أذاع منه لسان الدمع ما كتما

أذاعَ منه لسانُ الدَّمعِ ما كتما

​أذاعَ منه لسانُ الدَّمعِ ما كتما​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


أذاعَ منه لسانُ الدَّمعِ ما كتما
لم يبكِ حتى رأى شيباً له ابتسما
لله بالعيد بيضُ الغيدِ نافرةٌ
أهيَ الحمائم شامتْ أشبهاً قَرماً
لا تعجبنّ لدمعٍ بلّ وَجْنَتُهُ
لابدّ للقطرِ من أرضٍ إذا انسجما
صدّتْ سليمى فما تأتي معاتبةً
ولا عتابَ إذا حبلُ الهوى انصرما
وأورثَ الموتَ سرُّ البين حين فشا
عندي وعند حبيبٍ أورَثَ الصمما
ريحانةٌ في لطيفِ الروح قد غُرستْ
لها النسيمُ الذي تُحيي به النّسما
كطينةِ المسك لا تخليكَ من أرجٍ
إذا تنسّمَ ريّاها امرؤ فغما
لها نظيرُ أقاحٍ ما به صدأ
بإسحلٍ زار من أطرافها عنما
لا تنكرِ الظُّلمَ من خودٍ مدلَّلَةٍ
في ظَلمها الدرُّ بالمسواكِ قد ظُلما
يَسمو بها عن صفاتِ العين أنّ لها
عيناً يُسفِّهُ منّا سحُرها الحُلما
وهل لعينٍ مهاةِ الرملِ من سقمٍ
يُهْدِي لكلّ صحيح في الهوى سقما
يا هذه، إنْ أراكِ الدهرُ فيّ بلىً
فجدّةُ الثوبِ تبْلى كلما قدما
إن الشبيبةَ في كفَّيكِ عاريةٌ
فإن وجدت لها رَدّا فلا جَرَما
أصابَ فودي بسهمٍ يا له عجباً
رمى المشيبَ، ومن جُول الطويّ رمى
فشيبُ رأسيَ من قلبي الذي ازدحمتْ
فيه صروف همومٍ تُعثرُ الهمما
كأنَّ سِقْطَ زنادٍ كان أوّلُهُ
لمَا تغذى بِعمري في الوقود نما
وبلدةٍ لطمتْ أيدي القلاصِ بنا
منها وجوهَ قفارٍ بُرْقِعتْ ظُلَما
إذا رميتُ بلحظ العين ساريَها
حسبتُهُ بين أجفانِ الدّجى حُلُما
ساريتُ فيها هداةً خلتُهُمْ ركبوا
رُبدَ النقانقِ فيها أينُقاً رُسما
شقّوا بها جُنحَ ليلٍ أليلٍ رحلوا
عن غُرةِ الصبح من ديجوره غُمما
حادتْ بهم عن بقاع المحل جامحةٌ
ومن بنانِ عليّ زارتِ الدّيما
مملَّكٌ في رُواقِ الملك محتجبٌ
له تبرّجُ نُعمى تغمر الأمما
ترعى سجاياهُ من قُصّاده ذِمماً
وليس يرعى لمالٍ بذلهُ ذِمما
لئن تأخر عنه كلُّ ذي هممٍ
فالله قَدّمَ منه في العلى قدما
تُكاثر القطرَ في الجدوى مكارمه
وهي البحور، فمن ذا يشتكي العدما
إنّ الذي بذلَ الأموالَ ذو هِمَمٍ
سلّ الذكور فصانَ الدينَ والحُرما
ومدّ ظلاً على دينِ الهدى خصراً
لمّا تلظّى حرورُ الكفر واحتدما
لا يقدحُ العفُو في تمكين قدرته
ولا يواقعُ ذنباً كلّما انتقما
ما زال يهشمُ من أسيافه وَرَقاً
من عهد حمير خضرا تحصدُ القِمما
من كلّ برقٍ له بالقَرْعِ صاعقةٌ
على الأعادي بِضَرْبِ القَطْرِ منه رمى
ماءٌ ونارٌ منايا الأُسْدِ بينهما
ما سُلّ للضرب إلاَّ سالَ واضطرما
في كلّ جيشٍ تثير النقعَ ضُمّرُهُ
يا جُنحَ ليلٍ بهيمٍ ظَلّلَ البُهما
من كلّ مُقتحمِ الهيجاء يوقدها
كمسعرِ النار أنّى همّ واعتزما
إن ضاقَ خطوُ عبوس الأسد من جزع
مَشَى إليه فسيحَ الخطو مبتسما
ما الليثُ يرتد للخطيّ في أجَمٍ
إلا كظبي كناسٍ عنده بغما
يا ابن الملوك ذوي الفخر الألى ملكوا
رقّ الزمان وسادوا العُرب والعجما
كم من عُداةٍ وسمتمْ لهمْ
يوماً فشيبَ من ولدانهم لِمما
أصبحتَ في الملك ذا قدرٍ إذا طمحتْ
عينُ المُسامي إليه فاتَها وَسَمَا
إنَّا أُناسٌ بما نُثني عليك به
نُهدي إليك رياضاً نَوّرْتْ كَلِما
من كلّ ناظمِ بيْتٍ لا شبيهَ له
فليس يُنثرُ منه الدهرَ ما نظما
مستغرق الذوق للأسماع يحسبه
من قالبِ السحر منه أُفْرِغَ الحكما
فانعمْ بعيدٍ سعيدٍ قد بسطت له
للمعتقين يميناً تَبْسُطُ النعما