أعلمت من فجعت به تلك العلى

أَعَلِمتَ مَن فَجِعَت بِهِ تِلكَ العُلى

​أَعَلِمتَ مَن فَجِعَت بِهِ تِلكَ العُلى​ المؤلف شكيب أرسلان


أَعَلِمتَ مَن فَجِعَت بِهِ تِلكَ العُلى
وَسَأَلتُ أَيَّ رِجالِها صَدعُ البِلا
حَتّى اِكتَسَت ثَوبَ السَوادِ لِفَقدِهِ
وَتَناوَحَت بِالنَدبِ نوحاً ثَكلا
وَعَرَفتُ مِن لُبنانَ أَيَّ شُويخِهِ
غالَ الرَدى حَتّى أَميلَ وَزَلزَلا
مَن كانَ أَسبَقَ قَومُهُ فَضلاً وَمَن
قَد كانض صَدرُ ذَوي المَآثِرِ مَحفَلا
مَن كانَ نَبلُ القَصدِ في أَعمالِهِ
شَرعاً وَكانَ القَصدُ فيهِ مَنهِلا
مَن كانَ أَمضى هِمَّةَ مَن صارَمَ
في كَفٍّ مَختَرِطٍ وَأَفتَكَ مَقتَلا
مَن كانَ في عَزَماتِهِ في جَحفَلٍ
أَمسى يَفَلُّ مِنَ الحَديدِ الجَحفَلا
مَن كانَ في حَزمِ النُهى في حَزمَةٍ
تَزري مَطاعِنُها الرِماحُ الذُبُلا
سَبَقَ الرِجالَ إِلى المَآثِرَ فَاِعتَلى
شَرَفاً وَبَرَّزَ مَجدُهُ فَتَأَثَّلا
وَقَضى زَماناً بِالسَدادِ وَرَأَيِهِ
في الفِقهِ لا يَرتَدُّ إِلّا فَيصَلا
وَقَضى حُقوقَ المَجدِ إِذ لَم يَعتَزِل
إِلّا وَقَد بَلَغَ السِماكَ الأَعزَلا
حَتّى قَضى وَالمَوتُ فينا سَنَةً
وَسُيوفُ مَدرَجِهِ رَواتِعٌ في الطَلا
جارَ القَضاءَ عَلى القَضاءِ بِمَوتِهِ
لَو لَم يَكُن بَينَ الخَلائِقِ مَنزِلا
فَهوَ الَّذي أَحيى رُسومَ الشَرعِ في
لُبنانَ تَنسِفُ سوحَهُ أَيدي البَلا
وَهوَ الَّذي في ما مَضى غَرسَ المُنى
فَجَناهُ أَهلُ زَمانِهِ مُستَقبَلا
عَمَّت فَواضِلُهُ البِلادَ كَأَنَّما
قَد كانَ مِنها بِالفَلاحِ موكِلا
رَنَّ الزَمانث بِذِكرِهِ وَبِفَضلِهِ
حَفَلتُ مَغاني العِلمِ وَاِمتَلَأَ المَلا
هُوَ راجِحُ العَقلِ الَّذي مِن عَقلِهِ
وَثَباتِهِ بِنتَ الحَصافَةِ مَعقِلا
رَبُّ البَيانِ البَيِّنُ اللَسنِ الَّذي
قَد كانَ أَذلَقَ مِن سِنانِ مِقوَلا
رَحبُ الذِراعِ إِذا الجِدال تَدافَعَت
أَفواجُهُ تُركُ الخَصيمِ مُجَدَّلا
ما كانَ يَقصِرُ في السَماحِ تَفَضُّلا
يَمتاحُ مِنهُ وَلا يُرَدُّ مُؤَمِّلا
يا قاضِياً باتَ القَضا مِن بَعدِهِ
يَبكي وَجيدُ المَكرُماتِ مُعطِلا
مضن عاشَ دَهراً لا يَشُقُّ غُبارُهُ
فَضلاً وَكانَ بِنارِهِ لا يَصطَلي
وَلَّيتُ عَن دارِ الفَناءِ إِلى البَقا
فَوَلَّيتُ في الدارَينِ وَضّاحَ الوَلا
وَالناسُ رَكبٌ سائِرونَ بِمَهيَعِ
لِلمَوتِ يَتَّبِعِ الأَخيرَ الأَولا
يَسعونَ لِلأَخرى وَتِلكَ حَقيقَةٌ
مُذ كُوِّنَت هَذي مَجازاً مُرسَلا
وَالمَرءُ رَهنُ كَوارِثٍ ما تَنقَضي
تَلقى عَلَيهِ كُلَّ يَومٍ كَلكَلا
وَالنَفسُ تَملَأُ جِسمُهُ فَإِذا مَضَت
وَجَدَت مَضيقَ لَهاتِهِ مُتَسَهِّلا
لا تَخدَعُ الدُنيا اللَبيبَ فَكُلُّنا
بِتنا عَلى حُكمِ المَنِيَّةِ نَزَّلا
فَاِذهَب عَلَيكَ مِنَ الإِلَهِ تَحِيَّةً
تَجَنّى بِها ثَمَرُ النَعيمِ مُعَلِّلا
تُحدى السَحائِبُ في السَماحَتي إِذا
بَلَغَت ثَرى مَثواكَ سَحَّت هُطَّلا