إحياء علوم الدين/كتاب آداب النكاح/الباب الثاني



الباب الثاني

فيما يراعى حالة العقد من أحوال المرأة وشروط العقد


أما العقد فأركانه وشروطه لينعقد ويفيد الحل أربعة: الأول إذن الولي؛ فإن لم يكن فالسلطان. الثاني رضا المرأة إن كانت ثيباً بالغاً أو كانت بكراً بالغاً، ولكن يزوجها غير الأب والحد. الثالث حضور شاهدين ظاهري العدالة، فإن كانا مستورين حكمنا بالانعقاد للحاجة. الرابع إيجاب وقبول متصل به بلفظ الإنكاح أو التزويج أو معناهما الخاص بكل لسان من شخصين مكلفين ليس فيهما امرأة، سواء كان هو الزوج أو الولي أو وكيلهما.

وأما آدابه: فتقديم الخطبة مع الولي لا في حال عدة المرأة، بل بعد انقضائها إن كانت معتدة، ولا في حال سبق غيره بالخطبة، إذ نهى عن الخطبة على الخطبة. ومن آدابه. الخطبة قبل النكاح، ومزج التحميد بالإيجاب والقبول فيقول الزوج: الحمد لله والصلاة على رسول الله زوجتك ابنتي فلانة. ويقول الزوج: الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت نكاحها على الصداق. وليكن الصداق معلوماً خفيفاً، والتحميد قبل الخطبة أيضاً مستحب. ومن آدابه أن يلقي أمر الزواج إلى سمع الزوجة وإن كانت بكراً فذلك أحرى وأولى بالألفة؛ ولذلك يستحب النظر إليها قبل النكاح فإنه أحرى أن يؤدم بينهما. ومن الآداب: إحضار جمع من أهل الصلاح زيادة على الشاهدين اللذين هما ركنان للصحة، ومنها: أن ينوي بالنكاح إقامة السنة وغض البصر وطلب الولد وسائر الفوائد التي ذكرناها، ولا يكون قصده مجرد الهوى والتمتع، فيصير عمله من الدنيا، ولا يمنع ذلك هذه النيات،فرب حق يوافق الهوى. قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إذا وافق حق الهوى فهو الزبد بالنرسيان، ولا يستحيل أن يكون كل واحد من حظ النفس وحق الدين باعثاً معاً، ويستحب أن يعقد في المسجد وفي شهر شوال. قالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله في شوال وبنى بي في شوال.

وأما المنكوحة فيعتبر فيها نوعان: أحدهما للحل، والثاني لطيب المعيشة وحصول المقاصد.

النوع الأول ما يعتبر فيها للحل: وهو أن تكون خلية عن موانع النكاح والموانع تسعة عشر: الأول: أن تكون منكوحة للغير.

الثاني: أن تكون معتدة للغير سواء كانت عدة وفاة أو طلاق أو وطء شبهة أو كانت في استبراء وطء عن ملك يمين.

الثالث: أن تكون مرتدة عن الدين لجريان كلمة على لسانها من كلمات الكفر.

الرابع: أن تكون مجوسية.

الخامس: أن تكون وثنية أو زنديقة لا تنسب نبي وكتاب ومنهن المعتقدات لمذهب الإباحة فلا يحل نكاحهن وكذلك كل معتقدة مذهباً فاسداً يحكم بكفر معتقده.

السادس: أن تكون كتابية قد دانت بدينهم بعد التبديل أو بعد مبعث رسول الله ومع ذلك فليست منم نسب بني إسرائيل، فإذا عدمت كلتا الخصلتين لم يحل نكاحها، وإن عدمت النسب فقط ففيه خلاف.

السابع: أن تكون رقيقة والناكح حراً قادراً على طول الحرة أو غير خائف من العنت.

الثامن: أن تكون كلها أو بعضها مملوكاً للناكح ملك يمين.

التاسع: أن تكون قريبة للزوج بأن تكون من أصوله أو فصوله، أو فصول أول أصوله، أو من أول فصل من كل أصل بعده أصل، وأعني بالأصول: الأمهات والجدات، وبفصوله: الأولاد والأحفاد، وبفصول أول أصوله: إخوة وأولادهم، وبأول فصل من كل أصل بعده أصل: العمات والخالات دون أولادهن.

العاشر: أن تكون محرمة بالرضاع ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من الأصول والفصول كما سبق، ولكن المحرم خمس رضعات ومادون ذلك لا يحرم.

الحادي عشر: المحرم بالمصاهرة: وهو أن يكون الناكح قد نكح ابنتها أو جدتها أو ملك بعقد أو شبهة عقد من قبل، أو وطئهن بالشبهة في عقد أو وطئ أمها أو إحدى جداتها بعقد أو شبهة عقد؛ فمجرد العقد على المرأة يحرم أمهاتها، ولا يحرم فروعها إلا بالوطء، أو يكون قد نكحها أبوه أو ابنه قبل.

الثاني عشر: أن تكون المنكوحة خامسة أي يكون تحت الناكح لأربع سواها إما في نفس النكاح أو في عدة الرجعة، فإن كانت في عدة بينونة لم تمنع الخامسة.

الثالث عشر: أن يكون تحت الناكح أختها أو عمتها أو خالتها، فيكون بالنكاح جامعاً بينهما، وكل شخصين بينهما قرابة لو كان أحدهما ذكراً والآخرة أنثى لم يجز بينهما النكاح، فلا يجوز أن يجمع بينهما.

الرابع عشر: أن يكون هذا الناكح قد طلقها ثلاثاً فهي لا تحل له ما لم يطأها زوج غيره في نكاح صحيح.

الخامس عشر: أن يكون الناكح قد لاعنها فإنها تحرم عليه أبداً بعد اللعان.

السادس عشر: أن تكون محرمة بحج أو عمرة أو كان الزوج كذلك فلا ينعقد النكاح إلا بعد تمام التحلل.

السابع عشر: أن تكون ثيباً صغيرة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ.

الثامن عشر: أن تكون يتيمة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ.

التاسع عشر: أن تكون من أزواج رسول الله عليه وسلم ممن توفى عنها أو دخل بها فإنهن أمهات المؤمنين وذلك لا يوجد في زماننا؛ فهذه هي الموانع المحرمة.

أما الخصال المطيبة للعيش التي لابد من مراعاتها في المرأة ليدوم العقد وتتوفر مقاصده ثمانية: الدين، والخلق، والحسن، وخفة المهر، والولادة، والبكارة، والنسب، وأن لا تكون قرابة قريبة.

الأولى: أن تكون صالحة ذات دين، فهذا هو الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء، فإنها كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها أزرت بزوجها وسودت بين الناس وجهه وشوشت بالغيرة قلبه وتنغص بذلك عيشه، فإن سلك سبيل الحمية والأنفة، وإذا كانت مع الفساد جميلةً كان بلاؤها أشد، إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها، ويكون كالذي جاء إلى رسول الله وقال: يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس. قال: "طلقها" فقال: إني أحبها قال "أمسكها" وإنما أمره بإمساكها خوفاً عليه بأنه إذا طلقها أتبعها نفسه وفسد هو أيضاً معها؛ فرأى ما في دوام نكاحها من دفع الفساد عنه من ضيق قلبه أولى، وإن كانت فاسدة الدين باستهلاك ماله أو بوجه آخر لم يزل العيش مشوشاً معه. فإن سكت ولم ينكره كان شريكاً في المعصية مخالفاً لقوله تعالى "قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" وإن أنكر وخاصم تنغص العمر، ولهذا بالغ رسول الله في التحريض على ذات الدين فقال "تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها فعليك بذات الدين تربت يداك" وفي حيث آخر "من نكح المرأة لمالها وجمالها حرم جمالها ومالها، ومن نكحها لدينها رزقه الله مالها وقال "لا تنكح المرأة لجمالها فلعل جمالها يرديها، ولا لمالها فلعل مالها يضغيها وانكح المرأة لدينها" وإنما بالغ في الحث على الدين لأن مثل هذه المرأة تكون عوناً على الدين؛ فأما إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدين ومشوشة له.

الثانية: حسن الخلق، وذلك أصل معهم في طلب الفراغة والاستعانة على الدين: فإنها إذا كانت سليطة بذيئة اللسان سيئة الخلق كافرة للنعم، كان الضرر منها أكثر من النفع، والصبر على لسان النساء مما يمتحن به الأولياء. قال بعض العرب. لا تنكحوا من النساء ستة: لا أنانة، ولا منانة، ولا حنانة؛ ولا تنكحوا حداقة، ولا براقة ولا شداقة. أما الأنانة فهي التي تكثر الأنين والتشكي وتعصب رأسها كل ساعة؛ فنكاح الممراضة أو نكاح المتمارضة لا خير فيه، والمنانة: التي تمن على زوجها فتقول: فعلت لأجلك كذا وكذا، والحنانة: التي تحن إلى زوج آخر أو ولدها من زوج آخر، وهذا أيضا مما يجب اجتنابه، والحداقة: التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه وتكلف الزوج شراءه، والبراقة تحتمل معنيين: أحدهما أن تكون طول النهار في تصقيل وجهها وتزيينه ليكون لوجهها بريق محصل بالصنع، والثاني أن تغضب على الطعام فلا تأكل إلا وحدها وتستقل نصيبها من كل شيء، وهذه لغة يمانية يقولون: برقت المرأة وبرق الصبي الطعام إذا غضب عنده، والشداقة: المتشدقة الكثيرة الكلام، ومنه قوله عليه السلام "إن الله تعالى يبغض الثرثارين المتشدقين" وحكي أن السائح الأزدي لقي إلياس عليه السلام في سياحته فأمره بالتزوج ونهاه عن التبتل، ثم قال لا تنكحوا أربعاً المختلعة، والبارية، والعاهرة، والناشز، فأما المختلعة فهي التي تطلب الخلع كل ساعة من غير سبب، والمبارية: المباهية بغيرها المفاخرة بأسباب الدنيا، والعاهرة: الفاسقة التيتعرف بخليل وخدن وهي التي قال الله تعالى "ولا متخذات أخدان" والناشز: التي تعلو على زوجها بالفعال والمقال. والنشز: العالي من الأرض، وكان علي رضي الله عنه يقول: شر خصال الرجال خير خصال النساء. البخل، والزهو والجبن، فإن المرأة إذا كانت بخيلةً حفظت مالها ومال زوجها، وإذا كانت مزهوة استنكفت أن تكلم كل أحد بكلام لين مريب وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء فلم تخرج من بيتها واتقت مواضع التهمة خيفةً من زوجها، فهذه الحكايات ترشد إلى مجامع المطلوبة في النكاح.

الثالثة: حسن الوجه؛فذلك أيضاً مطلوب، إذ به يحصل التحصن والطبع لا يكتفي بالدميمة غالباً كيف والغالب أن حسن الخلق والخلق لا يفترقان. وما نقلناه من الحث على الدين وأن المرأة لا تنكح لجمالها ليس زاجر عن رعاية الجمال، بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين؛ فإن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح ويهون أمر الدين ويدل على الالتفات إلى معنى الجمال أن الألفة والمودة تحصل به غالباً وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الألفة ولذلك استحب النظر فقال: "إذا أوقع الله في نفس أحدكم من امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما" أي يؤلف بينهما، من وقوع الأدمة على الأدمة: وهي الجلدة البطنة، والبشرة الجلدة الظاهرة. وإنما ذكر ذلك للمبالغة في الإئتلاف. وقال عليه الصلاة والسلام: "إن في أعين الأنصار شيئاً فإذا أراد أحدكم أن يتزوج منهن فلينظر إليهن" قيل: كان في أعينهن عمش، وقيل: صغر، وكان بعض الورعين لا ينكحون كرائمهم إلا بعد النظر احترازاً من الغرور. قال الأعمش: كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم. ومعلوم أن النظر لا يعرف الخلق والدين والمال، وإنما يعرف الجمال من القبح. وروي أن رجلاً تزوج في عهد عمر رضي الله عنه وكان قد خضب فنصل خضابه، فاستعدى عليه أهل المرأة إلى عمر وقالوا: حسبناه شاباً، فأوجعه عمر ضرباً وقال: غررت القوم. وروي أن بلالاً وصهيباً أتيا أهل بيت من العرب فخطبا إليهم فقيل لهما، من أنتما فقال: فقال بلال: أنا بلال وهذا أخي صهيب، كنا ضالين فهدانا الله وكنا مملوكين فأعتقنا الله، وكنا عائلين فأغنانا الله؛ فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فسبحان الله، فقالوا بل تزوجان والحمد لله، فقال صهيب: لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله ، فقال: اسكت فقد صدقت فأنكحك الصدق. والغرور يقع في الجمال والخلق جميعاً فيستحب إزالة الغرور في الجمال بالنظر، وفي الخلق بالوصف والإستيصاف فينبغي أن يقدم ذلك على النكاح، ولا يستوصف في أخلاقها وجمالها إلا من هو بصير صادق خبير بالظاهر والباطن ولا يميل إليها فيفرط في الثناء،ولا يحسدها فيقصر، فالطباع ماثلة في مبادئ النكاح ووصف المنكوحات إلى الإفراط والتفريط، وقل من يصدق فيه ويقتصد، بل الخداع والإغراء أغلب، والإحتياط فيه مهم لمن يخشى على نفسه التشوف إلى غير زوجته. فأما من أراد من الزوجة مجرد السنة أو الولد أو تدبير المنزل، فلو رغب عن الجمال فهو إلى الزاهد أقرب لأنه على الجملة باب من الدنيا وإن كان قد يعين على الدين في حق بعض الأشخاص. قال أبو سليمان الداراني: الزهد في كل شيء حتى في المرأة يتزوج الرجل العجوز إيثاراً للزهد في الدنيا. وقد كان مالك بن دينار رحمه الله يقول: يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤنة ترضى باليسير ويتزوج بنت فلان وفلان يعني أبناء الدنيا فتشتهي عليه الشهوات وتقول اكسني كذا وكذا. واختار أحمد بن حنبل عوراء على أختها وكانت أختها جميلة، فسأل: من أعقلها? فقيل: العوراء، فقال: زوجوني إياها، فهذا دأب من لم يقصد التمتع، فأما من لم لا يأمن على دينه ما لم يكن له مستمتع فليطلب الجمال، فالتلذذ بالمباح حصن للدين. وقد قيل: إذا كانت المرأة حسناء خيرة الأخلاق سوداء الحدقة والشعر لبيرة العين بيضاء اللون محبةً لزوجها قاصرة الطرف عليه فهي على صورة الحور العين؛ فإن الله تعالى وصف نساء أهل الجنة بهذه الصفة في قوله "خيرات حسان" أراد بالخيرات حسنات الأخلاق، وفي قوله "قاصرات الطرف" وفي قوله "عرباً أتراباً" العروب: هي العاشقة لزوجها المشتهية للوقاع وبه تتم اللذة والحور: البياض والحوراء: شديدة بياض العين شديدة سوادها في سواد الشعر والعيناء الواسعة العين. وقال عليه الصلاة والسلام "خير نسائكم من إذا نظر إليها زوجها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غلب عنها حفظته في نفسها وماله" وإنما يسر بالنظر أليها محبة للزوج.

الرابعة: أن تكون خفيفة المهر. قال رسول الله "خير النساء أحسنهن وجوهاً وأرخصهن مهوراً" وقد نهى عن المغالاة في المهر، تزوج رسول الله بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بيت وكان رحى يد وجرة ووسادة من أدم حشوها ليف وعلى، وأولم على بعض نسائه بمدين من تمر ومدين من سويق وكان عمر رضي الله عنه ينهي عن المغالاة في الصداق ويقول: "ما تزوج رسول الله ولا زوج بناته بأكثر من أربعمائة درهم" ولو كانت المغالاة بمهور النساء مكرمة لسبق إليها رسول الله وقد تزوج بعض أصحاب رسول الله على نواة نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم وزوج سعيد بن المسيب ابنته من أبي هريرة رضي الله عنه على درهمين، ثم حملها هو إليه ليلاً فأدخلها هو من الباب ثم انصرف، ثم جاءها بعد سبعة أيام فسلم عليها ولو تزوج على عشرة دراهم للخروج من خلاف العلماء فلا بأس به. وفي الخبر "من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها - أي الولادة -ويسر مهرها" وقال أيضاً "أبركهن أقلهن مهراً" وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة فيكره السؤال عن مالها من جهة الرجل. ولا ينبغي أن ينكح طمعاً في المال. قال النوري: إذا تزوج وقال: أي شيء للمرأة، فأعلم أنه لص، وإذا أهدى إليهم فلا ينبغي أن يهدي ليضطرهم إلى المقابلة بأكثر منه، وكذلك إذا أهدوا إليه فنية طلب الزيادة نية فاسدة؛ فأما التهادي فمستحب وهو سبب المودة. قال عليه السلام "تهادوا تحابوا" وأما طلب الزيادة فداخل في قوله تعالى "ولا تمنن تستكثر" أي تعطي لتطلب أكثر، وتحت قوله تعالى "وما أوتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس" فإن الربا هو الزيادة، وهذا زيادة على الجملة، وإن لم يكن في الأموال الربوية فكل ذلك مكروه وبدعة في النكاح يشبه التجارة والقمار ويفسد مقاصد النكاح.

الخامسة: أن تكون المرأة ولوداً؛ فإن عرفت بالعقر فليمتنع عن تزويجها. قال عليه السلام "عليكم بالولود الودود" فإن لم يكن لها زوج ولم يعرف حالها فيراعي صحتها وشبابها، فإنها تكون ولوداً في الغالب مع هذين الوصفين.

السادسة: أن تكون بكراً قال عليه السلام لجابر: وقد نكح ثيباً "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" في البكارة ثلاث فوائد، إحداها: أن تحب الزوج وتألفه فيؤثر في معنى الود، وقد قال "عليكم بالودود" والطباع مجبولة على الأنس بأول مألوف. وأما التي اختبرت الرجال ومارست الأحوال فربما لا ترضى بعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتقلي الزوج الثانية: أن ذلك أكمل في مودته لها فإن الطبع ينفر عن التي مسها غير الزوج نفرة ما، وذلك يثقل على الطبع مهما يذكر وبعض الطباع في هذا أشد نفوراً. الثالثة: أنها لا تحن إلى الزوج الأول وآكد الحب ما يقع مع الحبيب الأول غالباً. السابعة: أن تكون نسيبة أعني أن تكون من أهل بيت الدين والصلاح فإنها ستربي بناتها وبنيها، فإذا لم تكن مؤدبة لم تحسن التأديب والتربية، ولذلك قال عليه السلام "إياكم وخضراء الدمن" فقيل: ما خضراء الدمن، قال: "المرأة الحسناء في المنبت السوء" وقال عليه السلام: "تخيروا لنطفكم فإن العرق نزاع". الثامنة: أن لا تكون من القرابة القريبة؛ فإن ذلك يقلل الشهوة. قال "لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاوياً" أي نحيفاً، وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة،فإن الشهوة إنما بعثت بقوة الإحساس بالأمر الغريب الجديد، فأما المعهود الذي دام النظر إليه مدة فإنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به ولا تنبعث به الشهوة، فهذه هي الخصال المرغبة في النساء، ويجب على الولي أيضاً أن يراعي خصال الزوج ولينظر لكريمته فلا يزوجها ممن ساء خلقه أو خلقه، أو ضعف دينه، أو قصر عن القيام بحقها أو كان لا يكافئها في نسبها، قال عليه السلام "النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته" والاحتياط في حقها أهم لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها، والزواج قادر على الطلاق بكل حال ومهما زوج ابنته ظلماً أو فاسقاً أو مبتدعاً أو شارب خمر فقد جنى على دينه وتعرض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار. وقال رجل للحسن: قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها? قال: ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها. وقال عليه السلام "من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها".