أقطرات أدمعي لا تجمدي

أقطراتِ أدمعي لا تجمدي

​أقطراتِ أدمعي لا تجمدي​ المؤلف صفي الدين الحلي


أقطراتِ أدمعي لا تجمدي،
ويا شواظَ أضلعي لا تخمدي
ويا عيوني السّاهراتِ بعدَهم،
إن لم يَعُدْك طيفُهم لا ترقُدي
ويا سيوفَ لحظِ من أحببتُه
جهدَك عن سفك دمي لا تُغمدي
ويا غوادي عَبرَتي تَحَدّري،
ويا بوادي زفرتي تصعدي
فقد أذلتُ أدمعي، ولم أقُل
إن يُحمَ عن عَيني البكا تجَلّدي
أنا الذي ملّكتُ سلطانَ الهوَى
رقّي، وأعطيتُ الغرامَ مِقوَدي
ما إن أزالُ هائِماً بغادَةٍ
تسبي العقولَ، أو غزالٍ أغيدِ
فهوَ الذي قد نامَ عنّي لاهِياً،
لمّا رَماني بالمُقيمِ المُقعِدِ
مُوَلَّدُ التركِ، وكم من كمدٍ
مولَّدٍ من ذلكَ المولَّدِ
معتدلُ القدّ عليهِ كُمّةٌ،
فَهوَ بها كالألفِ المُشَدَّدِ
قالَ المَجوسُ إنّ نورَ نارِهم
لو لم تُشابِهْ خَدّهُ لم تُعبَدِ
يريكَ من عارضِهِ وفرقِه
ضدّينِ قد زادا غليلَ جسدي
فذاكَ خَطٌّ أسوَدٌ في أبيَضٍ؛
وذاكَ خطٌّ أبيَضٌ في أسوَدِ
للهِ أياماً مضتْ في قربِه،
والدهرُ منهُ بالوصالِ مسعدي
ونحنُ في وادي حماةَ في حمّى
بهِ حَلَلنا فوقَ فرقِ الفَرقَدِ
فحبذا العاصي وطيبُ شعبِه،
ومائِهِ المُسلسلِ المُجَعَّدِ
والفُلْكُ فوقَ لُجّهِ كأنّها
عقاربٌ تدبُّ فوقَ مبردِ
وناجمُ الأزهار من مُنظَّمٍ
على شَواطيهِ، ومن منضَّدِ
من زهرٍ مفتحٍ، أو غصنٍ
مرَنَّحٍ، أو طائرٍ مغرِّدِ
والورقُ من فوقِ الغصون قد حكتْ
بشَدوِها المُطرِب صوتَ مَعَبَدِ
كأنّما تنشرُ فضلَ الملكِ الـ
ـأفضلِ نجلِ الملكِ المؤيدِ
أروعُ مَحسودُ العَلاءِ أمجَدٌ،
من نسلِ محسودِ العلاءِ أمجدِ
المؤمنُ الموحدُ ابنُ المؤمنِ الـ
ـموَحِّدِ ابنِ المؤمنِ الموحِّدِ
السيّدُ ابنُ السيّدِ ابنِ السيّدِ
ابنِ السيدِ ابن السيدِ ابنِ السيدِ
من آلِ أيوبَ الذينَ أصبحوا
كواكباً بها الأنامُ تهتدي
من كلّ خفاقِ اللواءِ لابسٍ
ثوبَ الفخارِ مطرزاً بالسؤددِ
مهذبٍ محببٍ مجربٍ،
للمجتني والمجتلي والمجتدي
فقَولُهُ وطَوْلُهُ وحَولُه
للمُعتَني والمُعتَفي والمُعتَدي
ما إن يَشينُ مَنَّهُ بمنّةٍ،
ولا يَشوبُ برَّهُ بمَوعِدِ
سماحَةٌ تَخفِضُ قدرَ حاتمٍ
في أدَبٍ يَهزَأُ بالمُبَرّدِ
نامتْ عيونُ الناس أمناً عندما
رَعاهم بطَرفِهِ المسهّدِ
صوتُ الصّهيلِ والصّليلِ عندَهُ
أطيبُ من شدوِ الحسانِ الخردِ
يلهيهِ صدرُ النهدِ في يوم الوغى
بالكرّ عن صدرِ الحسانِ النُّهّدِ
ويَغتَني بالمُلدِ من سُمرِ القَنا
عن كلّ مجدولِ القوام أملدِ
خَلائِقٌ تُعدي النّسيمَ رقّةً،
وسَطوَةٌ تُذيبُ قَلبَ الجَلمَدِ
وبأسُ ملكٍ مجدُهُ من عامرٍ،
وفيضُ جودِ كفّهِ من أجوَدِ
وربّ يومٍ أصبَحَ الجوُّ به
مُحتَجِباً من العَجاجِ الأركَدِ
كأنّ عَينَ الشّمسِ في قَتامِهِ
قد كحلتْ من نقعهِ بإثمدِ
شَكا بهِ الرّمحُ إليهِ وحشَةً،
فاسكنَ الثعلبَ قلبَ الأسدِ
حتى إذا ما كبرتْ كماتُه،
والهامُ بينَ ركعٍ وسجدِ
أفردتِ الرّماحُ كلَّ تؤام،
وثَنّتِ الصّفاحُ كلَّ مُفرَدِ
يا ابنَ الذي سَنّ السّماحَ للوَرى
فأصبحتْ بهِ الكرامُ تقتدي
الصادقُ الوعدِ كما جاءَ بهِ
نَصُّ الكِتابِ والصّحيحِ المُسنَدِ
مَن أصبَحت أوصافُهُ من بَعده
في الأرضِ تُتلى بِلسانِ الحُسّدِ
ما ماتَ من وارى الترابُ شخصَه
وذكرهُ يبقَى بقاءَ الأبدِ
حتى إذا خافَ الأنامُ بعدَهُ
تعلُّقَ الملك بغير مُرشدِ
فوّضَ أمرَ الملك من محمّدٍ
النّاصر الملك إلى محمّدِ
الأفضَلِ الملكِ الذي أحيا الوَرى
فأشبهَ الوالدَ فضلُ الولدِ
العادلِ الحكمِ الذي أكفُّهُ
لَيستْ على غَيرِ النُّضارِ تَعتَدي
لو زينَ عصرُ آلِ عبادٍ بهِ،
لم يَصِلِ الملكُ إلى المُعتَضِدِ
يا من حباني من جميلِ رأيهِ
ببشرهِ والبرِّ والتوددِ
طوقتني بالجودِ، إذ رأيتني
بالمدحِ مثلَ الطائرِ المغردِ
أبعدتموني بالنوالِ، فاغتدى
شوقي مقيمي، والحياءُ مقعدي
لولا حَيائي من نَوالي برّكم،
ما قَلّ نَحوَ رَبعِكم ترَدّدي
فاعذِرْ مُحِبّاً طالَ عنكُم بعدُه،
وودهُ ومدحهُ لم يبعدِ
فكمْ حقوقٍ لكُمُ سَوابِقٍ،
ومنةٍ سالفةٍ لم تجحدِ
تُنشِطُ رَبّ العَجزِ، إلاّ أنّها
تُعجِزُ بالشّكرِ لِساني ويَدي