أقلب طرفي لا أرى غير منظر

أقلِّبُ طرفي لا أرى غير منظرِ

​أقلِّبُ طرفي لا أرى غير منظرِ​ المؤلف عبد الغفار الأخرس



أقلِّبُ طرفي لا أرى غير منظرِ
 
متى تختبره كان أَلأمَ مَخْبَرِ
فلم أدرِ والأيامُ ذاتُ تغيُّر
 
أيذهبُ عمري هكذا بين معشر
أسفتُ على من ليس يرجى العودة
 
وكان يرى عوناً على كلّ شدة
قضى الله أنْ يقضي بأقرب مدة
 
وأبقى وحيداً لا أرى ذا مودة
إذا الحُّر في بغداد أصبحَ مبتلى
 
وعاش عزيزُ القوم فيها مذللا
فلا عجبٌ إنْ رمتُ عنها تحوُّلا
 
وكيف أرى بغداد للحرُّ منزلا
إذا كانَ مفرَّ الأديم نزيلها
 
إلامَ المعالي يملك الرذل رقّها
لقد كنت لم أحفل بأيام عرسها
 
ولم يتبدل شههمها بأخسّها
فكيف بها إنْ سادها غيرُ جنسها
 
ويسطو على آسادها ابنُ عرسها
عجبتُ لندبٍ ثابت الجأش مفضل
 
يرى بدلاً من أرضه بمبدّل
ولم يك عن دار الهوان بمعزل
 
فما منزل فيه الهوان بمنزل
سأركلها يا سعد كلّ معدّة
 
أجوبُ عليها شدة بعد شدة
وإن مت ألفي البيد موتة وحدة
 
فلَلموتُ خيرٌ أن أقيمَ ببلدة
فكم قرصتني من عدى ً بقوارص
 
هوابط من أرض المساوي شواخص
ولاقيت صعب المرتقى غير ناكص
 
وأصعب ما ألقى رئاسة ناقص
أنَبِّهُ طرف الحظّ والحظّ راقد
 
وأنهض للعلياء والجدّ قاعد
وأنى أسودُ اليوم ولادهر فاسد
 
وما ساد في أرض العراقين ماجد
بلاد بقوم قد سَعَوا في خرابها
 
فليس شرابٌ يرتجى من سرابها
ولا لكريمٍ منزل في رحابها
 
فسر عن بلاد طوَّحت لا ترى بها
فليس عليها بعد هذا مُعَوَّلُ
 
ولا عندها للآملين مؤمَّل
فيالك دار قد نبت بيَ منزل
 
بها الجود مذمومٌ بها الحرّ مهمل
وربَّ أخ للمجد في المجد آلفُ
 
له في ربوع الألأمين مواقفُ
أقولُ له والقول كالسُّمِّ زاعف
 
ألا يا شقيق النفس عندي صحائف
صحائف ذي غيظ على الدهر واجد
 
عليها طوى قسراً جوانح حاقد
وأن لما يبدي لساني وساعدي
 
سأنشرها والهندوانيّ شاهدي
فمن مبلغ عني كلاماً ملخَّصا
 
أهان به عرض اللئيم وأرخصا
أناساً يعيش الحرُّ فيهم منغَّصا
 
ولي كلمات فيهم تصدع الحصا
فكم مهمة ٍ قفرٍ طَوَيْتُ مشافها
 
بها كل هول لم يزل متشابها
وواجهني ما لم يكن لي مواجهاً
 
عفا الله عني كم أجوب مهامها
طويت قيافيها ذهاباً وجية ُ
 
أكان عناءً طيّها أم بليّة ً
كمن يبتغيها منية ً أو منيَّة ٍ
 
لعلي ألاقي عصبة ً عبشمية ً
إذا نطقوا بالقول فالقول مُفْلِقُ
 
وإنْ حاولوا مجداً فعزم محلّق
لهم أرج لم يكتتم فهم معبق
 
ينم بهم مجد رفيع ومنطق
لقد طالما قد بِتُّ أطوي وأنطَوي
 
على مضضٍ أمست على الضّيم تحتوي
فيا سعد قل لي إنْ نصحتَ فأرعوي
 
متى يلثم اللبات رمحي وترتوي
أحِنُّ إلى يوم عبوسٍ عصبصبِ
 
يبل غليلي منجب وابن منجب
فيا ليت شعري هل أرني بموكب
 
وحولي رجال من معدٍّ ويعرب
شفاء لنفسي يا أميمة حشرجت
 
أو الساعة الخشنا إلى الأمر أحوجت
فهل مثل آساد الشرى حين هيّجت
 
إذا أوقدوا للحرب ناراً تأججت
كهولٌ وشبابٌ بآيّهم
 
ظفرنا رأينا كهلهم كفتيهّم
حماة ٌ بماضيهم وفي سمريّهم
 
وبالسمر تحمي البيض شبان حيّهم
من القوم ما زالت تطبّق سحبهم
 
وفي عدم الجدوى تفارط صوبهم
كرام بيوم الجدب يعرفُ خصبهم
 
يهشون للعافي إذا ضاق رحبهم
نماهم أبٌ عالي الجناب سميذع
 
وعن أصل زاكي العنصرين تفرعوا
فإنّ يدّعوا العلياء كان كما ادَّعَوا
 
إلى خندقٍ ينمى علاهم إذا دُعوا
فمن لي بأبيات يروقك وصفها
 
يُهان معاديها ويُكرَمُ ضيفها
بحيث العلى والعزُّ مما يحضّها
 
وما العزّ إلاّ في بيوتٍ تلفّها
تلمّ بها إنْ داهمتها ملّمة
 
رجال مساعيها إلى المجد جمّة ٌ
وإن هي زمّتها على السير أزمة
 
تحف بها من آل وائل غِلْمَة ً
وإنّي لأشكو عصبة ً ما تطأطأت
 
لرشد وغنْ تدعَ إلى الرشد أبطأت
لها الويل قد خَطّت ضلالاً وأخطأت
 
إلى الله أشكو عصبة قد تواطأت
إلامَ المعالي الرذل رقّها
 
ويمنعها من ظلمه مستحقَّها
ألا دعوة ٌ للمجد نَوْفُ صدقها
 
ألا غيرة ٌ تقضي المنازل حقّها
عوادي بميدان الوغى لمفاخر
 
بكل نزاريّ على الموت صابر
إذا أقْبَلَتْ من كلّ عوجاء ضامر
 
عليها رجال من نزارٍ وعامر
إذا نحن لم نحمد بحال ذهابنا
 
إلى شرِّ جيلٍ شرّهم قد أنابنا
فَلِمْ لا نعاني حزننا واكتئابنا
 
كفى حزناً أنَّا نعنى ّ ركابنا
تركت ديار اللّهو والعقل تابعي
 
وبدَّلْتُ سكناها بسكنى المرابع
وما غرّني في الكون برق المطامع
 
إذا كانت العلياء حشو مسامعي
لقد خاب مسعاها إليهم وبئس ما
 
تقحّمتْ الأمرَ الخطير تقحَّما
تروح رواءً ترتمي أيَّ مرتمى
 
فترجع حَسْرى ظلّعاً شفّها الظما
لئن كان صحبي كلُّ أروع يجتري
 
على كل ليث في الكريهة قَسوَر
ترفَّعت عن رذل الصفات مصعّر
 
فلا ألوي للأنذال جيدي ومعشري
إذا لم يكن ظلٌّ خليَّاً من الأذى
 
تلذذتُ في حرّ الهجير تلذُّذا
وبدّلت هذا بعد أن عفته بذا
 
رعى الله نفسي لم ترد مورد القذى
يرى المجدَ مجداً من أغار وأنجدا
 
ولم يُبْق في جَوْب الفدافد فدفدا
إلى أنْ شكته البيد راح أو اغتدى
 
ومن رام مجداً دونه جرع الردى
رجال المعاني بالمعاني منالها
 
مناها إذا ما حان يوماً نزالها
هي المجد أو ما يعجب المجد حالها
 
وما المجد إلاّ دولة ورجالها
ديار بها نيطت عليَّ تمائمي
 
وكان العلى إذ ذاك عبدي وخادمي
فكيف أرى في اللهو لمعة شائم
 
إذا أبّرَقَتْ في السفح صوب الغنائم
وعاوَدَني ذكرى دمشق وأهلِها
 
يروقك مرآه إذا كنت رائدا
فكن لي على صوب الدموع مساعا
 
متى سمعت أذناك منّي رواعدا
ذكرتُ زماناً قد مضى في رحابها
 
سقته عيون المزن حين انسكابها
لقد شاقني ظبيُ الكناس الذي بها
 
فكم مرة في بعدها واقترابها
فأنبتَتِ الخضراءُ محمرَّ وَرْدها
 
وفاخرت البيداء في وشي بردها
ولما طغت في جزرها بعد مدِّها
 
سقى كلَّ أرضٍ صوبها فوق حدِّها
فيا ليت شعري هل أرى بعد دارها
 
من الغبر الورديّ موقد نارها
وهل ناشقٌ من رندها وعرارها
 
على أنّها مع قربها من مزارها
قضيت بها عيشاً على الرغم ناعما
 
أرى صادحاً في صفحتيه وباغما
فيوقظ من قد كان في الطيف حالما
 
ولم يستمع فيها عذولاً ولائما
فكم راكب فوق الكميتِ وسابقِِ
 
بحَلبَة مجراه غدا غيرَ لاحق
إذا لمعت في الليل لمعة بارق
 
يذر عليه بالسنا ضوء شارق
فكن مسعدي يا سعد حين انقضائها
 
متى نفرت جيرانها من فنائها
وأقَفَرَ ذاك المنحنى من ظبائها
 
وحلّ سوادٌ في مكان ضيائها
فما العيش إلا مُنْيَة ٌ أو مَنِيَّة
 
به النفس ترضى وهي حريّة
فهذي برود نسجها سندسية
 
وما النفس إلاّ فطرة جوهرية
ففيها يكون المرء شهماً معظما
 
لدى كل من لاقا يغدو مكرَّما
فهذا تراه بالفخار معمّما
 
إذا المرء لم يجعل حلاها تحلّما
فألطف آثار الحبيب طلولها
 
وأنفسُ أطرار السيوف نصولها
فهذي المزايا قلّ من قد يقولها
 
وأحسن أخلاق الرجال عقولها
كمال الفتى يحلو بحسن صفاته
 
فيزهو لدى الأبصار لطف سماته
يفوق الفتى أقرانه في هباته
 
هل يقبل الإنسان نقصاً لذاته
فلا العرض من هذا الفتى بمدنس
 
إذا حلّ في ناد بخير مؤسّسِ
وهذا الذي قد فاز في كل أنفس
 
فكم أثمَرَتْ بالمجد أغصانُ أنفسِ
 
نسيمُ الصَّبا يسري أو البرق يومضُ
أحبة قلبي حين صدّوا وأعرضوا
 
ويوحشني من بالرُّصافة قوّضوا
أرى جاهلاً قد نال في جهله المنى
 
كذا عالماً عانى على علمه العنا
وذلك من جور الزمان وما جنى
 
ومن نكد الأيام أنْ يحرم الغنى
أراني وأنياقي لإلفٍ وصاحبي
 
إلى أصبو وتصبو لجانب
فما بالنا لم نتفق في المذاهب
 
تحنُّ إلى أرض العراق ركائبي
فهل تسمح الأيام لي برجوعها
 
فأحظى بأحبابٍ كرامٍ جميعها
لقد عاقني عنها نوى ً بنزوعها
 
وأخّرني عن جلّق وربوعها
لقد عادت الأيام تزهو بوصلها
 
وإشراق محياها وأبيض فعلها
لأنتظر العقبى وربّي كفيلها
 
وعاندني ذكرى دمشق وأهلها
شجتني وما قلب الشجيّ كقلبها
 
ولم تحكِ من عينيّ منهلّ صوبها
فما برحت من شجوها أو لجّها
 
تردد ألحاناً كأن الذي بها
منازل أشواقي ومنشا علاقتي
 
وسكر صباباتي بها وإفاقتي
حَلَفْتُ يميناً صادقاً جهد طاقتي
 
لئن بلّغتني رمل يبرين ناقتي
ولم أنسَ لا أنستُ في كلِّ ضامر
 
وقوفي على ربع الظمياء داثر
بحسرة ملهوفٍ وصفقة خاسر
 
وكم لي على جيرون وقفة حائر
ألَمْ تنظرِ الأرزاء كيف تعدَّدَتْ
 
وساعدت النحسَ الشقيَّ وأسعدت
قعدنا وقامت أرذلونا فسُوِّدَتْ
 
وكم باسقاتٍ بالرُّصافة أقعدت
لقد نالها دنياً دنيُّ تجبّرا
 
فتاه على أشرافها وتكبّرا
وكان أذلَّ العالمين وأحقرا
 
لحا الله دنياً نالها أحقرُ الورى
لعلّ خطوباً قد أساءت تسرّني
 
عواقبها حتى أراها بأعيُني
 
سأحمل أعباء الخطوب وإنّني