​إلى النسيان​ المؤلف هوارد فيليبس لافكرافت
ملاحظات: (ترجمات ويكي مصدر) إلى النسيان هي قصيدة نثرية بقلم كاتب الرعب الأمريكي هوارد فيليبس لافكرافت، وكتبها في أواخر 1920 أو أوائل 1921 ونشرت لأول مرة في مجلة The United Amateur في مارس عام 1921، تحت اسم مستعار هو وارد فيليبس.


عندما أحسست بدنوّ أيامي الأخيرة، وأن توافه الوجود القبيحة بدأت تقودني إلى الجنون مثل قطرات الماء الصغيرة التي ينزلها المعذِّبون دون انقطاع على بقعة واحدة من أجساد ضحاياهم، وجدت نفسي أحب ملجأ النوم. وجدت في أحلامي قليلا من الجمال الذي بحثت عنه عبثا في الحياة، وتجوّلت عبر الحدائق القديمة والغابات المسحورة.

ذات مرة، كانت الريح هادئة وعطرة، وسمعت الجنوب يناديني، وأبحرت بلا نهاية وأنا أحس بالإعياء يعتريني تحت النجوم الغريبة.

ذات مرة عندما هطل المطر اللطيف دخلت في مركب على جدول لا تراه الشمس تحت الأرض حتى وصلت إلى عالم آخر من الغسق الأرجواني، والأشجار قزحية اللون، والورد الأبدي.

مشيت عبر وادي ذهبي يؤدّي إلى بساتين وأطلال غامضة، ووصلت إلى حائط هائل تحيط به الكرمات العتيقة، وتثقبه بوابة صغيرة من البرونز.

مشيت من خلال هذا الوادي عدة مرات، وكثيرا ما كنت أطيل الوقوف وسط الضوء الخفيف حيث تتلوى الأشجار العملاقة وتلتفّ بشكل غريب، وامتدّت الأرض الرمادية الرطبة من جذع إلى جذع، وكشفت عن بعض الأحجار التي يغطيها الفطر والتي تخص معابد مدفونة. وكان محط نظري هو الحائط الهائل الذي تعلوه الكروم والذي يقع بوسطه ذاك الباب البرونزي الصغير.

بعد فترة، لم أعد أحتمل أيام الوعي بسبب كآبتها وتشابهها، وفي أغلب الأحيان كنت أنجرف في سلام الدواء المنوم في الوادي والبساتين الغامضة، وأتساءل كيف أجعلها مسكني الأبدي، حتى لا أعود إلى عالم ممل تخلو منه المباهج والألوان الجديدة. نظرت إلى الباب الصغير في الحائط الهائل، شعرت بأنّ خلفه تقع أرض من الأحلام متى يدخلها المرء، فلا رجوع منها.

في كل ليلة جاهدت في نومي لأجد مزلاج الباب المخفي في الحائط الأثري، رغم أنه كان مخفيا بشكل جيد. وكنت أخبر نفسي بأن العالم خلف الحائط كان أكثر ديمومة، بل وكان أكثر روعة وتألقا.

وفي إحدى الليالي كنت في زاكاريون مدينة الحلم ووجدت ورقة بردي مصفرّة امتلأت بأفكار حكماء الأحلام الذين سكنوا قديما في تلك المدينة، وبلغوا من الحكمة أنهم لم يولدوا في عالم اليقظين. في ذلك المكان كتبت عديد الأشياء التي تتعلّق بعالم الأحلام، وبينها حديث عن وادي ذهبي وبستان مقدس به معابد، وحائط عالي به باب برونزي صغير. عندما رأيت هذه الكتابة، عرفت أنها نفس المشاهد التي تراودني، فقرأت مطولا بالبردية.

كتب بعض حكماء الأحلام عن العجائب خلف الباب المنيع، لكن آخرين تحدثوا عن الرعب والإحباط. لم أعرف من أصدق، لكن رغبتي زادت بعبور الباب نحو الأرض المجهولة إلى الأبد؛ ذلك الشكّ والسرية هما أشد أنواع السحر، ولا يوجد رعب يتجاوز في غرابته وفظاعته العذاب اليومي الذي يلقيه المكان العادي. لذا عندما علمت بالمخدّر الذي يفتح الباب ويوصلني إلى هناك، صمّمت على أخذه عندما أصحو.

ليلة أمس ابتلعت المخدّر وطفوت بحلمي إلى الوادي الذهبي والبساتين الغامضة؛ وعندما وصلت هذه المرة إلى الحائط الأثري، رأيت بأن الباب البرونزي الصغير كان مفتوحا. من ورائه أتى وهج غريب من الأشجار الملتفة العملاقة وقمم المعابد المدفونة، وسبحت بتناغم مع الفضاء، وأنا أتوقع أمجاد الأرض التي لن أعود منها أبدا.

لكن في الوقت الذي فتح فيه الباب عن آخره ودفعني سحر المخدّر والحلم إلى الداخل، عرفت بأنّ كلّ المشاهد والأمجاد كانت لها نهاية؛ ذلك العالم الجديد لم يكن أرضا أو بحرا، لكنه فقط فراغ أبيض لفضاء خالي من الناس ولا حدود له. لذا، كانت سعادتي أكبر مما كنت آمل، ودخلت إلى تلك اللا نهاية إلى النسيان حيث دعاني شيطان الحياة لأقضي ساعة قصيرة ومقفرة.