أرأيت في أثر الغمام الوادق

أرأيت في أثر الغمام الوادق

​أرأيت في أثر الغمام الوادق​ المؤلف جبران خليل جبران


أرأيت في أثر الغمام الوادق
جري العيون بدمعهن الدافق
هي ديمة خرساء ألقت درها
وكأن ما ألقته حمر صواعق
لم ينأ عن مرمى لظاها ناطق
بالضاد بين مغارب ومشارق
ماذا جناه ولم يكن متوقعا
قدر تغير في قصار دقائق
فجع الكنانة بابنها وبسيفها
وبرأيها في الموقف المتضايق
هيهات تهجع والخطوب حيالها
يقظى تقوض كل رأس شاهق
وتلج في حصد الشباب وما بها
رفق بمحتلم ولا بمراهق
فتياناه هم ذخرها وعتادها
وأشعة الصبح الجديد الشارق
أتظل كالأم الثكول مروعة
ببوائق تنقض إثر بوائق
حسنين إن يبعد فليس مفارقا
ما كل غائب صورة بمفارق
أني افتقدت وجدت في آثاره
ذكرى تضوع كالأريج العابق
علم وتقوى جناهما
حلوا على قدر المنى للذائق
أدب كما يهواه أرباب الحجى
وفصاحة ليست بذات شقائق
جود بلا من يكدر صفوه
والمن يكره لو أتى من رازق
بأس وما أحلاه في متكرم
عن لوثة المتصلف المتحامق
وصلابة تهوى لما ازدانت به
من ناعمات في الخلال رقائق
طلب المعالي في اقتبال شبابه
وأتى الفري بمبدعات طرائق
بالرأي أو بالبأس أو بكليهما
يدني البعيد ولا يعاق بعائق
في كل شوط لملهارة والحجى
يشأو الرفاق وما له من لاحق
ألسيف أشرف لهوه وأحبه
والسيف لا يأبى مرانة حاذق
يعتده حيث الزمان مسالم
ليكف من غرب الزمان الحالق
هو إلفه وحليفه لكنه
للزهو لم ينط النجاد بعاتق
جاب الصحارى الموحشات يروعها
من ذلك الإنسي أول طارق
يرتادها بذكائه ودهائه
وكأنه يرتادها بفيالق
فأصاب باستكشافه واحاتها
فتحا عزيزا خلد اسم السابق
ورمى العنان بذات أجنحة على
كره تذل لقائد أو سائق
تقع القشاعم دونها وتمر في
هوج العواصف كالشهاب المارق
أيحافها وهو المراغم للردى
حتى يوافيه بحيلة سارق
بين الثقافة والرياضة لم يزل
في سيره المتخالف المتوافق
حتى إذا رمقته عين مليكه
لشمائل اكتملت به وخلائق
أدناه مختصا به فوفى له
بفؤاد شهم لا لسان مماذق
مستمسكا بولائه متجشما
عنتا ولم يك ذرعه بالضائق
ويلي المناصب لم يكابد دونها
حرق المشوق ولا هوان العاشق
يقضي حقوقا للبلاد وأهلها
منها ولا يقضي لبانة عالق
ويزيد مرهقة الفروض نوافلا
من سد خلات ونفع خلائق
في المعضلات يرى بثاقب رأيه
ما غيبته من وجوه حقائق
فيسير لا حذرا ولا مترددا
ويبث بث المطمئن الواثق
هل يستوي متطلع من مستوى
لا أفق فيه وناظر من حالق
ما اسطاع يصطنع الجميل ولم يرق
في عينه غير الأنيق الرائق
ورعى الأولى قدروا الجمال فبرزوا
بفنونهم من صامت أو ناطق
فبجاهه وبنصحه وببره
نصر النفيس على الخسيس النافق
ورعى رياضات تنشيء فتية
سمحاء أخلاق حماة حقائق
أللهو ظاهرها وفي توجيهها
كم من منافع للحمى ومرافق
ماذا أرانا في رفيع مقامه
من كل معنى في الرجولة شائق
حتى قضى الأيام لا يلقى بها
إلا تجلة مكبر أو وامق
تجلو القلادة صورة في جيده
لفضائل كجمانها المتناسق
هذا فقيد ملكيه وبلاده
وشهيد إخلاص الوفي الصادق
يا وافدين ليشهدوا تأبينه
من أولياء وأصفياء أصادق
ومن الشباب الصيد في الفرق التي
عنها ضحا ظل اللواء الخافق
أتعاد بالذكرى مآثره وما
يحصني بين جلائل ودقائق
من مسعد الخطباء والشعراء أن
يرقوا إليها بالثناء اللائق
في الشرق آفاق ترددها فما
جدران دار أو ستور سرادق
فاروق يا فخرا لأمته إذا
عد الملوك من الطراز الفائق
دم سالما وفداك أهدى رائد
وأبر مؤتمن وخير مرافق
ما كان أفدح رزءه بنواه عن
مولاه لو لم يلق وجه الخالق