ألا طال التنظر والثواء
ألا طال التنظر والثواء
ألا طال التنظر والثواء
وجاءَ الصيْفُ وانكشف الغطاءُ
وليسَ يقيمُ ذو شَجَنٍ مُقيمٍ
ولا يَمضي إذا ابتُغيَ المَضاءُ
طوال الدهر إلا في كتابٍ
لمقدارٍ يوافقه القضاء
ولا يعطى الحريص غنى ً لحرصٍ
وقد ينمي لذي الجود الثراء
غني النفس ما استغنت غنيٌّ
وفَقرُ النفسِ ما عَمِرتْ شَقَاءُ
إذا استحيا الفتى ونشا بحلمٍ
وسادَ الحيَّ حالفَهُ السَّناءُ
وليس يسود ذو ولدٍ ومالٍ
خفيف الحلم ليس له حياء
ومن يَكُ ذَا حَياً لم يُلْقِ بؤساً
يَنُخْ يوماً بِعَقْوتهِ البلاَءُ
تعاوره بنات الدهر حتى
تثلمه كما انثلم الإناء
فكُلُّ شَديدة ٍ نزلتْ بِحَيٍّ
سيأتي بعد شدتها الرخاء
فَقُلْ للمتّقي حَدَثَ المنايا:
توقَّ، فليسَ ينفعُك اتّقاءُ
ولا تك المصاب، وأي حي
إذا ما مات يُحييهِ البكاءُ؟
وقُلْ للنفْسِ: من تُبقي المنايا؟
فكلُّ الناسِ ليسَ له بقاءُ
تعزي بالأسى في كل حي
فذلك حينَ يَنْفعُها العَزاءُ
ستفنى الراسيات، وكل نفسٍ
ومالٍ سَوْفَ يَبْلُغُه الفَناءُ
يُعَمَّرُ ذو الزمانة ِ وهو كَلٌّ
على الأدنى وليس له غناء
ويردى المرء وهو عميد حيًَ
ولو فادوه ماقبل الفداء
إذا حانتْ مَنِيَّتُهُ وأوصى
فليس لنفسه منها وقاء
وكلُّ أُخوَّة ٍ في الله تبقى
وليس يدوم في الدنيا إخاء
أَصِبْ ذا الحِلْمِ منك بِسَجْل وُدٍّ
وصله، لا يكن منك الجفاء
ولا تصل السفيه ولا تجبه
فإن وصال ذي الخربات داء
وإن فراقه في كل أمرٍ
وصرم حبال خلته شفاء
وضيفك ما عمرت فلا تهنه
وآثِرْهُ وإن قلَّ العَشاءُ
ولا تجعَلْ طعامَ الليل ذُخْراً
حذار غدٍ، لكل غدٍ غداء
وكل جراحة ٍ توسى فتبرا
ولا يَبْرا إذا جرحَ الهِجاءُ
يؤثر في القلوب له كلومٌ
كداء الموت ليس له دواء
وحوك الشعر ما أنشدت منه
فَيَنْفي سيّىء َ الاكفاءِ عَنْهُ
كما يُنفى عن الحَدَبِ الغُثاءُ
غُثاءُ السَّيْلِ يضرحُ حَجْرتَيْه
تجلله من الزبد الجفاء
من الشُّعراءِ أكْفاءٌ فُحولٌ
وفَرّاثونَ إنْ نطقوا أساؤوا
فَهَل شِعران: شِعرُ غناً وحَكْمٍ
وشعرٌ لا تعيج به، سواء؟
فإنْ يكُ شاعرٌ يعوي فإنّي
وجدتُ الكلبَ يقتلُه العُواءُ
وإن جَرِبَتْ بواطنُ حالبيهِ
فإنَّ العَرَّ يَشفيهِ الهِناءُ
وقلت لمن أبث إليه سري
وينفعُني وإيّاهُ الخَلاءُ:
ألا يا هندُ هل تُحيينَ مَيْتاً؟
وهل لقروضنا أبداً أداء؟
أحلأت النفوس لتقتليها
وهن إلى مناهلكم ظماء
أديم صفاءها ويدوم عهدي
وإنْ طالَ التعاشُرُ والصفاءُ
فإن يك أهلنا ناءوا وبانوا
وبان بها أقاربها وناءوا
فقد أعْفو مَنازِلَها بِفَلْجٍ
وفي آيات دمنتِها امتحاءُ
تراوحها من الأرواح هوجٌ
كأن نخيل تربتها هباء
وكل مجلجلٍ دانٍ زحوفٍ
تشابه غيمه فيه استواء
كأن على غواربه زحوفاً
لها لَجَبٌ يُصَمُّ به الدُّعاءُ
كأن دفاف مأدبة ٍ وعرسٍ
ورجازٍ يجاوبه الحداء
ونوح مآتمٍ وحنين عوذٍ
يجاوبُها من النَّعَمِ الرُّغاءُ
على أعْجازهِ إذ لاحَ فيهِ
سيوف الهند أخلصها الجلاء
إذا انسحَّتْ دلاءُ الماء منهُ
أمدته بسافكها الدلاء
فليس حفيله كحفيل غيثٍ
ولا كمياهِهِ في الأرضِ ماءُ
قرارُ الأرض ممّا صَبَّ فيها
لهُ حُبُكٌ مُوَكَّرة ٌ مِلاءُ
فأقلعَ والشَّمالُ تحنُّ فيهِ
بكلٍّ قَرارة ٍ منها إضاءُ
فأعْقبَ بقلُهُ نَوْراً تؤاماً
كَلَوْنِ الرَّقمِ حَطَّ به الفِلاءُ
ونور البخترية والخزامى
وحنوته لبهجتها بهاء
فقد جُنَّت كواكبُهُ جُنوناً
لها صبحٌ إذا ارتفع الضحاء
إذا اغتبقت من الأنداء طلا
فإن صبوحها منها رواء
فأوْحشَ رَبْعُها وعفت رِياضٌ
تولَّدُ في كواكِبها الظِّباءُ
بِها سُفْعٌ مُوَلَّعَة ٌ هِجانٌ
هواملُ لا تطرِّدُها الضِراءُ
كأن جلودها إذ بان عنها
نَسيلُ الصيف بالصيف المُلاءُ
لهن جآذر نعست، فنامت
عَواقدُ في سوالِفِها انثناءُ
وعاناتٌ يطردها فحولٌ
نَواشطُ في أَياطِلِها انطواءُ
تَرومُ حِيالها وتصُدُّ عنها
لواقحُ مِنْ صَعابتها الإباءُ
فكلُّ هَجَنَّعٍ تحنو إليهِ
نقانقُ في بلاعِمِها الْتِواءُ
كأنَّ ظهورَها حُزَمٌ أنابَتْ
بِها أُصُلاً إلى الحيِّ الإماءُ
فعُجْتُ على الرسومِ فشوّقتني
ولم يكُ في الرسوم لنا جَداءُ
فناجيت الرسوم فلم تجبني
وقد ناديت لو نفع النداء
ودويً يصيح بها صداها
كَأَنَّ صِياحَهُ فيها مُكاءُ
تفجع هامها والبوم أصلاً
كما صرخت على الميت النساء
لأسراب القطا فيها عيالٌ
مُعَرَّسُها ومَجْثَمُها الفَضاءُ
تَوائِمُ كالكُلى زُغُبٌ ضِعافٌ
تضمَّنها الأفاحصُ والعَراءُ
تبص كأنها عجزٌ فوان
وقد بَثِرتْ وليس لها عِفاءُ
كأنَّ بِهِنَّ زِرْنيخاً مَدُوفاً
بِها لَصِقاً كما لَصِقَ الغِراءُ
إذا استسقت مطاعم أنهضتها
فولت من غرائزها النجاء
موارِدُها مياهُ العِرق توّاً
وماءُ القُطْقُطانَة ِ والحِساءُ
تراطن بينها بكلام عجمٍ
وَأَكْبرُ ما تهُمُّ بهِ الرَّحاءُ
فخلَّفَتِ الدَّعاثِرَ ثُمَّ عَبَّتْ
لكل ثمالة ٍ منها سقاء
متى تنهل قطاة ٌ من شروب
يكُنْ قُدّامَها منهُ ارتواءُ
فأنهلت النفوس، وفي الأدواى
أمامَ نُحورِها منْها امتلاءُ
أداوى لا يبض الماء منها
ولَيْسَ لمَفْرَغٍ منها وِكاءُ
فَصَبَّحتِ الفِراخ فأَنْهَلتْها
تغرُّ حوائماً فيها انحناءُ
بِنازِحة ٍ ترى الثيران ظُهْراً
لكلِّ مُوَلّعٍ مِنها خِباءُ
فخلَّفْتُ الأَباعِدَ مِنْ صُواها
بعنسٍ ما تخونها الخلاء
مواشكة ٍ مقتلة ٍ ذمولٍ
وَقاحِ الخُفِّ ليس لها حِذاءُ
كأن مؤثر الأنساع فيها
حجاج البئر خربها الرشاء
تمد زمامها منه بسامٍ
مروحٍ، في قوائمها اعتلاء
تزيف كما مشت خرقاء زافت
تُعجِّلُها المَخيلة ُ والرِّياءُ
أؤم بها من الأعياص ملكاً
أَغَرَّ كأنَّ غرّتَهُ ضِياءُ
لأسمع من غريب الشعر غراً
وأُثني حَيْثُ يُنتضلُ الثَّناءُ
يزيدَ الخَيْرِ وهو يزيدُ خيراً
وينمي كُلَّما ابتُغِيَ النماءُ
ويَلْبَسُ حُلّة ً أَعْذَرْتُ فيها
عليهِ فوق مِئْزره الرِّداءُ
إلى الشُمِّ الشَّمارِخ مِنْ قُريْشٍ
تجَوَّبَ عن ذوائبها العَماءُ
قريشٌ تبتني المعروف قدماً
وليس كما بنيت لها بناء
فَضَضْتَ كتائبَ الأزديِّ فَضّاً
بكبشِكَ وهو بُغيتُه اللقاءُ
وعادتُهُ إذا لاقى كِباشاً
فَناطَحهُنَّ قتلٌ واحتواءُ
يفلِّقُ بالسيوفِ شَرَنْبثاتٍ
ويَجْسُرُ كلّما اختُضِبَ اللواءُ
أبرت عدوهم وعفوت عفواً
به حقنت من الناس الدماء
سمكت لهم - بإذن الله - ملكاً
كما سمكت على الأرض السماء
وأحيَيْتَ العطاءَ وكانَ مَيْتاً
ولولا اللهُ ماحَيِيَ العَطاءُ
ومن يمنٍ له أيضاً حباء
وصَلْت أخاك فهو وليُّ عهدٍ
وعند الله في الصلة الجزاء
نُرجّي أنْ يكونَ لَنا إماماً
وفي ملك الوليد لنا الرجاء
هشامٌ والوليد، وكل نفسٍ
تُريدُ لكَ الفَناءَ لكَ الفِداءُ
فناء أبيك مأهولٌ خصيبٌ
إذا لم يُغشَ في المحل الفِناءَ
عِداتُكَ لا يُخافُ الزهدُ منها
إذا ما خان بالعِدَة ِ اللقاءُ
وأنت ابن الخلائف من قريشٍ
نَمَوْكَ وفي عداوتِهِمْ إباءُ
وعاتكة التي ورثت كريزاً
وحرباً، فالكرام لها حواء
عقيلة من تكرم من قريشٍ
لها خَشَعَتْ من الكَرَمِ النساءُ
وعودك من أعالي النبع فرعٌ
رفيعٌ لا يوازيه السَّراءُ
فكل مناقب الخيرات فيه
حَنيكُ العقل آزرهُ الفتاءُ
إمامُ الناسِ لا ضَرَعٌ صَغيرٌ
ولا قحمٌ يثلمه الذكاء
على الأعياصِ عِنْدَكَ حينَ تُعفى
لَمُمْتَدِحٍ من الثَّمنِ الغَلاءُ
ومختبطن من بلدٍ بعيدٍ
عَبَأْتَ لَهُمْ سِجالَك حينَ جاؤوا
كَشَفْتَ الفَقْرَ والإقْتارَ عَنْهُم
فَنالوا الخيرَ وانكشفَ الغِطاءُ
فَعِيصُك خيرُ عِيصٍ في قُريشٍ
وهم من كل سباتٍ براء
أولاك السابقون بكل خيرٍ
إذا كذبَ المسبَّقة ُ البِطاءُ
وخير المتهمين بنو الأعاصي
كما خير الجبال بها حراء