أغائر دمعك أم منجد

أغائرٌ دمعك أم منجدُ

​أغائرٌ دمعك أم منجدُ​ المؤلف حيدر بن سليمان الحلي


أغائرٌ دمعك أم منجدُ
قد رحل الصبرُ ولا منجدُ
يا رابط الأحشاء في راحةٍ
قد نضجت بالجمر ما تقصد
لا تلتمسْ قلبك في جذوةٍ
ما بقيتْ منكَ عليها يد
أخلت يبقى لك قلبٌ على
فاغرة الوجد ولا يفقد
وإنَّ قلباً بين أنيابها
طاح شظاياً كيف لا يزرد
حسبك منها زفرةً لو غدتْ
في جلدٍ منها نزا الجلد
كم هزَّ أضاعَك من فوقها
حتى تلاقين جوىً مكمد
فساقطت منك الحشا أدمعاً
حمراً على ذوب الحشا تشهد
لو تعلم الأيامُ ماذا جنت
إذاً لودَّت أنها تنفد
لقد أجلَّت رزء خطبٍ لها
في كل قلبٍ مأتماً يُعقد
إذ كوّرت شمساً، بنو المصطفى
فيها ترجَّوا أفقَهم يسعدُ
اللهَ يا دهرُ أبيناهمُ
في زهو بشرٍ للعدى تكمد؟
وبينما في فرط إبهاجهم
فيها لأثواب الهنا جدَّدوا؟
وكلُّهم قد مد عينَ الرجا
لفرقد الفخر بها يرصد؟
إذ يردُ الناعي إليهم بأن
جاء "ابن نعشٍ" ذلك الفرقد
فيغتدي ذاك الهنا حنَّةً
فرائضُ الدنيا لها ترعد
نعشٌ أتى يُحمل فيه النهى
ميتاً عليه يندب السؤدد
وخلفه العلياءُ في صرخةٍ
تدعو إلى أين به يقصد؟
يا حاملي إنسانَ عيني قفوا
نشدتُكم بالله لا تبعدوا
دعوه لي حسبي لتجهيزه
عينٌ عليه طرفُها أرمد
دموعها الغسلُ وأكفانه الـ
ـبياضُ، والجفنُ له ملحد
غدرتَ يا دهرُ ومنك الوفا
لا الغدرُ بالأمجاد مستبعد
فاذهب ذميماً إنها غدرةٌ
وجهك ما عشتَ بها أسود
ما لك بالسوء لأهل الحجى
وردتَ لا طاب لك المورد
يا ناهداً بالشرِّ من جهله
تعلمُ بالشر لمن تنهد
وطارقاً بيتَ ندىً يلتقى
ببابه المتهمُ والمنجد
حسبك من بيتٍ عتيد القِرى
أن له أفق السما يحسد
تخمد شهبُ الأفق لكن به
مواقدُ النيران لا تخمد
سواه ما للمجد من مهبط
وما لذمٍّ نحوه مصعد
فمقعداه للتقى والندى
وحاجباه العزُّ والسؤدد
ألم تجده حرماً آمناً
يحجُّه الأبيضُ والأسود؟
فكيف تسعى فيه لا محرماً؟
كأنما أنتَ به ملحد
ما هو إلا بيتُ فخرٍ له
قبيلةُ المعروف قد شيدوا
بيتٌ أبو الندب الرضا ربه
أكرمُ مَن تحت السما يُقصد
مولىً درت أهلُ العُلى أنه
دون الأنام العلمُ المفرد
وأنه لولا هداه الورى
ضلَّت فلا رشدٌ ولا مرشد
وأنه لولا ندى كفه
لم يُرَ لا رفدٌ ولا مرفد
تلقاه طلقَ الوجه من هيبةٍ
يفرق منها الأسد الملبد
محببٌ من حسن أخلاقه
حتى إلى مَن مجدُه يحسد
ما سهدت من خائفٍ مقلةٌ
إلا وبالأمن لها يرقد
من ذا سواه قام يدعو الورى:
دونكم من بحر جودي ردوا
ومدَّ كفاً بغريب الندى
آلاؤها بين الورى تحمد
بخَّلت المزن ففي بخلها
حلائبُ المزن لها تشهد
تبصر في راحته أبحراً
طافحةً أمواهها العسجد
أسرَّة تُسمى ولكنّها
بحارُ جود بالندى تزبد
فهو لعمري حجةٌ في الندى
وآيةٌ في الفضل لا تجحد
قد قام لله بما بعضه
لكلّ أمجاد الورى معقد
مكارمٌ ما لكريمٍ سوى
عبد الكريم الندب فيها يد
ذاك أبو الكاظم غيثُ الندى
تربُ المعالي نجمها الأسعد
أين بنو العلياءِ من مجده؟
ومجدُه ما ناله الفرقد
فقل لهم: لا تطلبوا نهجَ مَن
لطُرقه في المجد لن تهتدوا
قفوا جميعاً حيثُ أنتم فما
لكم إلى عليائه مصعدُ
هيهات أن يعلق في شأوه
إلا "الرضا" فرع العلى الأمجد
مباركُ الطلعة في يمنها
جميعُ مَن صبَّحه يسعد
يرى سمات الخير في ماله
بأنه خيرُ الورى تشهد
مهذّبٌ رشحه للعُلى
زعيمها الأكبرُ والسيِّد
فجاء فرداً في النهى كاملاً
يُثنى عليه الفضلُ والمحمد
شمسُ عُلىً «هادٍ» لآفاقها
بدرٌ له بدرُ السما يسجد
وشهبُها الزهر "حسين" الندى
من طاب منه في العُلى المولد
وفخر أرباب النهى "المصطفى "
من هو أزكى من نما محتد
وكوكب الرشد "أمينُ" التقى
و«كاظمُ» الغيظ الفتى الأمجد
و«باقرُ» الفضل وروحُ العلى
"عيسى " فهل فخرٌ كذا يوجد؟
قومٌ هم شهبُ الفخار التي
منها بكلٍ ترجم الحسَّد
أنجمُ فضلٍ زهرتْ فاهتدى
بنورها الأقربُ والأبعد
حتى لقد قال جميع الورى:
هذا لعمري الشرف المتلد
يا أسرةَ المعروف لا نابكم
من بعد هذا الرزء ما يكمد
وهذه النكبة معْ أنها
فيها ثوابُ الصبر لا ينفد
لا يحمد الصبر على مثلها
لكنَّه من مثلكم يُحمد
وإنَّ من عنكم طواه الردى
في جنَّة الخلد له مقعد
قرَّ بها الطرفُ وطرف العلى
شوقاً إلى مرآه لا يرقد
ودمعُ عين المجد مذ أرخوا
المهدي فيها غاب لا يجمد
فعيشه في ظلِّ فردوسها
تالله أرخ لهَوَ الأرغد