أناديك لو رد النداء رميم

أناديك لو رد النداء رميم

​أناديك لو رد النداء رميم​ المؤلف إبراهيم عبد القادر المازني


أناديك لو رد النداء رميم
وأبكيك لو أجدي عليك سجيم
وهل يحفل الميت الذي غاله الردى
سلاه خليلٌ أم بكاه حميم
ويا ليت لي دمعاً عليك أريقه
ولكن جفني يا أخي عقيم
سأبكي عليك الناس حتى تخالهم
يتامى دهاهم يوم بنت عظيم
وماذا يقيد الميت في القبر قد ثوى
دموعٌ على الأيام ليس تدوم
وهبها على الأيام سحت غمائما
أيرجع ميتاً صوبها فيقوم
وكيف أجازي طيب عهدك بالبكى
ولو أن عيني بالدماء سجوم
فبعداً لهذا العيش بعد فراقكم
فليس لعيش بنت عنه نعيم
ولا مرحباً بالدار لست قطينها
ولو أن أجر البناء نجوم
عرفتك والأيام بيضٌ حميدة
فصرت وأيامي لبعدك شيم
كأنا الألى متنا وهل يألم الردى
سوى الحي لا الفاني فذاك سليم
وليس غبين القوم من غاله الردى
ولكن من يخطيه فهو مقيم
ولو خير الأموات ما اختار واحدٌ
حياةً ولا قال الحمام ذميم
يروع الفتى ذكر الحمام ووقعه
ويرتاع من ذكر الحياة رميم
خلقنا وما ندري لأية غايةٍ
على الموت منا هجمةٌ وقدوم
وكل امرئٍ في العيش طاب غياةٌ
ومن خلفه هذا الحمام غريم
فيا شقوة الإنسان يجنيه سعيه
ثمار الردى المشنوء وهو نعيم
ولم أر مثل العيش أزهاره الردى
ولا عاصفاً كالموت وهو نسيم
كذبتك لم أجزع عليك وقد رمى
فؤادك من نيل القضاء ظلوم
نجوت من الدنيا نجاءً نفسته
عليك ولو أن الفراق أليم
تمر الليالي لا تحس صروفها
فيا ليتني في الهالكين قديم
كأنك ما مادت بعطفيك قرحةٌ
ولا جشأت دون الضلوع هموم
ولم تك في الدنيا لقلبي مطربا
ولا صرت خطباً ضاق عنه حزيم
كأنك ما دبت بك الرجل مرةً
لمأرب عيشٍ تبتغي وتروم
كأنك ما آذاك بردٌ ولا لظى
ولا كر من بعد النهار بهيم
ولا أطرف الخلان في سامرٍ لهم
فصيح ولا عاطى السلاف نديم
كأنك لم تخلق سوى أن أكيداً
ذواكر تفريها عليك غموم
سقيت الردى في ميعة العمر والصبا
وأوكى على ما في العياب أثيم
فيا ويح للإنسان يحيا وينقضي
كأن لم تورثه الحياة رؤوم
وما نحن إلّا الهاجمون على الردى
فنفس الفتى عونٌ له وخصيم
وكل امرئٍ يحدوه للموت حينه
وللموت جذبٌ لو فطنت وخيم
وما أحد باقٍ وسوف يضمنا
وإياك بطن الأرض وهي جسوم
لقد كان ظني أن يقدمني الردى
عليك ولكن الزمان لئيم