إن كان غيبك التراب الأحمر
إن كان غيبك الترابُ الأحمرُ
إن كان غيبك الترابُ الأحمرُ
وحَلَلْتَ مَرْتاً لا يزورُك زُوَّرُ
فلقد جزعتُ على فراقك بعدما
ظنُّوا بأنّي عنكَ جَهْلاً أصبِرُ
فالنّارُ في جَنْبَيَّ يوقدُها الأسَى
و الماءُ من عينيَّ حزناً يقطرُ
كم في الترابِ لنا محياً مشرقٌ
بيدِ المَواحي أو جبينُ أزهرُ
ومرفَّعٌ فوقَ الرِّجالِ جلالةً
و متوجٌ ومطوقٌ ومسورُ
أعيتْ على طلبِ الرَّدى نُجُبُ السُّرى
وخُطا المَهارَى والجيادُ الضُّمَّرُ
و مضى الأنامُ تكنهمْ آجالهمْ
فمغصَّصٌ ومنغَّصٌ ومُحَسَّرُ
و مخالسٌ ما كان يحذر هلكه
و متاركٌ ومقدمٌ ومؤخرُ
و كأنهمْ بيد الحمامِ يلفهمْ
عصفٌ تصفقهُ خريقٌ صرصرُ
و مواطنٌ لترنمٍ وتنعمٍ
و مواطنٌ فيها الزوافر تزفرُ
لو كان في خلدٍ لحيًّ مطمعٌ
فيها وروادِ المنيةِ مزجرُ
لنجا المنونَ مغامرٌ في حومةٍ
وخطا المنيَّةَ في العرين القَسْوَرُ
و لسدّ طرقَ الموتِ عن أبوابه
كسرى وحادَ عن المنيَّةِ قيصَرُ
ولكانَ مَن وُلدتْ نِزَارٌ في حمًى
منهُ ودفّاعُ العظيمةِ حِمْيَرُ
ولمَا مضَى طَوعَ الرَّدى مُتكبِّرٌ
سكن القلاعَ ولا مضى متجبرُ
و لما خلا عن أهله ووفودهِ
و ضيوفهِ فينا مكانٌ مقفرُ
فانظرْ بعينكَ هل تَرى فيما مضى
عنا وصار إلى الترابِ مخبرُ؟
و لقد فقدتُ معاشراً ومعاشراً
ويسرُّني أنْ لم يكنْ ليَ معشَرُ
و اشتطّ روادُ الحمامِ عليَّ في
أهلي وقومي فانتقَوْا وتَخيَّروا
فمجدلٌ وسطَ الأسنةِ بالقنا
و يمينه فيها حسامٌ يشهرُ
و معصفرٌ أثوابهَ طعنُ القنا
ما كان يوماً للباسِ يعصفرُ
و مقطرٌ لولا القضاءُ تقطرتْ
فينا النجومُ ولم يكن يتقطرُ
و معفرٌ دخل السنانُ فؤاده
ما كانَ يألفُه الترابُ الأحمرُ
و الذاهبون من الذين ترحلوا
ممَّنْ أقامَ ولم يَفُتْني أكثرُ
خذْ بالبنانِ من الحياة فإنما
هو عارضٌ متكشفٌ متحسرُ
و دعِ الكثيرَ فإنما لهمومهِ
جمعَ النُّضارَ إلى النُّضارِ مُبَدِّرُ
وكأَنَّما ظلُّ الحياةِ على الفتى
ظِلٌّ أتاهُ في الهجيرِ مُهجِّرُ
ما للفتى في الدهر يومٌ أبيضٌ
ووراءَهُ بالرُّغم موتٌ أحمرُ
ولِمنْ تراهُ ساكناً في قصرهِ
متنعِّماً هذي الحفائرُ تُحفرُ
وعلى أبي الفتحِ الّذي قنصَ الرَّدى
ماءُ الأسى من مقلتي يتحدرُ
قد كانَ لي منه أنيسٌ مُبهِجٌ
فالآنَ لي منه وَعوظٌ مُذْكِرُ
إنْ لم يكن مِن عُنصري وأُرومتي
فلحُرمةِ الآدابِ فينا عنصرُ
أو لم تكنْ للعُربِ فيك ولادَةٌ
فالمعربون كلامهمْ بك بصروا
" ما ضرّ " شيئاً من نمته أعاجمٌ
و لديه آدابُ الأعاربُ تسطرُ
و لكمْ لنا عربُ الأصولِ تراهمُ
عمياً عن الإعرابِ لم يستبصروا
و لقد حذرتُ من التفرق بيننا
شحاً عليك فجاءني ما أحذرُ
وذخرتُ منكَ على الزّمانِ نفيسةً
لو كان يُبقى للفتَى مايَذخَرُ
ونَفضتُ بعدكَ راحتي من معشرٍ
لو سابقوك إلى الفضيلةِ قصروا
فمتى حَزِنتُ عُذِرتُ فيك على الأسى
وإذا سَلوتُ فإنَّني لا أُعذَرُ
و الغدرُ سلوانُ الفتى " لحميمهِ "
بعدَ الحِمامِ وليس مِثليَ يغدُرُ
ولقد رأيتُكَ مُطفئاً من لوعتي
و الحزن يملي منه ما أنا أسطرُ
فافخرْ بها مَيْتاً فكم لمعاشرٍ
من بعد أن قبروا بقبر مفخرُ
كَلِماً يُعِرْنَ الشِّيبَ أرديةَ الصِّبا
فكأنهمْ طرباً بها لم يكبروا
وتراهُ طَلاَّعاً لكلِّ ثَنيَّةٍ
يسري بأفواه الورى ويسيرُ
يصفو بلا كدرٍ يشنين صفاءه
والشِّعرُ يصفو تارةً ويُكدَّرُ
و كأنه في ليلِ أقوالٍ مضتْ
قمرٌ بدا وسْطَ الدُّجُنَّةِ أنورُ
فإليه منا كلُّ طرفٍ ناظرٌ
وعليه مِنّا كلُّ جِيدٍ أصْوَرُ
وسقاكَ ربُّك ماءَ كلِّ سحابةٍ
تهمى إذا ونتِ الغيوم وتمطرُ
و إذا طوتْ عنك العداةُ كنهوراً
وافى ترابك بالعشيّ كنهورُ
وكأنَّه والبَرقُ ملتمعٌ بهِ
بردٌ على أيدي الرياحِ محبرُ
ومتى ذهبتَ بزلَّةٍ فإلى الّذي
يمحو جرائر من يشاء ويغفرُ