أراك مستعجـلا يا حادي الإبـل

أراكَ مُستعجـلاً يا حاديَ الإبـلِ

​أراكَ مُستعجـلاً يا حاديَ الإبـلِ​ المؤلف الباخرزي


أراكَ مُستعجـلاً يا حاديَ الإبـلِ
فاصبرو إن خُلِقَ الانسانُ من عَجَلِ
واقرَ السلامَ على غمرٍ تحلُّ بهِ
من ماءِ عَيني ولا تقرأ على الوشَلِ
وإن نظرتَ إلى العيسِ التي قَلقـتْ
للظاعنينَ فلا تسكن إلى عذل
أجني وأحتالُ في تزويرِ معذرةٍ
والعجزُ للمرءِ ليسَ العجزُ للحِيَلِ
وقفتُ والشوقُ يبليني على طللٍ
كأنّني طَللٌ بـالٍ على جملِ
سرّحتُ في جوِّها الأنفاسَ فالتقطت
نسيمَ ريّـا وأهدتْـهُ إلى عِلَـلي
أرض مكرمة لم يؤذِ تربتها
إلاّ تَسَحّبُ أذيـالٍ منَ الحلـلِ
شتى اللغاتِ فقل في هاتف غردٍ
أو صاهلٍ جَرِسٍ أو باغمٍ غـزِلِ
ما زالَ مِنها قلوبُ النـاسِ عاثرةً
من لطخِ غاليةِ الأصداغِ في وَحَلِ
شيدت عليها قبابُ الحي فاتقدت
أن البقاعَ لها قسطٌ منَ الدولِ
إذا الغبارُ مـنَ الفُرسانِ سارَ بِهـا
قالوا: أتشكرُ نعماهُ؟ فقلتُ: أجلْ
دار التي حليت بالحسنِ عاطلة
فوسْوسَ الحليُّ من غيظٍ عـلى العطلِ
بيضاء مُرهفة سُلّـتْ على كبدي
وأغمدت من سجوفِ الخزِّ في كلل
كالظبي لولا اعتلالٌ في نواظرها
والظبيُ لا يشتكي من عارضِ العِللِ
وقد يقالُ لمصْحاحِ الرِّجالِ به
داءُ الظباء، كذا يروونَ في المثلِ
شفاهُها كيفَ لا تَخلو وقد خَزنت
ذخيرةَ النحـلِ في أُنقوعةِ العَسلِ
ينالُ مَن يَشتهي مـاءَ الحياة بهـا
ما كان مِن قَبلُ ذو القَرنينِ لم يَنَلِ
كم طافَ بي طيفها والأفقُ مستترٌ
بذيلِ سجفٍ منَ الظلماءِ منسدلِ
أنى تيسرَ مسراها وقد رسفت
من الذوائب طولَ الليلِ في شكلِ
وكيف خفت إلى المشتاق نهضتها
والثقلُ يقعدها من جانب الكفلِ
تأوي إلى حفرةِ الكدري آونة
وتارةً تَرتقي في سُلّم الحِيَلِ
لمّا أحسّتْ بأسفارِ النّوى ونأتْ
عني بحرِّ حشاً يخيفهِ بردُ حلي
يا حبّذا هو من ضيفٍ وهبتُ له
سمعي وعيني إبدالاً من النزلِ
وأزعجتها دواعي البينِ وانكمشت
تَسري وفي مُقلتيها فَتْرةُ الكسَلِ
فرشت خدَّي لِمَمْشاها وقلتُ لها:
أخشى عليك الطريقَ الوعرَ فانتعَلي
سَقياً لها ولركب رُزَّحٍ نَفَضوا
باقيها نطوعَ الأينقِ الذللِ
جابُوا الفلاةَ وأغرتْهم بها هِمَمٌ
خلقنَ كلا على السفارِ والرحلِ
فجاوزوا كنسَ آرامٍ يحصنها
ضراغمُ الروعِ في غابِ القنا الذبلِ
من بعدِ ما كبوا ملكَ المطيةِ في
بحرِ السرابِ وحثوها بلا مهلِ
أعجب بفلكٍ لها روحٌ يغرقها
مخاضة الآلِ في مـاءٍ بلا بَلَـلِ
والجَدُّ نُهزةُ ذي جدٍّ يطيرُ إلى الْـ
أَكوارِ عندَ وقوعِ الحادثِ الجَلَلِ
يَغشى الفَلا والفَيافي والمطيُّ لهـا
ضربانِ من هَزَجٍ فيهـا ومن رَمَلِ
حتى تُقَرِّبَ أطنـابَ الخيـامِ إلى
منجى اللهيفِ وملجا الخائفِ الوجلِ
فتى محمد الراوي المكارمَ من
عيسى أبي الحسنِ الشيخِ العميدِ علي
فمن زمامٍ إلى مغناهُ منعطفٍ
ومن عنانٍ إلى مأواهُ منفتلِ
آثارهُ نسخت أخبارَ من سلفوا
نسخَ الشّريعةِ للأديـانِ والمِلَلِ
يولي الجميلَ وصرفُ الدهر يقبضُ من
يديهِ والفحلُ يحمي وهو في العقلِ
تصرفت سائلوهُ في مواهبهٍ
تصرفَ النفرِالغازينَ في النفلِ
أردتُ أُحصي ثنايـاهُ فغالطَـني
وقال: أحصِ ثناء الرائحِ الزجلِ
كذا ابنُ عمرانَ نادى ربهُ: أرني
أنظر إليك، فقالَ: انظر إلى الجبلِ
إن خط خاطَ على قرطاسه حللاً
يُهدي بهِ الوشيَ للأحيـاءِ والحِللِ
وإن ترسلَ أدى سحرهُ خدعاً
يصفي إليهنَّ سمعُ الأعصمِ الوعلِ
وإن تكلَّم زلَّ الدرُّ عن فمِهِ
في حجره وهو معصومٌ عن الزللِ
وإن تقلّدَ من ذي إمـرةٍ عمـلاً
وجدتَهُ علمـاً في ذلـك العمَلِ
وإن تفحّصَ أحوالَ النّجومِ درى
ما حم من أجلٍ في الغيبِ أو أملِ
كأنّهُ شعـرةٌ في لقمـةِ الخَجِلِ
لو مُد لي طوَلٌ مُرخىً منَ الأجَلِ
وما نسيتُ ولا أنسى اعتصامي من
جواره بُعراً الأسبابِ والوُصَـلِ
إذا التقيتُ بهِ في موقفٍ شرقت
منه الشعابُ بسيلِ الخيلِ والخولِ
ولم أكن عالماً قبلَ الحلولِ بهِ
أنيَّ أرى رجلاً في بُردَتَيْ رَجُلِ
يا ضائراً نافعاً إن ثـارَ هائِجُـهُ
أسالَ مهجةَ أقوامٍ على الأسَلِ
يُذيقُهم تـارةً من خُلقهِ عَسَلاً
حلواً وطوراً يديفُ السمَّ في العَسَلِ
خذْها أبـا حَسَنٍ غـراءَ فائقـةً
وَلَتْ وجوهَ الملوكِ الصيِّدِ من قبلي
أكثرتُ فيهـا ولم أهجرْ بلاغتَـهُ
وليسَ كثرةُ تكثـيري من الفَشَلِ
إذا تمنت سواها أن تضاهيها
خابَت وما النّجَلُ الموْموقُ كالحوَلِ
أفادَها خاطري بـينَ الورى خطراً
وصاغها خلدي من غيرِ ما خللِ
وينشقُ الورد منها كلُّ منغمسٍ
في اللهوِ نَشوانَ في ظلِّ الصبا جذلِ