد. فقال لي: فما قالت حين خرجت. قلت: طافت حولي وقالت وهي تبكي أقول لك يا أخي كما قالت بنت الأعشى لأبيها:

تقول ابنتي حين جد الرحيل         أرانا سواءٌ ومن قد يتم

أبانا فلا رمت من عندنا         فإنا بخير إذا لم ترم

ترانا إذا أضمرتك البلاد         نُجفى ويقطع فينا الرحم

قال لي: فما قلت لها؟ قال قلت: أقول لك أخية كما قال جرير لابنته:

ثقي بالله ليس له شريك         ومن عند الخليفة بالنجاح

فقال: لا جرم إنها ستنجح. وأمر لي بثلاثين ألف درهم. وفي غير هذه الرواية أنه لما أدخل عليه قال له: بسمك. يريد ما اسمك. قال المازني: وكأنه أراد أن يعلمني معرفته بإبدال الباء مكان الميم في هذه اللغة. فقلت: بكر بن محمد المازني. قال: أمازن شيبان أم مازن تميم؟ قلت: مازن شيبان. فقال: حدثنا، قلت: يا أمير المؤمنين هيبتك تمنعني عن ذلك وقد قال الراجز:

لا تقلواها وادلواها دلوا         إن مع اليوم أخاه غدوا

قال: فسره لنا، قلت: لا تقلواها لا تعنفانها في السير، يقال قلوته إذا سرت به سيراً عنيفاً، ودلوت إذا سرت سيراً رفيقاً، ثم أحضر التوزي فكان في دار الواثق وكان التوزي يقول إن مصابكم رجلٌ ويظن أن مصابكم مفعول به ورجل خبر. فقال المازني: كيف تقول إن ضربك زيداً ظلمٌ. فقال التوزي: حسبي. وفهم.

وكان دِماذ أبو غسان صاحب أبي عبيدة قد قرأ من النحو إلى باب الواو والفاء ومن قول الخليل وأصحابه أن ما بعدها ينتصب بإضمار أن فنبأ فهمه عنه. قال عبد الله بن أبي سعد حدثنا عبد الله بن ماهان المروزي قال حدثنا عبد الله بن جبان النحوي قال كتب دماز إلى المازني:

فكرت في النحو حتى مللت         وأتعبت نفسي له والبدن

وأتعبت بكراً وأًحابه         بطول المسائل في كل فن

فكنت بظاهره عالماً         وكنت بباطنه ذا فطن

خلا أن باباً عليه العفا         للفاء يا ليته لم يكن

وللواو بابٌ إلى جنبه         من المقت أحسبه قد لعن

إذا قلت هاتوا لماذا يقا         ل لست بآتيك أو تأتين

أأجيبوا لما قيل هذا كذا         على النصب قالوا الإضمار أن

فقد كدت يا بكر من طول ما         أفكر في بابه أن أجن

وكان أبو عثمان مع علمه بالنحو متسعاً في الرواية.

أخبرنا أبو بكر السراج قال أبو العباس النحوي محمد بن يزيد قال أخبرنا المازني عن العتبي عن أبيه قال: قال الأحنف بن قيس: الكامل من عدت سقطاته، وأخبرنا أبو بكر قال أخبرنا أبو العباس قال أخبرنا أبو عثمان قال أخبرني أبو الحسن المدائني قال: قيل لامرأة من بني نمير وحضرتها الوفاة: أوصى بثلثك فإن ذاك لك. قالت: وما أوصى وما أوصي بشيء. قيل بل تقربي إلى الله بذلك. قالت: من الذي يقول:

لعمرك ما رماح بني نمير         بطائشة الصدور ولا قِصار

قالوا: زياد الأعجم. قالت: وممن هو؟ قالوا: من عبد القيس. قالت: فثلثي لعبد القيس.

حدثنا أبو مزاحم قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا أبو عثمان المازني قال حدثنا الأصمعي عن عيسى بن عمر قلا: كنا نمشي مع الحسن ومعنا عبد الله بن أبي إسحاق قال فقال: حادثوا هذه النفوس فإنها طلعة ولا تدعوها فتنزح بكم إلى شر غاية. قال: فأخرج عبد الله بن أبي إسحاق ألواحه فكتبها فقال: استفدنا منك يا أبا سعيد طلعة.

حدثنا أبو مزاحم قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثني أبو عثمان المازني قال سمعت أبا زيد يقول: قيل للحسن يا أبا سعيد أيدالِك الرجل امرأته. قال: لا بأس إذا كان ملفجاً. والمفلج المفلس والمدالكة المماطلة.

حدثنا أبو مزاحم قال حدثنا ابن أبي سعد قال حدثنا أبو عثمان المازني حدثنا الأصمعي عن خلف الأحمر قال سمعت رؤبة يقول: ما في القرآن أعرب من قوله: (فاصدع بما تؤمر).

وبهذا الإسناد قال حدثنا أبو عثمان قال حدثني أبو زيد قال سمعت رؤبة قرأ: فأما الزبد فيذهب جفالاً. قال قلت: جفاء قال: لا إنما تجفله الريح أي تقلعه.

وبهذا الإسناد قال حدثنا أبو عثمان قال حدثنا الأصمعي قال سمعت عيسى بن عمر ينشد:

حييت عنا أيها الوجه         ولغيرك البغضاء والنجه

النجه اسوأ الرد.

وبهذا الإسناد قال حدثنا أبو عثمان المازني قال أخبرني أحمد بن عبد الله بن علي السدوسي قال سمعت سعيد بن سلم يقول لأبي زياد الكلابي: هلم أناضلك. قال له أبو زياد: لا محمد لي بتنضال كفاى كالشن البالي. وقال المازني مرة: كفى كالشن البالي.

وبهذا الإسناد قال حدثنا أبو عثمان المازني قال: حدثني عثمان بن ثرمدة رجل من بني ذهل بن ثعلبة قال: شهدت شبيب بن شبة وهو يخطب إلى رجل من الأعراب بعض حرمته فطول وكانت للأعرابي حاجة تنزعه يخاف فوتها فاعترض الأعرابي على شبيب وقال له: يا هذا إن الكلام ليس للمكثر المطنب ولكنه للعقل المصيب وأنا أقول الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين أما بعد فقد أدليت بقرابة وذكرت حقاً وعظمت مرعياً فقولك مسموع وحبلك موصول وبذلك مقبول وقد زوجنا صاحبك على اسم الله.

وقال أبو عثمان سألني الأصمعي عن هذا.

      يا بئر يا بئر بني عدي         ليمخضن جوفك بالدلي
                      حتى تعود أقطع الولي

فقلت حتى تعودي قليباً اقطع الولي كان حقه أن يقول قطعاء الولي لقوله تعودي. وكان عبد الصمد بن المعذل قد وجد من شيء كان أنكره المازني و كلام تكلم به فيه فقال يهجوه وأفحش.

بنت ثمانين بفيها لثغه         شوهاء ورهاء كطين الردغه

ممشوطة لمتها المثمغه         ملوية أصباغها المصمغه

مخضوبة في قمص مصبغه         مثلبة للصاحب منزغه

فيها يعاف الخفرات ميلغه         ملسبةٌ بالناقرات ملدغه

أعارها الغضون منه الوزغه         والظربان كشحه وأزفغه

والديك أحذى الجيد منها النغنغه         ألقت حليساً لي وألقت مردغه

وهامستني بحديث فغفغه         وحلف منها وإفك مغمغه

إنك إن ذقت حمدت الممضغه         فقلت ما هاجك قالت دغدغه

فقلت من أنت فقالت لي دغه         وابني أبو عثمان ذو علم اللغه

فاطوِ حديثي دونه أن يبلغه         هممت أعلو رأسها فأدمغه

فبلغ أبا عثمان فقال: قولوا له الجاهل بم نصبت فأدمغه لو لزمت مجالسة أهل العلم كان أعود عليك.