أرأيت طيف خيالها لما سرى

أرأيتَ طيفَ خيالِها لمَا سرَى

​أرأيتَ طيفَ خيالِها لمَا سرَى​ المؤلف عبد الله الخفاجي


أرأيتَ طيفَ خيالِها لمَا سرَى
تَرَكَ الدُّجَا إلاَّ صَبَاحاً مُسْفِرَا
وافَى وقدْ علقَ الرقادُ بهائمٍ
حكمتْ عليهِ همومهُ أنْ يسهرَا
لا تحسدوهُ علَى زيارتهِ فمَا
مَنَحَ الوِصَالَ وَإِنَّمَا مَنَعَ الكَرَى
حظ عرفتَ بهِ فلستُ أذمهُ
وَلَقَدْ يَطُولُ الشَّيء حَتَى يَقْصُرَا
وسجيةٍ في الغدرِ كنتُ أعيبهَا
حتَّى عرفتُ بهَا الصديقَ الأكبرَا
يا صاحبيَّ ومَا وثقتُ بصاحبٍ
إلاَّ تغيرَ وده وتنكرَا
أَرَأَيْتُمَا مِثْلِي يُرَامُ قِيَادُهُ
منْ بعدِ ما نشطَ العقالُ وجرجرَا
ويسامُ أنْ يرضَى الخمولَ وقدْ أبى
إِيْمَاضَ وَجْهِ الصُّبْحِ أَنْ يَتَسَتْرَا
مَا تَنْقِمُ الأَعْدَاء إلاَّ أَنَّني
أندَى يداً منهمْ وأطيبُ عنصرَا
وَمِنَ البَلِيَّةِ في الزَّمَانِ مُعَانِدٌ
يخزيكَ أنْ يعزَى إليكَ ويذكرَا
ما أهونَ الدنيَا إذا نظرَ امرء
فيها وآنَ لحازمٍ أنْ ينظرَا
وأقلُّ ما يجدُ الحريصُ مرادهُ
وَإِذَا أَراحَ فَمَا يَفُوتُ مُقَدَّرَا
منْ مبلغ اللؤماءَ إنَّ ركائبي
وَجَدَتْ مَرَاحاً للإبَاءِ وَمَصْدَرَا
تَرَكَتْ مُقَارَبَةَ الدَنِىِّ وَفَارَقَتْ
مَاءً بِلَوْمِ الوَارِدِيْنَ مُكَدَّرَا
ورأتْ عمادَ الملكِ أكرمَ شيمةٍ
مِنْ أَنْ يُكَّلِفَهَا المَنَاخَ الأَوْعَرَا
مَلِكَ يِذُّمُ مِن الزَّمَانِ فَخَارَةُ
جذلانَ يهزأُ بالقضاءِ إذا جرَى
ومتوج يلقَى العفاةَ بوجههِ
بشراً كما لمعَ السحابُ وأمطرَا
كَالصَّارِمَ الهِنْدِيِّ إِلاَّ أَنَّهُ
أَمْضَى شَباً مِنْهُ وَأَكْرَمُ جوهرا
والليثِ لولا أنهُ يندَى يداً
وَيَلينُ أَخْلاقاً وَيَحْسُنُ مَنْظَرَا
ملأتْ وقائعهُ الطروسُ فلمْ تدعْ
في الأَرْضِ إلاَّ سَائِلاً أَوْ مُخْبِرَا
وَدَعَتْ مَواهِبُهُ العُفَاةَ فَلَمْ تَذَرْ
في النَّاسِ إلاَّ طَالِباً أَوْ مُوْسِرَا
دَامي الأَسِنَّةِ وَالظُبَى فَكَأَنَّمَا
طبعُوا لهُ وردَ الخدودِ الأحمرَا
سَمُّوهُ ذَا الحَسَبَيْنِ لَمَّا قَابَلُوا
في المَجْدِ مِرْدَاساً عَلَيْهِ وَجَعْبَرَا
ولوِ اهتدوْا لرأوهمَا نالا بهِ
شرفاً علَى الشرفِ التليدِ ومفخرَا
قدْ قلتُ للأعداءِ غيرَ مجاملٍ
لهمُ وأعذرَ فيهمْ منْ أنذرَا
أما الثغورُ فإنَّ دونَ مرامهَا
لَيْثاً أَشَمَّ السَّاعِدَيْنِ غَضَنْفَرَا
ألقَى ذراعيهِ وأطرقَ ملبداً
منْ بعدِ ما هجرَ العرينَ وأصحرَا
لا تحملوهُ علَى العقوقِ فتوقظُوا
طَبَّاً بِأدْوَاءَ العُقُوقِ مُكَدَّرَا
جَرَّبْتُمُوهُ مُحَارِبَاً وَمُسَالِمَا
وعرفتموهُ مصمماً ومعذرَا
وَبَلَوْتُمُوهُ فَمَا وَجَدْتُمْ عِنْدَهُ
إلاَّ الصوارمَ والوشيجَ الأسمرَا
وَبَدَتْ لَكُمْ في النَّقْعِ بِيضُ سُيُوفِهِ
فرأيتمُ فيها الحمامَ مصورَا
تلكَ الوقائعُ فيكمُ مشهورةٌ
وَالسَّيْفُ لَيْسَ يَرُوعُ حَتَى يُشْهَرَا
لا تَعْدِ مَنَّكَ أسْرةَ مُضَرِيَّةٌ
نزلتْ بساحتكَ الجنابَ الأخضرَا
كمْ أدركتْ بنداكَ منْ أوطارهَا
خَطَراً وَكَمْ قَرَعَتْ بِسَيْفِكَ مِنْبَرَا
أسعرتَ جمرةَ عامرٍ وهيَ التي
لا تنكرُ الأعداءَ أنْ تتسعَّرا
وَحَمَتْ مَخَافَتُكَ الجَزِيْرَةَ هَيْبَةً
فَكَأَنَّمَا قَادَتْ إِلَيْهَا عَسْكَرَا
وتحيَّر الغزيُّ في ظلمائها
حَتَّى أَضَاء لَهُ النَّهَارُ فَأبْصَرَا
إياكَ أنْ تردَ الفراتَ فإنهُ
مَاءٌ يَعُودُ الجَوْنُ مِنْهُ أَشْقَرَا
فَمَضَى وَمَا وَجَدَ الفِرَارَ دَنِيَّةً
منْ خافَ حدَّ ظباكَ أنْ يتدبرَا
أَوَ لَيْسَ مَحْمُودُ بِنُ نَصْرٍ دُوْنَهُ
فَحَذَارِ إِنْ نَفَعَ امرَأ أَنْ يَحْذَرَا
يا جامعَ الحسناتِ دعوةَ عائذٍ
بنداكَ أدلجَ في رضاكَ وهجرَا
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ جُودَكَ يُقْتَضَى
حتَّى أقول منبهاً ومذكرَا
وَأَخَافُ فِيْكَ مِنْ الوُشَاةِ وَلَمْ تَكُنْ
ممنْ يخافُ عليهِ أنْ يتغيرَا
حاشَا لعدلكَ أنْ ينالَ مطالبِي
قومٌ سبقتهمُ إليكَ تخيرَا
فيكونُ سهمي في الغناء مقدماً
عنهمْ وحظي في العطاءِ مؤخرَا
طلعتْ عليهمْ منْ نداكَ سحابةٌ
تروي البلادَ وما تبلُّ ليَ الثرَى
وسريتُ قبلهمُ إلى إدراكهَا
وبدَا الصباحُ فمَا حمدتُ بهِ السرَى
ولقدْ صبرتُ وكلُّ صبرٍ نعمةٌ
إِلاَّ إِذَا سَرَّ العِدَى أَنْ أَصْبُرَا
وأصبتُ بشركَ دونَ وفركَ إنهُ
ثَمَنٌ يُبَاعُ بِهِ الكِّرَامُ وَيُشْتَرَى
هذَا عتابكَ غيرَ أنَّ وراءهُ
قَلباً أَرَقَ عَلَيْكَ مِنْ أَنْ يَهْجُرَا
فَارْجِعْ إلى الرَّأي الَّذي جَرَّبْتَهُ
فَوَجَدْتَ مَيْمُونَ النَّقِيْبَةِ مُثْمِرَا
وامننْ عليَّ فقدْ قدرتَ وإنمَا
أمسكتُ عنْ نعماكَ حتَّى تقدرَا
واعلمْ بأنِّي ما ذخرتُ نصيحةً
عندي فمالَكَ في الندَى أن تذخُرَا
وَتَهَنَّ باِلعِيْدِ الذي شَرَّفْتَهُ
لمَّا برزتَ مصلياً ومكبِّرَا
وَاسْلَمْ لَهُ وَلِكُلِّ يَومٍ مِثْلِهِ
حَتَى تَقُودَ عِدَاكَ فِيْهِ وَتَنْحَرَا