أنت الذي علمتني

أنت الذي علّمتني

​أنت الذي علّمتني​ المؤلف زكي مبارك


أنت الذي علّمتني
يا سيدي برّ الصديق
وتركتني في فتيةٍ
ما فيهمو برٌّ رفيق
لم ألق بعدك منهمو
إلا الجفاء أو العقوق
حتى كأني لم أبت
منهم على عهد وثيق
وكأنهم لم يبصروا
في خلّتي الحر الصدوق
فنَسوا هواي ولم يَفق
من ودّهم قلبى المشوق
ونسوا طريف حديثنا
عند الصبوح أو الغبوق
ليت الهوى ما قادني
يوماً إلى ذاك الطريق
أو ليتني لم أنخدع
جهلاً بهاتيك البروق
بل ليتني بعد الذي
عانيتُ من صحبى أفيق
مولايَ لو أبصرتني
لفزعت من دمعي الطليق
وشجاك جسمى ناحلاً
وكأنه الطيف الطروق
أشكو إليك وإنما
يشكو المضيم إلى الشفيق
فارحم فديتك مهجةً
أودى بها الحزن العميق
حزنٌ يقطّع في الحشا
فكأنه غدر الصديق
يا ويح قلبي لم يزل
يهفو به الروح الخفوق
وتقوده الذكرى إلى
عهد الهوى الغض الرفيق
أيام نمرح في الصبا
في ذلك العيش الأنيق
أيام نسقى في الهوى
والود كأساً من رحيق
تلك الليالي لم تدَع
من بعدها حسناً يروق
كلّا ولا خلّت لنا
إلا الزفير أو الشهيق