أعاذل حسب المرء بالشيب عاذلا
أعاذل حسب المرء بالشيب عاذلا
أعاذل حسبُ المرء بالشيب عاذلا
وأفحشُ جهلٍ أن يُرى الكهل جاهلا
أعاذل قد أمضيتُ في اللهو والصبا
طويلاً فلم يُكسبنيَ اللهوُ طائلا
أكلتُ ثمارَ الدهر والدهرُ آكِلٌ
حياتي وأغضبتُ الذي ليس غافلا
وما الوقت إلا كالمودع إنما
تراه بما فيه من الحال زائلا
كأن لم يكن غصنُ الشباب إذا انثنى
يُغازِل بالشكل الغزالَ المُغازِلا
كأنيَ لم أنفث رُقى السِّحر في التي
لواحظُها عَطّلنَ بالسحر بابلا
كأن لم أُجامِل في هوىً مَن جمالها
ليعلم مَن يُبلى بها أن يُجامِلا
لقد أقصرت فيها العواذلُ إذ بدت
مَحاسِنُ قد أخرَسنَ حتّى العواذِلا
فما جُرِّدَت إلا تسربلَ جسمُها
غلائلَ نورٍ حين تنضو الغلائلا
أعيش بها عن كلِّ عضوٍ بمسها
وتجعل أعضائي جميعاً مقاتلا
وفي العَين لاهُوتيّةٌ جوهريّةٌ
بها صار مَحيايَ وللنفس قاتلا
مَهابَتُها تَثني دموعي عن البكا
وتنسينيَ الشكوى فأبهَت ذاهِلا
ومَن يُحي نفساً بالذي فيه موتُها
قديرٌ على أن يجعل الحقَّ باطلا
لقد خذل السلوانُ قلبي لأنه
تأمّل خصراً للرَّوادف حامِلا
هنالك صار الصبرُ منفصمَ العُرا
كما فصمت ساقُ الحبيب الخَلاخِلا
فهذا نحولي شاهدٌ لي بأنَّ لي
فؤاداً من الشوق المبرِّح ناحلا
لأنَّ رياحَ الشوق هبّت شمائلاً
فغادَرنَ أغصانَ الحياة ذَوابِلا
إذا شاكل العشّاقُ وجدي بوجدهم
فقد يئسوا أن لا يروا لي مُشاكلا
كذا مَن تحلّى بالعلوم محقّقاً
تراه لدى القاضي التّنوخي عاطلا
رأيتُ رجالاً لا يُرَامُ كمالُهُم
ولم أرَ كالقاضي التنوخيِّ كاملا
إذا استنبط القومُ العلومَ تشاجَروا
وأوضح برهان العقول الدلائلا
أطلَّ على فصل الخطاب بمنطقٍ
إذا جَدَّ في المعنى أصاب المقاتلا
يُقيِّد ألفاظَ الألدِّ بلفظِهِ
ويفضُل بالحقِّ المبين المُفاضِلا
فيشفي قلوبَ السائلينَ مُجاوباً
كما يختم الأفواه إن كانَ سائلا
يخوض بلُجِّ العلم غيرَ مشمِّرٍ
عن السّاقِ حتّى يُحسَبَ اللُّجُّ شائلا
فلو شاجَرَته ألسنُ الناس كلهم
دِراكاً وعى فهماً وأفهَمَ قائلا
ويدرك ما قالوا جميعاً فُجاءَةً
ويبدؤهم بالمشكلات مُقابلا
إذا هو حاجى ذا الحِجا بَصَّرَ الهدى
وأنت تراه مُرشِداً لا مُخاتِلا
لذاك تُرى في الناس أيّامُ حكمِهِ
تُبيِّضُ من إشراقهنَّ الأصائلا
جلا ظلماتِ الظُّلم نورُ قضائه
فصيَّر شملَ العدل في الناس شاملا
إذا ما قضاياه تخللن ظلمةً
توقَّدن إذ قد كُنَّ فيها قنادلا
إذا ما أراد اللَهُ خيراً لمعشرٍ
يولِّي عليهم ثاقب الرأي عامِلا
لقد سرَّ أهلَ السرِّ تجديدُ عهده
كما سرَّ ميلادُ الغلام القَوابِلا
به أوضح السلطان يقظةَ رأيه
وإن كان عمّا غير ذلك غافلا
تَداركَ منهم أصلَ صر تحمَّلوا
على الضرِّ حتى لم يطيقوا التحامُلا
فأبدأهم بالطلِّ ميسور فضلهِ
وأتبعَهم في عُقبَةِ الطلِّ وابلا
به بسط الرحمنُ في الخلق رحمةً
وخصَّ اليتامى منهمُ والأرامِلا
عن العقل فاسأل لا عن العلم واتبع
فقد أكمل الخيرات من كان عاقلا
وذو العقل من يبغي النجاةَ لنفسه
ويخلص بالتفضيل من كان قابلا
فيا من أحلَّته تنوخُ بنجوةٍ
لأنَّ له فيها سناماً وكاهلا
لئن أنتَ جرَّدتَ العزيمةَ في العلا
لقد جردت فيها تنوخُ المعابلا
وإن تفضل الحكامَ علماً وسؤدداً
فقد فضلت قدماً تنوخُ القبائلا
قسمتَ العطايا إذ كُنيتَ بقاسمٍ
لأنك تُكنى بالذي ظلتَ فاعِلا
فلم أر ميلاً منك عن صدق كنية
كُنيتَ بها مما يقسّم مايلا
لعمري لئن سمَّوا أباك محمداً
وأنت عليّاً قد أصابوا الشواكلا
هما اسمان شُقَّا من علاً ومحامدٍ
رأوا فيكما منها قديماً مخائلا
فراسة أنجابٍ رأوها دقائقاً
فلما أتى التصديق صارت جلائلا
جواهر أصلٍ كُنَّ فيكم معادِناً
فهذَّبتها حتى يُرينَ شمائلا
كذي جوهرٍ راز المعادن كلَّها
بتهذيبها كي تستتمَّ الفضائلا
كذلك تأثير المغارس في الثرى
يزكِّي وينمي في الفُروع الأماثلا
كذا السيف من سنخ الحديد فرنده
وإن يُجتلى حتى يكدَّ الصياقلا
فيومُك بالحسنى يساجل أمسه
إذا لم تجد في المكرمات مساجلا
جمعت قلوبَ الناس فيك على الرضا
وحمَّلت بالذكر الجميل المحاملا
فلا زلتَ في شكر المزيد فلا يُرى
من الفضل والإحسان ربعُك حائلا