ألا حدثاها فهي أم العجائب

ألا حدِّثاها فهي أمُّ العجائب

​ألا حدِّثاها فهي أمُّ العجائب​ المؤلف لسان الدين الخطيب


ألا حدِّثاها فهي أمُّ العجائب
وما حاضِرٌ في وصْفِها مثلَ غائبِ
ولا تُخْليا منها على خطَرِ السُّرى
سُروجَ المذاكي أو ظُهورَ النجائبِ
ولا تُغْفلا من وَسْمِها كلّما سرَتْ
صدورُ القوافي أو صدورُ الرَّكائبِ
وحُطَّ لها بين الحَطيمِ وزمزمِ
رجالا من البُشْرى مِلآء الحقائبِ
هو الخبَرُ الصِّدقُ الذي وضَحت به
سبيلُ الهُدى بعد الْتباسِ المذاهِب
وما هي إلا دعْوةٌ يُوسُفِيَّةٌ
أثارتْ قَبُول الله ضَرْبةَ لازِب
سَمَتْ نحو أبوابِ السّماءِ فلم تُرَعْ
بتَشْغِيب بَوّابِ ولا إذْنِ حاجِب
أيوسُفُ إنّ الدّهرَ أصبح واقِفا
على بابِكَ المأمولِ مَوْقِف تائبِ
دُعاؤُكَ أمضى من مُهنَّدة الظُّبا
وسَعْدُكَ أقضى من سُعُودِ الكواكِب
سُيُوفُكَ في أغمادِها مُطمئنَّةٌ
ولكنّ سيْف الله دامي المضارِبِ
فَثِق بالذي أرْعاكَ أمرَ عباده
وسلْ فضلَه فالله أكرمُ واهِبِ
لقد طَوّق الأذفنشَ سعدُكَ خِزْيةً
تجِدُّ على مرِّ العصورِ الذّواهِبِ
وفَيْتَ وخانَ العهْدَ في غيرِ طائل
وصدَّقَ أطماعَ الظُّنونِ الكواذب
جرى في مجاري العِزّ غيرَ مقصِّرٍ
وهل نَهَضَ العُجْبُ المُخِلُّ براكِب
وغالَبَ أمرَ الله جلَّ جلالُه
ولَمْ يَدْرِ أنّ الله أغْلَبُ غالِبِ
ولله في طيّ الوجودِ كتائبٌ
تَدِقُّ وتخفى عن عُيُونِ الكواكِبِ
تُغيرُ على الأنفاسِ في كُلِّ ساعةٍ
وتكْمُنُ حتى في مياهِ المشارب
أخَذْتَ عليهِ الطُّرْقَ في دارِ طارِقٍ
فما كَفَّ عنه الجيشُ من كَفِّ ناهب
فصار إلى مَثْوى الإهانَةِ ذاهبا
وخَلَّفَ عارَ الغدْرِ ليْسَ بذاهِب
فمِن قارع في قومِه سِنَّ نادِم
ومِنْ لاطِمٍ في خدِّه خَدَّ نادِبِ
مصائب أشْجَى وقعُها مُهَجَ العِدا
وكمْ نِعَمٍ في طَيّ تلكَ المصائب
وإن لم يُصِبْ مِنْهُ السِّلاحُ فإنما
أصِيبُ بسَهْم من دُعائكَ صائِب
ولله من ألْطافِه في عبادِه
خزائنُ ما ضاقَتْ بمَطْلَبِ طالِب
فمهما غَرَسْتَ الصَّبرَ في تُرْبةِ الرِّضا
بحُكْمِ القَضَا فلْتجنِ حسْنَ العواقِب
ولا تُبْعِدِ الأمرَ البعيدَ وقوعُهُ
فإنّ الليالي أمهاتُ العجائِب
هنيئا بِصُنْعِ قد كفاكَ عظيمُهُ
رُكوب المرامي واخْتيارَ الكواكِب
ودونكَ فافْتح كلّ ما أبْهَم العِدا
ورُدَّ حُقوقَ الدِّينِ من كُلِّ غاصِب
وبادرْ عدوَّ الله عند اضْطِرابِهِ
وعاجِلْه بالبيضِ الرِّقاقِ القواضِب
إذا قيل أرضُ الله إرثُ عبادِهِ
بمُوجِب تقوى أنت أقْرَبُ عاصِب
ألَسْتَ من القومِ الذين إذا انْتَموْا
نَمَتْهُم إلى الأنصا غُرُّ المناسب
سماحَةَ إيمانٍ وإشراقَ أوْجُهٍ
وصِحَّةَ أحلام وغُرَّ مناقِب
إذا أشْرَقَتْ يومَ النّوالِ وجوهُهُم
رأيت البدُورَ في خِلال السَّحائب
ويا جبَلَ الفتحِ اعتمدْها صنيعةً
رأينا بها كيف انجلاءُ الغياهب
إذا ما هباتُ الله كانتْ صحيفةً
فما هي إلا سَجْدةٌ في المواهِب