إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي

​إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي​ المؤلف الشوكاني


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله الذي أرشدنا إلى الدعاء للسلف الصالح بقوله : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذبن سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }.1

والصلاة والسلام على حبيبه المصطفى ، الذي قال : ( لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبا ، ما بلغ مدَّ أحدهـم ولا نصفيه ) 2 وعلى آله الذين صحَّ إجماعهم من طرق كثيرةٍ على تعظيم الصحابة . وبعــد :

[ تقدمة ]

فإنها لما خفيت على غالب أهل الزمان مذاهب أئمة الآل ، وجهلت مصنفاتهم تقطع في الرحلة إلى مثلها أكباد الإبل ، فلم يبق بأيدي أهل عصرنا من أتباعهم إلا القيل والقال ، فلا تكاد ترى إلا رجلا قد رغب من جميع أصناف العلوم وهجر بخسَّة همته ودناءة نفسه الاشتغال بمنطوقها والمفهوم ، أو آخر قد هجر من علوم العترة المطهرة الحديث والقديم ، واشتغل بعض الاشتغال بعلوم غيرهم ، فلم يفرق بين الصحيح والسقيم ، أو رجلا ينتحل أتباعهم والانتساب إلى مذاهبهم ، ولكنه قد قنع من البحر المتدفق بقطرة ، وقصر همه على بالاشتغال بمختصرٍ من مختصرات لديهم ، فلم يحظ من غيره بنظرة ، فحصل بسبب ذلك الخبط والخلط من الجم الغفير ، ونسب إلى أهل البيت من المسائل ما يخالفه قول كبيرهِم والصغير .

وكان من جملة ذلك تعظيم القرابة للصحابة ، فإن كثيرا من العاطلين عن العلوم ، يتجارى على ثلب أعراض جماعة من أكابر خير القرون ، فإذا عوتب في ذلك قال : هذا مذهب أهل البيت ! . وذلك فرية عليهم ، صانهم الله عنها ، فإنهم عند من له أدنى إلمام بمذاهبهم مبرؤون عن هذه الخصلة الشنيعة .

فأحببت بيان مذاهبهم في هذه المسألة بخصوصها ، لأنها هي التي ورد فيها السؤال من بعض أهل العلم ، ليستدل بذلك على صحة ما ذكرنا من اندراس معاهد علومهم الشريفة في هذه الأزمنة .

وقد اختصرت على مقدار يسير من نصوصهم ، لأن الإكثار من دواعي الإملال ، ولم أشتغل بإخراج الأدلة ، لأن غرض السائل ليس إلا بيان ما يذهبون إليه من ذلك ، فأقول :

إجماع أهل البيت على تحريم سب الصحابة

وسرده من اثني عشر طريقا

قد ثبت إجماع الأئمة من أهل البيت على تحريم سب الصحابة ، وتحريم التكفير والتفسيق لأحد منهم ، إلا من اشتهر بمخالفته الدين ، ليست بموجبة لعصمة من اتصف بها ، بل على ما ذهب إليه الجمهور ، بل هو إجماع كما حققنا ذلك في الرسالة المسماة بـ( القول المقبول في رد رواية المجهول من غير صحابة الرسول ) .

وهذا الإجماع الذي قدمنا ذكره عن أهل البيت يروى من طرق ثابتة عن جماعة من أكابرهم :

الأولى : عن الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني ، فإنه روى عن جميع أبائه من أئمة الآل تحـريم سب الصحابـة ، حكى ذلك عنه صـاحب ( حواشي الفصول ) .

الثانية : قال المنصور بالله عبدالله بن حمزة في رسالته في جواب المسألة التهامية بعد أن ذكر تحريم سب الصحابة ما لفظه : وهذا ما يقضي به علم آبائنا إلى علي عليه السلام .

ثم قال فيها ما لفظه : وفي هذه الجهة من يرى محض الولاء سب الصحابة رضي الله عنهم والبراءة منهم ، فتبرأ من محمد صلى الله عليه وآله وسلم من حيث لا يعلم :

فإن كنت لا أرمي وترمي كنانتي
تصيب جانحات النبل كشحي ومنكبي

قال في ( الترجمان ) عند شرح قوله في الصحابة :

ورضِّ عنهم كما رضَّى أبو الحسن
أو قف عن السب إن ما كنت ذا حذر

ما لفظه : قال المنصور بالله عبدالله بن حمزة : ولا يمكن أحد أن يصحح دعواه على أحد من سلفنا الصالح أنهم نالوا من المشايخ أو سبوهم ، بل يعتقدون فيهم أنهم خير الخلق بعد محمد وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم وسلامه ، ويقولون : قد أخطؤوا في التقدم ، وعصوا معصية لا يعلم قدرها إلا الله سبحانه ، والخطأ لا يبرأ منه إلا الله وحده { وعصى آدم ربه فغوى } 3 فإن حاسبهم فبذنب فعلوه وإن عفى عنهم فهو أهل العفو وهم يستحقونه بحميد سوابقهم اهـ .

الثالثة : قال المؤيد بالله يحيى بن حمزة عليه السلام في آخر التصفية ما لفظه : تنبيه : إعلم أن القول في الصحابة على فريقين :

القول الأول : مصرحون بالترحم عليهم والترضية ، وهذا هو المشهور عن أمير المؤمنين ، وعن زيد بن علي ، وجعفر الصادق ، والناصر للحق ، والمؤيد بالله ، فهؤلاء مصرحون بالترضية والترحم والموالاة ، وهذا هو المختار عندنا ، ردا للفاعلية ، وذكرنا أن الإسلام مقطوع به لا محالة ، وعروض ما عرض من الخطأ في مخالفة النصوص ليس فيه إلا الخطأ لا غير ، وأما كونه كفرا أو فسقا ، فلم تدل عليه دلالة شرعية ، فلهذا أبطل القول به ، فهذا هو الذي نختاره ونرتضيه مذهبا ، ونحب أن نلقى الله به ونحن عليه .

الفريق الثاني : متوقفون عن الترضية والترحم ، وعن القول بالتكفير والتفسيق ، وهذا دل عليه كلام القاسم والهادي وأولادهما ، وإليه أشار كلام المنصور بالله ، فهؤلاء يحكمون بالخطأ ويقطعون به ويتوقفون في حكمه .

فأما القول بالتكفير والتفسيق في حق الصحابة ، فلم يؤثر عن أحد من أكابر البيت وأفاضلهم ، كما حكيناه وقررناه ، وهو مردود على ناقله اهـ .

وقال الإمام يحيى بن حمزة أيضا في رسالته ( الوازعة للمعتدين عن سب أصحاب سيد المرسلين ) بعد أن حكى عن أهل البيت أنهم لم يكفروا ولم يفسقوا من لم يقل بإمامة أمير المؤمنين ، أو تخلف عنه أو تقدمه ما لفظه : ثم إن لهم بعد القطع بعدم التكفير والتفسيق مذهبين :

الأول : مذهب من صـرح بالترحم والترضية ، وهذا هو المشهور عن علي ، وزيد بن علي ، وجعفر الصادق ، والباقر ، والناصر ، والمؤيد بالله ، وغيرهم وهو المختار عندنا .

ثم قال :

الثاني : من توقف عن الترضية والترحم والإكفار والتفسيق ، وإلى هذا يشير كلام القاسم ، والهادي وأولادهما ، والمنصور بالله ، لأنهم لما قطعوا على الخطأ ولم يدل دليل على عصمتهم ، فيكون الخطأ صغيرة في حقهم ، جاز إن لم يكن خطؤهم كبيرة ، فلذلك توقفوا عن الترضية .

قال : ونقابله على أنا قاطعون على إيمانهم قبل هذه المعصية فنستصحب الأصل ولا ننتزع عنه إلا لدلالة قاطعة على كفر أو فسق .

قال : وما روي عن المنصور بالله أنه قال : من رضي عنهم ، فلا تصلوا خلفه ، ومن سبهم ، فاسألوه : ما الدليل ؟ .

الرواية المشهورة : من سبهم ، فلا تصلوا خلفه ، ومن رضي فاسألوه ما الدليل ؟.

انتهى كـلام الإمـام يحـيى عليه السلام ، وقد بالغ في كتابه المسمى بـ( التحقيق في الإكفار والتفسيق ) في الاستدلال على جواز الترضية ، وكذلك في سائر كتبه الكلامية .

قال الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم في ( الإيضاح ) : واعلم أن القائلين بالترضية من أهل البيت هم : أمير المؤمنين والحسن والحسين وزين العابدين علي بن الحسين والباقر والصادق وعبدالله بن الحسن ومحمد بن الحسن ومحمد بن عبدالله النفس الزكية وإدريس بن عبدالله وزيد بن عبدالله وزيد بن علي وكافة القدماء من أهل البيت .

زمن المتأخرين : سادة الجيد : المؤيد بالله وصنوه بن طالب والناصر الحسن بن علي الأطروش والإمام الموفق بالله وولده السيد المرشد بالله والإمام يحيى بن حمزة .

ومن المتأخرين باليمن : الإمام المهدي : أحمد بن يحيى والسيد محمد بن إبراهيم وصنوه الهادي والإمام أحمد بن الحسين والإمام عز الدين بن الحسن والإمام شرف الدين وغيرهم .

وسائر الأئمة يتوقف : كالهادي والقاسم ، مـع أن في رواية الهادي الترضية .

والمنصور بالله عبدالله بن حمزة له قولان : التوقف كما في الشافي والترضية كما في الجوابات التهامية .

وكثير منهم لا حاجة لنا إلى تعداد أعيانهم ، لأنه يكفي القول الجملي بأن أئمة أهل البيت كافة بين متوقف ومترضٍّ ، ولا يرى أحد منهم السب للصحابة أصلا ، يعرف ذلك من عرف انتهى بلفظه .

الرابعة : حكى السيد الهادي بن إبراهيم الوزير في كتابه المعروف بـ( تلقيح الألباب ) : أنه سأل الإمام ناصر محمد بن علي المعروف بصلاح الدين عن المتقدمين لأمير المؤمنين وسائر من خالفه ؟ فأجاب بأن مذهب أئمة الزيدية القول بالتخطئة لمن تقدم أمير المؤمنين .

قال : وهؤلاء فرقتان : فرقة تقول باحتمال الخطأ ، ويتوقفون في أمرهم ، وفرقة يتولونهم ويقولون : إن خطأهم مغفرة في جنب مناقبهم وأعمالهم وجهادهم وصلاحهم .

وقال : وهذا القول الثاني هو الذي نراه إذ هم وجوه الإسلام وبدور الظلام .

وحكى السيد الهادي في ذلك الكتاب عن الإمام المهدي علي بن محمد بن علي والد صلاح الدين : أنه سئل عمن تقدم على أمير المؤمنين أو خالفه ؟ . فأجاب بأن مذهب جمهور الزيدية أن النص وقع على وجه يحتاج في معرفة المراد به نظر وتأمل ، ولا يكفِّرون من دافعه ، ولا يفسقونه ... إلى آخر كلامه في ذلك .

ولا يخفى أن حكاية ذلك عن جمهور الزيدية لا تنافي حكاية غيره عن له جميعهم ، لأن الحاكي عن الجميع ناقل للزيادة ، وقبولها متحتم ، وغاية ما عند ما حكي عن البعض أو الأكثر أنه لم يعلم بأن ذلك قول الجميع ، وعدم العلم ليس علما بالمعدوم ، وقد علم غيره ذلك ومن علم حجة على من لم يعلم .

الخامسة : قال يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد في كتابه الإيضاح لما خفي من الإتفاق على تعظيم الصحابة ، بعد حكاية مذهب أهل البيت ما لفظه : وإذا تقرر ما ذكرنا ، وعرف أقوال أئمة العلم الهداة ، علم من ذلك بالضرورة التي لا تنتفي بشك ولا بشبهة : إجماع أئمة الزيدية على تحريم سب الصحابة ، لتواتر ذلك عنهم والعلم به ، فما خالف ما علم ضرورة لا يعمل به .. إلخ .

السادسة : حكاها السيد إدريس في كتابه المعروف بـ( كنز الأخيار ) .

السابعة : حكاها الديلمي من كتاب ( إعتقاد آل محمد ) .

الثامنة : حكـاها حميد بن أحمد المحلي في كتابـه ( عقيدة أهل البيت ) .

التاسعـة : حكـاها السيد صـارم الدين إبراهيم بن محمد في ( المسائل التي اتفق عليها الزيدية ) .

العاشرة : حكاها الكنّي في كتاب ( كشف الغلطات ) له .

الحادية عشر : حكاها الإمام شرف الدين في مقدمة ( الأثمار ) .

الثانية عشر : حكاها القاضي عبدالله الدواري في كتاب ( السير ) من آخر الديباج اهـ .

فهذه طرق متضمنة لإجماع أهل البيت من أئمة الزيدية ومن غيرهم ، كما في بعض هذه الطرق ، والناقل لهذا الإجماع ممن أسلفنا ذكره من أكابر أئمتهم .

[ نصيحة ونداء إلى كل من أفسد دينه ]

فيا من أفسد دينه بذم خير القدوة ! أقتديت بالكتاب العزيز كذلك في هذه الدعوى ؟ من كان له في معرفة القرآن أدنى تبريز ، فإنه مصرح بأن الله جل جلاله قد رضي عنهم ، ومشحون بمناقبهم ومحاسن أفعالهم ، ومرشد إلى الدعاء لهم .

وإن قلت : اقتديت بسنة رسول الله المطهرة ، قام في وجه دعواك الباطلة العاطلة ما في كتب السنة الصحيحة من مؤلفات أهل البيت وغيرهم ، من النصوص المصرحة بالنهي عن سبهم ، وعن أذية رسول الله بذلك ، وأنهم خير القرون ، وأنهم من أهل الجنة ، وأن رسول الله مات وهو راضٍ عنهم ، وما في طي تلك الدفاتر الحديثية من ذكر مناقبهم الجمة ، كجهادهم بين يدي رسول الله ، وبيعهم نفوسهم وأموالهم من الله ، ومفارقتهم للأهل والأوطان والأحباب والأخدان ، طلبا للدين وفرارا من مساكنة الجاحدين ، وكم يعدُّ العادُّ من هذه المناقب التي لا يتسع لها سجلات ، ومن نظر في كتب السير والحديث ، عرف من ذلك ما لا يحيط به الحصر .

وإن قلت أيها السَّاب لخيرة هذه الأمة من الأصحاب : إنك اقتديت بأئمة أهل البيت في هذه القضية الفظيعة ، فقد حكينا لك في هذه الرسالة إجماعهم على خلاف ما أنت عليه من تلك الطرق .

وإن قلت إنك اقتديت بعلماء الحديث ، أو علماء المذاهب الأربعة ، أو سائر المذاهب ، فلتأتنا بواحد يقول بمثل مقالتك ! فهذ كتبهم قد ملأت الأرض ، وأتباعهم على ظهر البسيطة أحياء ، وقد اتفقت كلمة متقدميهم ومتأخريهم على أن من سب الصحابة مبتدع ، وذهب بعضهم إلى فسقه ، وبعضهم إلى كفره ، كما حكى ذلك جماعة من علمائهم ، منهم ابن حجر الهيتمي ، فإنه ذكر في كتابه المعروف ( بالصواعق المحرقة ) أن كثيرا من الأئمة كفَّروا من سب الصحابة .

وإن قلت أيها الساب : إنك قد اقتديت بفرقة من غلاة الإمامية ، فنقول :

[ الروافض ]

صدقت ، فإن فيهم فرقة مخذولة تصرح بسب أكابر الصحابة ، وقد أجمع على تضليلهم جميع علماء الإسلام من أهل البيت وغيرهم ، وهم الرافضة ، الذين رويت الأحاديث في ذمهم .

فمن جملة من روى ذلك : الإمام الأعظم الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام ، فإنه روى في كتابه ( الأحكام ) في كتاب الطلاق منه بسنده المتصل بآبائه الأئمة الأعلام إلى أمـير المؤمنين علي عليه السلام : أن النبي قال له : ( يا علي ! يكون في آخر الزمان فرقةٌ لهم نبزٌ يعرفون به ، يقال لهم الرافضة ، فإذا لقيتهم ، فاقتلهم ، قتلهم الله ، فإنهم كافرون ) أو كما قال .

فهذا الإمام الأعظم يروي هذا الحديث عن آبائه الأئمة حتى قيل أنه لم يكن في كتابه الأحكـام حديث مسلسل من أول إسناده إلى آخره إلاَّ هذا الحديث ، ذكر ذلك العلامة محمد بن إبراهيم الوزير وغيره ، وفيه التصريح بكفرهم .

فكيف اقتديت أيها المغرور في مثل هذه المسألة التي هي مزلة الأقدام بمثل هذه الفرقة ؟! .

فكيف تزعم أنك متبع لأهل البيت وهم مخالفون للإمامية ، ومصرحون بشتمهم ، ومتوجعون من اعتقاداتهم الفاسدة ؟! .

ولقد بالغ المؤيد بالله في ذلك ، حتى صـرح في كتابه المعروف بـ( الإفادة ) ، وكذلك في ( شرح التجريد ) ، صرح في مواضع بعدم قبول رواية الإمامية اهـ .

فإنها لا تقبل الأخبار المروية من طريقهم ، لأنهم يعتقدون أن كل ما يروى عن كل من يشار إليه من أئمتهم يجوز أن يـروي عن رسول الله .

وقد بالغ الإمام الهادي في التوجع منهم في كتبه .

فإن قلت : ومن أين لك أنهم الرافضة ؟ .

فأقول : قال في ( القاموس ) : الرافضة فرقة من الشيعة ، بايعوا زيـد بن علي ، ثم قالوا تبرأ من الشيخين ، فأبى ، وقال : كانا وزيري جدي ، فتركوه ، ورفضوه ، وارفَضُّوا عنه ، والنسبة رافضي .. اهـ .

فتقرر بهذا أن الرافضي من رفض ذلك الإمام لتركه لسب الشيخين ، والإمامية يسبون الشيخين وجمهور الصحابة ، بل وسائر المسلمين ، ما عدا من كان على مثل اعتقادهم ، ويسبون أيضا زيد بن علي ، وينتقصونه ، كما يعرف ذلك من له إلمام بكتبهم .

وقال النووي في شرح مسلم في مباحث المقدمة ما لفظه : وسموا رافضة من الرفض ، وهو الترك . قال الأصمعي وغيره : لأنهم رفضوا زيد بن علي وتركوه .

وهكذا صرح جماعة من العلماء بأن الرافضة هم هؤلاء ، وصرح جماعة أيضا بأن الرافضة هم الذين يسبون الصحابة من غير تقييد .

ويا لله العجب من هذه الفرقة ! كيف تبلغ بهم محبة أمير المؤمنين إلى ما لا يرضاه ؟! بل إلى ما هو على خلافه ، كما أسلفناه عن الإمام يحيى : أن مذهب أمير المؤمنين جواز الترضية .

وقد حكى الإمام عبدالله بن حمزة في كتابه ( الكاشف للإشكال الفارق بين التشيع والإعتزال ) ما لفظه : والمسلك الثاني : أن أمير المؤمنين هو القدوة ، ولم يعلم من حاله عليه السلام لعن القوم ، ولا التبرؤ منهم ، ولا تفسيقهم ، يعني المشايخ .

قال : وهو قدوتنا ، فلا نزيد على حده الذي وصل إليه ، ولا ننقص شيئا من ذلك ، لأنه إمامنا وإمام المتقين ، وعلى المأمور إتباع آثار إمامه ، واحتذاء أمثاله ، فإن تعدى ، خالف وظلم اهـ .

وقد حكى هذا الكلام بألفاظه السيد الهادي ، وحكى في الصحابة أن عليا عليه السلام كان يرضى عنهم ، فقـال :

ورضِّ عنهم كما رضَّى أبو الحسن
أو قف عن السب إن ما كنت ذا حذر

وروى الإمام المهدي في ( يواقيت السير) : أنه حين مات أبو بكر ، قال عليه السلام : رضي الله عنك ، والله لقد كنت بالناس رؤوفا رحيما اهـ .

وقد روى أئمة الحديث والسير عن أمير المؤمنين : أنه كان يرضى عن الصحابة ، ويترحم عليهم ، وكان يمدحهم ويبالغ في الثناء عليهم ، وذلك أمر معروف عند أهل العلم ، ولكنا اقتصـرنا على نقل كلام أولئك الأئمة من أولاده ، لأن روايتهم أقطع لعرق الشك ، وأصم لداء اللجاج من رواية غيرهم .

فهل يليق لمن يعد نفسه من شيعة أمير المؤمنين أن يخالفه هذه المخالفة ، فيلعن من كان يرضى عنه ويترحم عليه ؟! .

وهل هذا إلا من المعاندة والمخالفة لهديه القويم ، والخروج عن الصراط المستقيم ؟! .

فأي خير في تشيُّع يفضي إلى مثل هذا ويوقع في الهلكة كما ورد : أنه يهلك فيه عليه السلام فرقتان : محب غال ، ومبغض غال .

وفرقة الإمامية هي الفرقة التي غلت في المحبة فهلكت ، فمن اقتدى بهم ، فهو من جملة الهالكيـن ، بنصوص الأحاديـث الصـحيحة ، وتصريح علماء الدين .

فيا من يدعي أنه من أتباع الإمام زيد بن علي ! كيف لا تقتدي به ذلك المنهج الجلي ؟!

ألا ترى كيف رضي بمفارقة تلك الجيوش التي قامت تنصره على منابذة سلاطين الجور ، ولم يسمح بالتبري من الشيخين أبي بكرٍ وعمر ؟!

بل احتج على الرافضة بأنهما كانا وزيري جده رسول الله ، ولا شك أنه يؤلم الرجل ما يؤلم وزيره ، ومن أهان الوزير فقد أهان السلطان .

ولهذا قال المنصور بالله في كلامه السابق : من تبرأ من الصحابة . فقد تبرأ من محمد .

ولقد قال الإمـام المهدي في ( القلائد ) : إن قضاء أبي بكر في فدك صحيح .

وروى في هذا الكتاب عن زيد بن علي : أنه قال : لو كنت أبا بكر لما قضيت إلا بما قضى به أبو بكر .

فتصحيح الإمام المهدي لقضاء أبو بكر ، وقول زيد بن علي هذه المقالة ، يدل على أنه عدلٌ مرضي ، ولو كان عندهما على خلاف ذلك ، لما كان حكمه صحيحا .

وقال الإمام يحيى بن حمزة في كتابه الموسوم بـ( الشامل في علم الكلام ) عند تكلمه على ما نقم على أبي بكر في إغضاب فاطمة : إنما طلب منها إقامة البينة ، وقد جاءت بعلي وأم أيمن ، فقال امرأة مع الإمرأة ، والرجل مع الرجل . قال : فغضبت فاطمة لذلك ، وغنما طلب أبو بكر الحق ، فإذا غضبت لذلك ، فالحق أغضبها .

هذا كلام الإمام يحيى بن حمزة في ذلك الكتاب ، وقد حكاه أيضا السيد الهادي في كتابه المعروف بـ( نهاية التنويه في إزهاق التمويه ) .

فانظر كيف صوَّب هذا الإمام أبا بكر في حكمه ، ولو كان غير عدل عنده ، لكان حكمه باطلا ً سواء وافق الحق أو خالفه ، لأن العدالة شرط في الصحة .

وقال محمد بن المنصور بالله من قصيدة يفتخر بها على قحطان :

ومنا أبو بكر وصاحبه الذي
على السنن الغر الكريمة يغضب

ولو كان أبو بكـر وعمر عند هذا السيد الجليل من الظلمة المتغلبين ، لما افتخر بهما ، والوصف بالغضب على السنن الغر الكريمة من آداب المتقين الماضين والمتأخرين لها .

ويا من يدعي أنه من أتباع الإمام الهادي يحيى بن الحسين ! هلا سلكت مسلكه ، ومشيت سنن مذهبه ، فتوقف كما صح عنه التوقف بما أسلفناه من حكاية الإمام يحيى بن حمزة عنه !.

وهلا عملت بكلامه الذي صرح به عليه السلام في كتابه الذي كتبه من المدينة جوابا على أهل صنعاء ، فإنه فيه ما لفظه : ولا أبغض أحدا من الصحابة رضي الله عنهم الصادقين ، والتابعين لهم بإحسان المؤمنات منهم والمؤمنين ، أتولى جميع من هاجر ، ومن آوى منهم ومن نصر ، فمن سب مؤمنا عندي إستحلالا ، فقد كفر ، ومن سبه إستمراءا ، فقد ضل عندي وفسق ، ولا أسب إلا من نقض العهد والعزيمة ، وفي كل وقت له هزيمة ، ومن الذين بالنفاق تفردوا ، وعلى الرسول مرة بعد مرة تمردوا ، وعلى أهل بيته إجترؤوا وطعنوا ، وإني لأستغفر الله لأمهات المؤمنين ، اللاتي خرجن من الدنيا على يقين ، وأجعل لعنة الله على من تناولهن بما لا يستحققن من سائر الناس أجمعين هـ .

فأثبت أيها الساب المدعي أنك من أتباع هذا الإمام ، إما كافر أو ضال فاسق ، وهذا الذي صـرح به عليه السلام هو مذهب أتباعه من الهادوية إلى الآن .

قال ابن المظفر في (البيان ) ما لفظه : مسألة : قال الإمام يحيى : ولا يصح الإئتمام بفاسق التأويل ، ولا بمن يفسق الصحابة الذين تقدموا عليا اهـ .

قال في ( البستان ) : قال عليه السلام – يعني الإمام يحيى ـ : من يفسق الصحابة ، فهو فاسق تأويل ، لأنه اعتقد ذلك لشبهة طرأت عليه وهو تقدمهم على أمير المؤمنين ، فلا تصح الصلاة خلف من سبهم ، لأنه جرأة على الله ، واعتداء عليهم ، مع القطع بتقدم إيمانهم ، واختصاصهم بالصحبة لرسـول الله ، والفضائل الجمة ، وكثرة الثناء عليهم من الله سبحانـه ، ومن رسول الله ، وأكثر الأئمة وعلماء الأمة ، ولا دليل قاطع على كفرهم ولا فسقهم ، فأما مطلق الخطأ ، فهو – وإن قطع به – لا يكون كفرا ولا فسقا ، إذ لابد فيهما من دليل قطعي شرعي ، وقال  : ( لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه ) وأي جرأة أعظم من اعتقاد هلاك من له الفضل والسبق إلى الإسلام والهجرة ، وإحراز الفضل والمراتب العلية ، والإنفاق في الجهاد ، وبذل النفوس والأموال لله ولرسوله ، وقد قال  : ( لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) فنعوذ بالله من الجهل والخذلان اهـ بلفظه .

وقال المنصور بالله في كتابه ( الكاشف للإشكال الفارق بين التشيع والاعتزال ) ما لفظه : إن القوم – يعني الصحابة – لهم حسنات عظيمة ، بمشايعة النبي ونصرته ، والقيام دونه ، والرمي من وراء حوزته ، ومعاداة الأهل والأقارب في نصرة الدين ، وسبقهم إلى الحق ، وحضور المشاهد التي تزيغ فيها الأبصار ، وتبلغ القلوب الحناجر ... الخ .

وعلى الجملة : إنه إذا لم يقنع المتبع لآل البيت ما سقناه من إجماعاتهم ومذاهبهم ونصوصهم ، فهو إما جاهل لا يفهم ما يخاطب به ولا يدري ما هو العلم ، وإما مكابر قد أعمى التعصب بصر بصيرته ، واستحوذ عليه شيطان ، فقاده بزمام الغي والطغيان ، إلى هذه المصيبة التي هي مهلكة الأديان ، بإجماع حملة السنة والقرآن ، وكلا الرجلين لا ينفعه التطويل والاستكثار ، من نقل نصوص الأئمة ، ومن صرائح الأدلـة ، فلنقتصر على هذا المقدار ، فإن لم ينتفع به ، لم ينتفع بأكثر به منه .

فالعاقل المراعي لحفظ دينه ، إذا لم يعمل بما ورد في الصحابة الراشدين من نصوص القرآن والسنة القاضية بأنهم أفضل من غيرهم من جميع الوجوه ، وأن بين طبقتهم وطبقة من بعدهم من الأئمة كما بين السماء والأرض ، فأقل الأحوال أن ينزلهم منزلة سائر المسلمين .

[ حرمة لعن المسلمين أحياءاً وأمواتاً ]

وقد ثبت عنه في الصحيح أن : ( قتال المسلم كفر ، وسبابه فسوق ) .

وثبت عنه في الصحيحين أن : ( لعن المؤمن كقتله ) .

وثبت أنه في صحيح مسلم أنه : ( لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ) .

وفي سنن أبي داود : أنه قال  : ( إن العبد إذا لعن شيئا ، صعدت اللعنة إلى السماء ، فتغلق أبوابها دونها ، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ، ثم تأخذ يمينا وشمالا ، فإذا لم تجد مساغا ، رجعت إلى الذي لعن ، فإن كان أهلا لذلك ، وإلا رجعت إلى قائلها ) .

وفي مسند أحمد وصحيح البخاري وسنن النسائي : أن النبي قال : ( لا تسبوا الأموات ، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ) .

وفي حديث آخـر رواه أحمد والنسائي : ( لا تسبوا أمواتنا ، فتأذوا أحياءنا ) .

وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي : أن رسول الله قال : ( أتدرون ما الغيبة ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذكرك أخاك بما يكره ) قال : أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ . قال : ( إن كان في أخيك ما تقول ، فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ، فقد بهته ) قال الترمذي حديث صحيح حسن .

وفي سنن أبي داود والترمذي : أن عائشة ذكرت صفية ، فقالت : إنها قصيرة . فقال عليه الصلاة والسلام : ( كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) .

وفي سنن أبي داود : أن النبي قال : ( لما عرج بي ، مررت على أقوام لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جـبريل ؟! قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) .

والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وهي متناولة للأموات تناولا أوليا ، وبعضها نص في الأموات .

تنبيه : ربما قال من يطلع على ما سقناه من الروايات القاضية بإجماع أهل البيت على عدم سب الصحابة : أنه قد وجد في مؤلف لفرد من أفرادهم ما يشعر بالسب .

فنقول له ـ إن كان ممن يعقل الخطاب ـ : هذا الفردي الذي يدعي أنه وجد في مؤلفه ما يشعر بالسب ، إن كان عصره متقدما على عصر الأئمة الذين روينا عنهم إجماع أهل البيت ، فمن البعيد أن يحكوا الإجماع عن جميعهم ، وثم فرد يخالفهم ، للقطع بأنهم أخبر من غيرهم بعلم بعضهم بعضا ، فدعواهم للإجماع من دون استثناء مشعر بعدم صحة ما وجد من ذلك الفرد ، فالمتوجب عليك وعلينا اعتقاد أن ذلك الموجود مدسوس في ذلك المؤلف من بعض أهل الرفض ، لأن إثبات كونه من كلام المؤلف له يخالف ما حكاه الأئمة من أهله ، المختبرين بمذهبه .

وإن كان ذلك الفرد عصره متأخر عن عصر الأئمة الذين حكوا الإجماع عن أهل البيت ، فكلامه مردود لأنه خالف إجماع آبائه ، وشذ عن طريقهم ، ومشى في غير منهجهم القويم ، وسلك في غير صراطهم المستقيم ، وما كان بهذه المثابة ، فلا ينبغي لأحد أن يعمل به ، ولا يحل لمؤمن أن يتمسك به في معارضة إجماع المتقدمين والمتأخرين من العترة المطهرة .

[ السب من المسائل التي لا يجوز فيها التقليد ]

ومع هذا فمسألة السب وما يترتب عليها من التكفير والتفسيق من المسائل التي لا يجوز التقليد فيها عند أهل البيت ، كما صرح بذلك مطولات كتبهم ومختصراتها ، فعلى فرض أنه قد صرح فرد من أفراد العلماء من أهل البيت أو من غيرهم بجواز السب ، لا يجوز لأحد أن يقلد في ذلك ، لأن التقليد في المسائل الفرعية العملية ، لا في المسائل العلمية ، ولا فيما يترتب عليها ، فمن رام إتباع الشيطان في سب أهل الإيمان ، فليقف حتى يجتهد في المسألة ، ثم يعمل بما رجح له ، ولا يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين من أهل البيت وغيرهم ، وهو موثق بربقة التقليد ، قاصر الباع حقير الإطلاع ، لا يعقل الأدلة ولا يعرف الحجج .

خاتمة

ربما يجاوز بعض جهال الشيعة من أهل عصرنا سب الصحابة ، ويحكموا على من لا يسب أنه ناصبي !! .

وهذه قضية أشد من قضية السب ، لأن ذلك الجاهل حكم على أهل رسول الله أجمع وعلى جميع العلماء من السلف والخلف بالنصب ، والناصبي كافر ، فيستلزم هذا الحكم تكفير جميع المسلمين ، وليس بعد هذا الخذلان ولا أشنع من هذه الخصلة التي تبكي لها عيون الإسلام ، ويضحك لها ثغر الكفران ! وما درى هذا المخذول أن من كفر مسلما واحدا ، صار كافرا ، بنصوص السنة المطهرة ، فكيف بمن كفر جميع المسلمين ؟! .

فيا لله من رجل بلغ به جهله الفظيع إلى الكفر المضاعف ، نسأل الله السلامة !! .

[ النواصب ، تعريفهم ، حكمهم ، أماكن وجودهم والأحاديث الواردة فيهم ]

وإنما قلنا : إن الناصبي كافر 4 ، لما يعرف في كتب اللغة وغيرها : أن النصب بغض أمير المؤمنين عليه السلام .

ففي ( القاموس ) ما لفظه : النواصب والناصبية وأهل النصب : المتدينون ببغضة علي ، رضي الله عنه لأنهم نصبوا له ، أي : عادوه اهـ .

فإذا ثبت أن الناصبي من يبغض عليا عليه السلام ، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الصريحة في كتب الحديث المعتمدة أن بغضه كرم الله وجهه في الجنة نفاقٌ وكفرٌ : فمن ذلك مـا رواه مسلم في صحيحه ، وابن أبي شيبة ، والحميدي ، وأحمد ، والترمذي والنسائي ، وابن ماجة ، وابن حبان ، وأبو نعيم في الحلية ، وابن أبي عاصم ، عن علي عليه السلام أنه قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليَّ : أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق .

وأخرج نحوه : الترمذي ، وعبدالله بن أحمد في ( زيادات المسند ) عن أم سلمة ، والديلمي عن ابن عباس ، والخطيب في ( تاريخه ) عن أنس .

وثبت أن : ( من أبغض عليا فقد أبغض الله ورسوله ) وبغض الله ورسوله كفر بلا ريب .

فمن ذلك ما رواه الطبراني وابن عساكر عن عمار بن ياسر .

والدارقطني والحاكم في مستدركه والخطيب عن علي كرم الله وجهه والطبراني عن أبي رافع .

وأخرج ابن عساكر عن عمرو وقال : رجال إسناده مشاهير غير أبي القاسم عيسى ابن الأزهر المعروف ببلبل ، فإنه غير مشهور .

وأخرجه أيضا ابن النجار عن ابن عباس .

وفي الباب أحاديث كثيرة من طرق عن جماعة من الصحابة .

وفي هذا القدر كفاية ، فإنه يثبت أن الناصبي كافر ، وأن من قال لرجل : يا ناصبي ! فكأنه قال : يا كافر ! . ومن كفر مسلما كفر ، كما تقدم .

وقد أحسن من قال :

عليٌ يظنون بي بغضه
فهلا سوى الكفر ظنوه بي

وقد أراح الله سبحانه وتعالى من النواصب ـ وهم الخوارج ومن سلك مسلكهم ـ فلم يبق منهم أحد ، إلا شرذمـة بعمان ، وطائفة حقيرة بأطراف الهند ، يقال لهم ( الإباضية ) .

فليحذر المتحفظ من إطلاق مثل هذه اللفظة على أحد من أهل الإسلام غير هؤلاء ، فإنه بمجرد ذكر الإطلاق ، يخرج عن الإسلام ، وهذا ما لا يفعله عاقل بنفسه .

وما يبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه

عجيبة

ومن العجائب أنا سمعنا من جهال عصرنا من يطلق اسم الناصبي على من قرأ في كتب الحديث ، بل على من قرأ في سائر علوم الاجتهاد ! ويطلقونه أيضا على أئمة الحديث ! وأهل المذاهب الأربعة ! .

وهذه مصيبة مهلكة لدين من تساهل في ذلك ، ولا يكـون إلا أحد رجلين : إما جاهل لا يدري ما هو النصب ؟ ولا ما هو الناصبي ؟ أو غير مبال بهلاك دينه ، ومن كان بهذه المنزلة ، لا ينتفع بمثل هذا النصح الذي أودعناه هذه الرسالة ، وليس علينا إلا القيام بعهدة البيان الذي أوجبه الله ورسوله ، ليهلك من هلك عن بينة .

اللهم وفقنا إلى مرضاتك ، وأرشد الخاص من عبادك والعام ، واسلك بنا سبل السلام إلى دار السلام .

انتهى من خط مؤلفه إمام المحققين القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني رحمه الله ورضي عنه آمين .

تم على يد صالح التلبوي العباسي الفقيري الشافعي سنة 1322هـ . تمت مقابلتها نفع الله بها المسلمين آمين .


هامش

  1. [سورة الحشر : 10]
  2. [متفق عليه]
  3. [سورة طه : 121]
  4. [هذا فيه نظر فمطلق الغمز أو الطعن بـ( علي رضي الله عنه ) لا يعد من نواقض الإيمان وإلا لقلنا بكفر بعض الصحابة ، فبعضهم خالف عليا وجـرى بينهم كلام !! . أما من كفره أو قال بلعنه فلا شك بكفره ، وإن كان هذا معتقد كل النواصب فهم على هذا كفار ]