إذا أنا لم أوثر هواي على عزمي

إذا أنا لم أوثر هواي على عزمي

​إذا أنا لم أوثر هواي على عزمي​ المؤلف لسان الدين الخطيب


إذا أنا لم أوثر هواي على عزمي
فنفسي في طوعي وأمري في حكم
وإن أنا أرجأت الأمور إلى غد
طعنت بغرب الفخر في ثغرة الحزم
وإن أحق الناس باللوم لامرؤ
يضل طريق الرشد وهو على علم
كتمت اشتياقي والنحول ينم بي
كأني أحلت الكتم مني على جسم
وقلت لجفني إن دعيت لعبرة
فساعد بها مطل الغني من الظلم
ولم لا وقد حل الركاب بيثرب
وبؤت بشحط الدار منها على رغم
تدامر أقوام إليها وضمروا
مخيسة تهوي بأجنحة العزم
وقام خضم الماء دون مرامهم
فلم يحفلوا منه بصول ولا لطم
إذا النفس أبدت فيه صنا بجسمه
تقول لها الأشواق ألقه في أليم
فما كان إلا أن أتوا معهد الهوى
وشيكا كما أغفيت في سنة الحلم
وفازوا بما حازوا كراما فإنما
زيارة خير الخلق من أعظم الغنم
كأني بقومي حين حلوا حلالها
وأعينهم إذ ذاك أجفانهم تهم
يكبون للأذقان في عرصاتها
سلاما وتقبيلا على ذلك الرسم
فيعفى عن الأوزار في ذلك الحمى
وتغتفر الأثام في ذلك اللثم
فلله در القوم فيها وقد غدوا
ضيوفا بمثوى سيد العرب والعجم
أقام لهم حيا أمانا من الردى
وقام مقام الغيث في شدة الأزم
وحلوا به ميتا فكان قراهم
خفاوة ذي روح ومأمن ذي جرم
رسول أتى حكم الكتاب بمدحه
وأثنى عليه الله بالصدق والحلم
أحب من المحيا وأجدى من الحيا
وأهدى لمن ضل السبيل من النجم
قريع صميم المجد في آل هاشم
أولي القسمات الغر والأنف الشم
أتى رحمة والناس في مدلهمة
يروحون في غي ويغدون في إثم
فصدق من قادته سابقه الهدى
وساعده الأسعاد في سالف الحكم
وصد عن الآيات من سبقت له
شقاوته في سابق القدر الحتم
وأعجز من أعمى الضلال يقينه
عمى قد تحدى من معاقره العقم
فروى لهام الجيش منه بأنمل
جرى الماء في أثنائها سائغ الطعم
ولما دعا بالبدر شق لحينه
وأقبل منه الشق يهوي إلى الكم
وكلمه ضب الفبلاة مخاطبا
ومستفهما في القول تكليم ذي فهم
وخاطبه الصخر الجماد محدثا
وحذره ما في الذراع من السم
وفي الختم منه للنبيئين آية
رأينا بها معنى البداية في الختم
سرى نوره في أوجه نبوية
مقدسة ينميه أكرم من ينم
ولم تشك ثقل الحمل آمنة الرضا
ولا دهيت منه بكرب ولا غم
وفي ليلة الميلاد منه بدت لها
شواهد لم تخطر لنفس ولا على وهم
وبشرها الأملاك أن وليدها
إمام النبيئين الكرام أولي العزم
إلى أن فرى الليل عن نور وجهه
كما شف سحب عن سنا قمر تم
فخرت له الأصنام صرعى وزلزلت
بمكتها أجرام أجبالها الشم
فرام استراق السمع رائد غائب
من الجن فانقضت له شهب الرجم
وإيوان كسرى أسرعت شرفاته
وقد عاينت ما عاينته إلى الهدم
وأخبر شق أن في الأرض عندها
طلوع نبي طاهر الأب والأم
رسول من الرحمن يدعو إلى الهدى
ويدعو إلى دار السلامة والسلم
فلله منها ليلة بركاتها
سحائبها تنهل بالنعم العم
أشاد أمير المسلمين بذكرها
فأحيا سبيلا دارسا لأولي العلم
وآثر تقوى الله منها فلم يكن
بمشتغل عنها بزور ولا فم
تقي حذا حذو الخلائف واقتدى
بهم مثل ما خط الكتاب على الرسم
إذا هم أمضى عزمه وإذا سطا
فلا عدة تغني ولا عدة تحم
وإن جد يوما لم يبت دون غاية
وإن جاد ما ذو العطر يوما بمهتم
وإن طلب الصعب الممنع ناله
بمدركة الأقصى ومنزلة العصم
إذا ما دجى روع فغرة يوسف
تضيء بها الآفاق في الجادة الجهم
وإن زمن يوما عرته زمانة
فراحته برء الزمان من السقم
فيا ناصر الإسلام دم في حلى العلا
وجارك في أمن وقطرك في سلم
ولا برحت آثارك الغر تكتسي
بدائع مما صاغ في وصفها نظم
وإني بنعماك التي ملأت يدي
فأصبحت من إحسانها وافر القسم
لأخلق من جفني المسهد بالكرى
وأليق بالسر المصون من الكتم