ألم خيال من علية بعدما

​ألم خيال من علية بعدما​ المؤلف الفرزدق


ألَمّ خَيَالٌ مِنْ عُلَيّةَ، بعْدَمَا
رَجا ليَ أهْلي البُرْءَ من داءِ دانِفِ
وَكُنتُ كَذي ساقٍ تَهيّضَ كَسْرُها
إذا انْقَطَعَتْ عَنها سيُورُ السّقائِفِ
فأصْبَحَ لا يَحْتالُ، بَعْدَ قِيامَهِ،
لمُنهاض كَسْرٍ مِنْ عُلَيّةَ، رَادِفِ
وَلَوْ وصَفَ الناسُ الحسانَ لأضْعَفَتْ
عَلَيهنّ أضْعافاً لَدَى كُلّ وَاصِفِ
لأنّ لها نِصْفَ المَلاحَةِ قِسْمَةً،
مَعَ الفَتْرَةِ الحَسْناءِ عِندَ التّهانُفِ
ذَكَرْتُكِ، يا أُمّ العَلاءِ، وَدُونَنا
مَصَارِيعُ أبْوابِ السّجُونِ الصّوَارِفِ
قَد اعتَرَفَتْ نفْسٌ، عُلَيّةُ داؤها،
بطُولِ ضَنىً مِنها، إذا لَمْ تُساعِفِ
فإنْ يُطْلِقِ الرّحمَنُ قَيْدي فألقَها
نُحَلِّلْ نُذُوراً بالشّفاهِ الرّواشِفِ
وإلاّ تُبَلِّغْها القِلاصُ، فَإنّهَا
سَتُبْلِغُها عَنّي بُطُونُ الصّحائِفِ
وَلَو أسْقَبَتْ أُمُّ العَلاءِ بِدارِها،
إذاً لَتلَقّتْني لها غَيْرَ عائِفِ
وَكَمْ قَطّعَتْ أُمُّ العَلاء من القُوَى
وَمَوْصُولِ حَبْلٍ بالعُيونِ الضّعائِفِ
أبَى القَلْبُ إلاّ أنْ يُسَلّى بحَاجَةٍ
أتَى ذِكْرُها بَينَ الحَشا وَالشّوَاغِفِ
وَمُنْتَحِرٍ بِالبيدِ يَصْدَعُ بَيْنَهَا
عَنِ القُورِ أنْ مَرّتْ بها مُتَجانِفِ
وَرُودٍ لأعْدادِ المِياهِ، إذا انْتَحَى
عَلَيْهِ الرّزَايا من حَسِيرٍ وَزَاحِفِ
تَصِيحُ بِه الأصْداءُ يُخْشَى به الرّدى،
فَسِيحٌ لأذْيالِ الرّياحِ العَوَاصِفِ
إلَيْكَ، أمِيرَ المُؤمِنينَ، تَعَسّفَتْ
بنا الصُّهبُ أجَوَازَ الفَلاةِ التّنائِفِ
إذا صَوّتَ الحادي بهِنّ تَقَاذَفَتْ
تَسامَى بِأعْناقٍ، وَأيْدٍ خَوَانِفِ
سَفِينَةُ بَرٍّ مُسْتَعَدٌّ نَجَاؤهَا،
لتَوْجابِ رَوعاتِ القُلوبِ الرّوَاجِفِ
عُذافِرَةٌ، حَرْفٌ، تَئِطّ نُسُوعُها،
من الذّامِلاتِ الليلَ ذاتِ العَجارِفِ
كأنّ نَديفَ القُطنِ أُلبِسَ خَطمها،
به نَدفُ أوْتارِ القِسِيّ النّوَادِفِ
دَعَوْتُ أمِينَ الله في الأرْضِ دَعَوةً
ليَفرِجَ عَن ساقَيّ، خَيرُ الخَلائِفِ
فيا خَير أهلِ الأرْض! إنّكَ لوْ تَرَى
بِساقَيّ آثَارَ القُيُودِ النّوَاسِفِ
إذاً لَرَجَوْتُ العَفْوَ مِنْكَ وَرَحْمَةً
وَعَدْلَ إمَامٍ بِالرّعِيّةِ رَائِفِ
هِشامَ ابن خَيرِ النّاسِ، إلاّ محَمّداً
وَأصْحابَهُ، إنّي لَكُمْ لمْ أُقارِفِ
مِنَ الغِشّ شَيئاً، والذي نَحَرَتْ لَهُ
قُرَيْشٌ هَدايا كلّ وَرْقاءَ شَارِفِ
ألَمْ يَكْفِني مَرْوَانُ لَمّا أتَيْتُهُ
نِفاراً وَرَدّ النّفسَ بَينَ الشّرَاسِفِ
وَيَمْنَعُ جَاراً إنْ أنَاخَ فِنَاءَهُ،
لَهُ مُستَقىً عندَ ابنِ مَرْوَانَ غارِفِ
إلى آلِ مَرْوَان انتَهَتْ كلُّ عِزّةٍ،
وَكلُّ حصىً ذي حَوْمَةٍ للخَنادِفِ
هُمُ الأكْرَمُونَ الأكْثَرُونَ وَلم يزَل
لهمْ مُنكِرُ النّكْرَاءِ للحَقّ عارِفِ
أبُوكُمْ أبُو العاصِي الذي كانَ جارُهُ
أعَزَّ منَ العصْماءِ فَوْقَ النّفانِفِ
وَلَستُ بناسٍ فَضْلَ مَرْوَان ما دَعَتْ
حَمامَةُ أيْكٍ في الحَمامِ الهَواتِفِ
وَكَانَ لِمَنْ رَدّ الحَياةَ، وَنفْسُهُ
عَلَيها، بَوَاكٍ بالعُيُونِ الذّوَارِفِ
وَما أحَدٌ مُعطىً عَطاءً كَنَفْسِهِ،
إذا نَشِبَتْ مكْظُومَةٌ بالحَوَائِفِ
حُتُوفُ المَنَايا قَدْ أطَفْنَ بنَفْسِهِ،
وَأشْلاءِ مَحبوسٍ على المَوْتِ وَاقِفِ
وَما زَالَ فيكُمْ آل مَرْوَان مُنعِمٌ
عَليّ بِنُعْمَى بادىءٍ ثُمّ عاطِفِ
فإنْ أكُ مَحْبُوساً بِغَيرِ جَرِيرَةٍ،
فَقَدْ أخذُوني آمِناً غَيرَ خَائِفِ
وَما سَجَنُوني غَير أني ابنُ غالِبٍ،
وَأني مِنَ الأثْرَين غَيرِ الزّعانِفِ
وأني الّذي كانَتْ تَعُدّ لثَغْرِهَا
تَميمٌ لأبْياتِ العدُوّ المقاذِفِ
وَكَمْ من عَدُوٍّ دونَهمْ قد فَرَستُهُ
إلى المَوْت لمْ يَسطَعْ إلى السّمّ رَائِفِ
وَكُنْتُ مَتى تَعْلَقْ حِبالي قَرِينَةً،
إذا عَلِقَتْ أقْرَانَهَا بِالسّوَالِفِ
مَدَدْتَ عَلابيَّ القَرِينِ وَزِدْتَهُ
عَلى المَدّ جَذْباً للقَرِينِ المُخالِفِ
وإنّي لأعْداءِ الخَنادِفِ مِدْرَهٌ
بِذَحْلٍ غَنيٍّ، بالنّوَائِبِ كالِفِ
لجَامُ شَجىً بَينَ الَّلهاتَينِ مَنْ يَقَعْ
لَهُ في فَمٍ يَرْكَبْ سَبيلَ المَتالِفِ
وَإنْ غِبْتُ كانُوا بَينَ رَاوٍ وَمُحْتَبٍ،
وبَينَ مُعِيبٍ، قَلْبُهُ بالشّنائِفِ
وبَالأمسِ ما قد حاذرُوا وَقْعَ صَوْلَتي
فصَيّفَ عَنْها كُلُّ بَاغٍ وَقاذِفِ
وَقَدْ عَلِم المَقْرُونُ بي أنّ رَأسَهُ
سيَذهَبُ أوْ يُرْمَى بهِ في النّفانِفِ
أرى شُعَرَاءَ الناسِ غَيرِي كَأنّهُمْ
بِمَكّةَ قُطَّانُ الحَمامِ الأوَالِفِ
عَجِبْتُ لقَوْمٍ إنْ رَأوْني تَعذّرُوا،
وإنْ غِبْتُ كانوا بَينَ رَاوٍ وَجانِفِ
عَليّ، وَقَدْ كانُوا يَخافُونَ صَوْلَتي،
وَيَرْقَأ بي فَيْضُ العُيونِ الذّوَارِفِ
وَأفْقَأ صادَ النّاظِرَينِ، وَتَلْتَقي
إليّ هجَانُ المصَنات الطّرائِفِ
وَلَوْ كُنتُ أخشَى خالِداً أنْ يَرُوعَني
لَطِرْتُ بِوافٍ رِيشُهُ غَيرَ جادِفِ
كما طِرْتُ مِنْ مِصْرَيْ زِيادٍ، وَإنّهُ
لَتَصْرِفُ لي أنْيَابُهُ بِالمَتَالِفِ
وَما كُنتُ أخشى أنْ أُرى في مَخَيَّس
قَصِيرَ الخُطى أمشِي كَمَشْي الرّواسِفِ
أبيتُ تَطُوفُ الزُّطُّ حَوْلي بجُلْجُلٍ،
عَليّ رَقِيبٌ مِنْهُمُ كالمُحالِفِ