أنظريها تجديها زهرا

أنظريها تجديها زهرا

​أنظريها تجديها زهرا​ المؤلف جبران خليل جبران


أنظريها تجديها زهرا
واقرئيها تجديها فكرا
تلك أشباه المنى في لطفها
لبست حسنا فجاءت صورا
من غذاء النور من سقي الندى
من حنو الليل من ضم الثرى
من هزيز الريح في تسيارها
من مناغاة الدراري في السرى
خرد الروض ملاح زانها
خفر الطهر وزن الخفرا
ليس يدري من يرى أشكالها
ويرى ألوانها والحبرا
أيرى في البعض منها شفقا
أم يرى في البعض منها سحرا
أم يرى الكم سرورا نابتا
أم يرى النوار نورا عطرا
إنما الزهرة خلق عجب
فطرة سمحاء تسمو الفطرا
خلقت للخير خلقا صافيا
جاوز الضيم وفاق الغيرا
شأنها تضحية النفس ولا
شيء غير النفع تبغي وطرا
شيمة فادية شرفها
شارب الموت فداء للورى
فلغير الحب ذابت ذهبا
حين تأسى أو تذكت مجمرا
ولغير الفخر حلاها الندى
ولغير الذكر فاحت عنبرا
وسمت أن تتباهى وأبت
أن يطيل الناس عنها السيرا
من دعاها عادلا أو ظالما
للمروءات دعا مبتدرا
فلمن جاور أهدت نفحة
ولمن طالع أسدت منظرا
وأباحت جيدها من يبتغي
سلوة أو زينة أو مظهرا
هي أنس المرء في وحشته
وهي الصفو له إن كدرا
وهي القبلة في مرشف من
شاقه لثم حبيب هجرا
وهي النفحة يستشفي بها
من تلظى وجده مستعرا
وهي التحفة في العرس لمن
آثر المهر الأحب الأطهرا
قالت الوردة ذات النهي
والأمر في الزهر
يا وصيفاتي بنات النور
والقطر في الفجر
أختنا شمس البنات الخرد
الزهر في العصر
من غد تبرح خدر الكاعب
البكر في طهر
وتوافي دار بعل صادق
حر في فخر
أنا أهواها وتهواني
في الجهر والسر
أسعفيني يا أخيات الهوى
العذري في أمري
ننتظم في شبه تاج باهر
يزري بالدر
ونكن أبهى هدايا الود
والذكر في المهر
للمفداة عروس الحسن
والشعر في مصر
سرت الأزهار لما سمعت
ذلك النطق الذكي الاذفرا
واستقرت ليلها هاجعة
فرأت حلما جميلا في الكرى
أبصرت عرسا بهيجا حافلا
جامعا من كل جيل معشرا
عقد العطر سحابا ناصعا
فاشيا بينهم منتشرا
تلمع الأنوار في أثنائه
وتباهي الوجنات الغررا
ولحاظ القوم فيه تلتقي
مرسلات أسهما أو شررا
فتية مرد وشيب تركت
كرة الدهر عليهم أثرا
وحسان مسن أغصانا ولم
تكد الأوراق تخفي الثمرا
في جلابيب سرور وعلى
كل وجه نجم سعد سفرا
تنجلي فيهم عروس ملك
نحجب العفة عنها النظرا
بين أتراب حواليها كما
صحبت غر النجوم القمرا
مجمع يحفل مهتزا لها
فرحا في عيدها مستبشرا
ظلت الرؤيا إلى أن لمست
راحة الفجر الدجى فانحسرا
وجلت عن يوم صفو شائق
ذلك الستر المشوب الأغبرا
فتغنى الطير تبشيرا به
وكسى الأفق الرداء الأزهرا
وبنات الروض وافين إلى
محضر العرس فزن المحضرا
جئن قربانا وكل وهبت
ربة الدار صباها الأنضرا
ودعت كل بسعد دائم
للعروسين دعاء مضمرا
قالت الوردة يا شاعرنا
إننا اخترناك دون الشعرا
أتل عنا ما أذعناه شذا
وابتساما فتلا مؤتمرا
باسم المليكة في الأزاهر
ذات الجلالة والبهاء
يهدي إليك بيان شاعر
أذكى التهانيء والدعاء