أكف الغواني بالخنا خضرات

أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ

​أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ​ المؤلف ابن الرومي


أكُفُّ الغواني بالخنا خَضِراتُ
وهن بأقران الهَوى ظَفِراتُ
ضَعُفنَ وكان الضعفُ منهن قوةً
فهنَّ على الألباب مقتدراتُ
ومُنتقباتٌ بالضياءِ وضاءةً
كما هن بالظَّلماء مُعتجراتُ
خُلقن من الأضداد فاسودَّت الذُّرا
سوادَ الدجى وابيضَّت البَشَراتُ
ومِسْنَ وكثبانُ المآزر رُجَّحٌ
وقضبانُ ما وُشِّحن مُضْطمِراتُ
بَكَرْنَ على باكورتي فابتكرنَها
وهن لها إذ ذاك مُبتكِراتُ
كِلانا اجتنى ما يشتهي من خليله
فأغصانُ ما نهواهُ مُنهصراتُ
ذَكَرتُ الصبا وهناً فلا الوجْدُ مُقْلِعٌ
لشيء ولا الأحشاءُ مُصطبراتُ
غليلٌ أَبى أن يُطَفيء الدمعُ نارَهُ
ويُضرمهُ أن تَعصِب الزفراتُ
ألا إنما الدنيا الشبابُ وإنما
سرور الفتى هاتيكمُ السَّكراتُ
ولا خيرَ في الدنيا إذا ما رعيتُها
وقد أيبستْ أجنابُها الخَضِراتُ
نُراعُ إذا لاحت نجومُ مشيبنا
كأن نجوم الليل مُنكدراتُ
وتنفطرُ الأكبادُ عند شُمولهِ
كأنّ الطِّباق السبع منفطِراتُ
سيُنسيكَ أيامَ الشباب وبردَها
فتىً ماجدٌ أيامُه سَبِراتُ
مُواصِلةٌ آصالُها غُدواتها
من اللاءِ لم تُخْلق لها جمراتُ
ولم تُسلِكَ الأيامُ عن زَهَرَاتها
بمثل فتىً أخلاقه زَهراتُ
كمثل أبي العباس إن كان مثلُهُ
وهل مثلُه دامت له الخيراتُ
أخو السَّرو من آل الفرات وكلُّهُمْ
سَراةٌ ولكن للسَّراةِ سَراةُ
يدُ الله يا آل الفرات عليكُم
وأيديكُمُ بالعُرفِ منهمراتُ
تَحلّ أياديكم بحقٍ وإنها
لديكم بلا حق لمُحتقَراتُ
أيادٍ بوادٍ لا تُفيق وشايةً
بأيدِ انتهاءٍ وهي مُستتَراتُ
قِرىً لكُم تُخْفونه وهو ظاهرٌ
سجاياكُمُ قِدْماً به يَسراتُ
وكيف بأن يخفَى قِراكم وإنما
بلادُ بني الدنيا لكم حَجَراتُ
أزَرتُمْ قراكم كلّ قومٍ فجاءهم
هنيئاً ولم تُقطع له القَفراتُ
جريتُم مع السُّبَّاق في كل حلبةٍ
فجئتم ولم تُرْهِقْكُمُ الفَتراتُ
رَجَحْتُم على أَكفائكُم إذا وُزِنتُم
وهل يستوي الآلافُ والعَشَراتُ
لنا أثَرَاتٌ دونكم بثرائكم
ولكن لكم بالسؤُدد الأَثَراتُ
حلمتم وفيكم مَنعةٌ فأكفُّكُمْ
قوادر لا يعجزنَ مُغتفِراتُ
أَكفٌّ عن الهافينَ طراً صوافحٌ
وهن من الباغين مُنتصراتُ
كأنكُمُ لينا وحدَّا مَناصلٌ
لها الصفحاتُ المُلس الشَّفراتُ
إذا افتخرَ السادات يوماً سكتُّمُ
ولم تَسكُتِ الأحلامُ والأَمراتُ
وما فَخْرُ قومٍ والمَفاخرُ كلُّها
بهم عند ذكر الفخر مُفتخِراتُ
لهم شِيمٌ إنْ لم تكن أزليةً
فإن بحارَ الأرض مُحتفَراتُ
مفجَّرةٌ قبل السؤال وبعدَهُ
صوافي جِمام الماء لا كَدِراتُ
تكلَّمُ عنكم ما تبين صنائعٌ
سُترن وهُنَّ الدهرَ مُشتهراتُ
ومنكم أبو العباس ذاك الذي لهُ
تقاصَرُ في أبدانها القَصَراتُ
فتىً لا قضاياه علينا بوادرٌ
ولا الجود منه باللُّهى خَطَراتُ
ولكن قضاياه سدادٌ وَجُودُهُ
ينابيعٌ بالمعروف مُنفجراتُ
هو المرءُ يسعى والمساعي ثقيلةٌ
ويسبِقُ والأنفاسُ مُنبهراتُ
له ضحكاتٌ حين يُسألُ حاجةً
إذا كثُرت من غيرِهِ الضَّجراتُ
يقول ويُولي منّةً بعد مِنّة
فيُطنبُ والأقوالُ مُختصراتُ
فلو أنزلتْ بعد النبيِّينَ سورةٌ
إذاً أنزلت في مدحهِ سُوراتُ
جرى وجرتْ أقلامُهُ خيلَ حَلْبةٍ
وأقلامُ قومٍ عنده حُمُراتُ
نصيحاً إذا غشَّ الولاةُ كُفاتَهُمْ
وفيَّا إذا ما خِيفتِ الغَدَراتُ
أَميناً على مال الملوك وفيئهِم
وسوقِهمُ ليست له خثراتُ
ضليعاً إذا ما اسْتُحْملَ الخطبَ ناهضاً
بأعبائه ليست له عثراتُ
يُرَوِّي فَتُسْتَلُّ السيوفُ ولم تزلْ
له هَدآتٌ في غِبِّها نَفَراتُ
وكم هَدآتٍ للأرِيبِ أَريبةٍ
يخالُ الأعادي أنها فَتَراتُ
أخُو الفِكَر اللاَّئي إذا فَكُرَ الوَرَى
تَنَاسَتْ هُدَاها فهي مدَّكِرَاتُ
لقد خِيرَ فيه للوزير ولم يزلْ
أبو الصقر مختاراً له الخِيَرَاتُ
به تَتَعَرَّى المرْهَفَاتُ وتارةً
تَسَتَّرُ والأغمادُ منحَسِرَاتُ
أمنْتُ ولو غاض الفراتُ من الصَّدَى
لأنك لي يا ابن الفرات فُراتُ
ترى الدَّهْرَ مُرْتاعاً إذا ما تَتَابَعَتْ
إلى صَرْفِهِ من أحمدٍ نظراتُ
مُحَاذَرةً ممن إذا ما تحرَّرتْ
عوارفُهُ زالتْ بها النَكِراتُ
أساءتْ ليَ الأيامُ يا ابن مُحَرَّرٍ
وهُنَّ إليَّ الآنَ مُعْتَذِراتُ
رأَيت مطافي حول حقْوَيْكَ عائذاً
فهنَّ لمن أبصرته حَذِراتُ
وأَوْعَدتُهَا تَنْكِيرَكَ النُّكْرَ صادقاً
فقلت رُوَيْداً تَنْجَلي الغمراتُ
إلى الله أشكُو سوءَ رَأْي مُؤَمَّلٍ
معارفُ شِعْرِي عنْده نَكِرَاتُ
وقدْ كنتُ منْ حرمانه في بَليَّةٍ
فقد أرْدفَتْ حرمانَهُ الحَسَراتُ
توَالتْ على العافينَ آلاءُ عُرْفِهِ
وأخْفَقْتُ والآمالُ مُنْتظِرَاتُ
فأَنَّى أَثاب الثِّيباتِ ولم يُثبْ
عَذارى ولم تُفْضَضْ لها عُذُراتُ
أعِذْ كلماتي فيه من قول قائل
أرى شَجَراتٍ ما لها ثَمراتُ
أمُنْطَوِيَاتٌ دون كفِّي صِلاتُهُ
وأسرابُ مدْحي فيه منتشراتُ
أرى الشعر يُحْيي المجد والبأْس والندى
تُبَقِّيهِ أرواحٌ لها عَطراتُ
وما المجد لولا الشِّعْرُ إلاَّ مَعاهدٌ
وما النَّاسُ إلا أعْظُمٌ نَخِراتُ
وقد صُغْتُ ما التيجانُ أشباهُ بعضِهِ
وقد حِكْتُ ما أشْبَاهُهُ الحَبِرَاتُ