إحياء علوم الدين/كتاب آداب العزلة
كتاب آداب العزلة
وهو الكتاب السادس من ربع العادات من كتب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أعظم النعمة على خيرة خلقه وصفوته بأن صرف هممهم إلى مؤانسته،وأجزل حظهم من التلذذ بمشاهدة آلائه وعظمته،ورّوح أسرارهم بمناجاته وملاطفته،وحقر في قلوبهم النظر الى متاع الدنيا وزهرتها حتى اغتبط بعزلته كل من طويت الحجب عن مجاري فكرته فاستأنس بمطالعة سبحات وجهه تعالى في خلوته،واستوحش بذلك عن الأنس بالأنس وإن كان من أخص خاصته و الصلاة على سيدنا محمد سيد أنبيائه وخيرته وعلى آله وصحابته سادة الحق وأئمته .
أما بعد:فإن للناس اختلافاً كثيراً في العزلة والمخالطة وتفضيل إحداهما على الأخرى،ومع أن كل واحدة منهما لا تنفك عن غوائل تنفر عنها وفوائد تدعو الى إليها،وميل أكثر العباد والزهاد الى اختيار العزلة وتفضيلها على المخالطة وما ذكرناه في كتاب الصحبة من فضيلة المخالطة و المؤاخاة و المؤالفة يكاد يناقض ما مال إليه الأكثرون من اختيار الإستيحاش و الخلوة،فكشف الغطاء عن الحق في ذلك مهم.ويحصل ذلك برسم بابين " الباب الأول " في نقل المذاهب و الحجج فيها " الباب الثاني " في كشف الغطاء عن الحق بحصر الفوائد و الغوائل .