إحياء علوم الدين/كتاب آداب الكسب والمعاش
نحمد الله حمد موحدا نمحق في توحيده ما سوى الواحد الحق وتلاشى. ونمجده تمجيد من يصرح بأن كل شيء ما سوى الله باطل ولا يتحاشى. وأن كل من في السموات والأرض لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعت له ولا فراشا. ونشكره إذ رفع السماء لعباده سقفاً مبنيا، ومهد الأرض بساطاً لهم وفراشً. وكور الليل على النهار فجعل الليل لباسا والنهار معاشا. لينتشروا في إبتغاء فضله وينتعشوا به عن ضراعة الحاجات انتعاشا، ونصلي على رسوله الذي يصدر المؤمنون عن حوضه رواء بعد ورودهم عليه عطاشاً. وعلى آله وأصحابه الذين لم يدعوا في نصرة دينه تشمراً وانكماشاً. وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن رب الأرباب ومسبب الأسباب. جعل الآخرة دار الثواب والعقاب، والدنيا دار التحمل والاضطراب. والتشمر والاكتساب. وليس التشمر في الدنيا مقصوراً على المعاد دون المعاش،بل المعاش ذريعة إلى المعاد ومعين عليه، فالدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها. والناس ثلاثة :رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الفائزين، والأقرب إلى الاعتدال هو الثالث الذي شغله معاشه لمعاده فهو من المقتصدين. ولن ينال رتبة الاقتصاد من لم يلازم في طلب المعشية منهج السداد، ولن ينتهض من طلب الدنيا وسيلة إلى الآخرة وذريعة، ما لم يتأدب في طلبها بآداب الشريعة.
وها نحن نورد آداب التجارات والصناعات وضروب الاكتسابات وسننها ونشرحها في خمسة أبواب: الباب الأول فضل الكسب والحث عليه. الباب الثاني في علم صحيح البيع والشراء والمعاملات. الباب الثالث في بيان العدل في المعاملة. الباب الرابع في بيان الإحسان فيها. الباب الخامس في شفقة التاجر على نفسه ودينه.