أمحي رسوم الأنس إن شئت أن تبقي

أمحي رسوم الأنس إن شئت أن تبقي

​أمحي رسوم الأنس إن شئت أن تبقي​ المؤلف لسان الدين الخطيب


أمحي رسوم الأنس إن شئت أن تبقي
ذمائي فوف من ودادكم حقي
فليس أخو الترجيح تحسبه أخا
إذا لم يكن عونا على العدل والرفق
عكوفا على اللذات من قبل فوتها
حريصا على الإرشاد في منهج الحق
فخذ منهم أوفى وأصدق لهجة
فليس أخو التمويه مثل أخي الصدق
فكم ليلة بتنا نعاطي وداده
ألذ من العتبى وأشهى من العشق
إذا طارق منهم تأنس للقرى
نحرت له دني ووسدته زق
وقلت لساقينا أدرها سلافة
على صرخة المزمار أو نغمة الورق
فقام بها تحذو أشعة خده
فما قدر الحذاق فيها على الفرق
رقيق حواشي الأنس حين ظهوره
أبيح له مالي ومكن من رق
إذا رمت منه ساقيا ومحدثا
فمن ثغره يلقي ومن لحظه يسقي
من الجانب الغربي أطلع كأسه
كما طلع المريخ من جانب الشرق
سلاف إذا لاحت لمحلولك الدجى
تعهدت لها الطراق في سبل الطرق
بذلنا لها أثمانها قبل ذوقها
لأن شميم المسك أغنى عن الذوق
توالت لها الأحقاب في أرض بابل
فجاءت بنقض الجسم كاملة الخلق
إذا ما أتتها نوبة بعد نوبة
تعذبت فيها الروح من خشية الدق
فخذها على وشي البطاح مبادرا
لعطف من الدنيا ورغد من الرزق
كأن رداء الروض من رقم صانع
لطيف التهدي في الصناعة والحذق
يلين إلى قحط الهجير بنانه
فتسأله النوار عن زابر الودق
فما لبست يوما خليق ثيابها
وما غضت الأجفان إلا لتستسق
تسوق النعامى كل ما ينعش القوى
بفضل مزاج في لطيف من الصدق
إذا ما سرى الوسمي في شبح الثرى
تمخضت الأكوان مفتوقة الرتق
فيصنع من ميت التراب عجائبا
كما صنع الإكسير من حجر الطلق
أليس على الأزهار للشمس سطوة
فتخشى من الأنوار حتى من البرق
إذا نفس الإصباح جن جنونها
فريح الصبا تذكي وورقاؤها ترقي
تشققت الأزهار عن جامد الثرى
كذا جامد الألفاظ أصل لمشتق
وصامتة القلبين تحسب عودها
مشوقا إذا غنى يذوب من الشوق
له قطع مخروط وجيد غزالة
ومنقار طاووس وجفنة مستسق
وقد ولفت أجزاؤه فتحكمت
على نسبة ترضي بواسطة الربق
وقد مدت الأوتار فيه لحكمة
فجاء بديع الخلق مستحسن النطق
إذا جست الغيداء أوسط جيده
سمعت الذي تبدي كمثل الذي تلق
فتحسب فيه من سليمان زاجلا
يترجم منه عن سطيح وعن شق
يجيب خرير الماء نغمة عودها
بما جاء للقمري منه على وفق
كأن غدير النهر في الدوح دارع
على تعب منه إلى الظل مستلق
إذا رفعت عنه الظلال رواقها
تعد بها النينان في الطول والعمق
كأن نجوم الليل والليل راحل
قلوب هفت يوم الفراق من الخفق
وتحسب خيط الفجر مرود فضة
يجول من الآفاق في حدق زرق
فسابق إلى اللذات تحظ بحوزها
فقد وقفوا حوز الرهان على السبق